دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
" دان بروان " والنظر إلى العالم بالمقلوب
|
النظر إلى العالم بالمقلوب
" دان براون" كاتب غريب المزاج، فقد قرأت له في إحدى الحوارات، أنه يستريح أثناء الكتابة، بالوقوف بالمقلوب (وضع الرأس إلى أسفل)، ويصف هذا الوضع بأنه جيد جدا لرؤية الاشياء بزاوية مختلفة، كما أنه يساعده على بناء الحبكة الدرامية في السرد الروائي لأعماله. لا يتعلق النظر إلى الاشياء، عند دان بروان، بالوقوف بالمقلوب جسديا ومحاولة فهم العالم بناء على هذا الوضع، بل أيضا، بالوقوف بالمقلوب في إعمال العقل تجاه قراءة العديد من الأفكار الإنسانية المتعلقة بالتاريخ وما يتضمنه دفاتره من قيء وحقائق ملوثة بالأكاذيب. ومثل الكاتب الإيطالي إمبرتو إيكو كما في روايته المشهورة " اسم الوردة " يعمل دان براون على حبكة رواياته بطريقة تجمع بين العمل البوليسي والعمل التاريخي الناقد، الذي يغور بعيدا في إعادة قراءة المقدسات وهدم المخيال الجماعي والأسطوري تجاه المقدس. ويرى عدد من النقاد أن دان بروان الذي اشتهر بعد كتابة روايته المثيرة للجدل " شفرة دانفنشي"، يمتع بقدر ما يزعزع ذهن القارئ، وبعد الفراغ من قراءة أي عمل لهذا الكاتب، وغالبا ما تتم عملية القراءة مرة واحدة، بفعل عامل الإمتاع والجذب والحبكة البوليسية الصارمة، يجد القارئ (نفسه) أمام صورة لعالم جديد غير الذي ألفه وعاشه، وكأنما لم يكن موجودا في العالم من قبل. يحكي دان براون عن تجربته في الكتابة، بقوله: بدأت الكتابة عندما قرأت إحدى الروايات التي إشار الناس لأهميتها، فأكتشفت أنني سأكتب أفضل منها. لا أدري ما هي الرواية التي يتحدث عنها براون، ولكن على أقل تقدير فقد نجح براون في أن يقدم عملا مثيرا للجدل والنزهة والاختلاف والدهشة، وغيرها من المفردات التي يمكن أن توصّف حالة الاستغراب والإحساس بالجديد. " شفرة دافنشي" ليست مجرد عمل إبداعي روائي، فني، يقرأ بهدف المتعة، ولا أظن أن كاتبها فكر في هذا الشيء بالدرجة الأولى، بأن يكتب رواية تمتع القارئ، بقدر ما فكّر في إثارة أسئلة ملحة تتعلق بتاريخ المسيحية وتدوين الأناجيل، وكيف تداخلت العديد من الطقوس الوثنية القديمة في بناء العقيدة المسيحية. والملفت للنظر في هذه التجربة، الدقة التي يتمتع بها براون في النظر إلى الأشياء، بناء على طريقته المبتكرة في النظر بالمقلوب للعالم، فهو قادر على مفاجأة القارئ بهدم قيم وأفكار تصب في صلب المسيحية بناء على أسلوب منطقي يشبه طريقة الباحث العلمي المدقق. فبراون لا يكتب رواية بالمعني الحرفي للرواية، بقدر ما يتخذ الرواية كجسر نحو القول والبحث المضن في قضايا شائكة ومعقدة، قد يكون البوح فيها بالشكل المباشر، على شكل كتاب فكري أو علمي أو بحث تاريخي ناقد، غير مجدي. إذن تتحول الرواية عند براون إلى بحث مقلق، وعمل كبير يحتاج إلى المرجعيات والمصادر، بيد أن المحصلة ليست هي التاريخ فقط، بل هي النزوح إلى صلب القضايا الراهنة والأزمات التي يمر بها الإنسان العصري، حيث أن الأزمة الراهنة ليست إلا غصنا يكاد يسقط من شجرة غرست جذورها في الماضي. وقد يدور سؤال مبدئي عن علاقة دافنشي (1452 ـ 1519) الذي يعتبر ولا يزال واحد من العبقريات الإبداعية ومعلم من معلمي عصر النهضة، بموضوع الرواية، هنا سنقف أمام نقطة هامة تتعلق بالتداخل بين الفن والدين، هذا الإشكال المُلبس والمعقد، والذي يناقشه بروان بطريقة سلسلة ومذهلة، تكاد تشق الدماغ إلى نصفين. هناك مقولة منسوبة لدافنشي، يستعين بها بروان في الرواية، وهي ( كثيرون إتخذوا من الأوهام والمعجزات الكاذبة تجارتهم، مضللين البسطاء من العوام))، وهناك مقولة أخرى(الجهل الأعمى يضللنا.. أيها البؤساء الفانون، إفتحوا أعينكم!)). مثل هذه المقولات لا تأتي اعتباطا ولا هرطقة ( الهرطقة تعني "الاختيار" في أصلها اللاتيني)، بل تصب في عمق نهر العمل الذي يحفز الذهن الإنساني نحو المزيد من السؤال والقلق، أن تفكر في العالم بشكل جديد، وأن تقرأ الحياة بناء على نظرة تقوم باستبعاد المألوف والعادي والمكرر، إنه الجنون والعبقرية والتحدي، المغامرة التي لا يصمد في طريقها إلا قلة من الناس. ولي عودة مع هذا العمل الكبير والهام..
عماد البليك
[email protected]
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: " دان بروان " والنظر إلى العالم بالمقلوب (Re: emadblake)
|
تحياتي
لعل ما يثير الاهتمام هذه الأيام هو ما ستؤول إليه قضية السرقة الأدبية المرفوعة ضد دان براون من قبل الصحفيين الباحثين في التاريخ مايكل بيجنت وريتشارد لي الذان ألفا بمشاركة هنري لينكولن الكتاب الذي استقى منه دان براون روايته وهو كتاب الدم المقدس والكأس المقدسة، وهو كتاب يبحث في التاريخ وليس رواية ولكنه أيضا يحكي عن عالم مثير هو عالم الجماعات السرية في الغرب وتاريخها. الحكاية بدأت في قرية صغيرة في الريف الفرنسي اسمها نوفيل لو شاتو كان فيها قسيس فقير يشرف على كنيسة متواضعة وحاول أن يجري فيها صيانة وفجأة ظهرت مظاهر الثراء الشديد على القسيس وقام بصيانة فخمة للكنيسة وأضاف إليها اضافات باهظة التكاليف واحتار الناس في مصدر هذه الثروة المفاجئة التي هبطت عليه. وشيئا فشيئا اتضح أن القسيس عثر على مخطوطات خطيرة كانت هي مصدر ثروته وبدا واضحا أن الأمر مرتبط بجماعة سرية غامضة بدأ مؤلفي كتاب الدم المقدس في استكشافها ليتضح أنها جماعة اسمها بريير دو سيون ولا اجد ترجمة لكلمة بريير الفرنسية أو بريروي الانجليزية ولكن قد تكون الترجمة الأقرب هي سدنة صهيون. هذه الجماعة بحسب ما تمخض عنه البحث والجماعات التي تولدت عنها تعمل على إعادة سلالة ملوك الميروفينيان وهم من ملوك الفرانكس الفرنسيون لعرش فرنسا. ولكن لماذا الميروفينيان؟ لقد توصل الباحثان لنتيجة غريبة هي أن هناك رواية بأن سلالة الميروفينيان تنتسب إلى المسيح عليه السلام.. كما يذكر المؤلفون أن تلك الجماعة السرية هي التي حرضت أوربا في العصور الوسطى على القيام بالحروب الصليبية. ويذكرون أن تلك الجماعة هي التي أسست فرسان الهيكل الذين احرقتهم الكنيسة بعد قرون من ذلك بتهمة الارتداد عن المسيحية وأسس من تبقى منهم جماعات سرية مثل جماعة الصليب الوردي وما تمخض عنها. ويوضح الكتاب كيف أن تلك الجماعات السرية هدمت سلطة الكنيسة و أشعلت ثورة التنوير التي حررت العقل البشري و كانت العامل الأساسي في النهضة العلمية التي نعيشها اليوم. وقد تتبع المؤلفون هذه السلالة حتى آخر ورثتها في يومنا هذا. وعقب قراءتي لكتاب الدم المقدس بمدة شاهدت لقاءا مصورا مع بيجنت أكد فيه أن كل كتابهم هو مجرد تخمين ولاتوجد براهين تاريخية ملموسة تسنده حيث أن الموضوع يتعلق بجماعات سرية.
هذه الأفكار أدت لرواج نظريات المؤامرة التي تمتلئ بها الانترنت ولعل اشهر مروجيها هو الصحفي البريطاني ديفيد آيك الذي جمع ثروة من كتابة كتب ذات أفكار غريبة مثل فكرة أن هناك سلالة من البشر ذات أصول فضائية ولها قدرة على التشكل بمختلف الصور تسيطر على العالم عبر الجماعات السرية!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: " دان بروان " والنظر إلى العالم بالمقلوب (Re: محمد عثمان الحاج)
|
فاتني أن أقول أن ليوناردو دافينشي كان الأستاذ الأعظم لجماعة بريير دوسيون وكذلك كان اسحاق نيوتون. أما آخر أساتذتها العظماء المشهورون فهو الكاتب الفرنسي جان كوكتو. وفي كتابه الآخر ملائكة وشياطين يتحدث دان براون عن جماعة سرية أخرى ظلت تثير أشد الجدل هي جمعة المستنيرين أو الاليوميناتي والتي يربطها أيضا بليوناردو دافينشي!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: " دان بروان " والنظر إلى العالم بالمقلوب (Re: emadblake)
|
قرأت تصريحا صحفيا لدان براون ينفي فيه نفيا قاطعا أنه قام بسرقة أدبية، وذكر أنه اطلع على عشرات المراجع وأنه لم يقرا كتاب الدم المقدس ألا بعد أن اكتملت الخطوط الرئيسية للشفرة دافنشي وذكر أنه احتراما منه للمؤلفين قام بتسمية أحد الشخصيات في الرواية باسمائهم. مع ذلك أنا غير مقتنع بأنه لم يسرق أفكار كتاب الدم المقدس. و كتاب الدم المقدس لا يمكن اعتباره كتاب تاريخ يصبح ما توصل اليه وقائع تاريخية يجوز للكل استلهامها في أعمالهم الأدبية بل هو تخمين شديد الاقناع لكن يفتقر للبراهين. هناك أمر آخر اثار التساؤلات وهو أن المؤلف الثالث للكتاب هنري لنكولن ليس طرفا في الدعوى القضائية ضد دان براون حيث فضل عدم الدخول فيها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: " دان بروان " والنظر إلى العالم بالمقلوب (Re: فضيلي جماع)
|
التحية للأستاذ فضيلي جماع. أعترف أنني ظللت لفترة طويلة من هواة قراءة الـ thrillers وظلت روايات ربوبرت لدلم Ludlum تستهويني لفترة وهو مهووس بنظرية المؤامرة وإن كانت مؤامراته تدور في النطاق الجاسوسي البوليسي ـ أما دان براون فقد أقتحم مجالا جديدا هو مجال الجماعات الباطنية السرية وهو مجال لا يخوض فيه من يكتبون في الاعلام إلا لماما لآنه ارتبط بترويج نظريات غير مستساغة. واعترف أيضا أنني منذ أن عرفت الانترنت أعرضت عن قراءة الثريلرس لآنني وجدت أن هناك كتابات في الانترنت تصل حدود العبقرية في الخيال والاثارة المشكلة أن كتابها يدعون أنها حقائق وبذلك تصنف كنوع من التخريف فلا ضير من قراءتها كروايات! خذ مثلا الذين يدعون أنهم تعرضوا لاختطاف من قبل كائنات فضائية ولعل أشهرهم الكاتب الشهير وايتلي ستريبر.
على كل يستهويني موضوع الجماعات الباطنية السرية لآنه يرتبط بمواضيع أخرى تستهويني مثل الروحانيات والتاريخ القديم. وقد قرأت رواية ملائكة وشياطين قبل أشهر والشخصية الرئيسية فيها هو البروفيسور لانجدون أستاذ التاريخ وهو أيضا بطل رواية شفرة دافنشي. غير أن مالم يعجبني في رواية ملائكة وشياطين هو الصورة السلبية التي قدمها الكاتب عن جماعة الحشاشين الباطنية واعتقد أن السبب في ذلك أن الكاتب لم يقرأ جيدا عن طائفة الحشاشين وهو الاسم الذي سماهم به اعدائهم وهم شيعة اسماعيلية وهي طائفة يرأسها حاليا الآغا خان وهو رجل اشتهر في الغرب بالأعمال الخيرية لا أظن أن دان براون يعرف أن الآغا خان عاش أجداده في قلعة أل موت التي أسسها الحسن بن الصباح وتحصن فيها الحشاشون! لا أريد أن أفسد عليك متعة الرواية ولكن هناك الكثير جدا من النظريات حول جماعة الالوميناتي اختار دان بروان أقلها اثارة لروايته!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: " دان بروان " والنظر إلى العالم بالمقلوب (Re: فضيلي جماع)
|
الأستاذ/ فضيلي جماع ***
هل يمكنني الانطلاق من هذا الحوار نحو نقطة أشير لها هنا على عجلة، ويمكن تفصيلها لاحقا.. وقد ظلت بذهني على مدى أيام، ربما سنوات..
أفكر في الرواية العربية.. لماذا لا نذهب بعيدا في مناقشة القضايا الدينية بوعي روائي. أعني قضايا كالفتنة الكبرى، حروب الردة... سقيفة بني ساعدة الخ....
سأفصل لاحقا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: " دان بروان " والنظر إلى العالم بالمقلوب (Re: Adil Osman)
|
في الاسلام أيضا هناك أسرار عليا لم يتم تلقينها إلا للخواص وظلت متوارثة بين فئة محدودة جدا. وحديث أبي هريرة: قال ابو هريرة رضي الله عنه ( حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين من العلم أما أحدهما فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم مني هذا البلعوم ) معروف. ومثال آخر هو ذو القرنين. الدارقطني يقول أن اسمه هرمس. وهرمس هو الاسم اليوناني له وقد عرفه قدماء المصريين باسم تحوتي ورمزه الهيوغليفي يصوره بصورة انسان بوجه طائر وله قرنان!من هم الذين أتوا للسؤال عنه؟ الأسرار الهرمسية بعض ما تدعي الجماعت السرية امتلاكه! أشهر الجماعات الروحانية البريطانية هي جماعة الفجر الذهبي الهرمسية التي انبثقت عن جماعة الصليب الوردي. الحروف التي في أوائل السور هي من موضوعات علم الحروف الذي هو أحد العلوم المكتومة. بصورة عامة نجد أن الجماعات الباطنية في الغرب لقيت اضطهادا شديدا من جانب الكنيسة أجبرها على التخفي والسرية. هذه السرية تثير الخيال وحين يكون الخيال مصابا بالبارانويا فإنه يتصور أن هذه الجماعات شريرة وشيطانية. المؤرخ يقف عاجزا أمام الجماعات السرية ودورها في التاريخ. أقرأ هذه الايام كتاب جيم مارس "الحكم عن طريق السرية" الذي يحاول فيه دراسة تاريخ الجماعات السرية لكنه لا يجد أمامه سبيلا سوى التخمين ووجدت أن الكتاب لا يعدو أن يكون من هذيان البارانويا. لذلك ربما كان الموضوع منفرا بالنسبة للمؤرخين ولكن الروائي يقفز بخياله فوق حواجز البراهين التاريخية ويدغدغ عقل القارئ ويصحبه في رحلة تاريخية ممتعة!
| |
|
|
|
|
|
|
|