|
واقع لا يعرف السحر
|
واقع لا يعرف السحر
إذا كانت التيارات الجديدة في الرواية في أميركا اللاتينية، قد حكمت على أسلوب الواقعية السحرية بالموت، وأعلنت بديلا له، أسلوب المواجهة مع الواقع الجديد بكل ما يتضمنه من وقاحة، وقصف للذات، فهل يعني ذلك أن التيار الذي ظل بأذهان النقاد الغربيين بوجه خاص، قد حمل نعشه، ورحل إلى الأبد؟ وكيف يستطيع النقد قراءة روايات انغرست في المتشكل الأدبي العالمي برؤية جديدة، أم أنه سيقوم باسقاطها من الحسابات، مركزا القراءات على الأساليب الوليدة. مهما كانت النتائج المترتبة على انقلاب أميركا اللاتينية، فإن الواقعية السحرية لن تموت بشكل عاجل، لكنها ستعيد تشكيل ذاتها وفق مناهج مستحدثة في الكتابة، تخترق جدران الواقع الجديد، لتعمل على بناء هذا الواقع بمنظور ساخر، يستبطن داخله نوعا من الدهشة، التي هي مواز فاعل لمفهوم السحر في الأدب. ففي روايات كتبت قبل فترة التحولات في التسعينيات من القرن الماضي، نجد نزوعا مبكرا نحو استنطاق فضاءات جديدة للواقع السحري، عبر السخرية اللاذعة، كما في رواية من قتل بالمينو موليرو لماريو فارغاسيا، الذي استعمل فيها المباشرة، والأسلوب القصصي البوليسي، دون أن يفقد النص قدرته على عكس مرايا الحياة الضحلة في طرقات مدن تعالج الموت بمزيد من الدمار الذاتي، الذي يحكم على إنسانها بالتشرد، ويشظي أناه مغربلاً إياها لأنا مفتعلة مارقة. ويبدو أن خطى الأدب الروائي في أميركا اللاتينية ستسير نحو انتاج روح المدن الملعونة بإنسانها المعذب القذر، لكن رؤية هذا الأدب من الخارج ستحتفظ بمكانة لن تزاح عنها، وهي قدرة الكتاب هناك على إحداث المزيد من الدهشة. ومجازا، سيتم استعاضة كلمة سحر بكلمة جديدة، لا تهمنا كثيرا، في إطار وجود مناخ عام، يقول لنا بفاعلية هذا الأدب في تحريك هوامش الاضطهاد البشري، وانكسار الإنسان أمام ثقل واقعه الاجتماعي، والسياسي، وتحت مسغبة الحياة التي لا تنتهي، بل تتبدل بلون جديد، في واقع لا يعرف السكون، حتى لو كان سكونا محظيا. لقد نجح الأدب الروائي في القارة الجنوبية على مد العديد من الكتاب في العالم، خلال القرن العشرين بإيماءات هيأت لهم أن يكتبوا بروح تعايش وتقترب من هموم الطبقات التحتية في المجتمعات، وتسخر من ثقافة جنرالات الحروب، الذين دمروا شفافية الإنسان. وكان ذلك يتقاطع في ذات الآن، مع نقد قوي ومؤسس للإنسان الغريب، بمعنى أن ذلك الأدب لم يتعاطف مع الفوقي والتحتي، واعتبر أن هناك أزمة مركبة قوسها الإنسان. لم تكن مائة عام من العزلة مجرد قراءة في واقع أميركا اللاتينية اتخذ الواقعية السحرية ملاذا له، يغلف من ورائها عالما من الدهشة، أو كما سخر منها الكتاب الجدد، في كونها لم تلتحم مباشرة مع هواجس الإنسان الجديد، بل كانت رؤية استقرائية أرادت أن تقول بأن زمن الكتابة لم يحن بعد، وأن على الإنسان أن يجرب، فالتجربة هي التي ستخلق مساحات الوعي المستبعد عن أبجديات الاقتراب من وجودنا، ونحن نبحث عن المغزى. دائما، ستظل هناك ثورات، وصرعات، واستبدالات للقديم بالجديد، لكن ما سيبقى هو كل أدب فاعل له القدرة على الديمومة، وملامسة عاطفة الإنسان الغريب عن واقعه، متى كان، واستطاع أن يفهم أن وراء كل إشارة رمزا، وأن رموز العالم لا تؤطرها رحلة الإنسان القاسية
|
|
|
|
|
|