|
شيخوخة مبكرة لكرة القدم
|
شيخوخة مبكرة لكرة القدم
جاء كأس العالم 2006 لكرة القدم بعد انتظار أربع سنوات، ليضع فواصل جديدة في عالم الكرة، كانت ضد فقراء الدنيا، الذين يجدون متعتهم في تفاصيل صغيرة مثل متابعة مباريات كرة القدم التي تمثل لهم متعة تغنيهم عن متع الحياة الكبيرة والغائبة، والتي لا ينالها إلا أصحاب الثراء والجاه. جاء مونديال ألمانيا ليعلن بصوت جهور أن كرة القدم بدأت عصر الرأسمالية والتوحش، في ظل لهفة الإتحاد العالمي لكرة القدم، الفيفا، لجمع الأموال من وراء الحدث العالمي، دون وضع أي إعتبار لفقراء العالم، الذين سوف يحرمون من مشاهدة المباريات وبذلك يفقدون آخر المتع المجانية. الأدلة التي يبرر بها تجار الكرة احتكار البث الفضائي للمونديال تقوم على أن عالم الكرة تحول إلى "بيزنس" وأن منصرفات رياضة كرة القدم أصبحت ضخمة بحيث يصعب تغطيتها بدون اللجوء إلى الأسلوب التجاري، لكن واقع الأمر أنه يتعدى التغطية المالية إلى تحقيق الأرباح والثراء السريع، فهناك مافيات ضخمة من الشركات والسماسرة الذين يتصارعون على جني الأموال من تجارة اللاعبين وشراء الأندية الضخمة، إلى ما لا يمكن تصوره في هذا العالم المترامي الأطراف والذي يصعب على أي إنسان خارجه تصور مدى الحكاية. الرئيس الليبي معمر القذافي شن هجوما على الفيفا واتهمها بالعنصرية، وعارض احتكار البث التليفزيوني باعتبار أن كرة القدم هي في الأصل لعبة الفقراء، وفي ذات الوقت تنبأ بعض المهتمين والمتابعين لعالم الرياضة، بأن ما يحدث الآن ربما يشكل بداية النهاية لكرة القدم كرياضة جماهيرية. وفي ظل هذه الحمى يدور سؤال في الذهن: هل كرة القدم ستظل الرياضة الشعبية الأولى لقرون قادمة، وربما لسنوات قادمة، هذا السؤال يمكن الإجابة عليه بالرجوع إلى واقع الحال الآني، حيث هناك الملايين الذين ليس بقدرتهم مشاهدة المباريات، سواء في الوطن العربي، أو في جل العالم، حتى في بعض الدول الغربية، وهذا الأمر يقلل من مساحات الاهتمام بكرة القدم، بخلق نوع من الشعور النفسي الذي يتراكم تدريجيا، بإعتبار أن كأس العالم هو أكبر منافسة في عالم كرة القدم، فإذا حرمت الشعوب منها، فما الذي تبقى لها؟ وبنظرة أخرى فإن تاريخ كرة القدم يعتبر حديثا، فهي لعبة لم تعرفها الأمم عبر تاريخها القديم جدا، وكونها جاءت في العصر الحديث على يد الإنجليز، فقد جاءت في زمن ما بعد الثورة الصناعية والاتجاه نحو الاقتصاد الرأسمالي، وبالتالي وجدت نفسها في مزلقان رهيب ومطب صعب يجعلها تواجه العثرات. هناك رياضات قديمة كالفروسية على سبيل المثال، هي الأخرى فقدت شعبيتها وأصبحت رياضة للخواص، وقد يحدث ذات الشيء مع كرة القدم، بيد أن الإختلاف الخطير في كرة القدم مثلما حذر القذافي هو أن تتحول إلى نوع من الاسترقاق الجديد، حيث أن معظم اللاعبين المميزين - وهو أمر يثير الانتباه - يأتون من بيئات فقيرة ومن خلفيات اجتماعية بسيطة، وهؤلاء وفي ظل عالم يشحن ذاته بالصراع المادي، لن يستطيعوا أن يقاوموا المافيات وعصابات التجار، وبالتالي سيتحولون إلى مجرد أناس يبحثون عن رزقهم. وإذا كان هذا الأمر لم يحدث الآن بشكل واضح إلا أنه سوف يحدث في المستقبل القريب، ولنا أن نقارن بين ما يتقاضاه أي لاعب مميز مثل اللاعب البرازيلي رونالدينيو أفضل لاعب في العالم للعام 2005 بحسابات الفيفا، وبين ما تتقاضاه الشركات والأندية التي تستفيد من اسمه. ما يتقاضاه لن يسوى قيمة كبيرة مقابل الأرباح الطائلة والاستثمارات التي يساهم في صنعها، وهذا يعني أن هناك نوعا من الاجحاف الحاصل فعلا، وهو سمة أساسية في ثقافة العمل الرأسمالي الذي يوظف الأفراد بهدف ابتذاذهم بالعمل مقابل قيم مادية، مهما ارتفعت لن تكون مقنعة مقابل الإنجازات، وهنا يكمن الخوف الحقيقي والتحدي المستقبلي. فهل يكون الحل مثلا بالرجوع إلى رياضة كرة القدم الجماهيرية، والتي أثبتت، هي الأخرى فشلها عندما حاولت بعض الدول تطبيقها، وقد فشلت لأن الناس بطبعهم يبحثون عن الإثارة الناتجة عن الصراع المادي، فأي تنافس يخلو من الصراع الذي يدور حول المال لن يكون ذا مغزى كبير. هي تحديات كبرى تقف أمام كرة القدم، سيقرر فيها المستقبل، ربما القريب جدا.
عماد البليك [email protected]
|
|
|
|
|
|