محمد لطفي اليوسفي ينسف مشروع الشعر الجديد عند أدونيس ومحمود درويش

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-11-2024, 09:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عماد البليك(emadblake)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-06-2005, 07:14 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد لطفي اليوسفي ينسف مشروع الشعر الجديد عند أدونيس ومحمود درويش

    اليوسفي»: نصوص توهم بالانعتاق من التصور البياني القديم

    د‚محمد لطفي اليوسفي

    نظم المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث «إدارة الثقافة والفنون» قسم الأنشطة الثقافية مؤخرا‚ ورشة حول الكتابة الشعرية الحديثة‚ استضافت الدكتور محمد لطفي اليوسفي‚ في محاضرتين شكك فيهما في منطلقات وانجازات رموز التجربة الشعرية الحداثية النظرية والعملية‚ ووصفها بالتناقض والعجز عن الوفاء بحاجات الشعر وشروطه‚ وطالب النقد والنقاد بإعادة اكتشاف هذا التناقض‚ وإعادة الاعتبار للشعرية العربية في منطلقاتها الأصيلة‚

    ولأهمية الأطروحات التي قدمها والقضية التي طرحها‚ تقدم للقارئ في الجزءين الأول والثاني من هذه الأفكار التي حملت عنوان «الحداثة الشعرية وثارات الرؤية البيانية»‚

    إن الناظر في العديد من النصوص الشعرية التي كثيرا ما اعتبرها النقاد نصوصا مؤسسة تفتتح قدام الكتابة في الثقافة العربية آفاقا وأقاليم لا عهد لها بمثلها‚ يدرك أنها كثيرا ما تشكلت محكومة بنوع من الصراع الخطير بين رغبات المؤلف وحرصه على الإبانة‚ وشروط الفن ومتطلباته وحاجاته‚ إنها نصوص توهم‚ في الظاهر‚ بأنها انعتقت من التصور البياني العربي القديم الذي يحصر متعلق الكتابة في الإبانة والإفهام والنفع بالمعنى الاجتماعي‚ فيما هي تكرسه وتصدر عنه بطريقة موغلة في التكتم أحيانا‚ لذلك يمكن لمن يتملى الراهن الإبداعي العربي أن يلاحظ أن السطوة التي يمارسها المؤلف أحيانا‚ هي التي تدخل الضيم على النص وتحد من أدبيته لاسيما أن السطوة لا تأتي اتفاقا ولا تكون صدفة‚ بل ترد بمثابة الصدى المباشر لانشغال المؤلف بقارئه المفترض وحرصه على إفادته وتوجيهه وتعليمه واستنهاضه للفعل‚ لذلك لا تتراءى صريحة بل تتلبس بكيفيات تعالق الملفوظات وتوالد الصور والرموز‚ إنها‚ بمعنى آخر‚ تشغل من الكلام مناطقه الصامتة التي حالما تقع الإحاطة بها يتبين أن السطوة ليست صادرة عن قوة تمارس إرادتها‚ بل هي‚ كما كل سطوة‚ إنما تصدر عن الخوف والذعر‚ الخوف من ضياع المعنى أو تلاشيه‚ والذعر من احتمال التباسه في ذهن المتلقي‚

    حتى لكأن المؤلف يرسم في ذهنه صورة دونية للقارئ‚ صورة تجسد العجز والقصور والخمول‚ لذلك يأخذ بيده‚ يعلمه المشي‚ ومن أجله يكرر الكلام باطلا‚ فيتوسع فيه توسعا لا طائل من ورائه‚ أو يحد من اندفاعاته ويرغمه على التشكل وفق نسق‚ بموجبه‚ يتماشى مع مستوى هذا القارئ المفترض‚ هذا القارئ القاصر العاجز‚ لذلك كثيرا ما تعلن السطوة عن نفسها في شكل انتقال من الإيماء واللمح إلى التقرير والإخبار حينا‚ وتتجلى‚ حينا آخر‚ في شكل معاودة أو تكرار يهدف إلى الإيضاح والتأكيد‚ ثم تتخذ شكل حرص على إبهار القارئ بواسطة الاستعارات القسرية الموغلة في لي الكلام وتمزيق نسيجه وقهر إرادته‚

    هذا الحرص على الإفهام‚ هذا الحرص الذي يجسد السطوة‚ هذا الحرص الذي لا حاجة للشعر به يخترق ديوان الشعر العربي المعاصر منذ التحديث الرومانسي‚ ويندس في كتابات الشابي ودرويش ويعلق بالكتابة ويداخلها عضويا في ديوان خليل حاوي وأدونيس وأغلب الشعراء الذين يسمون بالرواد‚ فالشابي مثلا يعمد في نص «صلوات في هيكل الحب» إلى ابتناء صورة فردوسية للمرأة‚ فيتشكل الكلام حريصا على فتح المفهوم على أبعاده الرمزية‚ لذلك تتوالد الصور التي تشير من قبيل الإيماء إلى أن المرأة صنو الحياة‚ وهي مثل الآلهة واهبة الحياة‚ كما في قصيدة «صلوات في هيكل الحب»:

    أنت ما أنت؟ أنت فجر

    من السحر تجلى لقلبي المعمود

    أنت روح الربيع تختال

    في الدنيا فتهتز رائعات الورود

    وتهب الحياة سكرى من العطر

    ويدوي الكون بالتغريد

    فيك شب الشباب وشحه السحر

    وشدو الهوى وعطر الورود

    وتراءى الجمال يرقص رقصا

    قدسيا على أغاني الوجود

    أنت فوق الخيال والشعر

    والفن وفوق النهى والحدود

    تردد الابيات السابقة ملتزمة بشروط الشعر معتمدة على اللمح تتوسل ايصال المعنى بواسطة الايماء والاشارة‚ لكن النص سرعان ما يخترق من الداخل برغبة صاحبه في الافهام فيعدل عن اللمح الى التقرير:

    أنت‚‚ انت الحياة في قدسها السامي

    أنت ‚‚ أنت الحياة في رقة الفجر‚

    أنت‚‚ أنت الحياة في كل أوان في رواء من الشباب جديد

    أنت ‚‚ أنت الحياة فيك وفي عينيك آيات سحرها الممدود

    هكذا يجسد التقرير والاخبار والتفسير السطوة التي يمارسها منتج الخطاب على النص وعلى الجنس الأدبي‚ فلا حاجة للشعر بالتقرير لأن التصحيح على هذا النحو يخدم مقاصد المؤلف ويفي بحرصه على التبيين والايضاح‚ لكنه يعري الكلام من الشعرية ويلغي الكثافة الدلالية التي ما فتئت الصور تجاهد لتبتنيها‚

    ثمة في كل نص خاضع لسطوة مؤلفه‚ زهرة شذية منحنية على الماء ولهى بصورتها‚ زهرة نرجس‚ زهرة الموت‚ ذلك ان تدخل المؤلف في الكلام لتبيان مقاصده وتوضيح مراميه هو الذي يفتح النص نفسه على نهايته الفاجعة‚ لأن الكاتب في هذه الحال‚ انما ينجز النص ومعه يصنع صورته الآسرة التي توقعه في شراكها وترسم حدوده وضفافه ومعانيه‚ والحال أن النص انما يستمد ابداعيته وتاريخيته من كونه لا يشبه ذاته ابدا‚ حالما يتشكل يشرع في التحول والتبدل‚ وهذا هو ما يمنح مقولة تعدد القراءات جميع مبررات وجودها‚

    ان القراءات المختلفة هي التي تمنح النص اعماره وحيواته وتاريخيته وهي التي تظل تكشف عنه لا من جهة كونه حدثا انجز وتم وعبر‚ بل باعتباره صيرورة ما تفتأ تتم‚ ذلك ان النص الابداعي لا يتكلم ابدا‚ بل يظل دائما في حالة صمت‚ وتظل رموزه ودلالاته وقيمه الجمالية مجرد ممكنات ومحتملات متكتمة على نفسها في اقاصيه واصقاعه والقراءة هي التي تستدرجه الى الكلام‚ حتى لكأنها تغذي ناره وتنعشه ولذلك تكون القراءة تجسيدا لعمل الاختلاف من جهة كونه طاقة خلاقة‚

    والناظر في الكتابات التي احتفى بها النقد المعاصر وانطلاقا منها بنى العديد من اطروحاته وعدها جاءت تخلص الشعر من رومانسيته وبيانيته‚ كتابات خليل حاوي وادونيس ودرويش مثلا يلاحظ انها تتشكل في بعض الاحيان مسيجة ملزمة بمقاصد واضعها‚ يتجلى الالزام عند خليل حاوي في شكل تفسير وتعليل عقلي حينا‚ ويعلن عن نفسه احيانا أخرى في شكل لجم للكلام وحد من اندفاعاته لإرغامه على لزوم المشترك الذي يسهل على المتلقي تمثله‚

    يتبع ديوان نهر الرماد مثلا خطة عقلية صارمة‚ ذلك ان الشاعر يوزع ديوانه وفق نسق بموجبه تصبح الكتابة نوعا من المحاكاة لكيفيات تجلي الوعي المقاوم والمرور من الاستكانة الى الفعل والتمرد‚ لذلك يفتتح الديوان بنصوص مدارها تجسيد فكرة الاستسلام والاستكانة والخضوع منها مثلا: «البحار والدرويش» و«ليالي بيروت» و«نعش السكارى» و«نعيم بارد» و«في جوف الحوت» و«سدوم»‚ ثم تأتي مجموعة من القصائد لترسم بداية المرور الى الفعل منها مثلا: «عودة الى سدوم» و«بعد الجليد» و«حب وجلجلة»‚ اما قصيدة «الجسر» فإنها تضطلع بدور محاكاة منطقة العبور من عالم الاستكانة والمذلة - وهو ما يشير اليه الشاعر صراحة بعبارة «مستنقع الشرق» الى عالم طافح بالحياة يسميه صراحة عالم «الشرق الجديد»‚

    يعبرون الجسر في الصبح خفافا

    أضلعي امتدت لهم جسرا وطيد

    من كهوف الشرق من مستنقع الشرق

    الى الشرق الجديد‚

    لكن هذا التوجه العقلي الذي يضمن للديوان صرامة على مستوى البنية الخارجية يندس في النصوص وينقلب عليها واضعا الكتابة في حضرة مكائد ومزالق تحد من ابداعيتها‚ ثمة تعارض ينشأ بين مقررات العقل وشروط الفن‚ ثمة فجوة تظل تتسع وتمتد ما بين رغبات المؤلف وسطوته وحاجات الشعر وشروطه نقرأ مثلا:

    انكر الطفل أباه امه

    ليس فيه منهما شبه بعيد

    ان البيت الاول على تواضعه جماليا ودلاليا يبتني معنى غامضا يفاجىء القارىء ويستدرجه لتأول الكلام‚ اما البيت الثاني فإنه يرد بمثابة تعليل عقلي يعطل ما به الشعر ينهض ويكون فهو يجلي الغموض ويلغي اللمح والتخييل‚ والحال ان الغموض من خاصيات الشعر التي تضمن استدراج المتلقي وشده الى الكلام عن طريق اثارته فـ «من المركوز في الطبع ان الشيء إذا نيل بعد الطلب له او الاشتياق اليه ومعاناة الحنين نحوه كان نيله أحلى وبالمزية أولى» كما يقول الجرجاني‚ لذلك ذهب القاضي الجرجاني إلى حد التسليم بأن الغموض شرط من شروط الشعر وقانون من القوانين التي عليها جريان شعرية الكلام‚ فجزم قائلا: «وليس في الأرض بيت من أبيات المعاني لقديم أو محدث إلا ومعناه غامض مستتر»‚ وهذا يعني صراحة أن تدخل الشاعر في نصه لتبيان مقاصده صنيع لا حاجة للشعر به أصلا‚

    لكن الرغبة في التبيين والإفهام لدى خليل حاوي تصبح بمثابة قانون يتحكم بكيفيات إجراء الكلمات وتوليد الصور‚ وكثيرا ما تتحول إلى سطوة بموجبها يرغم الشاعر الكتابة على الالتزام بالمشترك‚ ههنا تتنزل ظاهرة الكتابة بالصفة‚ يكتب مثلا في قصيدة الجسر:

    بيتنا الحر الجديد

    أضلعي امتدت لهم جسرا وطيد

    من مستنقع الشرق إلى الشرق الجديد

    يتولى خلقه طفلا جديد

    في ليالي الثلج والأفق رماد

    سوف يمضون وتبقى

    فارغ الكفين مصلوبا وحيد

    إن الكتابة لا تبتني المعنى في الكلام‚ بل تعول على رصف الصفات والنعوت لأن الصفة كلمة تختزل المعنى وتعتصره وتجعله بينا لا لبس فيه‚ فيوهم الكلام بأنه يتقدم وفق حاجات الشعر وشروطه‚ والحال أن الشعر لا يختزل المعاني‚ بل يكثفها‚ وفي رحابه تخرج الكلمة من سجن المعنى الواحد وتحاط بهالة من الدلالات المتناوبة أو المتشابكة‚ والشاعر يعي مخاطر هذا الاختيار‚ لذلك يعمد إلى الاحتماء بالتشبيهات والاستعارات علها تقي النص مما تردى فيه من عادية‚ لكن الانشغال بالمتلقي هو الذي يجعله يورد استعارات ملتزمة‚ هي الأخرى‚ بالمشترك والمتعارف من ذلك مثلا:

    - تشبيه الطفل الأبي بفرخ النسر:

    أين من يفني ويحيي ويعيد

    يتولى خلق فرخ النسر

    من نسل العبيد

    - تشبيه العالم الميت بالمستنقع في قصيدة «عودة إلى سدوم»:

    من كهوف الشرق‚ من مستنقع الشرق

    إلى الشرق الجديد

    أضلعي امتدت لهم جسرا وطيد

    - تشبيه الرجال المستكنين بالأقزام الضئال أو بأشباه الرجال:

    كل جيل كنت أبنيه من السمر الطوال

    لا مكانا له لا بيتا وخبزا

    صفوة المطلوب خصيان ضئال

    مهنة التمسيح في الفندق

    لا يبرع فيها غير أشباه الرجال

    هكذا تتوالى الاستعارات والتشبيهات‚ لكنها لا تنتشل الكلام من العادة‚ بل تشده إليها شدا‚ لهذا كله تصبح النصوص مسرحا لنوع من التنابذ الخفي بين الكلمات ومستخدمها‚ بين رغبات الشاعر وشروط الشعر‚ بل إن العديد من النصوص يتحول إلى مواضع ترتسم فيها صورة الشاعر وهو يغالب الكلمات ويجبر الكلام على التقدم وفق متطلبات الإفهام والإيضاح لا وفق حاجات الشعر وشروطه‚

    «درويش» يعتمد على سطوة التكرار ‚‚وبعض نصوص أدونيس فاقدة للطاقة التخييلية

    نظم المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث- ادارة الثقافة والفنون قسم الأنشطة الثقافية- مؤخرا ورشة حول الكتابة الشعرية الحديثة استضاف فيها الدكتور محمد لطفي اليوسفي في محاضرتين شكك فيهما في منطلقات وانجازات رموز التجربة الشعرية الحداثية النظرية والعملية ووصفهم بالتناقض والعجز عن الوفاء بحاجات الشعر وشروطه وطالب النقد والنقاد باعادة اكتشاف هذا التناقض واعادة الاعتبار للشعرية العربية في منطلقاتها الأصيلة‚ولأهمية الأطروحات التي قدمها والقضية التي طرحها نقدم للقارئ في الجزءين الأول والثاني من هذه الأفكار التي حملت عنوان «الحداثة الشعرية وثارات الرؤية البيانية‚

    «المحرر»

    يتخذ الحرص على الإفهام عند درويش طابع التفسير والايضاح يكتب مثلا «وأنا أكتب شعرا أي أموت الآن» أو يكتب «من أجل فتى يأتي نبيا أي فدائيا» ويتجلى أحيانا أخرى في شكل تكرار ومعاودة وانتقال من الإضمار إلى التصريح والمجاهرة يكتب مثلا في نشيد الأخضر

    في رذاذ المطر الناعم

    كانت شفتاها

    وردة تنمو على جلدي

    وكانت مقلتاها

    أفقا يمتد من أمسي

    إلى مستقبلي

    كانت الحلوة تعويضا عن القبر

    يتبنى النص مشهدا مائيا ويلح على ان الحب يجري تحت رذاذ المطر لا يأتي توظيف النص للمشهد المائي من قبيل الوصف ان الشاعر يحاول ان يفتح مفهوم الحب على بعد رمزي ليدل به على الوجود ويحاول ان يفتح مفهوم المطر على معنى الخصب والنماء ومفهوم المرأة على معنى الحياة لذلك يخلق نوعا من التوازي بين الحب والمطر لكنه لا يورد ما به ينفتح المشهد المائي ومشهد الحب على هذا البعد الرمزي وحين يعجز يتوسع في الكلام معولا على الدلالات الرمزية المتعارفة‚

    هنا تتنزل عملية تشبيه القبلة بالوردة ‚فالوردة تحمل في حد ذاتها دلالة رمزية متعارفة إنها تدل على هشاشة الحياة وبهائها لكن هذه الوسيلة المتواضعة أي تشبيه القبلة بالوردة لا تمكن الكلام من ابتناء طابعه الرمزي هنا أيضا تتنزل عملية تبديل المكان بالزمان «كانت مقلتاها أفقا يمتد من أمسي إلى مستقبلي» ان الكلام يدور على نفسه ويضعنا في حضرة الشاعر وهو يصر على ايصال مراده ومقصده: ان المرأة هي الماضي والمستقبل أي أنها الحياة وهي التعويض عن القبر لا يتمكن الشاعر من ايراد ما به يفتح مفهوم الحب ومفهوم المطر ومفهوم المرأة على الأبعاد الرمزية التي ينشدها فيكرر الكلام باطلا وينتقل من الإضمار إلى المجاهرة ويتوسع في الكلام توسعا يضع المتلقي في حضرة المؤلف وهو يجاهد الكلمات ويغالبها كي تمتثل لمقاصده وتنقل مراميه‚

    تعلن السطوة في ديوان أدونيس عن نفسها في شكل تفسير وتبيين حينا‚ يكتب مثلا في نص «أوراق في الريح»‚

    في بلادي تمشي قدامي حفرة

    صنعت من دم وعسف ومكر

    إن البيت الأول على تواضعه ومحدوديته من جهة الطاقة التخييلية والجمالية يظل قابلا للتأويل رغما عن كونه يستند إلى المعنى الرمزي الجاهز لكلمة «حفرة» فهي تدل في الذهن البشري مطلقا على معنى الهبوط والتهاوي‚ على الموت والسقوط‚ وهذا ما يجعل من الكلام مجرد استبدال عقلي لا ماء فيه ولا طراءة ولا شباب لكن الشاعر يمعن في ممارسة سطوته فيتدخل في النص ليسد على القارئ امكانية كل فهم مغاير لا يتماشى مع مقاصده وهنا يأتي التفسير «صنعت من دم ومكر وعسف»‚

    إن المؤلف يتدخل في النص ويأخذ بيد القارئ ليحدد مجال التأويل ولهذه الوصاية أكثر من دلالة إنها تحمل في ما خفي منها تسليما مضمرا بأن المؤلف سيد على الكلمات يتصرف فيها بحسب هواه ظنا منه أنها لا تزيغ ولا تزوغ بل تمتثل لسلطته صاغرة وتنقاد لسلطانه طيعة وبذلك توضع «أنا» المؤلف في مواجهة اللغة والكلمات وتشرع في ممارسة سطوتها والحال ان الكتابة الابداعية لحظة منفلتة من سلطة الأنا نفسها حالما تشرع في التشكل تنقلب الأدوار‚ اللغة هي التي تنفتح على محتملاتها والكلمات هي التي تفيض بممكناتها فيما هي تظل توهم بأن «الأنا» الكاتبة هي التي تتحكم بالقول وتديره ذلك أن اللغة هي التي تمنح «الأنا» الكاتبة فرصة استحضار غير الإنساني والمتوحش والغريب المحتمي بأصقاعها‚ والكلمات‚ على هشاشتها‚ هي التي تفتح الكائن على هشاشته الخاصة وبذلك تفتح الوجود نفسه على فكرة الحرية‚ حرية الكائن في مواجهة قدر لم يختره‚ وقتها فقط تنهض الكتابة باعتبارها منازلة للعدم وللامعنى‚

    إن الشعر إنما يستمد مضاءه من جهة كونه إصغاء للغة وتحريرا لإمكاناتها وليس إكراها لها‚ فيه تسترد حريتها فتكف عن كونها مجرد أوعية يقطنها معنى محدد وتتوغل في مهب الدلالات غير ان الوصاية المتخفية في تلاوين الكلام هذه الوصاية المواردة التي تجسد الخوف من المغايرة والاختلاف هي التي تجعل المؤلف يتدخل في النص ليوضح المعنى المراد فيصبح النص نصا مغلقا على ذاته والحال ان النص الشعري إنما يستمد انتماءه إلى الفن من جهة كونه خطابا مفتوحا لا يكتمل إلا بالقارئ كما يعبر امبرتو إيكو‚

    تتخذ السطوة أحيانا أخرى طابعا أكثر زيغا إذ ترد في شكل حرص على إبهار القارئ وإيهامه بأن الشعر يتشكل لدى منتجه مأخوذا بالنهايات والأقاصي ويفتتح قدام الكتابة ما لا عهد لها بمثله لذلك كثيرا ما تحفل نصوص أدونيس باستعارات قسرية توهم بالجدة والابتداء فيما هي تمعن في قهر الكلمات واغتصاب المعاني‚ نقرأ مثلا في نص أوراق في الريح

    يتكئ السجن على قملتين

    إحداهما حبلى وتلك التي

    ماتت تصب الأكل في قصعتين

    رأسه تحت وجهه والعصا فوق رأسه

    تتلهى بيأسه

    والليالي تخثرت علقا ملء نفسه

    هكذا يخرج الكلام إلى المحال ويصبح أدخل في باب الأحجية ذلك ان منتج الخطاب يتعمد التعتيم والتعمية وهو يحافظ على بعض المكونات التي تمد الكلام بقدر من التناغم الصوتي فيوظف الوزن والتسجيع والتقفية ويورد كلمات متماثلة من جهة الاشتقاق الصرفي متباينة من جهة المعنى حتى يوهم بأن الكلام يتنزل في دائرة الشعر فيما الكلام قد خرج من تلك الدائرة وتاه في ما ليس منه إنه أقرب إلى الأحاجي وبها أشبه‚

    الأحجية طريقة في اجراء الكلام وفق نسق بموجبه يلتبس المعنى وهي تتضمن نوعا من العقد الضمني بين منتج الخطاب ومتلقيه فيعمد الباث إلى إخفاء مقاصده والتستر عليها تسترا يجعل الوصول إليها غاية لا تدرك إلا بالالتجاء إلى الحيلة وكلما تمكن الباث من تعمية المعنى كان أكثر فضلا وأشد التزاما بالعقد الذي يربطه بمتلقيه المفترض‚ أما المتلقي فإنه يلتزم بعدم النظر في ما ينبني عليه الخطاب من قهر للكلام ومن استعارات قسرية ومن استحالة ويكتفي بالبحث عن المعنى المعمى في تلاوين الكلام ومن هنا توهم الأحجية بأنها تلتقي مع الشعر فهي تعتمد عادة على التسجيع والتقفية والتورية إلى حد التعمية لكنها لا تتشكل في قالب خطاب جمالي ولا تطرح نفسها باعتبارها خطابا جماليا لذلك يبيح منتج الأحاجي لنفسه ما يتورع منه الشاعر‚ أعني تعسف الكلام وتوشيته بالاستعارات القسرية والتعتيم والتعمية حد اللبس‚

    إن السطوة المتأتية عن الرغبة في الابهار لا تندس في الأشعار الأولى التي افتتح بها أدونيس مسيرته الشعرية فحسب‚ بل تتواصل في أغلب دواوينه مغيرة من أقنعتها وطرائق إعلانها عن نفسها وهي تأخذ مداها في ديوان أبجدية ثانية مثلا وتجتاحه اجتياحا فيضيع الفارق بين الشعر والأحجية ويخرج الكلام إلى التعمية كما في «أبجدية ثانية»

    الشداد؟ أهو حمام آخر؟

    معجون تدلك به المستحمة جسدها

    زنجبيل وقرفة زيت ولسان عصفور

    دبس وبيض وآس

    وتضيف بعضهن أشياء تبدو مرافئ للجسد

    وكثيرا ما تتحول الرغبة في الابهار إلى إكراه للكلام حتى يتخذ طابعا هذيانيا بموجبه يصبح مدار الخطاب رصف الألوان رصفا ينثال انثيالا أو يتم الكلام عن بعض الأخلاط التي توسعت كتب السحر والشعوذة في تبيان فوائدها فيقول في «أبجدية» ثانية:

    بعد البياض السواد‚ الحمرة والصفرة والخضرة‚ تتغلغل في أفق الأزرق والزبيبي والنارنجي‚

    وسرعان ما الشقرة التي هي الحمرة إلى الزعفراني الخلوقي‚ وإلى الأدبس‚ تدرجا نحو الأفضح والأصبح‚ المدمى والمذهب والأكلف‚ ثم تجذبك الدهمة التي هي السواد إلى الجون والأكهب‚ والأحوى والغيهبي والدجوجي‚ وتقودك الخضرة إلى الأصحم والأطحل والأورق والديزج والأربد والأخصب‚ وتسلمك الشبهة التي هي البياض إلى الحديدي والخلجوني والأضحى والقرطاسي والأشهب‚ وترميك الصفرة في الهروى صعودا نحو المطرف المدنر والأبلق المجوز والأنمر والأرقط والأربش والأنمش والأيشم والأرمش‚

    خذ قلب بومة كبيرة

    شده إلى جلد ذئب

    علقة على ساعدك

    تأمن اللصوص وسائر الحشرات

    وتصبح معظما عند الناس

    هكذا يتوالد الكلام قائما على التعتيم معتمدا التعمية فينقلب النص على واضعه لذلك يصبح موضعا تنكشف فيه السطوة التي يمارسها منتج الخطاب على الكلمات وعلى الجنس الأدبي وعلى المتلقي الذي ينشد ابهاره‚ لكن للكلمة ثاراتها فهي توهم بأنها تنقاد لمجريها طيعة فيما هي تفتح الخطاب على المضحك وتثأر لنفسها من قائلها فهو يوردها ليتبنى واقعا غرائبيا يقود إلى التعجب لكنها تطفح بالدلالة على المقرف والمضحك والمحال فيما هي تومئ إلى ان اجراءها على ذلك النحو إنما يرجع إلى رغبة الشاعر في إبهار متلقيه لا إلى حاجات الشعر وشروطه وبذلك يتلاشى الشعر فيما ليس منه‚ أو لكأن الكلام يحتمي بموته ويختار حتفه كي يتملص من سطوة واضعه ولذلك أيضا يخرج من دائرة الشعر ويتوغل عميقها في مدار الأحجية والتميمة واللغز فلا يبقى من الكلمات بين يدي الشاعر الذي تعسفها وامتهنها غير جثثها وأشباحها‚

    قديما في سالف الزمان عندما كانت الكلمات طرية رطبة مأهولة بلهب ونار في ذلك الزمان نصح جلجامش رفيق دربه انكيدو قائلا «لا تحمل معك عصاك لئلا ترفرف حواليك أشباح الموتى»‚
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de