|
Re: ما بعد الحداثة .. نسخ الآيات أو نسيها.. (حوار عقلاني مع أدونيس وذوي الألباب) (Re: emadblake)
|
أحيل القارئ إلى اجتهادات قام بها المفكر السوداني الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد، أسس فيها لفكرة القرآنية الكونية، حيث ذهب إلى أن القرآن لا يعني مجرد الكتاب بين دفتين، بل هو مجمل الكون المرئي واللامرئي، المفكر فيه واللامفكر فيه.. وهذا يعني أن آيات الله هي ممتدة على إطلاق الكون وهي متجسدة وماثلة في مرئيات ومحسوسات، وما سواها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وهذا الفهم لو أعيد تنظيره وقراءته سيقول إلى ما يشبه المفهوم الصوفي للكونية والذات الإلهية التي لها أن تتجسد في ذرة من ذراري الكون، كما لها أن تتجسد في الكائن البشري، وهو جدل صوفي قديم كان الحلاج أحد ضحاياه. وهنا يمكن أن نعرج على ابن عربي وإفاداته الواسعة، بل آياته في هذا الإطار. إن إعادة تعريف النص القرآني بناء على هذه المناظير الأكثر حداثة، يخرّجه من النمط الذي ظل يؤسس آليات الفقه ويرسم طرق العبادة وحياة الإنسان المسلم على مدى قرون طويلة. الأمر الذي جعل حياة المسلمين والعرب تتجه نحو الاستاتيكية وتتعطل بحصرها في دائرة "الآيات المغلقة".. أي النص بمعناه الكلاسيكي والذي نحن في أشد الحاجة اليوم إلى إعادة بنائه وفق العلوم العصرية ومعارفنا المستجدة ليكون ذلك النص المنفتح على أفق المستقبل أكثر مما هو قائم الآن من انفتاح على سد الأمس. وحتى نكسب النص فعليا دلالة ما جاء على لسان النبي: "لا تنفد عجائبه, ولا يخلق على كثرة الرد".. فهذا لن يتأتى إلا عبر رد الاعتبار للنص بوصفه وحيا من الله عبر موضعته في الزمكانية بعيدا عن ذلك الارتباط التاريخي الذي قيده وجعله مجرد كتاب تلاوة أو مصحف كما جرى القول. إن حفظ القرآن الحقيقي، لا يعني حفظ الآيات من التبدل أو "تحريفها".. ورويدا حتى لا يساء الفهم.. فالتحريف هنا يعني التغيير المخل سواء في اللفظ أو المعنى.. لكن الأبشع هو التحريف في القراءة الذهنية وهو الذي جر الوبالات وأوصل المسلمين إلى ما هم عليه من سوء المآل. فالحفظ الحقيقي للنص هو إكسابه حيويته الكونية وجعله وحيا يتجدد في الذات الكونية أجمع، في كل عقل وكل روح وكل بشر. ولا يكون مجرد معرفة محتكرة، باطنية كانت أم معلنة. بل معرفة مرئية لكل إنسان من الطفل الصغير إلى الشيخ الهرم، كما ترى الشجرة لكليهما. الطفل يرى فيها ما يرى والشيخ الهرم الذي خبر الدنيا – إن كان له ذلك – يرى في الشجرة ما لا يراه الطفل. وقد تكون رؤية الطفل هي الأعظم. فالآيات تتجدد وتنسى وتنسخ باستمرار وليس أدل على ذلك من أن زمان الوحي الأول غير زمان الوحي الثاني، وكان حتما على آليات الوحي أن تتغير، لأن الله الذي خلق الكون والمجرات هو أقدر ممن خلق الوسائط اللاسلكية الحديثة، ونعنى الإنسان. وبالتالي فإن شروط الوحي الإلهي لتبدل الآيات ونسخها لا يمكن أن تقوم على تلك الشروط الكلاسيكية التي صورت لنا على مدى قرون طويلة، سواء في هيئة جبريل أو ذلك الملاك ذو الأجنحة المتعددة. والإفادة الأوضح أن جبريل يمكن أن يمثل مرحلة من مراحل الوحي، لكنه لا يعني الوحي مجملا وتفصيلا.
| |
|
|
|
|