|
مدار الأسئلة في واقع عربي معلق - مقالة
|
هناك عالم يتحرك بخطى سريعة‚ ويصل إلى أهدافه‚ في الوقت الذي يظل فيه الإنسان العربي يفكر في حل الاسئلة اليومية البسيطة الساذجة‚ كيف بإمكانه أن يواجه اليوم‚ دعك عن الغد‚ ويعكس مجمل المشهد إرادة مكسورة‚ وقلبا واهنا عاجزا عن تحقيق أحلامه وطموحاته‚ وخطوات متعثرة وخائبة تجاه الأفضل‚
لماذا هذا الانكسار والتربع؟ يبدو السؤال عاديا‚ ومكرورا‚ لكنه سؤال لابد من الوقوف عنده حتى يكون ممكنا فعل ما هو ممكن للاتجاه نحو المستقبل‚
لقد جرت محاولات عديدة لتفكيك بنية العقل العربي‚ وذهب البعض إلى أن هذا العقل تم اغتياله عبر مراحل متلاحقة من التاريخ‚ ومهما كانت المسميات (اغتيال) أو (موت) أو‚‚ فإن النتائج الحتمية أن هناك انهيارا لابد من الوقوف على جذوره‚
يتبدى هذا الانهيار في حالة التصدع الدائم الذي يعاني منها الكل - تقريبا - سواء على مستوى الفرد أو على مستوى «المؤسسات»‚ مع استخدام مفهوم «المؤسسة» مجازا‚ لأن تشكل هذا المفهوم صعب‚ أو أنه بمعنى آخر لم يتشكل بعد في عالم مايزال يحبو‚
ويتبدي الانهيار في مظاهر «الإرهاب» و«القمع» الذي يمارس وبشكل يومي‚ وبأشكال مختلفة‚ ذات مسميات ودلالات متباينة ‚ إرهاب يتجلى على مستوى منظومة «الأسرة» و«المجتمع»‚ «الدولة»‚ وعلى حساب الذات والآخر‚ وفي كل الأحوال فإن غياب الرؤية لما نعاني منه‚ يكرس هذه المظاهر السالبة‚ ويدفع بها لتكون أكثر تجذرا في مجتمعاتنا‚ حتى تكاد تقضي على كل محاولة جادة للانتصار على الباطل‚ أو إقامة العدل الذي يحقق للإنسان فحواه ومغزاه‚
وللأسف فإن الذي يحدث يكرس دخول الإنسان في سلطة الاستهلاك المادي القائم على أساس من اللاوعي الضخم‚ هذا الاستهلاك الذي يتبدى في مظاهر كثيفة‚ قد نرى بعضها‚ وقد يغيب عنا البعض الآخر‚ وهو قتل لازم ومؤكد لكل ما هو إيجابي في دواخلنا‚ وتكريس جاد لغياب الوعي‚ والمخططات الواعية الاستراتيجية التي يجب أن يقوم عليها البناء والتطور‚
وفي مجتمعات تفتقد لابسط حقوق الإنسان‚ يعيش فيها المرء مهمشاً‚ على مستوى الجماعة‚ وعلى مستوى الذات‚ فإن أي محاولات لإعادة القراءة أو إعادة تشكيل الواقع‚ يكون مصيرها‚ الاحباط‚ لا الفشل‚ لأن الاحباط هو مؤشر سابق لحدوث عملية الانهيار المترتب عن الفشل‚ عندما يحبط الإنسان ذاتا‚ وعملا‚ أو كقوة فاعلة يمكنها احداث التغيير والتحول في العالم‚ فإن هذا يعني مباشرة‚ قطع كل الطرق والوسائل التي يمكن ان توصل إلى النجاح‚ هي مبادرة مبكرة وسلبية هدفها البقاء على السيئ والطالح‚ وتمجيد الخوف والرعب في النفوس‚ وسيادة الأقوى سلطانا وجبهة عريضة‚ ويلبس السلطان هنا صيغة المراقب الذي لا يغفل عن مهمته‚ بطريقة لو مارسها الفرد في مراقبة ذاته تجاه ما هو ايجابي لاستطاع أن يتجاوز كل حدود المعوقات نحو البناء الفعال لحياة أكثر دقة ونظاما‚ واقرب إلى تحقيق ثمار وجودها‚
وفي هذا العالم «الجديد - القديم» تختل معايير أو معادلات الوعي‚ الفعال وغير الفعال‚ الموجب والسالب‚ الذات والآخر‚ الأنا والأنت‚ وغيرها من مصطلحات ينظر اليها كمتضادات‚ رغم أن الوعي العميق بها يجعلها قوى تعمل بشكل تناسقي في بناء العالم الجديد الذي يحلم به كل انسان مضطهد‚ وغائب عن ذاكرة شعبه‚ أو فعال وموجود في صياغ أسطوري‚ يحوله لبطل كوني‚ قادر على بسط سلطته على كل شيء‚ وقادر على صناعة العالم وفق هواه ومبتغاه‚ في تمظهر غريب يقول بجمل واضحة في عين الشمس ان الانسان يسعى لنفي مفهوم الانسانية‚ عندما تكون كلمة جبارة لها ايقاعها الجاذب في الانجاز‚ وتلوين العالم بضوء الحقيقة‚ هذه الحقيقة الغائبة او المغيبة‚ المسجونة او التي تسجن ذاتها‚ المعذبة او التي تتعذب بيقينها‚ في شروط جديدة ومستحدثة للمعاش تنفي كل القيم القديمة والراسخة‚ اعني ما هو فطري‚ وجنيني ‚ ومؤهل نسق التكوين الحر لكتابة انسان حر‚ ومتحرك بمعتقد ايجابي تجاه العالم‚
حتى فكرة العالم (في حد ذاتها) تتحول إلى مجرد هامش‚ او معنى يكسب جدواه من نفيه‚ والاغتراب عنه‚ ليكون المعادل الموضوعي والموجب‚ ان عملية البناء الفعال والحقيقي قائمة على ترسيخ القيم المكروهة سلفا للذات المنتمية لشروط الوجود الايجابي‚ لكن كثيرا من مظاهر الصورة تتهشم‚ ويكون على الفرد ان يطيع هذا الهشيم‚ وان يبارك سلطان القهر‚ والرعب‚ وان يكمم عقله قبل فمه‚ وما يجري اننا نكمم عقولنا‚ او نغتالها بالمعنى الكلاسيكي‚ ونتحرك لافواهنا حرية الكلام في مقولات ترتبط بالبنى السفلية للغة‚ مثل لغة الجنس‚ والتهميش العاطفي‚ والاجترار المرتبك‚ هذا النوع من اللغة يعكس نوعا من التمرد الخفي‚ والمعلن في ذات الوقت‚ بيد انه تمرد سلبي‚ لا يكون ايجابيا في تحريك الركود الاجتماعي والمعرفي في عالم يكره ذاته‚ ودائما تتخذ اللغة مرادفا لنوع التفكير السائد في المجتمع بقدرتها على كسر الحواجز المستترة لكن اللغة وهي في حيز التكتم تكون لغة مصدعة وميتة تدفن نفسها بجدارة في بئر التاريخ‚ حتى التاريخ نفسه‚ ينأى عنها‚ ويحاول ان يتخلص منها لو استطاع إلى ذلك سبيلا‚ لن تكون قادرة على تجميد الحراك‚ أو تحريك «الجامد» تتحول إلى وسيلة تغييب كامل للعقل‚ وللقلب‚
يظل السؤال قائما عن الانكسار والخوف والتهميش؟ وعن امكانية تصالح الانسان العربي مع وجدانه وضميره‚ وما لم تتم هذه العملية (الصعبة) من التصالح‚ فإن الخلاصات هي نزيف مستمر وقهري لكل ابداع أو ابتكار‚ هي جراح كبيرة جدا لن تندمل‚ وتهميش مستمر للجمال واللا مرئي‚ وسيادة فوقية كاذبة للانا الصديدية‚
|
|
|
|
|
|