|
مشاهد من الحب والحرب - مقتطفات من (أحوال المحارب القديم) بمناسبة صدورها
|
عن (مركز عبد الكريم ميرغني) صدرت روايتي الثالثة (أحوال المحارب القديم). كانت (المحارب) قد حازت المركز الأول في المسابقة السنوية للرواية السودانية في دورنها الأولى التي يتبناها المركز. سأقدم في هذا البوست وربما بوستات أخرى مقتطفات من الرواية.
بسهول بحر أبيض الوسطى رأيت الملازم أشعث، أغبر، بالغ الوسامة، تليع الجسد، يعتلي جواده الأصهب ويضحك بفوضى عارمة تصحبه الرضية، التي كانت تبادله الفوضى، على صهوة فرس بيضاء. كاقو قالت أن الملازم طبقاً لأساطيري قصير القامة وسمين فأسهبت في وصفه لتتمكن من رؤيته رؤيا العين، يرمح بجواده يلاحق فرس الرضية. يعدو الفرسان بعيداً باتجاه النهر على نحو يثير مخاوف حسين الطاهر فيرسل ثلة فرسان لحراسة البطلين المنطلقين بفوضاهما التي يحفزها هدوء الجلبة التي كانت تحدثها المعارك وتدفق الشذا الكثيف لطمي النهر وأشجار السنط بفعل الحرارة اللاهبة للشمس الصيفية. لتضليل ثلة حراس حسين تقفز الرضية على جواد الملازم فيرتدفاه وتنطلق فرسها وحيدة، تجر لجامها، مسروجة، باتجاه مخيم المقاتلين أعلى النهر بينما يشق الجواد طريقه بصعوبة فوق كثبان الرمل المشرفة على الضفة. تنمحي آثار الجواد تحت لفح رياح السموم الصيفية ويتشتت الحراس في بحث يائس عن الرضية والملازم. يوثقان الجواد عند الضفة ثم يسبحان في النهر بكامل أزيائهما العسكرية، إذ تقاوم الرضية محاولات الملازم الخشنة لتجريدها من ملابسها المصممة من قماش الدمور السمني الثقيل، وفي عمق النهر رأيت التيار يجرفهما متماسكين أسفل النهر ورأيتهما يتعانقان ويتلاثمان بشغف قبل أن يغطسا ويبينا ثانية عند الضفة فيغيبا في عناق محموم يخلعان خلاله قميصيهما ثم يسحب الملازم سرواليهما قبل أن ينزعهما. يدعان الثياب عالقة على سطح مياه الضفة الضحلة ويمضيان سابحين، ملتصقين فيدعان التيار بالعمق يأخذهما ويتواريان عن نظري مما يدفعني للصعود تجاه قمة الجبال لرصدهما يسبحان على ظهريهما سباحة بطيئة مطردة، ترادف أسفلاهما، عيونهما مغمضة، وأفخاذهما متسقة الحركة ويجدفان بأذرعهما برفق فبديا كزورق يبحر من تلقائه. كاقو التي اعتادت على أسلوبي في السرد ووصف الوقائع كانت تنتبه بشكل عفوي لتوارد التفاصيل فواجهت مصاعب في تمثل الأحداث ولم تر الرضية والملازم في انحدارهما صوب الأسافل متشابكين على طريقة اليعاسيب. هذه الكيفية في الإنصات جعلتها متوترة وقد انتزعت مني وعداً بإعادة حكي بعض التفاصيل قبيل رقص ليلة البدر. ماريا وفتينا استمعتا بعيون متسعة وآذان مرهفة فشهدتا ما جرى بل أن فتينا في انتباهها الهائل كانت ترى تفاصيل دقيقة تغيب عني روايتها وتنبهني بإلقاء كلمة هنا وحشر أخرى هناك فتضفي على سردي تماسكاً مذهلاً. وفي غمرة سباحة البطلين، عند بلوغهما ذروة هياجهما ناحية ملتقى التيارات المنطلقة من عدوتي النهر، كانت فتينا تنتصب مصوبة نظرات رائقة جهة أعالي الجبال، بعيد حدائق أعناب كاقو الملتفة، يكاد فستانها يتمزق من جهة صدرها الكاعب وتغشاها نوبات قشعريرة مصحوبة بإفراز متصل من غددها اللعابية ثم تتمشي، رائحة وغادية، إزائي فتتعثر بين يدي مراراً وتسقط متوسدة صدري مرة إثر مرة كائلة لي الاعتذارات بينما يظل تركيزها في السرد والمشاهدة يعلو ليصل درجة الغياب الكامل. أشهد الرضية تخوض المياه وترتدي زيها المبلل ثم تركض إلي سفح الكثبان الشرقي. تطقطق أصابعها موقعة لحناً بدوياً حزيناً ثم تصفق وتصفر وتنقرط قبل أن تغني مقاطع من "مسدار الصيد" للحاردلو دون أن تصحب غناءها بأي توقيع. تسمع الفرس الغناء فتأتي تركض من الغرب، تدلّي عنقها وترفع ذيلها وترفس الهواء برجليها الخلفيتين.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من الحب والحرب - مقتطفات من (أحوال المحارب القديم) بمناسبة صدورها (Re: الحسن بكري)
|
أستاذ الحسن بعد التحية
كنتُ قد حصلت على وعد من الصديق القاص والمسرحي محمد عز الدين باحضار الرواية لي بعد أن عرف رغبتي في الحصول عليها .. ولحسن حظي أنك ستضع مقتطفات منها .. وأطلب على استحياء أن تكون فصول كاملة لو تكرمت حتى نستطيع الإلمام التام بها ..
أحب أن أهنئك بحصول الرواية على المركز الأول في مسابقة الطيب صالح للإبداع الروائي .. وان كانت تهنئة متأخرة فأرجو قبولها ..
أتشوق لقراءة فصول الرواية كما أنني أنتظر وفاء الوعد من الصديق محمد ..
جميل بالمنى بالجميل دائماً ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من الحب والحرب - مقتطفات من (أحوال المحارب القديم) بمناسبة صدورها (Re: الحسن بكري)
|
مشهدان من الفصل 14:
يا فتينا، على نحو ما استطاعت الرضية ترويض ذكر النعام الذي جلبه حسين الطاهر من دارفور. ما أن يفرغ الظليم من مطارداته الساخنة للكلب، بارود، حتى تتعلق برقبته فتمتطيه وتتجول به في أزقة البلدة أو تتنزه به في البريّة. فيما بعد، كما هو معلوم، ستلحف في الطلب لإحضار نعامة لمرافقة الظليم وتخفيف آلام الوحدة التي تعصف به، لكن الغيرة أصابت الرضية حين فضل الظليم بنت جلدته عليها فأصبح يقضي جل وقته في الاستلقاء لصق النعامة أو في حشر منقاره بمنقارها في قبلات طويلة ثم الاستغراق في مسافدتها مرة تلو مرة. فيما بعد سيقاوم محاولات الرضية امتطاءه أو اصطحابه في نزهاتها الخلوية ثم يأخذ يتجرأ عليها فيجمح بها ما أن تستقر على ظهره ويطيحها أرضاً بلا شفقة. تغلو الرضية في غيرتها فنراها تلك الأيام تسرج ناقتها عند الظهائر تقصد السهول الواقعة شرق اللبايتور أو توغل بالأحراش في محاولات عنيدة لابتكار حيل تستعيد بها محبة الظليم. تستطيع وضع خطط تقصد بها التحول إلى نعامة فتشرع في صبغ حزم سعف بالتفتا السوداء الفاتحة والرمادية والوردية والبيضاء. وبعد محاولات تجريب كثيرة تشرع الرضية في مهمة التلوين الحقيقية. يستغرق إنجاز تلوين حزم السعف بالتفتا أسابيع عديدة فقد سعت إلى تدقيق الصباغة بحيث تزدوج الألوان وتتقولب في سلالم وظلال لا حد لها وتتدرج تدرجاً بطيئاً يزحف من اللمعان إلي الإعتام أو تندفع اندفاعاً سريعاً يركض من الإضاءة إلى الإظلام. وقد لاحت بوادر نجاح خططها حتى قبل تحولها إلى نعامة فقد اجتذبت حزم السعف المصبوغة الظليم وأصبح يقترب من الأكوام الملونة ويحدق بها لأوقات طويلة. بعدها غدا يستلقى بصحبة نعامته لساعات متصلة يراقب الرضية المنهمكة في التلوين. تنسج الرضية قبعات سوداء، يغطيها غطاء وردي، ومناقير نعام وردية وعيون خرزية لامعة. تصنع أبسطة سوداء مجنحة وتنشئ جوارب وردية كبيرة يغطيها زغب من أعلى وتسيطر على أسطحها حتى الركبتين نتوءات وحفر متتابعة. تنتهي الجوارب بأحذية كالأظلاف. تنسج أذيالاً ناعمة، سوداء فاتحة، لامعة أو بيضاء سمنية معتمة. ستتمكن بفضل نماذجها المتعددة التي نفذتها من اختيار أفضل الأقنعة وستستطيع مزاوجتها وتطقيمها بحيث تتناسب مع رغبة الظليم. تجرب أثر نسيجها على الظليم بأن تعد خيال مآتة تلبسه سعفها الملون. تحرص على تركيز صفات الأنوثة به فتجعله رشيقاً، نحيفاً وتضفي على العينين بريقاً وقّاداً وتبرد المنقار لترقق أطرافه وتوازن الطريقة التي ينشطف بها من الأمام إلي الخلف فتجعله بيضاوياً، خالياً من الحدة والاستقامة. تنطلي الحيلة على الظليم فيؤدي حركات غزل عنيفة حول المآتة راكلاً ساقيه، مدلياً عنقه، متقدماً ومتقهقراً بطيش مراهق ذكر. لكن سرعان ما تقل مداعبات الظليم للنعامة المآتة ويقلع عن محاولاته ملاثمتها أو مساعيه العنيفة لحنيها بغرض مسافدتها. تظن الرضية أن لذلك علاقة بخلو المآتة من أيّ روائح حيّة الأمر الذي ستتمكن هي من التغلب عليه بعبير جلدها وبدهان شحم النعام الفوراوي الذي تصفف به شعرها وتدلك به جسدها.
2
تعريب لقصيدة ألف كلماتها شاعر البطانة الحاردلو، يا لاري. ضاع الأصل العربي ووجدت نسخة وحيدة مترجمة إلى الهوسا في مايرنو. "تتحول الرضية إلي نعامة شابة، رشيقة. كل فجر جديد تدهن جسدها بدهن النعام وعلى سبيل الإغراء، تدلك وركيها بدلكة وطيب خُمرة بلدي تتقن لغة النعام فتكتب بها أشعاراً وتغني أغاني تقول: - لابد أن يقع الظليم في شباكي. عند الشروق ترفرف مصفّقة جناحيها تنقرط بمنقارها تغني بلسان نعامي مبين: "أيها الظليم الوسيم أهصرني بين جناحيك دع حرارة جيدك الوردي الخشن تتسرب إلي روحي اطعن وركيّ بريشك المسنن انقر قفاي بمنقارك القوي مثل كماشة وأثناء كل ذلك لا تنس يا حبيبي أن تلعق، ألعق طالعاً ونازلاً بعنقك تماماً كما تفعل طيور عطاش." ذات فجر يأتي الظليم مكركراً يقول: - لماذا لا تجرب؟ جرب يا أخي يدخل رأسه تحت جناح الرضية الأيمن ويكرف يهتف، لا يزال رأسه تحت جناحها: - أوه، غير معقول. يخرج رأسه وبعنف ظليم فتي يجر الرضية من عنقها يلويها بحيث تستدبره ويكرف ذيلها يهتف، لا يزال أنفه محشوراً جهة الذيل: - أوه، غير معقووووووووووول. بعجلة طائر مراهق، يزبد رغبة، يجر الرضية بحيث تستقبله يحشر رقبته تحت إهاب السعف ناحية صدرها الكاعب يتدفق في عنقه حرّها الإنساني وتأتيه روائحها: جلد أنثى إنسان طازج، شحم نعام، عطور يدع الظليم رأسه حيث هو ويحشرج ويغرغر: - غير معقووووووووول. تربض الرضية بغنج نعامة فاتنة تحت ساقي الظليم لابد أن سواد عينيها قد غاب وعلت القشعريرة جسدها ثم تسترخي ساكنة ثديان صلبان، متبرعمان مبتلة، تفوح أنوثتها يقول الظليم: "خشيت أن يبلغ أرجها "ساق النعام" فيتخطفها سكان البلدة وأمسي ظليماً مسكيناً هائما كمجنون ليلى." من الخلف، ناحية الذيل يعض الظليم إهاب الرضية الملون يشقه بالعرض وبالطول يقفز فيتقدم ناحية منقار إهاب السعف يمسك الإهاب من المنقار ويسحب هوبا، هوبا، يسحب بغتة ينزلق إهاب السعف فينفلت الظليم طائحاً وتلوح الرضية، قائمة على يديها ورجليها يرى فتنتها يشمها يعتليها يتسافدان
| |
|
|
|
|
|
|
المحارب القديم.......ز (Re: الحسن بكري)
|
شكرا لكل الذين ساهموا في هذا البوست وشكرا للأستاذ الحسن البكري ...
وهي ظاهرة إيجابية أن الأدب بدأ يستعيد مكانته في البورد، بعد سنوات عجاف من السياسة، مما سيفرح الصديق امير تاج السر الذي طالما تضجر من غياب الاهتمام بالأدب، لا سيما الرواية في هذا المنبر. وإن كانت رواية الحسن البكري لا تنفصل عن الهم السوداني السياسي، ولكن بطريقة استعارية خاصة، ودائما ما اشتغل البكري بهذه الطريقة التي تبني الأشياء على الأشياء، دون المباشرة في الرؤية... رأينا ذلك في روايته (سمر الفتنة)، وفي أحوال المحارب القديم تبدو المسألة أكثر وضوحا، وقد كنت من المحظوظين أن أقرأ نص الرواية كاملا، فور حصولها على جائزة الطيب صالح، وكان أن نظمت ندوة في الدوحة، نظمتها المجموعة السودانية للتراث والبيئة، بمركز أصدقاء البيئة في قطر، تحدث فيها الزميل الناقد محمد الربيع محمد صالح، وتحدثت فيها، إلى جوار آخرين من الدكاترة المتخصصين في الادب. وقد كانت تلك الليلة أول حوار مبكر عن أحوال المحارب، ونشرت في الصحف. تعتمد الرواية على خطوط متداخلة في السرد، حتى ليكاد القارئ لا يعرف أي خط هو الحقيقة - بمعنى الحقيقة / الواقع داخل النص- فواقع النص يتداخل مع الحلم، وهو نوع من التوهيم، يجعل العمل يعيدنا للعبة دائرية، لا تعرف أين تبدأ الرواية، ولا أين تنتهي.
وأورد هنا ما نقلته الوطن القطرية عن تلك الليلة:
الحسن البكري» أمام أربع قراءات لتجربته الروائية قدمت في نادي اصدقاء البيئة بالدوحة‚ مساء الاربعاء 19/11/2003 محاضرة حول تجربة الروائي السوداني محمد الحسن البكري الفائز هذا العام بجائزة الطيب صالح الروائية‚ واقامت المحاضرة المجموعة السودانية للثقافة والبيئة‚ ضمن موسم نشاطها الدوري في الخيمة الخضراء‚
شارك في الندوة مقدما: عثمان عبدالمجيد ومعقبا: الزميلان محمد الربيع محمد صالح وعماد البليك والنور ارحمة ومعاوية عبدالمجيد‚ كما قرأ الحسن البكري جزءا من روايته الفائزة وعنوانها احوال المحارب القديم‚ وعقب على ما قدم في الندوة حول تجربته‚
والبكري كاتب سوداني له: اهل البلاد الشاهق‚ سمر الفتنة‚ احوال المحارب القديم‚ وفي مبتدأ المحاضرة‚ استذكر الراحل محمد شكري‚ ورحب المقدم بالحضور‚ ثم دعا البكري لقراءة جزء من روايته الفائزة‚
تلا ذلك تعقيب على تجربة الروائي ومعنى جائزة الطيب صالح‚ قدمه محمد الربيع وقال فيه: «نحن اذن في مقام تتعانق فيه ثلاث علامات‚ هي: اول جائزة تخصص للمحكي السوداني‚ واول انجاز سردي يرقى الى مقام الجائزة هو «احوال المحارب القديم» للحسن البكري‚ والعلامة الثالثة‚ هي مركز عبدالكريم ميرغني‚ الذي يرعى هذه الجائزة‚ والذي يمثل احد اوجه التمدن في الحياة السودانية المعاصرة‚ التي تصون مخيلته وتراثه»‚
وعن تجربة البكري تحدث الربيع‚ فقال:
«وتجربة الحسن البكري الروائية في سمر الفتنة‚ واحوال المحارب‚‚ هي رواية المكان‚ بكل دلالاته وتأثيره‚ بوصفة «طوبوغرافيا وجودنا الحميم» كما وصفه غاستون باشلار‚ فشخوصه هي اقرب الى الرموز الثاوية في هذه المخيلة الواسعة المتعددة والمتنوعة المكونات‚ في حوارها المستمر مع الزمن والتاريخ وفي سعيها لفتح الطريق للمستقبل‚ مستقبل هذا الوجود الحميم المهدد بالشرط الموضوعي للتدخل الخارجي حينا وتبعثر الحوار بين مكو
| |
|
|
|
|
|
|
المحارب القديم.......ز (Re: الحسن بكري)
|
شكرا لكل الذين ساهموا في هذا البوست وشكرا للأستاذ الحسن البكري ...
وهي ظاهرة إيجابية أن الأدب بدأ يستعيد مكانته في البورد، بعد سنوات عجاف من السياسة، مما سيفرح الصديق امير تاج السر الذي طالما تضجر من غياب الاهتمام بالأدب، لا سيما الرواية في هذا المنبر. وإن كانت رواية الحسن البكري لا تنفصل عن الهم السوداني السياسي، ولكن بطريقة استعارية خاصة، ودائما ما اشتغل البكري بهذه الطريقة التي تبني الأشياء على الأشياء، دون المباشرة في الرؤية... رأينا ذلك في روايته (سمر الفتنة)، وفي أحوال المحارب القديم تبدو المسألة أكثر وضوحا، وقد كنت من المحظوظين أن أقرأ نص الرواية كاملا، فور حصولها على جائزة الطيب صالح، وكان أن نظمت ندوة في الدوحة، نظمتها المجموعة السودانية للتراث والبيئة، بمركز أصدقاء البيئة في قطر، تحدث فيها الزميل الناقد محمد الربيع محمد صالح، وتحدثت فيها، إلى جوار آخرين من الدكاترة المتخصصين في الادب. وقد كانت تلك الليلة أول حوار مبكر عن أحوال المحارب، ونشرت في الصحف. تعتمد الرواية على خطوط متداخلة في السرد، حتى ليكاد القارئ لا يعرف أي خط هو الحقيقة - بمعنى الحقيقة / الواقع داخل النص- فواقع النص يتداخل مع الحلم، وهو نوع من التوهيم، يجعل العمل يعيدنا للعبة دائرية، لا تعرف أين تبدأ الرواية، ولا أين تنتهي.
وأورد هنا ما نقلته الوطن القطرية عن تلك الليلة:
الحسن البكري» أمام أربع قراءات لتجربته الروائية قدمت في نادي اصدقاء البيئة بالدوحة‚ مساء الاربعاء 19/11/2003 محاضرة حول تجربة الروائي السوداني محمد الحسن البكري الفائز هذا العام بجائزة الطيب صالح الروائية‚ واقامت المحاضرة المجموعة السودانية للثقافة والبيئة‚ ضمن موسم نشاطها الدوري في الخيمة الخضراء‚
شارك في الندوة مقدما: عثمان عبدالمجيد ومعقبا: الزميلان محمد الربيع محمد صالح وعماد البليك والنور ارحمة ومعاوية عبدالمجيد‚ كما قرأ الحسن البكري جزءا من روايته الفائزة وعنوانها احوال المحارب القديم‚ وعقب على ما قدم في الندوة حول تجربته‚
والبكري كاتب سوداني له: اهل البلاد الشاهق‚ سمر الفتنة‚ احوال المحارب القديم‚ وفي مبتدأ المحاضرة‚ استذكر الراحل محمد شكري‚ ورحب المقدم بالحضور‚ ثم دعا البكري لقراءة جزء من روايته الفائزة‚
تلا ذلك تعقيب على تجربة الروائي ومعنى جائزة الطيب صالح‚ قدمه محمد الربيع وقال فيه: «نحن اذن في مقام تتعانق فيه ثلاث علامات‚ هي: اول جائزة تخصص للمحكي السوداني‚ واول انجاز سردي يرقى الى مقام الجائزة هو «احوال المحارب القديم» للحسن البكري‚ والعلامة الثالثة‚ هي مركز عبدالكريم ميرغني‚ الذي يرعى هذه الجائزة‚ والذي يمثل احد اوجه التمدن في الحياة السودانية المعاصرة‚ التي تصون مخيلته وتراثه»‚
وعن تجربة البكري تحدث الربيع‚ فقال:
«وتجربة الحسن البكري الروائية في سمر الفتنة‚ واحوال المحارب‚‚ هي رواية المكان‚ بكل دلالاته وتأثيره‚ بوصفة «طوبوغرافيا وجودنا الحميم» كما وصفه غاستون باشلار‚ فشخوصه هي اقرب الى الرموز الثاوية في هذه المخيلة الواسعة المتعددة والمتنوعة المكونات‚ في حوارها المستمر مع الزمن والتاريخ وفي سعيها لفتح الطريق للمستقبل‚ مستقبل هذا الوجود الحميم المهدد بالشرط الموضوعي للتدخل الخارجي حينا وتبعثر الحوار بين مكو
| |
|
|
|
|
|
|
المحارب القديم.......ز (Re: الحسن بكري)
|
شكرا لكل الذين ساهموا في هذا البوست وشكرا للأستاذ الحسن البكري ...
وهي ظاهرة إيجابية أن الأدب بدأ يستعيد مكانته في البورد، بعد سنوات عجاف من السياسة، مما سيفرح الصديق امير تاج السر الذي طالما تضجر من غياب الاهتمام بالأدب، لا سيما الرواية في هذا المنبر. وإن كانت رواية الحسن البكري لا تنفصل عن الهم السوداني السياسي، ولكن بطريقة استعارية خاصة، ودائما ما اشتغل البكري بهذه الطريقة التي تبني الأشياء على الأشياء، دون المباشرة في الرؤية... رأينا ذلك في روايته (سمر الفتنة)، وفي أحوال المحارب القديم تبدو المسألة أكثر وضوحا، وقد كنت من المحظوظين أن أقرأ نص الرواية كاملا، فور حصولها على جائزة الطيب صالح، وكان أن نظمت ندوة في الدوحة، نظمتها المجموعة السودانية للتراث والبيئة، بمركز أصدقاء البيئة في قطر، تحدث فيها الزميل الناقد محمد الربيع محمد صالح، وتحدثت فيها، إلى جوار آخرين من الدكاترة المتخصصين في الادب. وقد كانت تلك الليلة أول حوار مبكر عن أحوال المحارب، ونشرت في الصحف. تعتمد الرواية على خطوط متداخلة في السرد، حتى ليكاد القارئ لا يعرف أي خط هو الحقيقة - بمعنى الحقيقة / الواقع داخل النص- فواقع النص يتداخل مع الحلم، وهو نوع من التوهيم، يجعل العمل يعيدنا للعبة دائرية، لا تعرف أين تبدأ الرواية، ولا أين تنتهي.
وأورد هنا ما نقلته الوطن القطرية عن تلك الليلة:
الحسن البكري» أمام أربع قراءات لتجربته الروائية قدمت في نادي اصدقاء البيئة بالدوحة‚ مساء الاربعاء 19/11/2003 محاضرة حول تجربة الروائي السوداني محمد الحسن البكري الفائز هذا العام بجائزة الطيب صالح الروائية‚ واقامت المحاضرة المجموعة السودانية للثقافة والبيئة‚ ضمن موسم نشاطها الدوري في الخيمة الخضراء‚
شارك في الندوة مقدما: عثمان عبدالمجيد ومعقبا: الزميلان محمد الربيع محمد صالح وعماد البليك والنور ارحمة ومعاوية عبدالمجيد‚ كما قرأ الحسن البكري جزءا من روايته الفائزة وعنوانها احوال المحارب القديم‚ وعقب على ما قدم في الندوة حول تجربته‚
والبكري كاتب سوداني له: اهل البلاد الشاهق‚ سمر الفتنة‚ احوال المحارب القديم‚ وفي مبتدأ المحاضرة‚ استذكر الراحل محمد شكري‚ ورحب المقدم بالحضور‚ ثم دعا البكري لقراءة جزء من روايته الفائزة‚
تلا ذلك تعقيب على تجربة الروائي ومعنى جائزة الطيب صالح‚ قدمه محمد الربيع وقال فيه: «نحن اذن في مقام تتعانق فيه ثلاث علامات‚ هي: اول جائزة تخصص للمحكي السوداني‚ واول انجاز سردي يرقى الى مقام الجائزة هو «احوال المحارب القديم» للحسن البكري‚ والعلامة الثالثة‚ هي مركز عبدالكريم ميرغني‚ الذي يرعى هذه الجائزة‚ والذي يمثل احد اوجه التمدن في الحياة السودانية المعاصرة‚ التي تصون مخيلته وتراثه»‚
وعن تجربة البكري تحدث الربيع‚ فقال:
«وتجربة الحسن البكري الروائية في سمر الفتنة‚ واحوال المحارب‚‚ هي رواية المكان‚ بكل دلالاته وتأثيره‚ بوصفة «طوبوغرافيا وجودنا الحميم» كما وصفه غاستون باشلار‚ فشخوصه هي اقرب الى الرموز الثاوية في هذه المخيلة الواسعة المتعددة والمتنوعة المكونات‚ في حوارها المستمر مع الزمن والتاريخ وفي سعيها لفتح الطريق للمستقبل‚ مستقبل هذا الوجود الحميم المهدد بالشرط الموضوعي للتدخل الخارجي حينا وتبعثر الحوار بين مكوناته حينا آخر‚ وببقاء جزء كبير من هذه المخيلة في هامش الفعل والتأثير»‚
عقب ذلك تحدث عماد البليك عن «احوال المحارب القديم» فقال:
«عندما طلب مني الحسن البكري ان اشارك في ندوة حول تجربته الروائية‚ بعد فوزه بجائزة الطيب صالح في الرواية عن عمله «احوال المحارب» لم يطلب مني جديدا‚ لان الهم الروائى ظل شاغلا بالنسبة لي‚ فحياتي كلها تقوم على مشروع الرواية وامكانية هذا الفن في ان يحقق الكثير لواقعنا الرديء‚ بيد ان ما يشغلني بشكل خاص ويسيطر عليّ‚ سؤال الرواية من حيث كونها فن اللاممكن‚ في قدرتها على اختزال العالم واعادة تفريغه بطريقة «ديناميتية» اي انها تفجر العالم الذي ألفناه‚ لنكتشف فجأة انه عالم قبيح‚ وعلينا ان نسارع لاستبداله بعالم افضل» واضاف البليك: «في عمل مثل احوال المحارب اول ما تقف عنده (والكلام يتعلق بموقفي الخاص) فكرة التزوج بعيدا عن ارض الواقع كما ألفناه‚ وان كان البكري لا ينفك عن الشحنة الزائدة التي حقن بها ادب اميركا اللاتينية العالم‚ وفي مجمل الرواية فان لدى البكري عالمه الخاص الذي يسعى لاعادة التفكير في مركبات كونية تقترب من واقعنا المباشر‚ لكنه واقع آخر‚ لن يكون موجودا الا في مخيلته هو»‚
وتناول النور ارحمة في تعقيبه على تجربة البكري‚ ثلاثة معان تتكرر في كل اعماله هي: العنف المؤسس للروي‚ الوجد «واقصد به باعث داخلي ناجم من الاحساس بعدم الكمال»‚ اللذة‚ وقال في معنى العنف: «تبدأ اهل البلاد الشاهقة في مشهد تتعرى فيه على شيخ الدين اهم شخصية في الرواية ـ مشهد مجلس الملك الذي تتعرى فيه نهجة احدى قريبات الملك وفيه ينهض شيخ الدين ليذبحها ذبح الشاة قربانا لنزعة التسيد في داخله‚
وفي سمر الفتنة ـ المشهد التأسيسي وهو اغتصاب امراء الانج لهنونا التي وجدوها عارية تصطاد الفراشات في الحدائق الملكية ومن ثم قتل ميناس المحب وقرقى والده‚ كان مقتل ميناس اشبه بمقتل كليب اذ بعد اربعين ليلة تطلق اجوبا قواها السردية الاسرة وشهوتها الضاحكة ضد امراء الانج‚
وفي احوال المحارب القديم ـ وفي الفقرة الثابتة من الرواية يقول الراوي «لما اشتعلت حرب التحرير فطنت إلى قلة حيلتي وخواء روحي»‚
أما معاوية عبدالمجيد فارتكز تعقيبه على رواية سمر الفتنة‚ وبعد سرد تاريخي عن السودان‚ عرج على مفاصل الرواية ومن بينها الرمز الذي قال فيه: «استخدام البكري الاسطورة السحر والطقس الديني والوثني والجنس والكرامات والتاريخ بحرفية عالية‚ جعلت من سمر الفتنة ملحمة وفانتازيا اجتماعية ورؤيا وجودية ورواية في آن واحد» واضاف ان «الرواية في مجملها تكثيف للحلم السوداني الذي يحمل اشواق السودانيين لاقامة دولة» تقدر ثراءهم الثقافي والحضاري المتنوع‚
ومن فضاء «احوال المحارب القديم» نقدم هذا المقطع:
جيء بجوادي يصهل‚ اقتادته الرضية ساخطة ناحية شجرتي‚ توقف الجواد على مبعدة مني ثم رفع رجله اليمنى وصهل فرأيت حافره مقلما تزينه حدوة جديدة لامعة‚ صهل الجواد وتلفت ينظر ناحيتي ثم هز رأسه أعلى واسفل‚ متوترا مهتاجا‚
جوادي من سلالة محاربة‚ ينحدر من عشرة اجيال من خيول الحرب المدربة‚ هو بالذات تم تدريبه على القتال بضواحي الجبلين‚ من اعمال بحر ابيض‚ بعيني المتوهجتين وخدي المتوردين لا امل لجوادي بخوض معارك من اي نوع‚ اكيد رأى جواد الملازم اول في عدوه الملتهب يتنقل بين قطاعات المقاتلين فمنى نفسه بمصير مماثل‚
اجل‚ وجدتني استنشق رياح الخريف الحبلى بالمطر فتتخلل جسدي العافية‚ احس هبوبها في اعضائي‚ اصابع قدمي وفخذي وسرتي ومنخري واحسها تداعب شعري الطري المنسدل على كتفي كحزمة من سيقان القمح الغضة وتمضي عميقا حتى فروة رأسي‚
وحيدا‚ تحت شجرتي يتوالى تواردالقعقعة والدوي الى اذني‚ يتقدم المقاتلون فينأى القتال وجوادي يهز رأسه ويصهل ويحدق جهة العراك الطاحن‚ يغشاني النعاس وانام نوما خفيفا وحين افيق ألفي جوادي يرعى ساكنا‚ يذب بذيله الهوام‚ قد هجر صهيله وهدأت حركة عنقه‚ اهب واقفا‚ نشطا‚ قويا مثل ثور‚ اثني يدي عند الكوعين فأوتر عضلات ساعدي‚
اخلع ملابسي جميعها واقف عاريا واشد عضلات جسدي كلها فألفيها كالعهد بها متينة‚ صلبة‚
ازعق فيمضي زعيقي مجلجلا يغمر البطاح‚ انحني الى الامام والى الخلف مقوسا جسدي‚ اقفز في الهواء متشقلبا قبلا ودبرا قفزات سريعة متتابعة‚ ارفع رجلي اليمنى اعليها فوق رأسي ثم ارفع اليسرى‚ امسك رأسي بقبضتي فأطقطق فقارات عنقي ذات اليمن وذات اليسار ثم امشط بأصابعي شعري الطويل المتهدل على كتفي‚ انظر الى عضلات بطني صدري كتفي ظهري وعجزي فأجدها بارزة فاتكة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من الحب والحرب - مقتطفات من (أحوال المحارب القديم) بمناسبة صدورها (Re: Anwar Elhaj)
|
شكراً عماد البليك على ملخص ندوة نادي أصدقاء البيئة.
كان ملخص الوطن جيداً ولكن صحف قطرية أخرى قدمت سلقاً عجيباً للندوة. ما حدث في السودان بعد الجائزة كان أعجب! كنت أظن أن مقولة "كلام جرايد" هي مجرد مقولة جزافية! صديقي الراحل مصطفى سيد أحمد كثيرا ما اشتكى من عدم دقة ما ينشر عنه بالصحف، وكنت أظنه يبالغ! لا أدري إن كان للأمر علاقة بالعجلة التي تتميز بها المهنة أم "بالأيديلوجيا" التي يصدر عنها الصحفي. هذا موضوع طويل وشيق ويستحق أن يكون موضوعاً لدرجة علمية في الإعلام.
لك تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مشاهد من الحب والحرب - مقتطفات من (أحوال المحارب القديم) بمناسبة صدورها (Re: أمير تاج السر)
|
لكن النصر النهائي لم يتحقق. لا أخفي عليكم أنني سعدت على نحو ما بالنكسة التي مني بها لواء البطانة الزاحف شمالاً والتي حدثت في الصيف الذي تلا صيف انتصار بحر أبيض. استعان المحتلون بكتائب مرتزقة فرنسيين ومحاربين بوير ومقاتلين من إمبراطورية الحبشة كما توفرت لهم خبرات جنرالات ملكيين أسبان متقاعدين وشاركت في القتال إلي جانبهم أيضاً جماعات من مصر واليمن وحشود جاءت من الباكستان والشيشان والحجاز ونجد وجمهوريات البلقان. وطبقاً لتقرير أملاه حسين الطاهر على الرضية فقد تلقى جيش الاحتلال عتاداً من بلجيكا واسرائيل وإمدادات نفطية من العراق المحتل ومؤن من المغرب وإمارة شرق الأردن. تصاب الرضية بنوبات أرق مضنية بعد النكسة فأخجل من نفسي للسعادة التي انتابتني بفضل تقهقر مقاتلي البطانة جنوباً وفشل محاولات لواء النيل في عبور النيل الأزرق بالإضافة إلي تأجيل محاربي الصعيد خططهم للتسلل إلي الأسافل بغية تشديد الحصار على الخرطوم. في أحد أسفارها إلي الصعيد الأوسط التقي بالرضية فتتحدث بألم بالغ عن الهزائم التي حلت بهم. من ناحيتي أخبرتها أنني لا أنظر إلي الأمر باعتباره كارثة بقدر ما هو إعادة للأمور إلى نصابها. - مثلاً، كيف يمكن اقتحام العاصمة قبل رسم صورة واضحة لشكل السلطة الجديدة التي نسعى إلى إقامتها؟ لاحت الدهشة في عيني الرضية إذ لم يكن مثل هذا السؤال ليخطر لها على بال. كمقاتلة محترفة، كما ظلت تصرح دائماً، تنتهي مهمتها بإسقاط دولة المحتلين. - سلطة، أي سلطة؟ أنت ستعيدنا إلى مربع واحد من جديد: تحرير أم تعمير؟ البيضة والدجاجة، نفس اللغز الدائري القديم. - كيف سيحكم الصعيد؟ - وكم سيأخذ الصعيد، أليس كذلك؟ - بلى، كم سيأخذ؟ أشارت بسبابتها إلى أعلى وهي تطوي باقي أصابعها قائلة: - طظ! رغم جراحات فتينا التي تعيق انسياب روحي فقد اشتغلت على الرضية بغرض إزالة أرقها. أتت رياح الليل الصيفية الدافئة بشذا أعناب كاقو في تواتر متتابع، كثيف فاستطعت بعد جهد جهيد العبور بروحي إلى أيام مراهقتي الأولى حينما كان بوسعنا أنا والرضية إثارة زوابع من روائح الشبق يمكنها زلزلة ترابيس النوافذ وتحطيم مزاليج الأبواب. بل أن مداها بلغ في بعض المواسم حقول الذرة والدخن وصعد إلى قمم أشجار الهجليج والسدر فأثار هياجها إلي درجة أن مواسم الحصاد أتت قبل حلول أيام الدرت بينما نضجت ثمار النبق واللالوب وأم بنة والسينات مبكراً الأمر الذي حفز الأطفال على الغياب من دروس القرآن الكريم واللغة العربية التي يقدمها الفقهاء وتوجهوا إلي جمع الثمار. تزيل الرضية لفائف الأشرطة التي تطوق جسدي ثم تقوم بتدليكي صعوداً وهبوطاً، من أخمص قدمي حتى شعر رأسي وتصب عليّ زيت سمسم صافي تتبعه بلبخات قرض نيئ ثم بقليل من لخوخة القرض الناضج وتقوم بتبخيري بالسلم والطلح. أصاب بنعاس وتغشاني سنة ونوم خفيف تتبعهما بضع دقائق من النوم الثقيل. يؤدي كل ذلك إلي تحقيق تقدم لا يستهان به في حالتي، فقد خف مؤقتاً أوار لعنتي واختفت أصوات النباح التي كنت أصدرها حال إزالة أربطتي. من ناحيتي أقوم بخلع ثياب الرضية وأجري فحصاً شاملاً لجسدها فألفي بثوراً عديدة تنتشر ببطنها وظهرها وبين ثدييها. أقوم بكشط البثور بنقيع لحاء السدر ثم أتبع الكشط بتلطيخها بطمي قرير لزج مجلوب من نواحي أربجي. أقوم بعدها بفركها بالطين لساعات متصلة دون كلل وأدعها مستلقية على بطنها حتى يجف القرير ثم أشطفها بكميات وفيرة من مياه النيل الأبيض العذبة، النقية. يكون جسدها قد أضحى مجلواً مثل الذهب ويشرق وجها وينضر وتختفي الهالات الغامقة التي كانت تطوق محجريها. يزول كل أثر للبثور وتختفي الغضون الدقيقة التي بدأت في الزحف ناحية عنقها وصدرها وبين فخذيها. تصعد إلي سريري وتستلقي ثم بلا أدنى تأخير تستغرق في سبات عميق.
| |
|
|
|
|
|
|
|