|
نصوص تتحرر من ذكرياتها !
|
نصوص تتحرر من ذكرياتها !
ما الذي يجعل المشاهد تحاصرنا ونحن غير قادرين على الفكاك من حصارها؟ هل هي سطوة زمن الصورة ام تراجع اللغة عن انتاج خطابها القادر على سبر اغوار الذات الانسانية؟! بين صراع الصورة واللغة يحاول العالم ان يتشكل على نحو جديد يكون فيه الانسان قيمة مختلفة في اطار علاقتها مع الازمة بمفهومها التقليدي (ماض، حاضر ومستقبل)، وان كان فعل المضارعة ينظر الى علاقة الكائن، داخل نظام اللغة العربية بشكل مختلف. اذا كانت الصورة تخلق الانجذاب نحوها في اللحظة الراهنة، الا ان هذه الصورة هي نوع من الذكريات، انها تنتمي للماضي الذي يملك خواص بقائه عبر دفعنا للتفكير فيه ومن داخله حتى لو انه تلبس ثوب الموت وتعمق في الذات كما لو انه انتهى تماما. تستطيع بعض الفنون ان تعيد شكل علاقتنا مع الماضي، بفتحها نوافذ استشراف جديدة تجعل الماضي اسير اللحظة، فهو يطاردنا برغبته في البقاء الى الابد، ليكشف من خلال المطاردة ان العالم داخل النظام الابداعي لا يكتسب قيمته الا من خلال الذكريات فلا يوجد نص او توجد لوحة الا والذكريات قائمة فيه فيها ما دام الانسان اسير الماضي. كيف يستطيع الكاتب او الفنان ان يتحرر من سلطة الماضي في النص او العمل الفني؟ وقبل ذلك: هل هذا التحرر ضرورة ام انه نوع من الرغبة التي قد لا تكون مؤسسة على معنى جوهري او سر كامن وراء وجود الذات؟! تحاول بعض الاعمال الابداعية ان تجعل عالمها خارج نظام الذكريات بابداع عوالم سوريالية تنظر الى الماضي على انه مستقبل لم يتبلور بعد لكن هذه الرؤية تظل مقبولة ومفهومة على المستوى الفلسفي الجمالي لكن بعيدا عن ذلك نجد ان قيمة النص تنزاح سريعا نحو سلطة الذكريات مهما كان شكل هذه الذكريات: مشاهد عبر بها الانسان في ازمنة ما من حياته تجربة خاصة مر بها، حلم استغرقه في لحظة غياب عن الوجود وفق ما نفهم ونعتقد تتعدد الصور وفي خلاصاتها يكون الفنان منتميا لغيب الماضي الذكرى والبحث عن تفسير العلاقة مع ذلك الغيب عن طريق الفن. ان يكتب الانسان، ان يرسم، لا يعني الامر مجرد محاولة لاعادة قراءة العالم او السعي نحو تفكيكه واعادة تشكيله في المخيلة، او الاجابة عن اسئلة الوجود الخاصة، يعني الامر اقترابا من لحظة يتوقف عندها الزمن، انها الخلود والمتعة الخالصة عندما لا تعرف الثانية الى اين تكون خطوتها للوراء ام للامام؟ اعادة قراءة العلاقة مع الفن من خلال مفهوم الزمن سيفتح للكتابة وغيرها من الفنون نافذة اخرى تجاه وعي العالم بشكل افضل يخرج النص من تعلقه القوي بالذكريات او الحاضر او ربما المستقبل ليكون النص شراعا مفتوحا للأبدية بلونها الازرق الصارخ بهدوئه الجميل. مثلما يملك الماء سر الحيوية والبقاء، والاستمرار والتحدي وحاجة الكائن اللازمة له تكون النصوص المترسخة نحو خلودها قادرة على التماهي مع الازمنة بل خارجها ومع الامكنة، بل خارجها في امكنة وازمنة مختلفة تشبه فضاءات الفراديس التي يبحث الانسان عنها في الحياة، وفي عالم ثان يتعلق به باحثا عن خلاصه من جحيم المعاناة والقلق الوجودي. ولا تكون الكتابة فردوسا الا باندماجها مع فكرة الحج الذاتي التحرر من كل مشاغل العالم وسلطة الاسئلة الذاتية بمعنى ان يخترق الانسان المجهول نحو اللا مجهول وان يعاد بناء العالم في المخيلة لا لكونه مترتبا عن عالم قديم بل عن عالم جديد لم يولد بعد، كيف يكون ذلك؟ وما هي شروطه؟ .. اسئلة مفتوحة بالاجابة عنها تتوقف الفنون! الوطن القطرية االجمعة 21 مايو 2004
عماد البليك
|
|
|
|
|
|