|
أدونيس وعمى الحب للنقطة القديمة
|
الأب : عمي الحبّ للنقطة القديمة استضاف برنامج «خليك بالبيت»‚ الشاعر السوري ادونيس‚ في مساحة مشرقة‚ «نطقت فيها الأشجار بنعوتها» على طريقة الضيف‚ وكاد هذا الاشراق ان يملأ عتمة البصيرة‚ لولا انهاكه بالاسئلة المتكررة عن بيروت‚ سأقول لها احبك‚ رغم انك لست أجمل امرأة في الدنيا‚ هكذا عبر علي أحمد سعيد أو أدونيس‚
جاء الحوار بعد فوز ادونيس بجائز العويس الثقافية‚ هذا الفوز الذي اعتبره مفاجأة له‚ لكنه سعد ان تحولا خفيا يجري في الصالح العربي‚ كأنه يقول بامكانية ان ينعدل الحال‚ لنكون اكثر قدرة على التنفس بشفافية وشتاء‚ ذلك لان انعدال الحال يستدعي «الثورة على الآباء» كما اطلق عليها ادونيس وهذه الثورة التي ستجعلنا منهكين من محاولات مواجهة اكوام الجهل والغثاء‚
كنت قد انتهيت من قراة رواية «الجهل» لميلان كونديرا‚ فاكتشفت ان الجهل هو ألم الحنين انه رغبتنا الملحة في تمجيد قيم الماضي‚ وعدم قدرتنا على «الثورة على الآباء» لنكون زاحفين‚ وللوراء‚ مجابهين بأن نعود على الانكسار‚ وخداع الذات‚ وشنق الهوى‚ لنفهم بعد رحلة قرون مثقلة بالوجع في تاريخ الذات‚ ان حقائقنا ما تزال ملفقة لا زلنا عاجزين عن استلهام خواصنا في عتق رقاب الهزيمة‚ لاننا ادمنا حالة الاحباط واليأس‚ المترتبين عن غياب مفردة الحرية في قاموس واقعنا‚ المتعطش للقمع والترويع‚
حاول ادونيس ان يفهم مغزى النفس‚ لكن المحاولة لم تنته بعد‚ الى شطآن اللغز‚ «اذا فهمت نفسي توقفت» فالابداع لا يهتم بايجاد اسئلة تنتهي لاجابات تغلقها في مخزن التاريخ‚ يحاول ان يفرد خيوطا من الالغاز الجديدة المبتكرة نحو ان يكون العالم اكبر لغز‚ وتختلف طرق اثارة الاسئلة وتحريكها نحو تحريك الكامن‚ وكمون المتحرك يحدث هذا لمسافات من الزمن القصير‚ قياسا لمعادلة التاريخ المنهمر نحو حتفه‚ بيد انه لا يموت‚
فهمت ان طريقة الاستكشاف عند ادونيس‚ تقوم على مستويين يعملان في مصب نار واحدة هي اشراقنا نحو ان نبدع وان نغرق في بئر الخديعة‚ خديعتنا بأن مفاتيح الوجود‚ بقدر ما هي متناثرة الا انها حرة لا نستطيع «القبض» ـ مفردة ادونيس ـ عليها‚ لكونها حققت مفهوم الحرية‚ قبل ان يتحقق في ذواتنا‚
المستوى الاول يشتغل على التعدد‚ على طريقة بيكاسو‚ اي ان يكون العالم‚ عبارة متحركة‚ تتلون ولا يتوقف تلونها نحو ان تبتكر مطلقها وجمالها‚ والمستوى الثاني يشتغل على طريقة التعدد كما هي عند فان جوخ‚ اذ يستلهم الفنان تجديده من عبارة ساكنة تتلون ايضا نحو تشيك مطلقها وجمالها‚
بمعنى ان تكون الحالة الابداعية‚ هم واحد في شأن سؤال واحد‚ وهم متعدد في شأن اسئلة متعددة‚ وفي الهم الواحد تكون الذات شغوفة بفك حصار السؤال حول استيعاب الغاية والهدف والمصير‚ من داخلها نحو خارجها‚ اما في الهم المتعدد فالاسئلة تنعكس في تجريبها بالاشكال النصوص/ الاستلهامات‚ التي يكون هناك مستقبل في انتظارها ليفهم‚
نعود لمفهوم «الثورة على الآباء» الذي يختزن غاية البحث عن التحول والمتغير‚ ضد سلطة الثابت الذي يرهق اجترار الاسئلة بقمعها في صندوق العدم‚ ان نعدم الاسئلة بمعنى ان نجعلها تنجر لتكون سؤالا مفردا يموت بارتهانة لألم الحنين والشوق الذي يطارد الانسان‚ فيعجز عن مقاومة بجرأة‚ لان الجرأة لا تكتسب امام سلطان غيار الضوء الكاذب‚ عندما تمجد اللغة مفردة «النور» وتهزم مفردة «الظلام» وان كانت الجدلية المعروفة تستنسخ شأن الخوف من السكينة وشأن العرفان من التوهان‚
الاب‚ هو ألا تكون هناك اسئلة او مجازات مرسلة كانت أم مقيدة ان ينتهي النور‚ مندسا في كهف النور‚ دون ان يسائل الظلمة لتكون خواص الشيء تشبهه تماما‚ بمستوى النظر من نقطة ثابتة‚ لهذا سيكون التحرك هو ما سيجعل العين ترى الجانب الآخر تغسل عمى الحب للنقطة الثابتة القديمة
|
|
|
|
|
|