|
بإمكان الجثة أن تطير!
|
بإمكان الجثة أن تطير! بين لحظات التفاؤل والأمل نصطدم فجأة بعثرات الواقع‚ لنرتد من جديد الى نقطة البداية منكسرين منهزمين‚ هكذا تدور رحى الحياة‚ وتقتل الصحوة في الذات‚ بفعل الدمار النفسي الذي يمارس بشكل يومي‚ من قبل البشر‚ ضد بعضهم البعض‚
اذا كانت الحروب مرتبطة بأماكن تستعر عندها النيران‚ الا ان الحرب موجودة كفكرة وفي كل مكان‚ فحياتنا المعاصرة نوع من الحرب القذرة والرديئة‚ في ظل التصارع الذي لا يقف‚ في سبيل اجترار تسلق سلم الحياة‚ حتى لو بدا هذا السلم قذرا وغير قابل للتوقير والاحترام‚
ويقول احد شعراء اميركا اللاتينية‚ تخونني الذاكرة عن البوح باسمه: «ثق بالدرج‚ ولا تثق بالدرجة»‚ الواقع ان جل الحروب التي نعيش تفاصيلها على مستوى العمل والبيت والشارع الخ ‚‚ هي من النوع الذي يثق بالدرجة‚ مما يعني قصورا عن تلمس المعنى الجوهري للأشياء‚ وإدارة علاقة صادقة مع العالم‚ لأن الصدق لا يتولد من العفوية فحسب‚ بل من وعي الوجود‚ فقد يكون المرء بسيطا ومخلصا تجاه حياته والآخرين‚ لكنه في ذات الوقت لا يفتر عن تلفيق الأكاديب‚ أحيانا يمكن أن نجد العذر لمثل هؤلاء الأشخاص ‚ لأسباب منها: أن حالة الكذب‚ قد لا تكون حالة أصيلة في الذات‚ وهي بالتالي لا تهدف بشكل مباشر إلى الاندغام في مفهوم الحرب ودمار الواقع‚ بمعنى أنها حالة دفاعية‚ ضد ترهلات الحياة‚ وما يجابه الضعيف من أساطين السلطة وملوك الجبروت‚ الذين تجدهم يحلقون جثثا ميتة في كل مكان من حولك‚
تخيل أن تكون الجثث المتعفنة‚ قادرة على التحليق لكن ذلك ممكن وواقعي‚ حتى أن الجثث لا تبدو قبيحة لمن يتأملها‚ أو ينظر إليها بشكل مباشر‚ فالجثة تعمل على استقطاب الناس وتحفيز شهواتهم نحو حب الحياة والتمتع بالنظر في اسرار الكون‚ ولا مانع لديهم من المخاطرة ودفع المال ليتم لهم مرادهم‚
قد تكون فكرة الجثة الطائرة‚ مستوحاة من قصة ماركيز المشهورة أجمل رجل غريق في العالم‚ هذا الرجل الذي يطير جثة في خاتمة الرحلة‚ بعد أن يمتع العيون بتأمله ويكحلها بالرغبة في اكتشاف ألغاز العالم‚
تتداخل صور الحرب النفسية‚ الأكاديب‚ الأجساد المعبأة بالعفن‚ الرؤساء المفترسون ‚ المساكين‚ كل ذلك مع أحلام الناس ورغبتها في بناء تمركزها في هذا الكون المتسع‚ الذي بإمكانه ان يستوعب الجميع‚ لكن لا أحد يفكر‚
إذا تأملنا في مدارات الكواكب في المجرات الكبيرة‚ ننتبه لمغزى أن يتحرك كل جرم بحريته‚ دون أن يصطدم بجرم آ]ر‚ أن يحمل كل جرم مغزاه ومركزيته الذاتية قد تتناوش النيازك‚ وتخرب المسارات‚ لكنها لن تصل لمرتبة أن تكون كواكب مضيئة‚ وعبرة أن يضيء الكواكب‚ في كون الضوء يرى للآخر‚ ولا يرى للكوكب نفسه‚
لكن «كواكب الأرض»‚ غير ذلك وسط حمى الصراع اليومية‚ والراغبة في صعود الدرجة‚ قد يكون هناك استثناء بيد ان جل الاستثناءات تسقط أحيانا عندما تحاول ان ترى نور ذاتها‚ متغافلة امكانية ان تهب هذا النور للآخرين‚ بهذا المعنى لا يكون الفن والإبداع الصادق قيمة للذات فحسب‚ بل هو قيمة للآخر الذي يرى من خلاله ذاته‚ وفق أبسط النظريات الإبداعية مثل «موت المؤلف» وهذه الأخيرة تذكرني بفكرة «موت النجوم»‚ لقد ماتت منذ ملايين السنوات لكننا نستمتع بها في الليالي الكالحة‚ ونفهم من خلالها حسابات الزمن ودولاب الليل والنهار كذلك النجوم البشرية الحقة‚ التي لا تموت بموتها فأن تموت يعني ألاتكون قادرا على انتاج معرفتك الجاذبة للكون‚ ان يتحول الكون إلى حالة نفي لك‚ تظن انك انت الذي خسرك الكون لكن الواقع يشهد ان الخسارة الحقيقية تتعلق بذاتك‚
سأبدأ من حيث انتهيت أو العكس ــ ليس مهما ــ ان انكسار الانسان وجرحه لا يعني خسارته للعالم فالخسارة ان تتحول إلى جثة حتى لو توهمت أنك طائر‚ فالجثة حتى لو طارت فلن تظل صامدة لأن هناك قوانين ترفض صمود الاجسام الثقيلة لأن نيوتن كان يجلس ذات يوم تحت شجرة فوقعت تفاحة‚ ان تقع تفاحة يعني ان تقع الجثة‚
فيا أيها الميتون تعلموا من سيرة الاحياء وكما قال الشاعر وعبر بمعنى بسيط: «إنما الميت ميت الاحياء» وما أبشع الموت في زماننا‚ ولعل المعنى الديني في فكرنا الإسلامي يجسد هذا المغزى عندما يقول بحياة (الشهيد)‚ هناك من يحيا وهو ميت وهناك من يموت وهو حي وحسبنا الحقيقة‚
|
|
|
|
|
|