دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
نزلت الى الكافتيريا الضخمة فى ذاك المبنى... اشترت القهوة وبعض الكيك.. عادت الى مكتبها.. ولكن قبل ان تبدأ عملها.. فتحت بعض الصفحات الفضائية السودانية على عجل... من جهاز الكمبيوتر القابع امامها..
كانت تلك بداية مهمة فى حياتها الجديدة.. متابعة اخبار السودان فى الفضائيات... وهذا اضعف الايمان... أخبار السودان لا تسر عدوا ولا صديقا.. مسحها الهم والغم من قمة راسها الى اخمص قدميها.. من أول خبر.. سال العرق باردا فى ظهرها... وحتى أسفل السلسلة الفقرية.. شربت القهوة على عجل... وشعرت بالرغبة فى كوب آخر.. أكبر حجما.. تناولت قطعة الكيك... ثم التفتت الى أول مراجع فى ذاك اليوم... ? can I help you sir
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
وبما أن الخواجات لا يمنحون مرتباتهم من فراغ... فقد أبتلع العمل تودد.. نسيت السودان وهمومه وأخباره السيئة.. نسيت حياتها التى تتسرب منها فى تلك الآصقاع النائية... ونسيت أن الزمن أصبح كله فى غير صالح السودان والسودانيين... أى زمن ؟ لا تدرى.. المهم تلك القوة الهآئلة التى تطبق على القلب والعنق.. والعمر ايضا.. بلا رحمة...
هل أتخذت القرار الصحيح.. بالارتماء فى تلك المتآهة التى تسمى الغرب ؟ هل ندمت على فراق السودان.. فراق الطريفى لى جمله؟ هلى تشعر بالذنب وهى قد تركت جذورها واهلها وصديقاتها ورائها ؟ وجاءت تبحث عن شئ ما ؟ هل هو الآمن الذى تبحث عنه ؟ أى أمن وكل حياتها فى قبضة المستحيل ؟
هل هو السعادة ؟ ثم استدركت أنها لا تعرف المعنى الدقيق لكلمة السعادة تلك... هل تعود ؟ هل تبقى ؟ وهل يروق لها أن تكون مجرد رقم فى دفاتر الخواجات وأجهزتهم الالكترونية؟ اين الصاح واين الخطأ ؟ فهى لا تملك الآجابة لآى سؤال.. المهم أنها سوف تعود الى دارها بنهاية اليوم.... وتغلق الباب... وتذوب داخل جلباب أكبر بكثير من جلباب جدتها .... ثم تدير قرص التلفزيون... ثم تذكرت..
قبل وصولى الى البيت... سوف اّعرج على محل 7\11 فى أول الشارع.... واشترى كارت تلفون... واتحدث مع والدتى ماشاء لى الحديث.... فهى الوحيدة القادرة على تهدئة هذا البركان الذى يزلزل كيانى.... بأصرار شديد.... وبلا رحمة ايضا... زلزال لئيم... جبار... يفقدنى التوازن... فيتركنى فى السودان بعقلى وعواطفى وقلبى... ثم يشدنى الى الغربة.. بجسدى المنهك الهزيل....
لملمت حاجياتها... ويممت وجهها شطر البص...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
وصلت تودد... قرعت جرس الباب.. مرة وثانية وثالثة.. ولكنها لم تياس.. وقفت حتى خيل لصاحب الدار انها غادرت... ففتح الباب ببطء وحذر.. وما أن رآها... حتى حاول ان يغلق الباب.. ولكنها منعته بيدها... قائلة.. نحّلها ودى ولا أمشى أفتح فيك بلاغ ؟
افسح لها المجال لتدخل... شقة نظام أستديو... حيث يشمل السكن غرفة النوم والصالون والمطبخ والحمام... كلهم فى مواجهة بعضهم البعض.. مستوى من الفوضى ما أنزل الله بها من سلطان.. رائحة الدخان تسبب الآختناق... زجاجات البيرة فى كل ركن من اركان الشقة...
وقف ابراهيم بالفانيلا بدون كم... رمادية اللون.. وشورت مزركش.. يغطى الركبتين.. ويترك الساقين النحيفتين لنائبات الدهر... كان اشعث اغبر منكوش الشعر ومحمر عينين مسدلتين فى اجهاد وتعب.... ونحافة تستحق الاعلان عنها فى طلب الآغاثة من منظمة الاغذية العالمية..
بادرته وهى تستشيط غضبا... عملت كدا ليه يا ابراهيم ؟ ما عارف زاتى عملت كدا ليه. قلت أعمل حركة تلفت نظرك... والحركة دى ما وضعت اعتبار انه امى ولا ابوى ممكن يموت فيهم وآحد بالسكته ؟ معليش....
يعنى شنو معليش ؟ مافاهمة حاجة... يا تودد يا اخ أنتى أبيتينى عشان شنو؟ كلك عيوب وما فيك حسنة واحدة.. وبعدين أنا اصلا ما دايرة عرس.. شوف يا ابراهيم... أنا استحملتك كتير.. لكين يصل الامر لغاية أمى وأبوى.. يبقى معناه أنت بتعلن الحرب... عشان كدا بقول ليك أنت ما خليت لى اى مجال... غير امشى الشرطة يوّقعوك على تعهد بعدم التعرض...
بس يا تودد الشرطة أصلا بتفتش فينى... يرضيك كدا وأنا ود بلدك ؟ زى ما رضيت لنفسك تزعج أهلى وأنا بت بلدك.. البلد الطفشنا منها كلنا.... وبقينا نتعامل معاها بالاسلاك و بس...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: elhilayla)
|
الاخ المحترم الحليلة..
هذه المرة نخرج من الرصاص والصواريخ والاستبداد... ونقلب حالنا نحن السودانين... فى اركان الدنيا الاربعة...
زارتنا البركة...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
لم تنجح كل محاولات تودد فى التخفيف من حدة القلق.... الذى داهمها فجأة وبلا سابق انذار... حتى الحبوب المهدئة فقدت مفعولها.. وتلك وآحدة من الفترات فى عمر السودانيين.. فى الدول الغربية تحديدا... عصية على العلاج... والسبب غالبا ما يكون خافيا.. و مجهول المصدر...
لذلك جمعت تودد بعض حاجياتها... و عرجت على طلمبة البنزين.. ثم استعدلت مسارها واتجهت نحو الهدف.. فقد أخذت عطلة لمدة اسبوع من العمل.. كانت تدخر ذاك الاسبوع لآى أمر هام... ولم يدر بخلدها.. أن الامر الهام سوف يكون بمثل تلك القسوة..
اتجهت الى المدينة التى تعيش فيها صديقتها وبلدياتها... هى وزوجها وأطفالها الثلاثة.. كانت الرحلة طويلة... تسعة ساعات قيادة بالتمام والكمال.... كان الطريق معبدا منذ خروجها من مدينتها .. وحتى المدينة التى تقصد.. نظيفا.. هادئا... آمنا... ومضيئا.. تزّينه اشارات المرور الواضحة ..... والتى يمكن رؤيتها من على البعد..
أدارت قرص المذياع.. لتنساب منه موسيقى هادئة.. ولكنها اقفلت الجهاز... فقد كانت فى حاجة الى التفكير.. أكثر من الآنصراف عن التفكير.. ساعدها على ذلك سلاسة الطريق... ومتعة القيادة... والراحة التى يوفرها الطريق للمسافرين... فى غدوهم ورواحهم...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
اثناء الطريق... كانت الغزلان تخرج من بين الغابات... وتركض نحو الجانب الاخر من الغابة.. دون أحساس بخطورة الطريق.. فقد كانت غزلانا سعيدة وموفورة الصحة... وعبقرية الجمال والرشاقة..
وصلت تودد الى احدى المدن الصغيرة.. ووقفت لتعيد تمويل البنزين.. ثم عرجت على كافتيريا صغيرة على جانبى الطريق... كل شئ فى تلك الكافتيريا نظيف ولامع.. والشاهد ان النظافة هى احدى شروط أستمرارية رخصة العمل... فى أى محل عام يقدم خدمة للزبائن.. بغض النظر عن حب الشعب عامة للنظافة..
تناولت القهوة وبعض الكيك.. وجلست فى طاولة فى ركن قصى... وبدأت تحتسى القهوة ببطء وهدوء.. وقف امامها شاب أجنبى.. وبقدر ما نحن اجانب لدى البيض.. فهم ايضا اجانب بالنسبة لنا حتى ونحن نعيش فى بلدهم.. ابتسم وأستاذن فى الجلوس وهو خائف ومتردد ووخجول... سمحت له.. اعتذر عن تدخله وذكر انه فى طريقه ايضا الى جهة ما... وقد كان يقود السيارة التى سارت خلفها طوال الطريق.. ردت... لا حظت ذلك.. واصل.. انا ذاهب لزيارة أمى وأبى.. فقد دعيانى لقضاء بعض الوقت معهما.. ردت.. انا ذاهبة لزيارة صديقتى.. ثم تناول الحديث أمورا شتى مثل الطقس وما الى ذلك.. ودعها وشكرها على قبول الحديث معه.. ودعته وسارت نحو سيارتها وواصلت الرحلة..
وصلت تودد منزل صديقتها فى تلك الامسية.... وفتحت صديقتها الباب بزغرودة عالية وفرح.. هذا لآن صديقة تودد فرايحية.... تحب الزغاريد والضحك واللحظات المرحة.. تدافع اطفالها نحو الباب ليّرحبوا بضيفتهم.. دخلت الى الصالة واستقرت فى كرسى..
بعد قليل حضر زوج صديقتها من العمل.. وقد كان يبدو عليه الانهاك والارهاق... لم تستغرب تودد تلك الهيئة و فى وقت متأخر من المساء... لآنها جزء اصيل من ذاك السيستم.. جلس معهم قليلا ثم استاذن.. وترك زوجته وصديقتها...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
بعد السؤال عن الحال والآحوال... ابلغت اخلاص صديقتها الزائرة... بانها سوف (تعفيها) من الدردشة نسبة لاعيائها من طول الرحلة... وأبلغتها بانها بعد أن توصل ابنائها الى المدرسة صباح الغد.... فسوف يقومان بمسح شامل مانع للمدينة... ويتحدثان كما يشاءان... ولكن تودد طلبت من صديقتها ان تحكى لها حكاية ابراهيم.... لانها شغلتها كثيرا.. سالت صديقتها... لماذا الاهتمام بامر ابراهيم الى هذا الحد؟ ولماذا يسبب لك كل هذا القلق وهو مختل عقليا؟ ردت تودد... انا لا اهتم بامره شخصيا... كما وان ما فعله معى ليس هو مصدر القلق.. ولكنه حرّك فى نفسى مليون سؤال وسؤال كنت اتهرب منهم.. سألت صديقتها.... مثلا ؟ ردت تودد... مثلا ان يحدث لى حدث طارئ فى هذه الغربة اللئيمة... كل شئ وارد.... ومثلا.. أن العمر الذى يمضى بسرعة الصاروخ ولم اعمل حساب لآى شئ.. لانه ومن غير المعقول ان اعيش كل حياتى هكذا.. من البيت للعمل وبالعكس.. أعتدلت صديقتها قائلة...
حسنا.. ابراهير يا سيدتى هو أحد الشباب الهاربين من الخدمة الالزامية عند حضور الآنقاذ.. قائلا أنه لا يريد أن يحارب ويقتل اشخاصا لا يعرفهم... أو العكس.. وقد كان فى العشرين من عمره كما سمعت القصة من كذا مصدر.. وصل القاهرة وتعب فيها بعض الوقت.. ثم أثينا وايطاليا حتى هولندا.. بقى فى هولندا بعض الوقت.. وكان قد قطع شوطا بعيدا فى طريق المخدرات لآنها تباع فى البقالات الهولندية مثل أى علبة سجائر.. ثم غادر هولندا..وهكذا... بأختصار واصل ابراهيم رحلته من ميناء لميناء... ومن مطار لمطار.. وقد كان دائما فى ضيافة الشرطة.. حتى اصبحوا هاجسا بالنسبة اليه كما سمعتيه.. وعند وصوله الى هذه الدولة.. كانت قد بدأت عليه آعراض الجنون.. حتى لقيتيه فى تلك الحالة.. تودد... لا أتسطيع أن احدد اذا كان ابراهيم ضحية... أم أنه جعل من نفسه ضحيه.. فكثير من الشباب غادر السودان لنفس اسبابه.. ولكنهم نجحوا.. ردت صديقتها.. لا أحد يعرف المرء أكثر من نفسه.... المهم نفتى فى هذا الآمر بكل جوانبه غدا أن شاء الله.. تصبحين على خير... تصبحين على خير..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
المبدعه نور تاور
احزان الوطن المستمره…..اخرست جوانب كثيرا للابداع لديك…..احمد الله انك قررتي ان تقاوميها هذه المره بشكل مختلف التحيه لك و انت تسميح لنا بالاطلاع علي درر نور تاور الاديبه و القاصه.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
أستيقظت تودد وهى مثقلة ومهمومة.. فقد خرجت صديقتها لتوصيل الاولاد الى المدرسة... وتركت لها الافطار واباريق الشاى والقهوة على السفرة.. لم تكن بحاجة الى الافطار... فقد فقدت شهيتها منذ حادثة ابراهيم.. و منذ ان داهمها الهم والحزن والحيرة.. وعمق التفكير فى طول الحياة وعرضها.. ماهو معناها.؟ وما هو جدواها؟ ولماذا نعيشها؟ وهكذا.. ولكنها ملآت كوب القهوة وفتحت التلفزيون لتشاهد افلام الكارتون... فهى أكثر عمقا من الافلام العادية.. شربت القهوة... واتبعت الكوب بآخر.. ثم دخلت وبدلت ملا بسها فى انتظار صديقتها..
دخلت أخلاص مهللة مكبرة... تنفض حبات الجليد الذى كان قد علق بالبالطو الشتوى والقفازات وطاقية الشتاء.. وسعيدة كعادتها.. حتى خيل لتودد ان الهم والحزن لا يداهمان صديقتها ابدا.. بل واحتمال ان تكون مّحصنة ضدهما... خرجت السيدتان تتلقفهما شوارع المدينة.. بل وان المدينة قد فتحت ذراعيها بالكامل.. لا ستقبالهما..
وبعد التجوال فى بعض المحلات التجارية.. دون ان يشترين شيئا يذكر.. جلست السيدتان فى مطعم صغير متواضع.. ولكنه هادئ .. وأنيق.. وكل طاقم المطعم يبتسم فى وجه الزبائن.. وفى وجوه بعضهم البعض.. وتكاد النظافة تنطق من الزى الرسمى للمطعم...
موسيقى هادئة انبعثت من ركن قصى.. جلست السيدتان وطلبت كل منهن الطعام الذى يروق لها.. ثم سرحت كلتاهما فى الشارع من خلف زجاج نافذة المطعم.. وحّلقت مع افكارها وأحاسيسها..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
عادت تودد الى بلدتها الصغيرة الوادعة.. وقررت أن تمنح نفسها يومين كاملين للراحة والاستجمام... ثم العودة الى العمل.. تذكرت أنها يجب ان تعمل.. مهما كان نوع العمل.. فهى تعتبر نفسها ذات حظ.. أن وجدت تلك الوظيفة فى مكتب... بدلا من عمل النظافة وتوزيع الجرائد... وكل الآعمال الدنيا التى تمتص الوافدين الى الدول الغربية... وتقضى عليهم...
ورغم اختلاف المفاهيم حول نوع العمل.. بين الغرب والدول النامية.... الا ان من ينجح من السودانيين على سبيل المثال... فى ايجاد عمل يناسب مؤهله وخبراته... يعتبر خارقا ذو قدرات الاهية.....
لذلك نرى السودانيين يعملون تلك الاعمال الهامشية... تجنبا للعوز والحاجة.. وتجنبا لمكاتب الضمان الاجتماعى المهينة والمذلة.. ايضا لان فرق العمله مع السودان.. يسمح بان يتكفل السودانى... باسرته فى الداخل..
من هنا جاء حرصها على تلك الوظيفة المكتبية... والغوص فيها.. فيما تترك المجال لعمرها يتسرب من بين يديها... كما يشاء... بدأت العمل... ونسيت الحزن الذى يبدو أنه سوف يكلفها الكثير... لو أنها استسلمت له.. واسلمت الآمر لله...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
بنهاية المظاهرة دعت احدى السيدات توود لتناول طعام الغداء معها... لم تمانع تودد خاصة وانها لا ترتبط بأى برنامج للمساء... ورغم حذرها من مناوشات السودانيين فى الخارج.. والمفاجئات التى يمكن ان تسبب لها الكدر.... الا انها كانت بحاجة الى الهروب من الغربة فى ذاك المساء.. ومواصلة الاحساس بالسودان والسودانيين... فهى جرعات من التراحم يحتاج اليها المرء احيانا.. فى متاهات الكرة الارضية ومطباتها.. وان مجرد التواصل بالعربى السودانى قد يمنح الاحساس بالسعادة..
وما ان وصلت السيدتان الى المنزل.. حتى فتح الباب مجموعة من الآطفال .. ثم عادوا يركضون فى كل الاتجاهات.. لم يهتم احدهم بتحيتها او حتى الاحساس بوجودها.. نادتهم والدتهم وطلبت منهم الترحيب بخالتهم.. ولكن ابنها سألها.. هل هى اختك ؟ ردت ...لا اذا لماذا تقولين انها اختك؟ الا تعلمين ان الكذاب يدخل النار يوم القيامة؟ ردت.... نحن فى السودان نقول لمن هم فى سن الوالدة.. خاله.. ومن هو فى سن الوالد... عمى... رد الطفل ولكن هذا غلط...
لم تتابع انصاف الحديث مع ابنها الذى سبب لها كل ذاك الحرج... ونادت على ابنتها ان تناولها شيئا ما وهى فى طريقها الى المطبخ تتبعها تودد.. ولكن ابنتها ردت.. أنا مشغولة... أنصاف.. مشغولة بماذا؟ انا ااطلب منك ان تأتينى بهذا.. واصلت الطفلة لعبها وقررت تجاهل كلام والدتها...
دخلتا الى المطبخ وبدأت انصاف فى اعداد الطعام.. وسالت تودد.. عاملة كيف يا تودد؟ تمام.. انصاف... تمام حته واحدة؟ انتى كان كدى محظوظة.. تودد... وعايزانى اقول شنو؟ انا قصدى اننا مطحونين وجارين ليل ونهار وما عندنا أى تمام.. بنقضى طول النهار فى الشغل... الاطفال فى المدرسة.. ولما نرجع بالكاد نلاقى وكت نقعد معاهم.. وأديكى شايفة النتيجة.. مافى واحد بسمع كلامنا.. وبعد دا كله.. ما نقدر نقول ليهم تلت التلاتة... أول درس بيتعلموه فى الروضة هو رقم الشرطة.. يعنى لو نهرتى واحد ولا مديتى ايدك عليه... تلقى الشرطة فى الباب.. علقت تودد.. بالطريقة دى كل ما يكبروا المسألة تتعقد أكتر.. علقت انصاف.. وأنتى الصادقة.. أولاد السودانيين البنعرفهم قصصهم تشّيب الراس.. تودد... كيف الكلام دا؟ أنصاف.. خصوصا فترة المراهقة.. وبدأت تعدد لها.. بت فلانة جابت البوى فرند وقعدته فى السرداب بتاع بيتهم.. وولد علان سرق شوكولاته من المحل رغم انه ابوه ما مانع منه حاجة... الولد قال للشرطة انه عمل كدا عشان يجذب انتباه ابوه.. لانه عمره ما قعد معاه ولا مشى فسحه فى الحديقة... واولاد فلانه الهاربين من الحرب... شالوا مطاوى وسكاكين وطعنوا زملائهم فى المدرسة.. الشرطة عملت ليهم restrain order ومانعاهم من انهم يمشوا مسافة كم متر من بيوتهم.. دا غير الطلقوها واللى طلقت رآجلها.. دى بقت قصص عادية.. الحالات الناجحة تتعد على الاصابع.. تودد.. طيب والحل شنو؟ انصاف.... الحل أما الناس تشيل اولادها وترجع السودان تقعد كم سنة... و دا طبعا مستحيل لآنه الابوين حيفقدوا وظائفهم وما بالساهل يرجعوها.. يا يرجعوا السودان للابد وانتى عارفة الظروف.. تودد.. بتشتغلى وين يا انصاف.... ترددت انصاف قيللا ثم قالت ... بعمل نظافة فى واحدة من الشركات.. تودد.. بعد كل شهاداتك دى ؟ انصاف.. انتى عارفة الشهادات فى البلد دى ماهى المقياس النهائى عشان الواح يشتغل... فى مؤهلات تانية كتيرة .. اهمها انك تفهمى السيسستم وتقدرى تتعايشى معاه.. وعلى العموم بدرس برامج فى الكمبيوتر.. عشان اشتغل من البيت وابطل الجرى فى الشوارع.. والوقيع فى الجليد...
تم اعداد الغداء.. وجلس الجميع حول السفرة... كانت مهمة شاقة لانصاف أن تتحكم فى سلوك ابنائها وبناتها حول السفرة.. فى المساء... عادت تودد وهى مرهقة وحانقة على هذه الحياة بطولها وعرضها.. اذا كانت هذه حياة الاسر.. واذا كانت حياتها بعيدا عن تكوين اسرة ايضا.. بهذه الدرجة من القسوة.. اذا أين المفر ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
رن جرس التلفون... رفعت السماعة... جاءها صوت هآدئ وعميق.. لا يبدو أن لصاحبة أى مشاكل مع الغربة.. سالها عن الحال والاحوال.. تذكرت انها بادلته رقم التلفون حينما ألتقته فى ندوة سياسية سودانية فى تلك المدينة.. قبل عام تقريبا... وقد ذكر المتحدث.. أنه فكر فى الاتصال بها منذ زمن طويل.. ولكن ظروف العمل... وضغوط الغربة هى التى منعته... وابلغها بانه ينوى الحضور الى مدينتها فى الاسبوع القادم.. لقضاء امر يهمه.. وأنه ينوى لقائها..
بعد السؤال عن الحال والاحوال والعمل... سألته تودد ؟ ماهى ظروف العمل فى مينتكم ؟ رد.. ممتاز.. تستطيعين الحصول على العمل فى زمن قياسى.. فالمدينة التى نعيش فيها هى من اكبر مدن العالم الصناعية.. هل تنوين العمل فى مدينتنا ؟ ردت... لا اعرف.. ولكن ربما أفكر فى ذلك ذات يوم.. ثم سألته.. وماهو نوع العمل الذى تقوم به ؟ رد... اعمل فى محل للذبح الحلال؟ سالت تودد... ذبح حلال ؟ رد.. نعم .. ولكنه ذبح للفراخ فقط... سالته.. وكيف يتم ذلك والاف الفراخ تّغذى الاسواق يوميا ؟ رد.. هناك ماكينة توضع فيها الفراخ الواحدة أثر الآخرى.. وحينما يأتى دور الذبح على تلك الفرخة.. وقبل أن تنزل السكين الكهربائية فى عنقها.. اقول... الله أكبر..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
وصل صلاح الى المدينة التى تعيش فيها تودد... قابلته فى مكان قرب عمارتها وذهبت معه الى المشوار الذى جاء لاجله.. وبعد الانتهاء من مشاغله.. دعته الى وجبة الغداء فى شقتها..
كان صلاح مترهل جدا... بالرغم من صغر سنه.. فقد كان متوسط الطول... خفيف السمرة.. يضع فوق راسه قلنسوة بالمقلوب على حسب الموضه.. ويبدو مسترخيا بشكل ملفت.. كان صوته هادئا جدا وعميق.. ولا يبدو انه يعانى من اى ازمة فى حياته..
وصلا الى دارها.. وبعد الغداء.. بدأ الحديث فى امور عامة تخص الغربة والسودان.. شانهما شان اى سودانيين يتقابلا فى الغرية.. وبالرغم من أن وجهه كان يؤكد صغر سنه.. الا انه كان مترهل جدا... كرجل فى منتصف العمر.. سالته عن شهاداته العملية... فرد.... أنه خريج قانون.. أطرقت تودد براسها قليلا... وهى تلعن الحكومات التى تدفع بخريجين القانون بهجرة بلادهم.. و العمل فى وظيفة لا تلزم غير التكبير.. هل كان ضيفها يحتاج أن يدرس كل تلك السنين.. فقط ليقول الله أكبر ؟ سألها عن حياتها وكيف تعيش لوحدها.. ردت بانها قد تعودت.. وأنها لا تشعر بالغربة.. بل العكس... فقد بدات تحس بان وجودها وسط البشر هو الغربة.. ثم سألته نفس السؤال فرد قائلا.. أنه قد قرر أن لا يتزوج مطلقا.. يكفيه أن يعمل اثنى عشر ساعة فى اليوم.. ليرسل المبلغ لآهله بنهاية الشهر.. ويشعر بالاطمئنان بأنه قد أدى وأجبه تجاههم.. أما الزواج... فهو لا يستطيع الصرف على شخص آخر.. ولذلك فهو يقيم علاقات مع من تشاء.. فاذا قررت ان تذهب... ياتى بغيرها.. وهومتصالح تماما مع تلك الفكرة.. وقد تشكلت قناعاته حول حياته بالكامل.. وليس هناك ما يؤرقه.. لاحظت تودد أنه قد افرط فى الاكل بشكل مخيف.. وبدا كمن يحاول أن يدفن كل همومه فى الآكل...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
رأت تودد فى ما يرى النائم.. أن والدها قد مد يده اليها مودعا... ويقول.. لا أمل فى الغربة.. عودى الى بلدك وتحّملى مع الاخرين..
أستيقظت تودد مهمومة وذات كدر.. ولكنها ذهبت الى عملها على اى حال... فالعمل نعمة كبيرة فى الغرب... لآنه يبعد المرء من مصائب الزمان... التى اولها التفكير السلبى المدمر..
بعد العمل عادت الى دارها.. وأدارت جهاز تسجيل الرسائل.. مثلما تفعل عند أول عودتها من الخارج.. وجدت رسالة من شقيقتها تقول.. أن اتصلى بى لآمر هام..
سقط قلبها.. ارتعشت.. وتأكدت أن الآمر ليس بخير.. فقد تعودت فى سنوات غربتها الطويلة.. أن أى خبر من السودان.. يسبب الهم والكدر..
أتصلت.. فسمعت نفس الاصوات التى تدل على ان المنزل يعج بالناس.. لم تسأل شقيقتها.. ولكن تركت لها أمر التبليغ بألامر.. جاء صوت شقيقتها من الطرف الاخر.. متهدجا وبالغ الحزن.. ابلغت تودد بان والدها قد مات مساء الآمس..
وضعت تودد السماعة.. وسرحت فى الحلم الذى راته بالامس.. فقد حدث فى نفس الحظة التى كان والدها يفارق فيها الحياة.. ويبقى السؤال.. هل قد كان جادا فى دعوته لى بأن اعود الى السودان؟ كيف يقول ذلك وهو يعلم أن الاسرة بالكامل تعتمد على التحويلات التى ترسلها ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
احتاجت تودد الى اخصائى كمبيوتر.. ليقوم ببعض الاصلاحات على جهازها الخاص فى المنزل.. عرجت على مطعم للسودانيين... وسالتهم ان كانوا يعرفون احدا.. قالوا لها ان هناك سودانى نابغة فى مثل تلك المسائل... لدرجة أنهم يلقبونه بالهكر.. وابلغوها بانهم سوف يرسلونه الى دارها.. كما وابلغوها أن لا تنزعج من هيئته العامة..
أستغربت تودد تلك النصيحة.. خاصة وانها تعيش فى بلاد لا ينظر كائنا من كان الى هيئة غيره.. حضر الهكر فى الزمان والمكان المحددين.. ولكن تودد صعقت.. فقد كان الهكر يلبس على هيئة المتشردين.. ويبدو فى منتهى القذارة.. ملابسه رثة.. بالرغم من أنه يمكن أن يذهب الى احدى الكنائس التى توزع الملابس مجانا.. وفى اى وقت يشاء.... يمكنه ان يذهب ويختار ما يشاء... فى اى وقت.. بل ان هناك متشردين يحصلون على ملابس من تلك الكنائس.. لتبديل ملابسهم حينما تتسخ....
عموما شعرت باحساس غير مريح.. ولكنها دلته على الغرفة وعلى الجهاز وذهبت لتصنع له القهوة السادة كما طلب.. فى زمن قياسى.. كان الهكر قد اتم عمله وطلب منها ان تفحص الجهاز.. اذا كان هناك شيئا اخر.. دهشت.. وقالت لنفسها ان الشعب السودانى شعب غريب.. ولا يمكن ان تصدر فيه رايا قاطعا..
ناولته اجره.. ودعها وخرج.. ولكن دون ان يمد يده ليصافحها.. كما فعل عند دخوله.. ويعطى انطباعا بالكبرياء كما لو كان احد لوردات لندن.. رّشت مزيل الروائح الكريهه فى الغرفة التى كان يعمل بها.. وأتصلت باصدقائها فى المطعم.. لتخبرهم بان المهمة قد انتهت وهى تشكرهم.. رد عليها المتحدث قائلا.. طبعا لو عرفتى انه ساكن تحت الكبرى حيغمى عليك.. ما حبينا نقول ليك المعلومة دى فى الاول عشان ما تخافى.. وهو زى ما شفتيه.. هكر...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
بدأت تودد تتأثر بالاحداث الجارية فى حياتها.. خاصة بعد وفاة والدها.. وشعورها بان حياتها تفلت من بين يديها دون ان تدرى كيف.. المهم انها احست بان قوة خارجة عن ارادتها هى التى تشكل حياتها... وتضيق الخناق عليها.. لذلك تقدمت بطلب عمل فى احدى المنظمات الدولية ذات الافرع فى الدول النامية.. لعلها تهدأ قليلا... أولعل الحياة تعود سيرتها الاولى بالرتابة المعهودة.. فقد وصلت تودد الى نتيجة مفادها... ان تسير الحياة ببطء ورتابة... خير من ان تتوقف تماما..
زارتها فى فترة الانتظار.. صديقتها اخلاص ومعها ابنائها الاشقياء.. وبالرغم من ان اخلاص لم تتعد الثلاثين من عمرها.. ألا ان راسها اشتعل شيبا.. وقامت الحياة بتوقيعاتها المعهودة على وجهها.. والاهم من مظهرها... هو ان اخلاص قد تحولت الى شخصية هادئة جدا.. وتسرح كثيرا... فيما يركض اطفالها من حولها.. وهى بالكاد تشعر بهم..
أبلغت أخلاص تودد بان طلاقها قد تم.. وأن زوجها قد أنتقل للعيش مع صديقتها... وانهم يعدون العدة للزواج.. وان زوجها قد ابلغ الجميع.. بانه لم يكن سعيدا معها.. لان حبه لها قد خبا وانتهى منذ زمن بعيد.. الامر الذى جعل الاحساس بالخيانة.. ياكل فى عمرها ويدمر نفسيتها ومظهرها..
تحدثت معها تودد لساعات وساعات.. حتى اقتنعت اخلاص بأنها لم تقصر مع زوجها فى شئ.. ولم تخنه.. وانها احبته وتزوجته وانجبت له.. ولقد كان واضح جدا انه سعيد.. فالعيب عيبه.. والخطأ حطاوه.. وانها يجب ان ترفع راسها عاليا .... لآنها قد قامت بواجبها على اكمل وجه.. والدليل على ذلك أحترام السودانيين كلهم فى تلك المدينة لموقفها .. وبعدهم عن زوجها وصديقتها كما قالت..
اما الزوج فقد اثبت عدم مسئوليته... وعدم قدرته على تحمل تربية اولاده... وانه رجل يبحث عن المتعة فى المراة... ثم ما يلبث ان يرميها ويبحث عن غيرها... وغدا يأتى الدور على صديقتها...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
تدريجيا تحولت حياة تودد فى اديس... الى معالجة قضايا السودانيين والسودانيات المعيشية.. أكثر من مهنتها التى جاءت لاجلها.. فالفتاة السودانية التى استوقفتها فى السوق.. وطلبت منها قوت يومها.. لم تكتف تودد بأن تحل لها تلك الضائقة فحسب.. بل أوجدت لها وظيفة فّراشة فى المنظمة التى تعمل بها... فيما قدمت اوراق تلك الفتاة الى مكتب الآمم المتحدة موضحة ظروفها.. وطلبت لها اللجوء السياسى... الفتاة نزحت من مناطق القتال فى السودان... وأنقطعت لها كل صلة بأهلها... وهى لا تستطيع العودة... لآن الحرب كما قالت لا تتوقف نهائيا... فهى دائما تعود... وبذلك تقطعت بها السبل فى اديس.. وما ان سربت الفتاة خبر مساعدة تودد لها... حتى بدأ السودانيون فى التردد على المنظمة فى ظروف مشابهة.. وقصص لم تخرج عن شظف العيش..... وعدم القدرة على العودة الى السودان لخطورة الوضع..
وبالرغم من ان حياة تودد فى اديس قد كانت مليئة بالحركة.. ومساعدة الناس... اضافة الى النافذة الجديدة التى فتحت لها... للتعرف على قضايا نساء القرن الآفريقى عن كثب.. ألا انها قررت العودة الى مقرها... أو العمل لفرع المنظمة فى أى مكان اخر من العالم.. لآن الذى راته كان فوق احتمالها... وتسبب لها فى كثير من المعاناة والحزن... الذى هربت منها فى دول العالم الآول... كما وان انواع المعاناة فى الدول النامية.. تصبح شديدة القسوة بالنسبة لشخص قادم من دول العالم الاول.. وأن التارجح بين العالمين.. يصبح مثل ان يسلخ جلد المرء بموسى الحلاقة القديم...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
تلقت تودد دعوة لطعام الغداء من احدى صديقات شقيقتها فى الدراسة.. وتعيش فى الخليج مع زوجها وابنائها.. حضر السائق ليقل تودد.. اسيوى الجنسية.. وقد قام السائق بفتح باب السيارة .. ثم اغلاقها .. مما اشعر تودد بان السائق مدرب تدريبا جيدا.. ويدل مظهره على انه يتقاضى مرتبا جيدا.. جلست تودد باسترخاء فى المقعد الخلفى.... وسرحت مع العمارات والابراج وناطحات السحاب.. عالم خاص.. ينطق ثراءا وفخامة تصل حد التخمة.. كل شئ نظيف الى درجة اللمعان.. شوارع هادئة.. وسيارات يقودها اسيويون.. الحافلات العامة لا يستخدمها اهل الخليج... ويعتبرونها عيبا... لذلك فهى تحدد الطبقة الاجتماعية فى البلد..
وصلت السيارة.. استقبلت نوران مضيفتها بحفاوة بالغة.. فهى شقيقة امراة عزيزة عليها.. شاركتها أحلى سنوات الدراسة الثانوية والجامعية.. حضر الاطفال وسلموا على تودد بأدب جم.. عكس الاطفال السودانيين فى دول الغرب.... الذين لا يرون أهمية فى الامر.. مالم يكن الزائر هواحد اصدقائهم... أو قد حضر بدعوة ... أو على الاقل يعرفون مقدمه..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
كانت مضيفتها عالية الثقافة والذوق الذى يبديه ديكور الشقة.. وكذلك طريقة لبسها هى وأطفالها.. وان كانت لا تخلو من فخامة خانقة.. تحدثت مضيفتها عن سنوات الغربة والحنين الى السودان وأمور كثير.. غير ان تودد لم يداخلها احساس مضيفتها بالغربة التى ركزت عليها كثيرا.. لان نوران بدت شديدة التصالح مع الغربة عكس كلامها.. كما وان الحديث عن المعاناة داخل الوطن.. وكيف انها تتحسر على فراق الوطن.. نسف ماتبقى من احساس لدى تودد تجاه مضيفتها.. لان الكلام لم يخرج صادقا.. لذلك غيرت تودد مجرى الحديث.. وسألت نوران عن حال السودانيين فى تلك البلده..
هنا تحمست نوران .. وبدأت تحكى لها عن قصص الطلاقات.. والبحث عن العمل... ثم مشاكل الاقامة التى تعتبر قاصمة الظهر بالنسبة للسودانيين فى الخليج... وكيف ان السودانيات اتجهن الى الزواج من خليجيين.. فتيات فى سن صغيرة.. تلقى بهن اسرهن الى تلك البلاد... وهن فى حالة انبهار تام بالثراء والفخامة.. وما ان يمر على زواجها عام.. حتى تصل الى مرحلة الندم والبحث عن الطلاق.. والسبب ببساطة هو أختلاف الثقافة.. والنظرة للمرأة.... والحرية التى تلقاها السودانية فى بلدها من زيارة للاهل والصديقات..الخ
قصص تدمى القلب.. من انواع الوظائف التى يقبل بها السودانيين فى الخليج.. فقد حكت لها عن مدرس مرحلة ثانويه أضطر ان يعمل راعى أغنام للحصول على الاقامة.. محامى اضطر ان يعمل سائق لدى اسرة خليجية.. طبيب فارق مهنة الطب ولجأ الى مهنة اخرى لا علاقة لها بتخصصه.. صيدلى يعمل فى حمل الثلج لسقاية الاغنام فى المزرعة فى الصيف.. كل ذلك للحصول على الاقامة.. وضمان مرتب شهرى. يستطيع أن يعول به اسرته اذا كان قد استطاع ان يحضرها.. وأن يضمن تحويل المبالغ الشهرية الى والدية وبقية الاسرة..
لفت نظر تودد ان الفتاة التى كانت تقدم الخدمات.. فلبينية الجنسية.. استغربت تودد ان تعمل السودانيات كخدم منازل لدى الخليجيين... فيما تعمل الاجنبيات خدم منازل لدى السودانيين.. معادلة غريبة..
عادت تودد وهى شديدة الهم والغم.. وكانت تقول لنفسها.. من غير المعقول ان تحاصر الظروف السودانيين فى اركان الدنيا الاربعة بهذه الطريقة اللئيمة.. والاهم من ذلك ما يحدث داخل السودان... شهادات تتبعثر فى شوارع الكرة الارضية.. وتقبل باى عمل فقط لتعيش.. الهذه الدرجة وصلت قسوة السودان على ابنائه ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
استمعت تودد الى كثير من الروايات حول اوضاع السودانيين فى الخليج... قبل غزو صدام للكويت.. وكيف ساهم السودانيون فى بناء الخليج ونهضته.. وكيف كانوا محل ثقة الخليجيين.. ولكن ونسبة لوقوف الحكومة السودانية مع صدام... وكيف دفعت بالشباب السودانى ليحارب مع صدام ضد الكويت.. فقد كان لذاك الموقف تداعيات خطيرة على احوال السودانيين فى الخليج.. أولها الهزة التى حصلت فى ثقة العرب ضد السودانيين... ثم فقدانهم لالاف الوظائف.. هذا الاجراء ترتب سلبا على السودان.. نسبة للدور الجبارالذى يقوم به السودانيين فى الخليج.. لاعاشة اسرهم فى الداخل..
كانت حالة زينب قد تحسنت وخرجت من المستشفى... وللمرة الثانية تجد تودد ان عليها مساعدة فتاة سودانية فى الحصول على عمل.. منذ خروجها من تلك الدولة الغربية.... فقد حاولت ان تقنع نوران بتعيينها بدلا عن الفلبينية... ولكن تودد ذهلت حينما ابلغتها نوران .... بأن الخادمة الفلبينية هى مظهر اجتماعى قبل كل شئ.. وثانيا لان الفلبينية تجيد عملها اكثر من السودانية... ومطيعة.. عكس السودانية التى سوف تحاول ان تعاملها معاملة الند. هذا عدا اسرار بيتها التى يمكن ان تنقلها للسودان..
قامت تودد بتعيين زينب كعاملة فى مكاتب الامم المتحدة.. فيما قدمت أوراقها لطلب اللجوء .... كل ذلك لم يشعر تودد بالسعادة.. فقد كانت تسأل نفسها بالحاح.. وماذا عن الباقيات ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
بمرور الايام تّكشف لتودد أن مشكلة السودانييين فى دول الخليج.. اعقد مما كانت تتصور.. وتختلف عنها تمام الاختلاف عن ازمات السودانيين فى دول العالم الاخرى.. خاصة وان هجرة العقول السودانية الى الخليج كانت قد بدأت فى السودان... منذ سبعينيات القرن الماضى... حينما أطل شبح الازمة الاقتصادية الطاحنة أيام نميرى.. وبدأ التدفق الى الخليج وليبيا والعراق منذ تلك السنوات.. مما يوضح الكم الهائل من المواطنين السودانيين فى الخليج...
وبرغم ان تلك الهجرات قد بدأت بالعقول.. الا انها توسعت لتشمل الجميع... ممن اضطرتهم ظروف السودان.. فدخلت الى الخليج انماطا لا تشرف السودان ولا السودانيين.. يضاف الى ذلك الحاملين للجواز السودانى من دول القارة الافريقية.. ثم ما فعله نفر من السودانيين القادمين من العراق فى الكويت ايام ازمتها مع صدام.. ثم موقف الحكومة السودانية من تلك الحرب... كل تلك عوامل ساعدت فى زيادة تعقيد الوجود السودانى فى الخليج..
لذلك فان القصص التى استمعت اليها تودد. يقشعر لها البدن.. وهى قصص لا تشبه السودان من قريب او بعيد.. خاصة التفسخ الاخلاقى.. حيث اصبحت النساء ضلعا اساسيا فيه..
هناك زيجات تمت لشباب فى الخليج.. ما كان لها ان تتم لو لم يكونوا مغتربين... وحينما تصل الزوجه الى تلك الدول.. وتكتشف حقيقة الامر.. حتى تقوم بالبحث عن وسيلة أخرى للعيش.... لتتجنب العودة الى السودان وتواجه خساراتها..
ثم سلوكيات من شباب سودانيين.. تتعلق بالنصب والاحتيال والسرقات والشعوذة.. وانواعا من السلوكيات.. ما كان لها ان تنتشر وتتمدد لو ان أؤلئك الاشقياء... قد عادوا الى السودان.. وبحثوا عن اساليب أخرى شريفة..
لذلك فأن المسالة برمتها تعنى... خوف السودانيين من العودة الى السودان وهم لا يملكون شيئا... ويفضلون الغوص فى الوحل.. والتمسك بأمل زآئف.. لآنه اسهل بأعتقادهم...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
أنتهت فترة العمل المحددة لتودد فى تلك الدولة الخليجية.. وعادت الى عالمها الاول وهى تحتضن جملة تناقضات عن العالمين.. فلم تكن أقامتها القصيرة فى افريقيا.. وكذلك فى دول الخليج... بالامر الهين.. فقد تكشف لها وضع السودانيين المؤلم فى كل بلد تضع فيها قدميها.. فقد قابلت شخصيات أقرب االزومبى .. و أستمعت الى قصص أغرب الى الخيال.. فى جوهرها وتفاصيلها.. والمواطن السودانى اصبح فى نظرها كمن تتقاذفه الامواج.. لا يدرى ماذا هو فاعل؟ ولا يدرى هل فى هروبه من السودان حلا لمشاكله؟ أم فى العيش داخل السودان من خلاص.. واصبحت المسألة كما حللتها تودد مرارا وتكرارا.. هى نوع من الفوضى الخلاقة.. يعيشها السودانيون سواء فى الداخل.. أو الخارج.. كل ما يهم فى هذه الحالة المستعصية.. هو عدم قدرة السودانيين... على السيطرة على حياتهم.. بل العكس... فأن أى ريح وفى أى اتجاه.. تأخذ قى طريقها عددا من السودانيين.. شاءوا أم أبو. خططوا لذلك أم تصرفوا عشوائيا... فقد أصبح السودانى فى حالة هروب دآئم.. والى أى مكان.. أما قصص النجاحات.. فهى محدودة بحسب الكم الهائل من السودانيين فى كل انحاء الكرة الارضية.. ولا تكاد تذكر..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
وصلت تودد الى شقتها الصغيرة والآنيقة.. واحست كما لو أن جزءا حيويا من حياتها قد عاد اليها... ولكنها ايضا لم تكن سعيدة.. رغم انتهاء فترة الشتاء.. وبداية الربيع.. وعودة الحياة الى تلك الدولة.. ولكن يبدو ان الحزن قد أصبح متلازما لها..
أدارت قرص التلفون واتصلت فى صديقتها اخلاص.. جائها صوت اخلاص كعادتها.. مجلجلا وقويا ومليئا بالحب والفرح.. رغم كل ما حل بها على يد زوجها السابق.. أستمعت تودد لنشرة الاخبار العامة.. فلانه زوجها كان بيآخد الشيكات بتاعة الخدمة الاجتماعية كل شهر.. وبعد كدا يختفى ويسيب زوجته وأولاده لمكاتب الاغاثة.. أخيرا طلقته وأشتغلت عاملة نظافة فى مؤسسة حكومية.. زوجى البعيد من ذكر الله.. تزوج وعاشوا فترة مع بعض.. وحاليا زوجته بتشتكى منه وقالت ندمانه على الزواج.. لآنه راجل نفعى ووصولى .. ولآنها أكتشفت انه تزوجها عشان يستغلها.. وفلان لقوه فى شقته ميت ليه خمستاشر يوم.. والشرطة كسرت الباب وشالوا الجثمان.. فلانه مشت السودان وأتزوجت.. لما رجعوا وقررت تعمل حفلة.. زوجها اخد منها القروش عشان يمشى يأجر الصالة.. وأختفى..
هكذا استطردت اخلاص بلا توقف.. حتى سالتها تودد.. وأنتى عاملة كيف ؟ أشتغلت فى مطعم.... وبينى وبينك أرتحت من الكتمة الكان عاملها لى ابو العيال.. أتارينى كنت غلطانة لما افتكرت انه بيحبنى..
وضعت تودد السماعة وهى لا تدرى ماهى فاعلة.. هل تقطع علاقتها بكل ماهو سودانى ؟ أم تستسلم لهذا الجنون المستفحل..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
مع مدخل الربيع فى تلك المدينة الكندية الصغيرة.. والناطقة باللغة الانجليزية.. قررت تودد ان تمنح لنفسها بعض ساعات من الحرية والانطلاق.. والهروب بعض الوقت من تلك الافكار والوساوس التى اصبحت متلازمة لها.. وضعت بلوفر خفيف على كتفها.. ومن تحته بنطلون جينز وبلاوز ابيض.. ثم حزاء سّحاب بلا كعبين.. ويممت وجهها شطر احد المطاعم فى طرف السوق.. الذى يقدم وجباته فى جانبى الطريق side walk
جلست الى ركن المطعم تنتظر لائحة الطعام.. وبدأت تنظر الى من حولها وهم منغمسون فى الفرح والضحك.. بدت على الجميع السعادة التامة.. سعادة لان ليس هناك من سبب يعكرها.. وسعادة بمقدم الربيع... الذى يشبه ايام الدرت فى السودان... حينما تقام جميع كرنفالات الفرح..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
جاءها صوت والدتها على الطرف الاخر من الخط... هادئا وقويا وحنونا.. وبعد السلام والسؤال عن الحال والاحوال.. طلبت تودد ان تتحدث مع شقيقتها .. وشقيقتها تلك كانت قد تزوجت ولكنها أنتقلت للعيش فى البيت الكبير.. مع زوجها وأولادها بعد وفاة والدهم.. وبما ان تودد تّكن لآختها هذه معزة خاصة.. لآنها صديقتها أكثر من كونها شقيقتها...
دار الحديث عن زميل تودد فى الكلية... الذى طلب يدها للزواج.. ولكن تودد ابلغت شقيقتها بأنها لا تريد أن تسمع تلك القصة مرة أخرى.. وابلغت أختها بمعالجة الوضع.. بما أنها هى من أعطى تلفون تودد للرجل.. استمعت تودد للنشرة الخاصة بالاهل والجيران... فلانه طلقوها... فلان مات من القهر بعد ما بّته الوحيدة هربت من البيت.. فلان ولده اتخرج من الجامعة وهسى كايس عقد عمل فى الخليج... أو فى أى حتة فى العالم.. فلانه جاتها ذبحة صدرية لما أكتشفت انه زوجها تزوج عليها.. فلان مسكوه ناس الآمن وما معروف محله وين.. وأهلة زى المجانين يتجاروا فى كل حته يسألوا عليه..
وهكذا حتى أحست تودد بالخدر يسرى فى يدها الممسكة بالتلفون.. فودعت شقيقتها.. وفتحت التلفزيون...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
القارئ العزيز احمد سيد احمد... من نواحى الفيس بوك..
الف شكر على تشريفك الدائم.. وحضورك الجميل.. وأعتذر عن التغيب احيانا.. والسبب بكل بساطة... هو شذرات الغربة القوية التى تشل المرء عن الحركة والتفكير.. وأى رغبة فى أى شئ.. ولكننى سأواصل على أية حال... عملا بنصيحتك.. واحتراما للقراء..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
ودعت تودد مايكل وأستقلت سيارتها وأختفت.. فيما عاد مايكل الى منزله وقد سيطرت عليه احداث تلك الليلة.. فقد قلبت كل موازينه وافكاره عن السودان.. وبدا اكثر حرصا على التعرف على تودد لمعرفة المزيد عن السودان...
عادت تودد الى شقتها.. استلقت على السرير واصبحت تبحلق فى سقف الغرفة.. وهى تستعيد شريط الحفل.. كيف ان وليد الشاب الوسيم النحيف.. قد اصبح مترهلا.. كثير الضحك بشكل عصبى. يحاول ان يكون لطيفا مع اى شخص فى الحفل... ولكن معاناته كانت واضحة.. فقد علمت تودد ان زوجته قد اعماها حب المال.. وهى تضغط على زوجها الذى يقوم بعملين فى وقت وآحد.. اضافة الى انها واضحة الغباء.. وشديدة السطحية.. وقد كانت اكثر النساء استخداما للذهب والمجوهرات... فى ذاك الحفل..
صديق اخر وزميل دراسة.. كان هو نابغة الدفعة.. نحيف.. وسيم.. شديد الثقة والاعتداد بنفسه.. صعقت تودد حينما رأته متدفقا ذات اليمين وذات اليسار.. فقد زاد وزنه حتى تغيرت ملامحه.. وأصبح شديد الارتخاء.. وخبا بريق عينيه.. علمت تودد أنه يعمل ليل نهار.. ويأكل اى شئ.. فى أى وقت ! ورغم ذلك فقد استطاع ان يكمل دراسته فوق الجامعية.ويحمل لقب دكتور... ويعمل فى احدى المؤسسات الحكومية.. ولكنه لم يتزوج..
حضرت اخلاص صديقة تودد.. فرحة كعادتها.. يخيل الى من لا يعرفها بأنها أسعد أمراة فى العالم.. فقط تودد هى التى لاحظت بداية ظهور الشعر الابيض فى راسها.. وبعض الاجهاد الذى ترك هالات سوداء حول العينين.. لم تنجح البودرة فى اخفائهما..
لم تدر تودد كم استلقت بذاك الشكل فى السرير.. ولكنها حينما نظرت من الشباك.. وجدت السماء قد فرشت الافق باللون الاحمر القانى.. استعدادا لظهور صاحبة الجلالة.. شمس...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
كانت الندوة كشف حال.. كما قالت تودد فى سرها... فقد استعرض المشاركون فى الندوة الظروف الانسانية فى مناطق القتال فى السودان... مستخدمين الخلفية السياسية السودانية المعقدة لشرح الموقف... عرضت بعض الصور والفيديوهات.. فكانت بحق ساعات مليئة بالغضب والحزن والحيرة.. من أمر السودان وحكومته...
ففيما يتنافس العالم على التقدم والازدهار.. تتفنن حكومة السودان فى كل هذا الخراب .. أجهشت بعض النساء والرجال بالبكاء.. اما اعضاء السفارة السودانية.. فقد كانت نظراتهم كلها تحدى واستنكار.. يحتار المرء فى تحديد ردة فعلهم.. هل هم غاضبون من أن العالم يرى ويسخر من حكومتهم؟ أم أنهم غاضبون من الجهات الدولية التى اقامت تلك الندوة ؟
غاصت تودد فى كرسيها وتمنت لو ان الارض قد انشقت وابتلعتها... فقد احست بالخجل والغضب والثورة والحزن.. حتى ان دموعها قد جفت من كثرة الانفعالات التى أعتملت فى نفسها.. بنهاية الندوة خرجت مع مايكل تلبية لدعوته بالعشاء.. وأقترحت مطعم سيزرز..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
العزيزه نور تاور ...
هذه المره الاولي التي اقرأ لك في اتجاهك الادبي ...
تقابلنا في عدة بوستات خاصه اغلبها في التاريخ السياسي ...
و تقبلتي مني بعض النقد بروح طيبه جدا..
في بوست ترأس المراه للاحزاب السودانية ... و بوست الزعيم جمال عبد الناصر ...
وكان لي ان افهم ان تقبلك للنقد بتلك الاريحية و الذوق لا يأتي من فراغ ...
فانت كاتبه جميله و لك اسلوب جميل جدا في السرد القصصي ... _______________________________________________ قرأت كل حرف هنا ...
رغم مرارة الاحداث و التي هي بالفعل من الواقع خصوصا هنا في كندا ...
لكني وجدت نظارتك أكثر من سوداء ...
نقلتي كل المآسي و القصص الحزينه ...
ولكن حقيقة هناك امثلة اخري جميله جدا و ناجحه ...
من حقك طبعاً ان ( تهبشي العصب الحي ) ... لكن بأمانه كلامك دبرس بي ... هههه
فعليك الله ... ادي الناس الكويسه غشوة معاك ... لعل البعض يحس بالطمأنينه ...
لي عودة مره أخري رغم اني اكره المقاطعه و لكن وجب التقدير يا ستي ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: يحي قباني)
|
العزيز يحيى قبانى...
زارتنا البركة وسعدنا بهذه الزيارة الكريمة.. فى الحقيقة هذا البوست دبرس بى أنا سّته.. لذلك قد يلاحظ القارئ أننى لا اتحمس له مثل رواية( طبول واصداء).. وبما ان هذه اول مرة تقرا لى ادبيا.. فقراءة رواية طبول واصداء تعطيك فكرة اوسع.. وهى قد اكتمل جزءها الاول وموجودة فى هذا الربع... هذا اذا حبيت طبعا..
كلامك مريح وراقى .. ويا أخى ربنا ما يجيب زعل.. كل المكتوب هنا يتعلق بالشأن العام... لذلك اعجب من الزعل فى هذا المنبر...
الشكر مكرر..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
بينما توقعت تودد ان تخفف عنها تلك الدعوة.. فقد زادتها غضبا على غضب... بل وأنها شعرت بالحنق على نفسها من قبول تلك الدعوة.. ثم راجعت نفسها لتقول ان الخواجة صادق فى كل كلمة قالها.. وأنه يعبر عن مشاعر حقيقية تجاه ما يحدث فى السودان.. خاصة وان الغرب لم يمر بمثل احداث العالم الثالث.. .. على الاقل فى المدى القريب..
عموما.. أحس مايكل بأن الجو قد أصبح كئيبا .. وقد بان الحزن على تودد... لذلك غّير الموضوع.. وبدا يسألها عن عملها... ثم تطور الامر الى حياتها الخاصة... وكيف تقضى وقتها بعد ساعات العمل.. كل تلك الاسئلة نبهت تودد الى انها لا تفعل شيئا يذكر بعد ساعات العمل.. وأن حياتها تلف وتدور حول السودانيين فقط... وليس لديها حياة خاصة بالمعنى المعروف..
انتهت فترة العشاء.. وعادت تودد الى شقتها.. استلقت فى السرير بكامل ملابسها كما تعودت بعد كل مشوار جاد.. وبدأت تسرح فى اسئلة مايكل عن حياتها الخاصة... وكيف انها أكتشفت أنها لا تتمتع بأى حياة خاصة.. فشعرت بالخوف يجتاحها من جديد..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
تعددت اللقاءات والمكالمات بين تودد ومايكل... وقد تركزت حول الآوضاع الانسانية فى السودان بشكل اساسى.. ولكن لاحظت تودد اهتمام مايكل الزائد بالامر... ولم تدر أن كانت تفرح أو تستنكر ذلك.. وقد وآصل مدها بآخر التقارير .. مما ساعدها فى توصيل تلك المعلومات للمنظمات السودانية بالخارج على وجه السرعة..
على أن مايكل قد تقرب من تودد كثيرا.. حتى عرض عليها الزواج ذات يوم.. هنا احست تودد بأن التعامل مع الاجانب شئ.. والزواج منهم شيئا آخر.. فقد يكون الاجنبى حريصا على سعادتها اكثر من السودانى.. وقد تشعر معه بالامان اكثر من السودانى.. خاصة مع ثقافة الغرب التى تحترم المرأة وتعاملها كأنسان أولا وأخير.. والقوانين التى تحمى المرأة بشكل تام.. بمعنى ان ذلك الزواج سوف يختصر لها مشوارا طويلا ومحفوفا بالمخاطر وعدم الامان.. عكس عما اذا تزوجت سودانيا...
ولكن بقيت هناك حقيقة ثابته لم تستطع تودد ان تتخطاها.. وتلك الحقيقة هى أن هناك خيط قوى جدا بين السودانيين مع بعضهم البعض.. لا يمكن ان تتخطاه... أى ان السودان يبرز كحلقة الوصل الاساسية فى اى علاقة عميقة مثل الزواج.. وما مناكفات السودانيين مع بعضهم البعض.. الا تعبيرا عن سخط عام..
وفى حالة الارتباط بالسودانى... فأن هناك تفاهما عميقا يفرض نفسه.. دون الحاجة الى أى لغة للتعبير عنه.. فرفضت مايكل...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
على غير عادتها أستقلت تودد البص السياحى فى عطلة نهاية الاسبوع.. ويممت وجهها شطر أحدى المدن الصغيرة التى لا تكاد تظهر على خريطة تلك البلدة.. سافرت بغير هدف وآضح... فقط قررت ان تهرب من وآقعها الرتيب والممل.. جلست قبالة احد النوافذ وبدأت تتطلع الى الخضرة الممتدة على طول البصر.. كان الجو هادئا جدا... ولم يسمع حتى صوت أزيز السيارات التى كانت تطوى الآرض طيا.... من والى اهافها المختلفة.. وبما أن تلك الدولة لا تسمح باستخدام صوت منبه السيارات.... فقد زاد ذلك الامر من الهدوء الذى أمتد وغطى الكون بالكامل... كما خيل لتودد فى تلك اللحظات الغريبة... تسرب الهدوء الى نفسها... فأحست بكثير من الآرتياح..
نسيت حياتها التى خرجت عن السيطرة.. ونسيت السودان وأزماته وصرآخه فى طول الكرة الارضية وعرضها... فقط تعلقت روحها بتلك القوة الخارقة... التى أتت بنا الى الوجود من حيث لا ندرى... لتعيدنا الى مصير أيضا لا ندرى ما هو. فيما عدا ما درسناه وتعلمناه وسمعناه..
كانت مسألة وجود لا تدرى كنهه.. وعدم نجهله تماما.. واصبحت المسالة بالنسبة لتودد.. اكبر بكثير من الحب والزواج والاسرة.. وتعرجات الحياة..
وصل البص الى تلك القرية... نزلت واستقلت المواصلات العامة.. على غير هدف ايضا.. فقط كان غرضها أن تتجول فى تلك القرية وتعود ادراجها.. بشر تبدو عليهم آثار النعمة والقناعة والسعادة.. شباب بملابس من كل معرض ازياء.. لا ينظر اليهم احدا... ولا يحسون بوجود أحد ..
وصل البص الى محطته الآخيرة.. نزلت تودد.. وتناولت غداءها فى احد المطاعم الصغيرة.. تبادلت الحديث مع احدى البائعات... ضحكت كثيرا... ثم عادت واستقلت نفس البص وعادت الى المحطة الرئيسية.. تجولت فى الاسواق قليلا... واشترت لعبة أطفال لتذكرها بتلك الرحلة التى اعادت الى نفسها ... هدوءا ظلت تنشده وتبحث عنه لبضعة شهور..
الاحساس الذى طغى على تودد فى تلك الرحلة... هو حالة الاغتراب واللاانتماء التام.. حيث لم تنتم الى المكان ولا الزمان. ولكنه الاستغراق فى اللاأنتماء لاى بلد ولآى زمن ولاى جنس من البشر.. بنهاية اليوم عادت الى بلدتها.. وشقتها.. لتواصل مشوار اللامنتمى الذى أصبح هو مشوارها الحقيقى.. سواء فى السودان.. أو خارجه.. فقد تأكد لتودد بأنها لا تنتمى.. وهذا كل ما فى الآمر..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
حاجب الامين... من نواحى الفيس بوك...
من نعم المولى عز وجل.. أن نتمتع بأحترام شخص مثلك.. ليس فى بالى ما اود أن اقوله .. غير ان أجتر الواقع المرير لنا نحن السودانيين. المكتوين بنيران الغربة.. فتحولت الغربة الى أغتراب.. فقدنا معه نعمة الانتماء.. الى السودان... والى بلاد المهجر.. فنحن نعيش فى برزخ اللامنتمى.. وهو أمر جد موجع..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
ّقدمت تودد طلبا للفيزا لوالدتها.. فقد أصبحت ظروف المعاناة الطبيعية بالنسبة للسودانيين فى الخارج.. عبئا شخصيا على تودد.. كثرت اسئلتها حول لماذا وكيف ولكن..الخ دون اجابة مقنعة ... وخشيت ان تكون فى بداية انهيار عصبى اذا هى تمادت فى تلك الحالة..
حضرت والدة تودد.. أم سودانية بكل معانى الكلمة.. احضرت معها اليقين والهدوء النفسى والقناعة بما قسم الله.. وشعرت تودد بنوع من الانتماء افتقدته لعدة سنين.. وبدا الاحساس بالاغتراب ينداح تدريجيا.. حتى وجدت نفسها تضحك وتتسامر مع والدتها دون أنقطاع..
توافد السودانيون على شقة تودد.. فحضور الامهات الى الغربة حدثا كبير.. ويشعر الجميع بأن تلك الوالدة هى والدتهم شخصيا... حيث يتمثل السودان فى هذه الشريحة الغالية والقيمة والصادقة بكل المعانى..
فى الحديث مع الوالدة.. شعرت تودد بضرورة ان تشرك والدتها فى تلك الهواجس التى تؤرقها... ولكن والدتها ردت بكل هوء وثقة قائلة.. الزواج الذى تفرين منه نتيجة تجارب فاشلة رايتيها.. هو الدواء.. وهو سوف يشغلك عن هذه الوساوس ويعيد اليك هدوئك النفسى.. انتى تفرين من الزواج بسبب تجارب فاشلة لصديقاتك وقريباتك.. ولكن ليس بالضرورة ان تفشلى أنتى..
انظرى الى علاقتى بوالدك حتى توفاه المولى عز وجل.. فقد مرت بهدوء تام.. فهل تعتقدين أن زواجنا لم يمر بأى مشاكل ؟ طبعا لا.. ولكن الحكمة فى صبر الزوجة.. وتعقل الزوج .. والاهم من كل ذلك.. اصرار الاثنان على مواصلة المشوار.. تقديرا لامور كثيرة تصاحب الزواج.. وهى الاطفال.. والمجتمع.. حينئذ تصبح التضحية أمرا ملزما.. ولكن مشكلتكم انتم ابناء وبنات هذا الجيل... هى ان كل طرف يتوقع من الاخر ان يكون كاملا دون نقصان.. وتتوقعون من بعضكم البعض ما لا طاقة لاحدكم به.. دون أن يحس اى طرف.. بعيوبه هو أو هى.. فتنهار المؤسسة الزوجية..
وقالت موصية.. عودى الى رشدك يا تودد.. فالزمن عادة يجرى بسرعة البرق.. ولا نحس به.. الا حينما لا يبقى منه غير خواتمه.. حينئذ.. تصبح البدايات مستحيلة..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
أطلقت اخلاص زغرودتها المجلجلة المعهودة.. واستقبلت والدة تودد كما لو كانت والدتها هى.. بكت كثيرا وهى تحتضنها كما لو كانت تشتكى لها ما حل بها فى الغربة... تدافع اطفال اخلاص نحو والدة تودد وهم ينادونها أّبوبه... سألتها تودد.. من اين عرفوا كلمة حبوبة؟ ردت اخلاص.. أنا التى عملتهم..
توافد السودانيون لمنزل اخلاص زرافاتا ووحدانا.. لزيارة خالة اخلاص كما اشاعت هى.. كلهم يحملون الهدايا.. ويسألون عن السودان واحواله.. ذات مساء وثلاثتهن يتسامرن بعد انصراف الضيوف.. بدأت أخلاص تسأل عن الاهل والجيران والاحوال فى السودان.. كانت اسئلة دقيقة كمن تنوى شيئا..
أخيرا اعلنت اخلاص انها تشعر بالرعب.. فقد قررت ذات يوم ان تعود الى السودان بعد طلاقها من فيصل.. لتربى ابنائها الثلاثة.. ولكن بعد تلك القصص.. قررت أنها سوف تواصل مشوار الغربة .. مهما يكن.. لتربية ابنائها..
ذات مساء جاء فيصل لزيارة والدة تودد.. فهو يعرفها ايضا.. لم يحضر زوجته معه.. وبعد انصراف الضيوف.. استاذنت والدة تودد ابنتها وصديقتها فى ان يتراكهما لوحدهما.. فسألته الست الوالدة.. عملت كدى ليه يا فيصل يا ولدى ؟ لو اخلاص عملت حاجة كنت على الاقل تشتكيها لآهلها.. للناس الانت عرستها منهم وسلموك ليها امانه.. رد قائلا وهو مطاطئ الراس.. والله يمه ابليس بس.. انا ما عندى ايييى حاجة ضد اخلاص.. ولو لفيت الدنيا دى كلها ما حا الاقى زيها.. لكين غلطة عمرى يوم ما فرطت فى ام اولادى واولادى.. وندمان ندامة شديدة.. وما عارف اعمل شنو..
سالت والدة تودد.. طيب ما تّرجع اخلاص ويكونوا الاتنين فى حبلك.. رد قائلا.. القوانين فى البلد دى ما بتسمح بى اتنين فى الحبل.. ثم انه اخلاص زاتها ما حترضى الوضع دا... وعلى العموم.. يمكن تفرج فى يوم من الايام.. ردت والدة تودد.. أنت لمن اتزوجتها ابليس ما كان موجود... وأنك تطلقها فى الغربة وفى ايديها ثلاثة اطفال دى غلطة كبيرة جدا يا فيصل يا ولدى.. وعلى العموم.. حّكم ضميرك.. وما تنسى رب العالمين وحسابه.. خرج وهو اكثر حزنا من اى يوم مضى فى حياته..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
والله يا نور رواية مشوقة جدا ومتابعها من الأول بس ما عايز اقاطعك.. أجمل ما فيها ليس واقعيتها فحسب .. بل التكنيك الذي تتبعينه كراوية .. فأنت لا تتوقفين عند الأحداث والشخوص .. بل تعكسين حتى طريقة تفكير شخوص الرواية وتصرفاتهم بل حتى أحلامهم الباطنه .. جوهر الرواية حتى الآن حسب فهمي المتواضع .. يعكس رؤية كشفية عن صراع وتجاذبات الشخصية السودانية بنوعيها.. عندما تعيش بعيدا عن وطنها .. موفقة إن شاء الله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: محمد على طه الملك)
|
عزيزى القارئ محمد على طه الملك..
لقد نفذت الى لب الموضوع.... فالجوهر هو الذى ذكرته انت.. وهو باختصار صراعات الشخصية السودانية.. بين الانتماء الجغرافى لدول المهجر... والانتماء الوجدانى للسودان... حيث يفصل بينهما برزخ... ولا يلتقيان.. مما يقود الى مواصلة الوجود فى الخارج.. كنوع من الهروب الكبير من الذات... فنجد الذات داخلنا جميعا نحن سكان المهجر.. لتخلق لنا حالة الاغتراب وليس غربة فحسب.. فنحن بأختصار لا ننتمى الى اى مكان.. أو اى ثقافة.. أو أى واقع.. والانتماء فى حالتنا مستحيل..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
أستقلت تودد القطار لزيارة احدى صديقاتها فى الريف الانجليزى... قبل ان تودع لندن وتعود الى مقرها فى تلك الدولة .. فى الطريق سرحت تودد خلف نافذة القطار.. واسلمت نفسها لكل الاسئلة التى لا تجد لها اجابة عادة.. واطلقت بصرها فى الريف الانجليزى بما يتميز به من هدوء سرمدى.. أحست تودد بأنها قد خرجت من كتاب القمم المتهالكة.. أو قصة جين آير... او مسرحية تاجر البندقية لشكسبير.. المهم كل ما قرأته عن الانجليز فى المدرسة... او فى قراءاتها الخاصة.. حتى خيل اليها انها تسمع صوت هيثكليف فى رواية القمم المتهالكة... وهو يبث نجواه لكاثرين... و لتلك السهول والوديان.. وخيل اليها ايضا.. أن منزلهم يقبع فى بطون تلك الوديان..
مشاعر واحاسيس مختلطة.. ولكنها ليست بالحزن.. وليست بالفرح ايضا... المهم نقطة ضوء أكدت وجودها فى هذا العالم.. ولكنه وجود قاسى.. بلا انتماء..
استقبلتها صديقتها فى محطة القطار هاشة باشة... هى وزوجها.. وبالوصول الى البيت... وبعد السلام والكلام عن كل شئ.. وعن لا شئ... دخلت تودد الى غرفتها لتنام.. وقد وعدتها صديقتها بالتجول فى المدينة فى اليوم التالى..
كانت مدينة صغيرة جدا.. ويبدو أن بها عنصريين لان ما من احد ذو بشرة سمراء غير تودد وصديقتها فى ذاك الصباح.. وان النظرات اليهن لم تكن مّرحبة.. جلست السيدتان فى حديقة عامة.. وتناولن ما احضرنه من سندويتشات وعصير.. ثم التفتت نادية فجأة الى تودد قائلة...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى العصب الحى.... (Re: nour tawir)
|
وجهت نادية سؤالها المفاجئ لتودد قائلة.. هل لاحظتى شيئا عن احمد ؟ دهشت تودد ولكنها ردت على سؤالها.. لا لم الحظ أى شئ.. ولكن شئ مثل ماذا ؟ ماذا تقصدين ؟ ردت نادية.. حزن عميق حل عليه منذ ان غادرنا السودان.. سالت تودد.. لماذا ؟ نادية.. لم يفصح.. ولكنه شديد الشرود.. وقد بدأ يشرب الخمر وبكثرة.. تودد... لماذا لم تساليه؟ نادية .. سالته مرارا وتكرارا.. ولكنه يخفى عنى شيئا.. حتى خيل الى ان له زوجه ثانية وهو نادم على فراقها.. تودد.. لا تكونى سازجة.. لا اعتقد أن هناك اى سبب يجعله يختارك انتى ويترك المراة الثانية لو كانت موجودة اصلا.. لا تنسى انه هو الذى حصل على اللجوء وارفقك فى ملفه.. نادية وقد أنفرجت اساريرها كمن وجدت حلا للغز زوجها.. معاك حق يا تودد..ولكن ما هو السبب ؟ تودد.. لا تنسى الحروب الاهلية فى السودان و الارواح التى تحصدها.. هل فكرتى فى كم من اهله على الاقل قد قتلوا؟ ثم لا تنسى الظروف التى يعيش فيها السودانيين فى مناطق القتال.. هذا موت احمر يا نادية.. نادية.. أحس بأنه يّحملنى مسئولية ما يحدث لآهله لاننى من الشمال النيلى.. تودد.. برضو كلام غير منطقى.. فقد تزوجك وتلك الحروب تدور.. نادية وقد فقدت صوابها.. اذا ما السبب ؟ تودد.. بعض الناس اكثر حساسية من غيرهم.. فهو يتناول ما يحدث لاهله بشكل شخصى.. ثم احتمال ان يكون حزنه على السودان اجمع.. نادية وهى تهز راسها بالايجاب.. معك كل الحق.. فقد كنت سازجة فى تحليلى للامر.. ولكن ماذا افعل؟ نادية.. فكرى فى امر يمكن ان يستحوذ على جزء كبير من تفكيره.. وحاولى ان تقنعيه بأن ما يحدث فى السودان.. أكبر واصعب من احتمال كل السودانيين.. ولكن نحن لا نستطيع ان نمنع ارادة الله.. شئ كبير مثل ميلاد طفل مثلا.. صمتت نادية واسلمت نفسها لهجوم عنيف... من الحيرة والحزن..
| |
|
|
|
|
|
|
|