ايام في الخرطوم

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 06:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عماد البليك(emadblake)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-01-2005, 07:25 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ايام في الخرطوم

    أيام في الخرطوم

    مر شهران على أحداث الخرطوم الدامية والتي وصفت من قبل معتمد العاصمة بأنها أكبر من كل التوقع حيث أن ما جرى يفوق التدريبات التي تلقتها أجهزة الأمن والشرطة،فقد ذكر في حوار مع صحيفة الصحافة السودانية أن هذه الأجهزة تدربت على مكافحة الشغب .. لكن الشغب الأخير كان دراميا ومبتكرا،شغب من نوع آخر حاول البعض تشبيهه بأحداث المرتزقة أيام النميري غير أن أوجه الشبه غير واردة لإختلاف محركات الحدث العنيف.
    ثمة سؤال لا يزال يحير الكتاب الذين يسطرون كلماتهم في الصحف،ما الذي جري وما هي دوافعه الحقيقة : هل هو مجرد ردة الفعل على مقتل جون قرنق؟ هل هي سنوات الحرب التي خرج منها أبناء الجنوب لينتقموا من الشمال فانقلبت الدائرة عليهم.. أم إنها دوافع جديدة في ألفية جديدة تحت ظل السلام؟
    جاء السلام لينقل الحرب من الجنوب إلى الشمال،هكذا علق البعض..
    وقال آخرون: هل هذا هو السلام المتوقع أن يذبح أبناء الشعب الواحد بعضهم بعضا،لكن البعض قال: هل توصلنا إلى يقين أننا شعب واحد ؟؟
    أحداث غلفت ذاتها بالأسئلة الغريبة والملغزة، وكشفت أن الواقع السوداني الجديد يحتاج إلى أكثر من وقفة من السياسيين والمنظرين فالواقع دائما أقوى من الخيال البراغماتي الذي تعمل على إنتاجه ماكينات السلطة والمعارضة،إنه خيال الشعب الجامح الذي حول الواقع إلى مأساة وتراجيديا مفزعة لا يتصورها العقل الجميل.
    كانت أحداث الاثنين الأول من أغسطس واليوم التالي الثلاثاء الثاني من أغسطس الماضي،شيئا لا يمكن أن يعبر بسهولة في تاريخ السودان الجديد،الذي يحاول أن يمسح جراح الماضي ليجد أنه غارق في جراح أعمق،صورة من التناقض الذي يحول المتهم إلى برئ والقضاة إلى مجرمين..
    ولعل أبلغ تحليل قرأته – على حد تقريري – ما سطره قلم الكاتب الحاج وراق الذي ذهب إلى ان ما عاشه المواطن الجنوبي في أيام الحرب من تشرد وموت مرئي وغياب للحبيب والقريب أدى إلى سكب ردة فعل مختزنة تأخر ميلادها ربع قرن من الزمان المنسي.. وجملة المقال يفيد بمعنى التسامح وأن جزءا من ضريبة السلام، هي التشتت الذهني، والقلق النفسي والانهيار العصبي الذي يقول الكثير عن الحياة المفقودة والتي لم يكبت تاريخها بعد،اي حياة سنوات العنف المتدثر ما وراء الحرب التي استمرت نصف قرن من الزمان.
    لهذا فالتأمل العميق لا يقف بالمسألة عند حد اليوم والأمس،بل يمضي بعيدا ليصور ما كان غائبا عن الذهن،ويعلمه أن يعتبر من الحكاية التي ستكون هي رواية المستقبل.. وهو لن يأتي على صيغة محددةو كما قال الطيب صالح.
    صادف أن تزامنت إجازتي السنوية ووصولي إلى الخرطوم مع اليوم الأول من الأحداث الدامية بالخرطوم (الأول من أغسطس)،والتي أعقبت نبأ مقتل الدكتور جون قرنق في تحطم الطائرة التي كانت تقله عائدا من يوغندا إلى الخرطوم في الرحلة السرية التي لم تكشف أهدافها إلى اللحظة،وخلفت الرحلة اللغز ، وراءها، العديد من الألغاز عن سبب الحادثة وتداعيات من ردود الفعل القاسية في العاصمة المثلثة،أو جمهورية المدن الثلاث كما يحلو للدكتور منصور خالد تسميتها.
    داخل المطار وإلى أن خرجنا إلى الساحة التي تقف بها سيارات التاكسي،لم تكن هنالك ثمة إشارة إلى أن الخرطوم تشهد إرتباكا كبيرا،ردة فعل عن الحدث المفاجئ الذي لم يكن أحدا يتوقعه،أن تنتهي حياة رجل الحرب والسلام لاحقا بعد ثلاثة أسابيع فقط من دخوله كشريك في الحكم في السودان،بعد أن كان محاربا جسورا أقلق ثلاث حكومات تعاقبت على السودان خلال ربع قرن من الزمان،في حرب لم تخلف الضحايا فحسب،ولم يتأثر بها الجنوب فقط،بل حولت السودان أجمعه إلى ساحة خالية من فرص النظر إلى المستقبل.
    ورأى الشعب السوداني،أغلبه، أن عودة قرنق كانت الأمل الذي انفتحت به بوابات جديدة في سماء المستقبل،ورغم أن البعض رفض السلام باعتباره مداعبة بين طرفين في السلطة،إلا أن ذهنية المواطن السوداني البسيط كانت تشتغل بمعادلات مختلفة عن البراغماتية السياسية التقليدية،وعقلية الأحزاب القديمة التي تحلم بالعودة إلى اي مركز يشعرها بالوجود تتكئ عليه حتى لا تسقط إلى الأبد.
    كانت عودة قرنق ليست مجرد حدث عادي وعابر في السياسية السودانية الجديدة،ويمكن التحفظ على كلمة "عودة" بتحفظ قرنق نفسه الذي نبه مقدمه في أول خطاب له،مهدي إبراهيم،عندما إشار إلى أن قرنق عاد إلى السودان.
    كان تنبيه قرنق ذكيا،حيث ذكر أنه لم يعد إلى السودان،فقط جاء إلى الخرطوم لأنه كان موجودا في السودان أصلا،فالجنوب الذي حارب فيه هو جزء لا يتجزأ من السودان،وكان هذا فكر رجل وحدوي،يتحرك من منطلقات ترى قصة السودان قصة بلد واحد لا بلدين،حيث أن الحركة الشعبية تعتبر أول تنظيم جنوبي نادى بالوحدة،وقد اعتبر محمد أبوالقاسم حاج حمد في مؤلفه الضخم "السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل – الجزء الثاني" مانفستو الحركة الشعبية من أكثر التطورات الجدلية في الفكر السياسي لمثقفي جنوب السودان.
    هذا الانفراج الكبير في التوقعات أعقبته أزمة غياب الكاريزما الكبيرة،برحيل الدكتور في مفاجأة غيرت الموازين،وجعلت البعض يفكر بخيار الانفصال بديلا عن خيار الوحدة،وهي ردة فعل مباشرة لما حدث في الإثنين المشؤوم، وفي الشكل المباشر لقراءة المواطن العادي،انعكس الحب إلى كراهية،أو خرجت الكراهية المستبطنة إلى السطح،لا فرق في التعبير كثيرا،طالما كانت عقلية المواطن تتعامل بردود الأفعال، ولا تنظر بعيدا في الأفق،إلى مستقبل تتلاشى فيه الفواصل الوقتية التي تعيق الحركة إلى الأمام.
    في ذلك اليوم،حدث الارتباك،وكانت المقدمات دليلا على النتائج قبل وقوعها،حيث أن الرؤية المباشرة التي وقعت على ذهني أن ما جرى يقول بعبارة بليغة:"غياب الأمن وسلطة الدولة وهيبتها"،فالدولة هي السيادة وتوفير الحماية للإنسان البسيط.
    وجراء ذلك انفتحت الأسئلة الدائرية:هل كانت الدولة تريد للعنف أن يمتد بنية مبيتة للانفصال،أم أنها كانت عاجزة عن التحرك؟
    كل الاحتمالات جائزة،لكن الأهم من مطاردة الاحتمالات يتعلق بنقطة حساسة يجب التوقف عندها،وهي أن الشعب السوداني ورغم كل ما حدث،كان قادرا على تجاوز الأزمة،والمعني تجاوز الأزمة النفسية من قبل المواطن البسيط،فخلال أيام كان الجنوبي والشمالي يجلسان سويا في حافلة المواصلات العامة ويضحكان..ليست هذه مجرد صورة جدلية أو خيالية،لكنه الواقع الذي بقدر ما يتأزم ينفتح من جديد،ووراء ذلك يكمن التحدي الأكبر الذي يتعلق بذهن المواطن (جنوبيا كان أم شماليا)،وهو ما تعجز البراغمتية المتسلطة عن استيعابه..
    قلت أن جل الشعب السوداني رأى في مشاركة الدكتور جون قرنق الأمل الذي انفتحت به بوابات جديدة في سماء المستقبل،غير أن المستقبل كان يرسم طريقه بشكل مختلف، حيث غاب رجل الغابة الذي دخل القصر قريبا من النيل سريعا في غابة الموت،وكانت النهاية المستعجلة بداية لشكل جديد من قراءة العلاقة بين الجنوب والشمال،ومع ذلك برزت تعريفات جديدة للجنوب،اعتمدت على إعادة تعريف مفهوم الجنوب من المستوى الجغرافي،فالجنوب 2005 لم يعد هو الجنوب 1948 أو الجنوب 1983 عندما أعلن كاسترو السوداني (قرنق) عن إنشاء الحركة الشعبية.
    تحول الجنوب في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم،إلى معنى جديد،وتحرك ليكون جزءا من الشمال،عندما بدأت عمليات النزوح الجماعي ما بعد بداية الحرب مجددا،وفي الخرطوم أصبحت المستوطنات العشوائية الجديدة مظهرا للتحول الحادث في مفهوم وفكرة الجنوب بنزوحه شمالا،ومع هذا المكان المختلق شمالا،كان أن حدثت تحولات في العقل الجنوبي،لم تكن على مستوى اللغة فحسب،بل أيضا، التماهي مع العقل الشمالي "المنسوب للثقافة العربية والإسلامية وتجربة حضارة المتوسط".
    ووفقا للواقع الجديد كان على العلاقة بين الشمال والجنوب أن تكتسب تصورات جديدة،وأن يعاد فهم مدلول مفردات كالوحدة الوطنية والعصبية،لأن الحركة الشعبية الجنوبية استطاعت أن تستوعب مثقفين من الشمال،لتتغير فكرة الحرب من كونها صراع شمالي – جنوبي،أو جدل قائم على العصبية أو الدين إلى فكرة الصراع السياسي الذي يبحث عن السلطة،بما يوازي الصراع السلطوي بين أبناء الشمال طائفيين كانوا أم أحزاب جديدة اعتمدت على الأفكار المستجلبة من الخارج وحاولت ادغامها في الحراك الاجتماعي والسياسي في السودان.
    وكان بناء على هذا المنظور الذي يفهم الحرب على أنها جدل سلطة وثروة،أن يؤسس كتاب جديد لقراءة ما يجري في الجنوب،وبالتالي كان من الممكن أن تتوقف الحرب منذ فترة بعيدة،لكن ذلك الشيء تأخر ربع قرن من الزمان بسبب أن المفاوضين في فترات متفاوتة كانوا يحركون أجندة التفاوض اعتمادا على الأفكار الذهنية المترسبة والتي تفهم الصراع في إطار الجدلية العصبية والدينية بعيدا عن المترتبات المستحدثة والقائمة على جدل الثروة والسلطة.
    الجنوب القديم لم يعد حاضرا منذ إنشاء الحركة الشعبية التي عكست الموزاين القديمة للصراع بين الشمال والجنوب،وتعضد هذا المفهوم مع اشتداد الحرب والمواجهات المسلحة وتكاثف النزوح نحو الشمال،ومع تدخل الدوائر الغربية التي كان لها دورا غير مرئي في توجيه بوصلة الحرب،وتحريك ذهنية التفاوض،وفق مقتضيات كل مرحلة.
    في أحداث الأول من أغسطس الماضي التي حركت الحرب من الجنوب إلى الشمال وفق ما ذهب بعض المحللين،كان ما حدث في واقع الأمر ومن المنظور المنطقي،أن الحرب لم تتحرك مكانيا،نسبة لأن الجنوب كمفهوم جغرافي تغير- كما أسلفت - ليشمل أجزاء كبيرة من الشمال،لأن المكان لا يفسر إلا وفق المكونات الإنسانية والثقافية..
    ونجد أنه في ذات اليوم الذي شهد أحداث الخرطوم كان أن حدثت أحداث مماثلة في جوبا،اي في الجنوب وفقا للمفهوم القديم،حيث أحرقت محلات التجار الشماليين الذين هرب الكثيرون منهم في أول طائرة إلى الخرطوم،من الجنوب إلى الجنوب،أو من الشمال إلى الشمال،لا فرق،ليجدوا أن الخرطوم ليست أرحم من جوبا،إذن فقد اندغم الشمال والجنوب وخلقت وحدة على مستوى الشكل لم تتبلور على المستوى الذهني.
    وقصاد هذه القراءة التي تعيد النظر في علاقة الشمال والجنوب بمقتضيات الجنوب الجديد،وإعادة قراءة المكان وتطوره بالمعنى الجدلي للحراك الاجتماعي والسياسي الجديد خلال ربع القرن الأخير من السنوات،تطرح جدلية الوحدة أم الانفصال،والتي يفترض أن تقرأ بناء على ذلك بوعي جديد،لا يستند على ذهنية ما قبل 1983،بل على ما حدث من تحورات واقعية لم تأخذ حقها من التدبر،وللأسف فإن الذهن السلطوي شماليا كان أم جنوبيا لا يزال يتعامل وفق العقلية البراغماتية القديمة التي لا تزال تؤمن بالتفرقة العنصرية المستبطنة وأسلمة الجنوب وتعريبه،من طرف..ومن طرف ثاني هناك وعي للتعالي القائم من الطرف الأول،لكن "الثروة والسلطة" يخففان من صيغ المواجهة التي يمكن أن تتجلى بشكل مباشر في أسلوب الحرب التقليدية،التي تحورت الآن إلى حرب جديدة تمظهرت مبدئيا بشكل بدائي في أحداث الأول والثاني من أغسطس،لكن شكلها المترسخ يكمن في الصراع الخفي الذي سوف تقرأ نتائجه خلال السنوات القادمة،عندما يعاد تعريف الحرب مثلما أعيد تعريف مفهوم الجنوب.
    أصبحت معادلة "الثروة والسلطة " هي الدينمو الخفي الذي يحرك العلاقة الجدلية بين الشمال والجنوب السودانيين بعد الانقلاب العسكري في الثلاثين من يونيو سنة 1989 ، تحديدا بعد نجاح الحكم الجديد في خلق أجواء اقتصادية جديدة في السودان باستخراج النفط وبداية عهد جديد من التحول نحو الرأسمال،وكان للمعادلة الوليدة دورها في تحريك التفاوض الذي أدى لتوقف الحرب الطويلة،لكن من مشهد آخر فقد تحركت نوايا " التمرد" في مناطق أخرى من البلاد،وبدا من المظهر أن هذه الحركات الحديثة ذات مفاهيم عصبية وعرقية،لكن الجوهر العميق يكشف أن المعادلة التي أصبحت صارخة،صارت هي التي تجعل الراغبين في المشاركة في الحكم،علنيا ينطلقون من دعوى التحرر والانفصال والرغبة في الحكم الذاتي،وباطنيا يقاومون كبت التلهف الذي ينعكس في تصريحاتهم،ذلك التلهف نحو الحصول على حصة من الكنز.
    كان استخراج الكنز المدفون في باطن الأرض خيرا كبيرا،لكن في ذات الآن حرك هذا الخير القادم الشهوات المغلقة لتخرج بدون تحفظ،وفي الجلسات المغلقة من التفاوض غالبا ما تثار مثل هذه القضايا بصدام معلن،لكن المقال الخارجي يفيد عكس ذلك حيث يبدو المتسلط والراغب في السلطة وهما يحملان وجه البراءة المعبر الذي يتحدث عن مشكلات الإنسان البسيط والرغبة في تعديل الحياة نحو الأفضل.لكن الأفضلية تظل مرتبة وفق قاعدة طبقية تتيح بعد الوصول إلى الحلول،بأن يتحول "المتمرد" العائد إلى "حظيرة الوطن" إلى وحش يلتهم نصيبه من الكيكة ونصيب الآخرين الذين حاربوا وكانوا الوقود الحقيقي الذي مكن القادة من الوصول إلى نصيب من الكنز.
    إذن فقد غابت المعادلات القديمة التي كانت تحرك بؤر الصراع ورغبات الانفصال،في بلد زالت فيه الحدود بمعناها الجغرافي القديم،عندما أعيد تعريف الجغرافيا،ولم يعد للفوارق العنصرية سطوة ذات جاه أمام سلطان الثروة التي أصبحت تحرك العالم بديلا للأفكار والأيدلوجيات.
    بعد انضمام الحركة الشعبية إلى الحكم بوصول قرنق إلى الخرطوم،تكاثفت أعداد المنضمين لها من الشماليين وزعم الدكتور قبل رحيله أن عدد الشماليين الذين انخرطوا في الحركة تجاوز المليون والربع،وبغض النظر عن دقة الرغم - فقد ذهب قرنق إلى أن عدد الذين استقبلوه بالساحة الخضراء في الخرطوم يوم مقدمه بلغ ستة مليون،وهو رقم مبالغ فيه،وفقا لعادل الباز رئيس تحرير صحيفة الصحافة- فالمحصلة أن هذا التحرك الشمالي الواسع من مثقفين ونخبة نحو الحركة عكس ما أشرنا إليه بخصوص موت مفهوم الجنوب الجغرافي ما قبل سنة 1983،أي ما قبل ظهور الحركة الشعبية وبروز قرنق في ساحة الحرب،لكن داخل هذا التوسع الرقمي المبالغ فيه،نجد أن معادلة الثروة والسلطة لها وجود خفي،ففي المدن الشمالية انضم العشرات للحركة واحتوتهم مكاتبها التي أسست بشكل سريع،ولم يكن عدد من المشاركين الجدد أصحاب هويات سابقة،من يساريين ماركسيين وغيرهم فحسب،بل كان البعض من الإسلاميين السابقين.
    هذا السقوط في الذهن النخبوي،والذي يتجلى في سقوط الأفكار واستبدالها بالرغبة في السلطة والكنز،جعل العقلية السياسية الجديدة تدخل في ذات الدوائر القديمة التي وقع فيها الخريجون الأوائل من كلية غردون الذين سرعان ما انحدروا كمثقفين يعول عليهم إلى عبيد واقعين تحت أسر المادة تحت أيدي السيدين والطائفتين (الخاتمية والأنصار)،وذات المشهد يتكرر بشكل جديد مع الطائفية الجديدة المتمثلة في السلطتين الحاكمتين،وعندما نقرر أن هناك حركة طائفية فهذا يعني أن الجنوب البعيد عن المفهوم الطائفي اندغم في موتيفات صورة الحراك السياسي السوداني الذي لم تتغير ألياته بشكل ملحوظ في الذهن السطحي منذ الاستقلال وإلى اللحظة،حتى فيما يتعلق بمفهوم "السلطة والثروة" الذي برز إلى الوجود بشكل واضح ما بعد انقلاب يونيو.
    كانت هذه سياحة في مجموعة من الأفكار التي خرجت بها خلال أيام قضيتها بالسودان،وقد اعتمدت في بناء هذه الأفكار على ما يردده الشارع العام،وما تتناقله وسائل الإعلام المحلية، وبناء على حدسي الخاص في المقاربة بين الأفكار وإعادة بنائها وتشكيلها وفق أفق يمكن أن يساهم في بلورة قراءة ثانية للواقع الآني في السودان،في إطار جدليات الوحدة والانفصال والدخان الذي تصاعد سريعا واختفى بعد الفاتح والثاني من أغسطس الماضي في اليومين الدمويين بالخرطوم.

    * نشرت بصحيفة الوطن القطرية
                  

10-01-2005, 07:53 AM

willeim andrea
<awilleim andrea
تاريخ التسجيل: 05-01-2002
مجموع المشاركات: 3813

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ايام في الخرطوم (Re: emadblake)

    up
                  

10-01-2005, 07:57 AM

عادل فضل المولى
<aعادل فضل المولى
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 2165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ايام في الخرطوم (Re: emadblake)

    البليك
    سلام شديد
    يعني المقال (فضحك) من جهة
    وارتوى (شيئ ما) عندنا من جهة أخرى
    حمد لله على السلامة.. مرتين
    وعايزين نسمع الجديد
    ...
                  

10-01-2005, 08:43 AM

emadblake
<aemadblake
تاريخ التسجيل: 05-26-2003
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ايام في الخرطوم (Re: عادل فضل المولى)

    يا عادل

    كل المسألة أنه الاجازة كانت في اقصى الشمال الجغرافي ،يعني لازم نقول الشمال حتى لو ان المفهوم الجغرافي هذا اهتز

    عموما كيفك

    وسلامات
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de