|
محمد الحسن علي فضل وغموض شعر التيجاني يوسف بشير - كتاب صدر حديثا
|
غموض شاعر! في كتابة محاولات في النقد طرح الشاعر والاديب السوداني محمد محمد علي، قضية الغموض في شعر التيجاني يوسف بشير، وذهب علي الى ان غموض التيجاني يرجع الى صغر سنه، وعدم تبلور رؤاه الكلية تجاه فكرة الوجود. ودائما ظلت قضية الغموض في شعر التيجاني الذي يعتبره السودانيون أبا شرعيا للشعرية الجديدة، من القضايا الشائكة، ولم تطرح هذه القضية بمنظور متكامل يقرأ أبعادها بالنظر والتعمق في حياة الشاعر. في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان «حياة التيجاني من شعره» يعيد الاستاذ محمد الحسن علي فضل، هذه القضية لدائرة الضوء من جديد وان كان الكتاب يناقش العديد من الموضوعات المتعلقة بحياة الشاعر، كقضايا: اليقين والشك وغيرها.
يقرر فضل ان ديوان التيجاني (إشراقة) يبدو لأول وهلة صعبا وغامضا، ويمضي للقول بأن هذا الغموض (مصطنع تضافرت عوامل كثيرة في اظهاره بهذه الصورة المضخمة).
يرى التيجاني ان الشعر يهبط قويا هادئا في ساعة كأنها لمحة من حياة الانبياء، يوحى الى الشاعر فيها كما يوحى الى النبي في سره هذا التفسير يحيل الشعر الى معنى يبعده عن المفهوم الذي ذهب اليه فضل، اي الصنعة، لتكون كتابة الشعر فعلا تلقائيا. لكن يمكن ان يفهم الامر على نحو آخر يوازن بين الكتابة التلقائية والصنعة فنفسية التيجاني كما يصفها فضل من النفسيات شاذة التكوين وهي ذات مغامرة تنشد اليقين عبر التذوق الروحي، بعيدا عن العقل والبحث لكنها في ذات الوقت تتحكم اراديا في وعيها بالخروج عن التقاليد المتعارفة وابرز هذه التقاليد سلطان اللغة.
يقول فضل «التيجاني كان يضحي بكثير من التقاليد المتعارفة ويخرج عن سلطة اللغة فهو (مثلا) يجمع نسيم على نواسم والصحيح انسام» (ص 25/26) .
ولنفسية معقدة كالتيجاني تكون محاولات البحث عن الاسباب محفوفة بالوقوع في التخمين والرجم، لا سيما وان التيجاني كان يلازمه شعور بالنقص (ص 46)، هذا الشعور يجعل صاحبه ابتكاريا، لكن ابتداعاته تتم بطريقة يصعب تفسير مغزاها الحقيقي.
حاول فضل ان يفسر الغموض في شعر التيجاني من منهجين متداخلين: منهج نفسي يفهم الاسباب من خلال نفسية الشاعر، المنعكسة في قصائده، ومنهج لغوي من خلال تركيب القصيدة ومعمارها.
اذا كان التيجاني في منظور فضل غامضا غموضا مصطنعا، «فهو لم يكن متصنعا فيما يصور» (ص 15)، اي ان هذا الغموض يدخل في مرحلتين: مرحلة التلقائية المترتبة من نظرة الشاعر للعملية التي يفسر بها الشعر في كتابته، ومرحلة الصناعة التي تربط بنفسية الشاعر المعقدة، وتتداخل المرحلتان بدرجة تصعّب الفرز بينهما.
«لم يكن التيجاني متصنعا فيما يصور»، كانت الصور عنده مستوحاة من عالم روحه الخاص، هذا العالم العميق بارتباكاته وشغفه تجاه اسئلة العالم، ومع هذه الذات المتشابكة والمعقدة تكون الصور مشبعة بخصائص كالتجسيم فقد كان التيجاني يجسم المعاني (ص 22) وكان يتعامل مع كل بيت من القصيدة كوحدة متكاملة فالحذف لا يؤثر على البناء العام (ص 22)، اما من الناحية اللغوية والتركيب فقد كان التيجاني «يأتي بضمائر يحتار، الباحث في ارجاعها، وقد لا يجد لها مرجعا الا اذا انتزعه تقديرا كما يفعل النحويون، وهذا يبعث على الحيرة والاضطراب ويجلب الغموض» (ص 23).
ولعل افتتان الشاعر بشعره كما يرى الكاتب، والمنعكس عن شذوذه التكويني يمكن ان يفسر علاقة الشاعر مع نصه في كون ذاته محورا للنص في حالة تستبعد القارئ لتجعل القصيدة رؤية ذاتية للعالم يلج المستقبل لأنوارها بصعوبة امام الاسراف في التصوير والموسيقى اللفظية حيث يرى فضل ان التيجاني قتل الوضوح بالتصوير والموسيقى اللفظية.
تظل قراءة شعر التيجاني عملية مرهقة ومعقدة وقد استطاع فضل ان يضيء جوانب من نفسية الشاعر ويفهم حياته من خلال شعره لكن الكاتب يلفت النظر الى ضرورة اعادة طباعة ديوان (إشراقة) مع الضبط وشرح المعاني سواء كانت غير المألوفة، او الدارجة التي يعيد الشاعر توظيفها على نحو جديد، او الكلمات المولدة من العربية بطريقة مبتكرة وغير مستخدمة من قبل.
ويرى فضل ان من شأن هذا المشروع ان يفتح الآفاق نحو رؤية جديدة لحياة التيجاني وشعره وبكتاب فضل انتهت خطوة لتبدأ خطوات جديدة يكون على الجيل الجديد عبء انجازها لاضاءة تبلور الشعرية السودانية.
عماد البليك - عن الوطن القطرية اليوم
|
|
|
|
|
|