|
اسمه جربوع الإفرنجي، لا تكاد إذا نظرت إليه تعرف رأسه من بوعه
|
مقطع من رواية لم تكتمل بعد
قبل رحيله مساء يوم أمس صلى ركعتين في مــــــــسجد الحي قبل أن يحل الفجر .ألقى نظرة على المدينة رآها نائمة تحلم بالعديل والزين، فكر قليلا في أحوال الوطن الكبير الذي تشرذم ليكون بالوعة لشفط كل جبان. اسمه جربوع الإفرنجي، لا تكاد إذا نظرت إليه تعرف رأسه من بوعه، أمه قطيفة امرأة فنانة، احترفت منذ سنوات التمرد الأول ضد الحياة تقشير الأسود والأبيض واللعب بالطماطم في صالة البلياردو في حوش أولاد المربوط. قابلني في الزقاق الذي عرفت فيه جيرناو قبل سنوات المزمزة فسلم علي بحنان وقال لي سأرحل اليوم ولكن قبل ذلك سأسرد لك الوصية التي كنت أحب أن أنقلها لسيدنا البشملي لينقلها بدوره للعمدة ود كانون المنجلي، وإذا فهمت الوصية فسترددها الأجيال. لم أساله أي أجيال يعني، وقبل أن يدلف إلى نهاية الزقاق سلمني اللوح المكتوب بالدواية وعليه في الجانب الخلفي صورة الأمام الكرواني مزخرفة بلون الجزمة التي اشتراها جيرناو في تلك الأيام ليقنع بها البنات أنه غني أبن جاه وسلطان. جاء جيرناو على هيئة ولد شجاع يريد أن يغير مجرى الخور في البلد قبل موسم المطر، كان يركب البطاح مع عمال البلدية ضعاف الجسم، نزل من البطاح وركب في الآلة الضخمة، أمي قالت لي : اسمها التراكتور، ضحك أبي وقال : لا هذا اسم قديم لألة قديمة، الحياة تغيرت يا بشرية هذه اسمها الدقداقة ووظيفتها دق الأرض دقا ومواستها. فكرت هل جاء جيرناو ليواسي الأرض الحزينة أم ليحفر لنا خورا تسير فيه المياه حتى لا تغرق السيول بيتنا كما حدث في العام السالف. قبل أن أسترسل في أفكاري رأيت الدقداقة تسير على الشارع المجاور لمركز البوليس وهي تهدر هدير النائم ساعة يحلم بالقيامة. حفر جيرناو الحفرة الكبيرة وبعدها حفر خمسة حفر اصغر ثم حفر بعد ذلك حبه في قلوب النساء بمهارته العجيبة في الحفر على طريقة الحفريين الجدد في السودان الذي حفروا حفرة لهودنا ولأم زلط. أم زلط لا أحد يعرفها فهي التي صنعت أشياء عظيمة في تاريخ البلد مثل عملها على دس سجلات المواليد في بيتها حتى يجهل كل سوداني تاريخ مولده فيكتب أنه ولد في الأول من يناير. ومن الأشياء الأخرى التي أقدمت عليها والله أعلم في مرادها أنها نامت مع جربوع الإفرنجي قبل يوم من رحيله أي أول أمس، كانت نومة قائمة على معادلة تقول أن الطيبات للطيبين، لكن الناس تعرف أن جربوع خبيث ابن خبيث ابن خبيز العيد، وتعرف أن أم زلط عيونها لا ترى اللون الأسود، عاشت كل حياتها وإلى اللحظة ترى اسم السودان غير موفق أبدا واقترحت على جربوع ساعة نومتها معه أن يسمى البيضان ومفردها بيضة كما تقول، وقد لا يوافي هذا شروط النحو العربي لكن الامر ليس مهما عند أم زلط التي تعتقد بأن كارثة السودان في التفافه حول العرب تتذكر دائما مقولة المزروعي : " كان بإمكان السودانيين أن يكونوا أفضل الأفارقة لكنهم اختاروا أن يكونوا أسوأ العرب ". تركني جربوع وحيدا في الزقاق وهام بالموت الذي ينتظره على هيئة بابو وقبل أن أعود إلى بيتنا كنت أصطحب معي صورة ذلك العالم الذي مات، عالم أم زلط وجيرناو وأخرين سنعود لهم.
|
|
|
|
|
|