في رواية (الخلود) لكونديرا، يطرح الكاتب في عدد من فصول العمل لقاءات تخيلية بين ثلاث شخصيات مؤثرة في التاريخ هي: غوته، ارنست همنغواي ونابليون بونابرت. ولو اتيح لكونديرا اعادة كتابة رواية (الخلود) لاضاف شخصية رابعة في تقديري، هي «بيل غيتس»، حتى تكتمل الزوايا الاربع لمربع (السوبر مان).
هذه الشخصيات رغم انتمائها الواضح للحياة، الا انها كانت على خلاف واضح مع فكرة العالم، وما لم تكن هذه الحالة من الخلاف قائمة، فليس بامكان الانسان ان يصبح كائنا عظيما، فالمعنى دائما هو مغامرة ضد العادي والتقليد، حتى لو بدأت هذه المغامرة في عيون الآخرين نوعا من الجنون وابتكار الاساطير.
يقول مؤلف كتاب «بيل غيتس يتكلم»، جانيت لوي: «لقد اصبح بيل غيتس اصغر بليونير في العالم وعلى مستوى التاريخ في سن الحادية والثلاثين»، ويلخص موهبة بيل غيتس في جملة واحدة «كانت لديه موهبة افادته وهي معرفة الطريق الاقصر».
(معرفة الطريق الاقصر) عبارة ساحرة تختصر كل فكرة عن العبقرية واختراق المألوف، وعندما يكون بقدرة الفرد اكتشاف الطريق الاقصر نحو اي شيء فانه يقدم جديدا للعالم ويدخل كتاب (الخلود) الذي يعني الابدية، وهو المعنى الذي اراد كونديرا ان يصوغه من خلال روايته، التي تحفر في هذا الاطار.
لكن ادراك الطريق الاقصر يتطلب في المقام الاول تقرير الانسان لما يريده بالفعل في حياته، وهو ما يمكن ان يسمى بنداء الذات، وهو صوت خفي، يعيش في سكون الاعماق البعيدة اللا مرئية، ويكون هذا الصوت مشوشا في اغلب الاوقات، ولكي يستطيع الانسان سماعه على نحو مميز فالمطلوب حالة من الصفاء والاخلاص تجاه سبر الاغوار العميقة للذات بدرجة توازي استيعاب الكون ككل، ليتحول من فضاء واسع لا متناهي، الى ذرة صغيرة جدا تتلاشى معها كل الطرق ليكون الطريق الاقصر نحو كل الوجود.
كان اداء غيتس سيئا في الصف السادس بالمدرسة وكان على خلاف مع والدته، بل ومع الحياة كلها فقرر والده اخذه الى عالم نفسي لاستشارته. ورأى غيتس ان العالم النفساني شخص لطيف، فكان يعطيه كتبا يقرأها عقب كل جلسة وموضوعات لفرويد، جعلته يفهم نظريات علم النفس، وبعد ان عمل المعالج مع غيتس لمدة سنة اخبر والدته انه من العبث محاولة اجبار غيتس على التواؤم مع السلوكيات او على الطاعة وقال لها: لو حاولت فسوف تخسرين ومن الافضل لك ان تعتادي عليه، فلن تستفيدي شيئا اذا حاولت ان تضربيه.
استطاع العالم النفساني ان يستوعب حالة غيتس وخلق علاقة خاصة معه لأنه فهم ان ما يعانيه بيل يتعلق بايجاد علاقته الخاصة مع العالم، لكن عائلة غيتس فهمت الامر على نحو مختلف انه الجنون ونجد ان ذات المشهد تكرر بشكل آخر، مع الكاتب البرازيلي باولو كويلهو عندما اخذه والده الى المصحة النفسية عندما رفض ان يدرس الهندسة، واراد ان يكون كاتبا ولم يستوعب والده هذه الارادة.
بالنسبة لباولو كويلهو فقد عرف طريقه الاقصر في الحياة عندما سمع لنداء الذات .. هذا النداء الذي ليس بامكان والد باولو ان يسمعه.
لاحت كتب باولو عن هذه التجربة في روايته «فيرونيكا تقرر الموت»، والتي تدور احداثها داخل مصحة عقلية، وتفكك لنا عالم الجنون، وعلاقات الاشخاص داخل هذا العالم.
بكلمة واحدة هي (الخلود)، اختصر كونديرا المعنى، سر الحياة، والابداع .. ان تبحث عما يجعل روحك تحلق طيفا فوق كل مكان، حتى لو انك لم تعش في هذا المكان.
عماد البليك - عن الوطن القطرية
06-06-2004, 07:47 AM
Abo Amna
Abo Amna
تاريخ التسجيل: 05-01-2002
مجموع المشاركات: 2199
تحياتي في البدء لوجود لتقديمك هذا العملاق ميلان كونديرا بيننا .... وأتمني ان تحاول القاء الضوء علي عدد من اعماله اذا ما توفر لك الوقتالكافي ..
لفت انتباهي :
نداء الذات، وهو صوت خفي، يعيش في سكون الاعماق البعيدة اللا مرئية، ويكون هذا الصوت مشوشا في اغلب الاوقات، ولكي يستطيع الانسان سماعه على نحو مميز فالمطلوب حالة من الصفاء والاخلاص تجاه سبر الاغوار العميقة للذات بدرجة توازي استيعاب الكون ككل، ليتحول من فضاء واسع لا متناهي، الى ذرة صغيرة جدا تتلاشى معها كل الطرق ليكون الطريق الاقصر نحو كل الوجود.
وفي الحقيقة وأنا اقرا ما كتبت كنت ما بين مواصلة القراءة والتوقف لاعتبار الوقت ولكن حينما وصلت الي هنا قررت ان اعيد القراءة منذ البدء مرة اخري .... انه يماثل الكون عمقا .. وليت لو أن الطريق في متناول الجميع ..
كل الود
06-06-2004, 10:59 PM
emadblake
emadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791
أكاد أتخيل أن هذه اللحظة التي توقفت عندها، هي ذات اللحظة التي تحدث عنها التيجاني يوسف بشير في قصيدته المعروفة الصوفي المعذب، عندما وقف متأملا الذرة، التي توازي عمق الكون. وهي لحظة صلاة عميقة، وحقيقية، معها لا يكون الزمن موجودا، أي الإنسان يستطيع القبض على الزمن وتشكيله كيفما شاء في لحظة وعي خالص، وليست لحظة غياب كما يحدث مع الأحلام أو السكر أو الغيبوبة أو الجنون. لهذا ربما كان الخلود هو حالة انتفاء الزمن، أو السيطرة عليه بشكل دائم.... لكن الخلود يكتسب معنيين : معنى السلطة على الزمن. ومعنى الانقياد للزمن وما أجملهما! في الأول تكون أنت المطلق الجميل، وفي الثاني تكون الاشياء هي المطلق الجميل. وفي كلا الوضعين فالإحساس المترتب هو الحرية، الطرق الأقصر. ولولا الحرية لما كان إنتصار الإنسان على الذات أولا والأشياء ثانيا، ولما كان الخلود. بيل غيتس، نابليون بونابرت، وجوته، وأرنست همنغواي جميعهم علامات للحرية في ابلغ صورها. الحرية في تشكيل العالم بالأرقام والرياضيات وبرمجته = نموذج غيتس الحرية في تشكيل العالم بالقيادة والسيطرة = نموذج بانوبرت الحرية في تشكيل العالم بالأفكار = نموذج جوته الحرية في تشكيل العالم بالكتابة = نموذج همنغواي
وليمتد الحوار......
عماد
06-07-2004, 08:55 AM
Abo Amna
Abo Amna
تاريخ التسجيل: 05-01-2002
مجموع المشاركات: 2199
لطالما اعتبرت ان هنالك الخلود الذي نحدد سقفه الزمني بوجودنابرغم ان الخلود مطلق ولكن حينما نتحدث عن الكون الخص بنا وهو مقدار ما تمتد حياتنا فاننا نخلق بذلك خلودا للائياء بمقدار ما نراها ونحسها ... وعلي ذلك وعلي ذكر اسم التجاني يوسف بشير .... لطالما اعتقد ان هنالك خلودا في عدد من القصائد التي يحتاج مجرد التفكير في قراءتها الي صفاء كامل ... فماذا كانت يا تري اللحظة التي تم فيها كتابة تلك القصيدة وكيف كان شعور كاتبها .. انها لحظات ربما تقايض بكل العمر ...
هنالك تلك القصائد التي لا ينطفئ لهيبها والتي تبعث فيك ذات الشعور كلما قرأتها دون اعتبار للمكان والزمان ...
لطالما اعتبرت قصيدة الصادق الرضي احدي تلك القصائد التي تتمتع بالخلود علي الأقل بالنسبة لي .... واعتقد ان بها لحظة من الصفاء تستوعب فيها كل الكون ... وتدرك حقيقة الاشياء ....
واليك هذا المقطع:
الحزن لايتخير الدمع ثياباً
كي يسمى بالقواميس بكاءً
هو شيئ يتعرى في فتات الروح
يَعبُر من نوافير الدم الكبرى
ويهرب من حدود المادة السوداء
شيئ ليس يفنى في محيط اللون
أو يبدو هلاماً في مساحات العدم
الحزن فينا كائن يمشى على ساقين,
دائرة تطوف فى فراغ الكون,
تمحو من شعاع الصمت
ذاكرة السكون المطمئنة
كيف ترفض الجدائل فضة في الضوء
ترفض الفقاقيع التى
مابين امرأة الرزاز
إشارة للريح فى المطر الصبى
إضاءة فى الماء
خيطاً من حبيبات االندى
سحراً
صلاة
هيكلاً
قوس قزح؟!
ذلك سر الكون
أن تبصر في كل حسن
آية لله
والسحر الإلهى المهيب
ذلك سر العدل
أن تتفجر الأشياء,
تفصح عن قداستها,
ترى في الشئ ما كان إحتمالاً
ثم تنفتح الكنوز
تري حينما تستطيع في جزء من اللحظة ادراك حقيقة الحزن وسر الكون وسر العدل ... كيف يمكننا ان نصف هذه اللحظة كاملة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة