|
|
 خروج مأجوج
|
(1)
عام آخر من الفشل، عام آخر من الحبس الإجباري ،عام آخر و السد اللعين ما يلبث أن "ينطفق" حتى ينفك عائدا لحالته الأصلية ..
تجمع المآجيج في تل مزن ليتلوا صلوات العام الجديد ، مرّ العام الماضي قاسيا عليهم ، انقطع المطر عن المرعى، انتشرت الأمراض و الأوبئة، التشوهات الخلقية تزداد يوما بعد يوم دون تفسير لذلك ، و لم تفلح كل محاولاتهم لثقب السد الذي لم يبد لأطفالهم الجوعى أي رحمة .
الحياة في أرض مأجوج تسير بإيقاع بطيء . يخرج الرجال مع طلوع الشمس حاملين مطارق الخشب للعمل في حفر السد ،و تشتغل النساء ببقية المهن الأخرى من تجارة و رعي و صناعة لمطارق الخشب ،أما الأطفال فيذهبون للمدارس لتعلم الإفساد في الأرض .
و في الليل يعود الجميع لمنازلهم ،وينامون في انتظار السد ليعود لحالته الأصلية معلنا بدء يوم جديد .
عبر القرون أنتج المآجيج أنظمتهم الخاصة في شتى مناحي الحياة بمعزل عن العالم .
نظامهم السياسي بسيط للغاية ، تتألف الحكومة من كبير قوم ، و حكيم قوم، و مجموعة من المتملقين يسكبون الخمر لهم .
طقوسهم الدينية لا تقل بساطة، يجتمعون حول جدار صغير من الخزف ،و يدورن حوله جيئة وذهابا و هم يحملون مطارق الخشب و يترنمون ببعض الأغاني، ثم يحطمونه سويا بعد عدة دورات .
هناك مذبح لتقديم القرابين لإله المطرقة ، و نبع مقدس للاستشفاء و الاغتسال . ومشنقة لعقاب المجرمين الذين يقتلون إخوتهم من بني مأجوج ،و الذين يستعملون زبر الحديد لأي سبب حتى و إن كان لثقب السد .
و القوم بطبيعتهم غارقون في الخرافة ، مستسلمون للعادة ..
جميعهم إلا "ماخيل" ..
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خروج مأجوج (Re: عثمان الأمام)
|
(2)
ماخيل ، المهرطق الأكبر ..
ثائر على سائد المجتمع، خارج عن مألوفه ، يتنزه في السهول و الوديان ، يبحث عن المعنى بين الجدران و الأزقة ..
ماخيل لم يبد اهتماما بديانتهم "اللّازبرية" ،
و لم ينتم ليمينهم الداعي لتحسين المطارق الخشبية أو صنعها من مواد أخرى غير زبر الحديد - و لا إلى التيارات اليسارية المطالبة بالتغيير الجذري و فصل "اللازبرية" عن عملية الحفر و استعمال الزّبر في صنع المطارق .
ماخيل كان يرى دوما طريقا ثالثا، إذ كان يؤمن بالعلم !
مر يوما بعجوز تطهو حساء الماعز في قدر بخار مضغوط . لاحظ تراقص الغطاء أعلى القدر ،و كأنه يريد أن يفلت لولا الإحكام على جانبيه .
فكر ماخيل مليا ،ماذا لو سخّر قوة البخار هذه ليدير مثقابا للحفر ؟؟
هنا و لتوّه ،ماخيل قد اخترع الآلة ، لحظة مفصلية في مسار التاريخ المأجوجي ..
" 4 مأجغيات من الماء المقدس (34.4\باي لتر بحساباتنا)- و ستحفر بكفاءة ثلاثمائة مأجوجي متوسط البنية !"
أدرك أنه اكتشف شيئا عظيما، فهرول خطواته سراعا ليخبر كبير القوم بما اكتشف.لم يكن ماخيل مهندسا ذكيا فحسب، بل كان فطنا كفاية ليدرك أن حفر نفق كبير تحت السد سيتطلب مجهودا و زمنا أقل من الذي سيستغرقه ثقب السد نفنسه .
و حين وصل لمنزل كبير القوم وجده و الحكيم يحتسيان النبيذ كعادتهما فأخبرهما بكل شيء .
-"هذا الاكتشاف سيحدث تحولا عظيما ! هذا الاكتشاف سيحدث ثورة !!"
صمت و نظرات ثم تتصافح الأيدي ..،
عجوزان سكيران و شاب متمرد ، هذا ما تحتاجه لتحدث ثورة .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خروج مأجوج (Re: عثمان الأمام)
|
(3)
تشرق شمس اليوم الأخير لأربعة أشهر استمرت من الحفر ..
العجوزان و ماخيل يعتلون المذبح .. المنصة الأعلى في المنطقة ..،و جماهير مأجوج الغفيرة محيطة بهم من كل جانب تنتظر الحكيم ليلقي خطابه الثوري العظيم .
- "لقد عوقبنا لعشرات القرون على جريمة للأجداد لم نرتكبها نحن ،لقد أوخذنا بجريرتهم فعزلنا عن العالم، لقد تركنا للتخلف و السد و حرمنا من الإسهام في الحضارة الإنسانية !"
- فيصيح المآجيج ..
- "أين العدل في أن يحبس السد مياه الأمطار و يتركنا للمرض و الباعوض كل عام؟ أين العدل في أن نحرم من تصدير مطارقنا الخشبية للخارج ؟ أين العدل في أن نحرم من ال سياحة !"
- فيصيح المآجيج ..
_ "سنريهم ما تخلفه قرون من الظلم ، سنريهم ما .. "
و هنا تعلو من البعيد صافرة تعلن انتهاء الحفر فيصيحون صيحة أخيرة ، يتفجرون بعدها كالنمل في بقاع الأرض ،ينسلون من كل حدب و يعوثون فيها فسادا و خوفا و دمارا ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خروج مأجوج (Re: عثمان الأمام)
|
(4)
لم ينتصف النهار إلا و قد أصبح المآجيج حديث الساعة ،و كأن العالم قد ترك دورانه و توجه بأنظاره لهم .
المؤمنون يدعون ربهم تضرعا و خشية و يترقبون مجيء الدجال و قيام الساعة.. ،اليوتيوب يضج بالتلاوات و المقاطع المؤثرة ..،تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يتبنى كل هذه الهجمات.. ،بان كي مون يعبر عن قلقه ..،علماء الأحياء في ماساتشوست يتوقون لأخذ خزعة من أكبادهم، الدارونيون في شوق لدراستهم من منظور تطوري ،الزملاء في قسم السلوك قد جهزوا غرف الزجاج و أزالوا المرايا و أعدّوا أوراق الدراسة ،و أوباما يلقي خطابا مهما مساء اليوم ..
أما قوم يأجوج فكانوا أمام أول امتحان لثورتهم .
هل يشربون بحيرة " طبريا" كما هو مذكور في المرويات، أم يتريثون قليلا ريثما يستوعبون هذه الأحداث المتسارعة في هذا العالم المختلف كلية عما ألفوه ..
اليسار السياسي يميل للخيار الأول ،أما اليمين فيؤكد على ضرورة التريث .و هنا تتقدم طائفة من اليساريين مباشرة لسرقة الثورة :
" أنتم اليمينيون تريدون إجهاض الثورة" - يقول أحدهم .
"الزميل ماخيل قد كان رافضا تماما للّازبرية" - يقول آخر .
و اليسار بحنكته يوجه المشهد، فتتجه الجماهير نحو طبريا، إلا قلة من اليمين تختار التريث و التقهقر رجوعا إلى أرض مأجوج .
و استخبارات عصر السيليكون لا يفوتها همس فراشة ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خروج مأجوج (Re: عثمان الأمام)
|
5)
يصل المآجيج بثورتهم إلى طبريا ،أحلامهم تتقدم الصفوف، الغضب يصطف جنبا لجنب مع الجوع و المسغبة، و القوم يتخذون مكانهم شرق البحيرة ،و على غربها ييجدون استقبالا حافلا قد أعدّ لهم .
جنود البحرية على أهبة الاستعداد برشاشاتهم المرعبة ..
مروحيات الآباتشي تطوّف بالمكان، و طائرتا إف 16 تنفثان خطّي عادم يتعانقان مدّ السماء ..
الماء مدجج بالغواصات و السفن المتعطشة لإطلاق القذائف ..
الطيور تتجه غربا و كأنها هاربة من خطر قادم ..
الشمس تغرب في عين حمئة ..
و الموت يترقب إشارة من مركز عمليات "الناتو"..
و مع أول خطوة مأجوجية تلامس البحيرة ينفجر المشهد ، الصواريخ و الجثث تتطاير في كل مكان ،الرصاص ينهمر كما المطر، الأرواح تتدافع نحو السماء في سحابة دخان عظيمة ، صرخات الموتى تهز الأرض و تتداعى انفجارت في الهواء الساخن ، و المشهد يكتسي اللون الأحمر .
لقد علمهم إنسان القرن الواحد و العشرين درسا في فنون الإفساد في الأرض، و الوحشية و القسوة و الظلم ،و قتل الإنسان لأخيه الإنسان . و لم تبق من ثورتهم إلا أشلاء ممزقة ،و بحر من دم تطفو عليه قلنسوة ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خروج مأجوج (Re: عثمان الأمام)
|
و هناك من على مبعدة .. مآجيج في غرفة مختبر ..
يدورون كما رحى ..
يتماهون كما أغنية ..
و يدعون أن يا إله المطرقة ..
هل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا و بينهم سدا
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خروج مأجوج (Re: قصي محمد عبدالله)
|
يا هلا ومرحبا قصى
القصة فعلا" فيها شئ من الواقع فى صورة خيالية
مليئة بالإسقاطات الذكية والتلعب باللغة.
أعجبتنى وأعجبنى كاتبها الذى لم يتجاوز العشرينيات.
| |
|
|
|
|
|
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست