فصل من رواية (صيغة ثانية لتاريخ الإنسان )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 08:41 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عماد البليك(emadblake)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-31-2007, 12:28 PM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فصل من رواية (صيغة ثانية لتاريخ الإنسان )


    (1)
    هل أنا ذلك الذي عاد ذات يوم من رحلة في مكان بعيد إلى مكان قريب مجهول، لا هوية له؟
    أم أنني ذلك التائه الغريب الذي لا يدرك من أين تنبع أنهار الزمن الجديد؟
    استيقظت بعد ليل مضرج بعشرات الكوابيس التي هددت كياني وجعتني أعيش حالة من الحزن الغريب، ذلك الذي يحول الإنسان إلى صفر شبه معدم عن عالمه. كيف يستقيم ذلك والكائن يجد نفسه أسيراً للغيب وللواقع المرير بجملة ما يحمله من ثقوب وغرائب لا منتهى لها ولا سبيل إلى اجتياز حدودها المظلمة.
    كانت المطارات التي عبرت بها مظلمة في ذلك الصباح.. الأيام القديمة ضلّ إشراقها والكون لا رحيق فيه إلا رحيق الوجع والاغتراب، ساعة تغرق الذات في طلاسم القدر، غير مستقرة الحال.
    هاهي حياتي بيضاء، وحالي أسود، كل رمالي القديمة تحولت إلى جبال من الهموم التي يصعب دكّها والتخلص منها، ليس بين ليلة وضحاها كما يقال، ولكن بين قرون طويلة جداً لن يكون لي نصيب أن أعيشها.
    للغريب أن يسافر من ذات إلى ذات ومن بلد إلى بلد، لا يجد مستقره ولا معناه. وله أن يكون محمولاً على قطارات الوجع التي لا تعرف السكون، وله أن يفقد القدرة على التغريد بعد كل عمل عظيم أو إنجاز يمكن أن يقدمه في العالم. تلك رحلة قاسية الملامح ومرعبة التفاصيل، رحلة تجعل صاحبها يعيش الحياة على أنها حالة، ليس إلا.. حالة من التوهان المضلل والسرقة المتواصلة التي تقتنص الأفراح لتحيلها إلى أحزان في القلب.
    دائما ما ينتهي كل عمل مهم تقوم به، إما بسرقته من قبل آخر، أو الاستفادة منه من قبل كائن غيرك، وتظل أنت أسير الوحدة والتشرد والغربة، غربة الذات والمكان.
    ترغب أحياناً أن تكون "كافكاوي" العيش، أو "رائيلي" العقيدة، لكنك في كل من الحالين غير مستقر، لست أنت من يمتلك الشجاعة الكافية لتدمير العالم بالجنون، فمجال جنونك ضيق لا يتسع لغير الخوف.
    تخلص منه إذن، تقول للذات، للروح، لذلك الشيء الخفي الذي يسكنك، لكنك لا تملك البوصلة التي تشير إلى موضع الجرح، لأنه لا موضع محدد فالكون كله جرحك أيها الغريب المرهون للأحلام المؤجلة والضائعة.
    متى كانت بداية الرحلة؟
    ليس بإمكان "العاجز" أن يحدد شيئاً ما أو أن يشير إلى البدايات، فالبدايات دائما أسيرة المجهول، والمبتديء لا يدرك متى تولدت عنده لحظة الصفاء والإشراق التي جعلته يشير إلى العالم على أنه مبتدأ وأن الذوات مجرد خبر.
    هل كانت البدايات ساعات التكوين الأولى وأنت تحاول تمزيق مشيمة الغيب خارجاً إلى العالم، أم أنها في مجال بعيد جداً وراء المجرات والأكوان.. إذا كانت الأخيرة، فلست أنت ذلك الكائن المختلف، فأنت تحمل جينات وصفات كلّ الغرباء الذين أصبحوا ذات يوم من أيام الله جزءاً من نسيج هذا الكون، شاءوا أم أبوا.. أصبحوا جزءاً من النسيج الإلهي وعليهم الطاعة.. عليهم أن ينساقوا للنواميس الغريبة التي وجدوها.. بعضهم يحلم بالتمرد عليها، الخروج عن طاعة النواميس، تكون لديه الشجاعة لكنه لا يجيد حرفة المغامرة، البعض الآخر يكون على العكس، له الخطة والهدف ويدرك كيف يمكن تشكيل المصائر، لكنه لا يمتلك الشجاعة الكافية، فإلى أي من الصنفين تنتمي أيها الغريب؟
    بالنسبة لك، لحالتك الخاصة التي تدركها جيداً فأنت شجاع بما يكفي لمواجهة كل ضلال الوجود وظلماته، غير أنك لم تعرف كيف تصوغ هدفك بعد، في عالم تعتقد أنه يسير بلا أهداف، عالم من الضلال المستمر والتيه اللازم الذي لا يستقر على حال.
    تحاول من خلال ما تفهمه في الفلسفة ومن خلال تأملاتك الصغيرة أن تفهم الحقيقة، تجد أن الروح بعد ساعات من التأمل قد دخلت في غياهب لا متناهية الأطراف من القلق الوجودي، تُسمّه مثيراً في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى تجده ينزلق في مهرجان الكون مُشرّداً، يكون قد أصبح أسير تشرده مثله مثل كل الكائنات التي تحلق في فضاء هذا الكوكب الأرضي تائهة تحاول أن تفهم خلاصها، وكيف بإمكانها أن تصوغ لها قراراً أو معنى، أو مغزى بسيط يجعلها تقترب من حريتها الخاصة، تلك الغائبة أو المنعدمة، لا أحد يملك الجواب على سؤال حاضر في عالم يفتقد للمؤكد.
    ككل الرحلات البشرية لأناس من المؤكد أنهم فاعلين ولهم دور مستقبلي في العالم، على الأقل متوهم إن لم يكن له علاقة بـ"الحقيقة"، كنت تحاول أن تسير إلى مبتغاك، أن تفهم السبب الذي جعلك هنا، مراجعاً مسيرة السنوات التي مضت، ومبتكراً الأسئلة حول الأمس بقدرتك البارعة على السؤال.
    طفل صغير يلعب بالطين بعد هطول المطر في مكان صحراوي على ضفاف النهر، أو ذلك الشاب التائه الذي يتابع ظله في مدينة كاد يعتقد أنها ضاجة بالأحلام، أو ذلك الغريق في حزنه في هذا الصباح بالذات، أو ربما ذلك الطائر بأجنحة ملائكية على صحن طائر إلى كوكب بعيد ليقابل الذين صنعوه ذات يوم كما يعتقد"رائيل". ومهما، وكيفما كانت طبيعة هؤلاء الصانعين، فأنت لا تعتقد أن لديهم الجرأة والشجاعة الكافية لمواجهة من صنعوا، كأنما كانوا يجربون لعبة ما واكتشفوا بعد مساحة معينة من التجريب أنهم أمام قنبلة موقوتة وعليهم الهروب بأسرع ما يمكن.
    كان اختراع الإنسان من قبل الخالق، سواء كان هذا الخالق هنا قريباً منه، أو يسكن في كوكب بعيد أو أنه لا يزال طفل صغير في عالم متقدم جداً، مجرد طفل يجرب اختراع عالم مثلما فعل الكبار في عالمه، فهو في خلاصة الأمر ترك الإنسانية تعيش في لغز السؤال، ذلك الذي يظل بلا إجابة. يحاول رجال الدين أن يفسروا العالم على هواهم، كذلك يفعل العلماء والملحدين، وكل يغني بوتر نشاز.. كل الأوتار لا تُعطي الموسيقى الغائبة التي تمكنت ذات يوم مجهول من نسج هذا السياق المثير، المقلق، والتافه إلى حد ما.
    عنما قلت للمحقق الذي وضعك في الغرفة الصغيرة بعد أن أمطرك بالضرب وأسواط الهوان:"إن الكون ليس إلا لحن نشاز لفكرة خلق قديمة لم تكتمل في ذهن خالقها، فجاءت مشوهة على هذه الشاكلة التي نراها".. بالطبع ولابد أنه لم يفهم (الغبي) ما تعني، وبدلاً من أن يحاول أن يفهم، فقد استمر في "بهميّته" حيث راح يُمتّع روحه التائهة بالمزيد من النيران الأرضية على ظهرك المخروم بالأحزان المتوالية مثل زلازل في غابات مدارية بعيدة، مهجورة. "هو تائه مثلك، حتى لو أنه فعل ما فعل، هو مسكين".. هكذا كنت تحدث نفسك، تحاول أن تجد له العذر، أن يكون ضحية أبٌ شؤم أو أمٌ كانت تسهر الليالي في أسواق العهر، أو ربما كان نبتة شيطانية في جحيم ما من (جهنمات) الأرض التي لا عدّ لها.
    هكذا أنت.. دائما تحاول أن تجد الأعذار للذين يسيئون إليك، فهم في تقديرك النهائي تائهون، كائنات غريبة لا تعرف مصيرها في مزبلة العالم، هكذا ولدوا وعليهم أن يطيعوا الأقدار في لعبة سخيفة لطفل يجرب، ذلك الطفل الذي تخيلته وأنت لا تزال طفلاً يلعب بالطين بعد المطر.
    كنت قد صممت من الطين هيئة تشبه الإنسان، ونفخت فيها من روحك بفمك الصغير، وتخيلته يمشي، يكبر، يتناسل ويملأ المكان من حولك بذريته.. كانت مدن وحضارات تنمو، بعضها يبيد الآخر والبعض الآخر تبيده الطبيعة القديمة، التي كنت تجهل من أين جاءت. وأنت كإله صغير كنت غير قادر على الإجابة، من أين أتيت وإلى أين تسير، وما هو مصير الذي صنعك من قبل، أو ما هو مصير الذين قمت بصناعتهم وتخيلت تناسهلم وحركتهم وحروبهم وسلامهم؟
    وأنت طفل، رحت تبتكر الأسئلة التي لا تعرف حدودها مثل"هل هم يحسون بذواتهم؟"،"هل هم موجودون في واقع الأمر؟"،"هل لهم أرواح ولهم إمكانية التفكير؟"، وضحكت من نفسك كإله صغير، كم أنت عاجز وغير قادر على السيطرة والإجابة، وسرحت في تفكيرك تقرر"مثلما أنا عاجز، هو أيضا عاجز.. مجرد طفل يجرب، لهذا هو غير قادر على مخاطبتي أو الكلام معي". كنت تقول ذلك لنفسك الصغيرة، لأنك كنت تحلم برؤيته، الكلام معه، أن تقول له شكراً على الأقل، لكنه على ما يبدو لم يكن يحفل بأحد من مصنوعاته أو على أتف احتمال كان مثلك تماما وأنت تجرب الطين، كان لا يدرك أن اللعبة التي بدأها كانت عالماً متكاملاً، له حريته وإرادته ورغبته في الاكتشاف والمعرفة.
    هكذا كنت أنت أيضا، لا تفهم أنك اخترعت لعبة وكانت لشخوصها كامل الحرية في القرار والاختيار، المضي إلى ما لا نهاية في الطموحات والأحلام، الآمال التي لا تعرف السكون.
    كنت تحاول أن تُقرّب مساحة التفكير الضائعة بينك وبين هذا "المسكين" الذي يستمر في ضربك وتألميك.. تحاول أن تتخيله على هيئة واحد من تلك الشخوص التي صنعتها من الطين، لكنه غبي جداً، ليس بإمكانه التقاطع مع تفكيرك. ليس هو وحده، بل كلّ الذين حكمت عليك "الأقدار" بأن يتنابوا عليك من السجان إلى المحقق إلى القاضي الذي أصدر عليك الحكم بالشنق، لجريمة أنت غير متأكد منها حتى الآن، ربما كانوا "هم" متأكدين منها، ربما كانت خيالاتهم أكبر منك وأنت لا تدري، وربما كنت أنت على حق.. في هذا الصباح كان كل شيء يتبدد ويقرر الموت، لأنك أنت الآخر كنت قد اقترتب منه، من ذلك السر الغامض الذي يقلق البشرية، كل الكائنات.. ولأنك اقتربت من الموت، لم يكن من السهل عليك أن تفهم جيدا أين مكمن الحقيقة، وهل هناك حقائق في واقع هذا العالم الذي أنت جزء منه حتى هذه اللحظة، ولا تدرك مصيرك بعد ساعات، هل ستستمر مراقباً له، أم أنك ستخرج من منظومة خياله إلى الأبد؟ خيال ذلك الطفل الذي قرر ذات يوم أن يلعب وأن يصنع إنساناً يتناسل وينمو ويصنع حضارات.
    ليس أبشع من أن يرى الإنسان الأشياء، يعيشها ويكون غير قادر على الفهم. الآن مع اقترابك من الموت، لن تكون مشغولاً بالأسئلة الكبيرة المتعلقة بأسرار العالم والكون، لأنك بعد قليل قد تفهم السر وقد لا تفهم بعد أن تصبح نسياً منسياً. ستكون فقط مشغولاً بسؤالك عن السبب الذي جعلك تصل إلى هذه الحالة التي جعلت كائناً مثلك تماما يقرر أن يعدمك عن العالم، أن يجعلك تغادر، ربما إلى الأبد. هل يوجد ثمة مبرر واحد لهذا الفعل "اللاإنساني"، وما الذي وهب هؤلاء الشجاعة ليكونوا أشجع منك في ابتكار قرار موتك، نهايتك؟
    لن تفكر في العدل، لأنك طيلة المشوار الأرضي الذي مشيته إلى اللحظة، لم ترى ظل هذه العدالة، أبداً. لم ترى غير ظلمات متراكمة وقرارات يصنعها الآخرون ليس ثمة منطق ينظمها أو حلقة واحدة تصلها لتجعلها مفهومة. إذن أنت مطية هذا العالم الذي كان، الذي كان بمجرد أن تغادره بعد قليل، عندما يأتي السجان ويأخذك إلى الحبل، وساعة يكون الحبل قد قرر شأنه بأن يفصل الجسد عن الرأس، لتكون أنت في مهب الذكريات القديمة، مثلك مثل فراشة سقطت من على شجرة بعبث طفل صغير كان يراقبها وهي تمتص الرحيق، أو مثل نشارة صغيرة تساقطت من على منضدة النجار بعد أن كانت خشباً متماسكاً كان شجرة تنبض بالحياة ذات يوم. بإمكانك أن تعيد تشكيل كل العالم في هذه الهنيهة الصغيرة التي هي أصغر من الثانية ومن بليون جزء من أجزائها، ولكن أي جدوى وراء تشكيل سوف يدفن في التراب بعد ساعات قلائل.

    (عدل بواسطة emadblake on 06-03-2007, 11:45 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de