|
عن سيرة الرجل - نص
|
عن سيرة الرجل
في ليلة أخرى‚ غير هذا الغضب سأنزع الأقلام عن محابرها‚ ألون بقايا الدماغ الذابل على هيئة الجماجم في مقابر وجدت هنا‚ تقول بان تاريخك لا ينتمي لهذا الرجل‚منذ ان جاء يحمل معوله العجوز‚ جاءت عصافير زرقاء تخطف الوجع عن القلوب‚ وفي مساءات مترفة بالحزن‚ تراجعت طيور القماري الى نوافذ البيوت المتهالكة‚ لم تفكر في حجم الأنا التي تدوخ بها المكان‚ ولا في كراهية من سكنوه‚ فكرت في أشياء أخرى غير سيرة الرجل الذي لا انتمي له
‚هوايته تطهير القلوب من الحب‚ ويعشق لحد مؤسف تلوين السماء بريش الجرأة الكاذبة‚ ويوم قادنا الى المسلخ في درس العلوم لنرى كيف يقتل الإنسان الكبش‚ فزعنا‚ الى مسارب الصحراء‚ وعاد ليحدثنا ان هاتفا ناداه فاستجاب له "أي هاتف يا عبيد الله؟"‚ضحك وانطوى مع غياهب الرجفة في البلد المقهورة بدموعها‚ كان يعاني الوحدة‚ والعذاب اللامتناهي‚ ويدس في أسفل الرأس شيئا من أوراق قديمة مهيأة للجوع‚ كتبت فيها تأملاته عن أسرار الخوف في ضمائر المغفلين‚ وكان الرجل الذي لا انتمي له واحدا منهم‚
في الفقرة الأولى من كتاب "النجوى والإنسان" سطر المؤرخ المجهول لأبناء بلده‚ عبيدالله الحيران‚ قصصا عن جيل استطال فنطح السحاب‚ وعن سيدة هجرت رجالها تبحث عن دم النهر الذي غرقت فيه غزلان المروج البرية‚ وفي نهاية الفقرات الموشحة بسواد القهر‚ قال ما انطوى عن عشق كبير لهذه الأرض: انه الخوف لا يزول إلا بترتيب المحبة على رفوف الوقت المعجون بطواحين التآلف بين المساكين‚ وكان الرجل الذي لا انتمي له واحدا منهم‚تمسكا بقيمة المحبرة‚ ساعة تدلق حبرها على الورق دون ان تمسه الأيادي‚ قمت ليلتها‚ أمشي في حنايا روحي‚ أجد هذه الروح قلقة بشكل النهر والماء الدموي‚ أسأله: "متى يكون الصفاء؟" يعاندني الماء ويهرب من بين يدي المنهكتين بترتيب مقام الروح في الجسد‚ كان ذلك قبل ان أدخل قبة الخوف‚ وقبل ان يمزقني الكتاب الذي قرأت فيه ان تاريخ الإنسان قطعة من رونق الانكسار‚ وقتذاك ظننت انني فهمت‚
ورحت أحدث الرجل الذي لا انتمي له‚ بحجة انني أطلب الانتماء‚ فرمى بي في قاع الماء وحيدا‚ رأيت أسماكا ملونة تبكي‚ وتماسيح لا تلد‚ وفئرانا تحاول العيش فتعجز‚ وبشرا كانوا قادرين على النطق بحجم هولهم‚ جثثا متعفنة بسراويل من شتى ألوان الكون المرئي‚ ورأيت أشعة أكس تعبر الماء فترسم على انحناء قوس قزح الدم لوحة من كيمياء الرعب‚ وخلت انه حلم‚ لكني لم استيقظ أبدا‚ وكيف يكون مقامي إذا ما فقد المكان عطر الرجل الذي لا انتمي له‚
تراجعت بي ذاكرة الصدأ والعوج الى معوله العجوز‚ الى مطاردته لليالي القديمة‚ يبحث فيها عن معنى لتشذيب اللحى‚ ونتف الحواجب القاعدة عن الجمال‚ وفي لحظة صدق حدثني ان العالم بدأ يكسب ما فقده في رحلة طالت‚ لم يشرح لي كيف كانت عودته يومذاك من مناطق الجدب في الصحراء مع جحيم القوافل‚ او يعطرني بالاستياء كما ظننت‚ رش على جسدي جملا تراثية مثقلة بالأنباء ومحشوة كوسادات النار بالخيزران‚
سأظل أتذكره في لفافة التبغ‚ وفي نقوش جدي الملك "طـــهراقا" الذي بنى مملكـــــته في الرمل وذهب الى منابع النهر‚ يبحث عن خلده هناك‚ ومع تقلب أحوال الذات‚ كدت ان انسى‚ أذوب في مهرجان فصول السنوات المتلاقحة بالأنين‚ كنت كطواحين الهواء‚ أو كرائحة الموز في غابة عند نهر الجور‚ وكنت سيئا جدا‚ وللغاية‚ وهذا ما لم يحتمله الرجل الذي لا انتمي له‚ قصف بي في مهبات الريح الشمالية قبل موسم "دميرة" النهر أو البحر كما يسميه أهلنا‚ جعلني أترنح في الهواء‚ اعاند قوانين نيوتن‚ أحن لمدخنة تعصف بي الى أعلى‚ أسيح في فراغ ما قبل الأمــس‚ في ليلة كان فيها حلم واحـــــد‚ لا غير‚ ان اهرب الى قاع الماء‚
|
|
|
|
|
|