نعم اخي اسماعيل ببو.. لقد رحلت عنا الاستاذة رشيدة عمسيب ولم تبقي لي غير شهادتك التي كنت ابحث عنها .

Quote: آآآآآهـ يا منى أحقاً ماتت رشيدة عمسيب؟ ما هذه الآهات والزفرات الحرّى التي تنفث مني؟ ما هذا الكم من الدمع الذي أغالبه واعتصره في مآقيّ المتقرحة؟ ما هذه الصورة الماثلة أمامي التي كلما أمعنت في خيالها أيقنت أن أمثال الدكتورة رشيدة لا يعيش في زمن مهترئ؟ إذاً، ذهبت رشيدة وانتزعت معها الزمن السمح وسمو الروح واللباقة والرشاقة والأنوثة وكل شئ جميل، لأنها جميلة، تلك الرشيدة... جميلة في كل شئ، سمحة في كل شئ... ******************************************* دخلت جامعة الخرطوم قادماً من أقصى جنوب كردفان، من مدرسة أبوجبيهة الثانوية العليا وكانت تلك الدفعة الرسمية الأولي التي تمتحن للجامعة. وعند السنة الثالثة جمعني التخصص في اللغة الإنجليزية مع الأستاذة المنتدبة وقتها (المرحومة الآن) الدكتورة رشيدة. وكان عددنا قليلاً، فجامعة الخرطوم في ذلك العهد لا تخرج في اللغة الإنجليزية أكثر من 15 طالباً في اللغة الإنجليزية. كانت الدكتورة رشيدة متميزة في اللغة وكنت معجباً بالكثير من الصفات التي تتميز بها. وربما أنها لاحظت أن هذا القروي الصامت والبعيد عن المخالطات الذي تخصص في لغة إنجليزية وفرنسية في آن واحد وبالتالي يقضي معظم وقته في مكتبة جامعة الخرطوم، معجب بثمة شئ. أعجبتني في رشيدة أشياء جمة، منها الصراحة وحب الخير للجميع والاهتمام بالجميع، وفوق كل ذلك مشيتها. لم أرَ في حياتي امرأة تمشي وتعد الخطى متزنة وواثقة مثل رشيدة عمسيب. ودارت بيننا الحكاوى البريئة والجلسات العلنية التي كنت أتهيبها وأخافها خاصة من بنات الخرطوم ذوات الثقافة العالية. وفي يوم ما قلت للمرحومة رشيدة. أنني قبل دخولي الجامعة كنت أسكن في الثورة الحارة التاسعة قرب محطة الرومي مع شقيقي وعذابة. فطلبت مني أن أزورها في منزلها الكائن بعد محطة حميدان. فقمت بالزيارة الأولى. استقبلتني رشيدة عمسيب ببشاشتها التي لا تفارقها أبداً. عرّفتني بأفراد الأسرة: الحاجة أم الحسن، الشقيقة بسمات، شاب ابن عم يدعي عمسيب، وشقيقة اعتقد اسمها كوثر ومنى عمسيب وكانت طالبة في الثانوية العليا. ولأنني أحب الفن، لاحظاً عوداً كان على ظهر الدولاب. الزيارة الثانية كانت بدون مواعيد ولكني حضرت احتفالاً بمناسبة عيد ميلاد منى عمسيب...... توطدت علاقات الزمالة برشيدة وكانت صديقة للبروفيسور أليس سودسكي الأمريكية أستاذة الأدب الإنجليزي. وفي يوم من الأيام طلب مني أحد الأصدقاء وهو من معجبي زميلة المنبر الأستاذة نور تاور أن نزور نور تاور. فعزمت المرحومة رشيدة وذهبنا نحن الأربعة: رشيدة وبروفيسور أليس والصديق علي عبد الرحمن وشخصي إلى منزل الأستاذة نور تاور الكائن في أبوروف بعد أن قطعنا كبري بحري-أمدرمان مشياً. وجدنا اللواء/ جوزيف لاقو والأستاذة نور تاور وآخ آخر يتناولون السياسة. كانت رشيدة هي نجمة اللقاء بما تملكه من لغة إنجليزية رصينة جعلت اللواء يأخذ عنوانها لإجراء مقابلة معه. شاءت الأقدار أن نفترق مع رشيدة بعد التخرج باتجهت إلى دول الخليج ولم أسمع شيئاً عنها إلا عند مقابلة بعض الزملاء لاجترار ذكريات الجامعة. في عام 2010م وبعد أن استقرت أسرتي في الحارة 14 الثورة بسبب دراسة البنات في جامعة التقانة، قررت البحث عن رشيدة بعد فراق قارب العقدين. تغيرت معالم الحارة التاسعة ولكني فرغت نفسي يوماً للبحث عن رشيدة عمسيب لمعرفة أحوالها وأحوال الأسرة وهل تزوجت ولها أبناء وهل كبرت وهل حضّت دراسات عليا من عدمه. علمت من صاحب أحد البقالات أن رشيدة مقيمة في الجهة الغربية من شارع الشنقيطي في عمارة بالدور الثاني، وفي تلك اللحظة حضر أحد أقربائها فأعطاني رقم هاتفها. اتصلت على رشيدة وكانت المفاجآة أنها لم تصدق أنني ما زلت حياً. في المساء أصطحبت اثنين من بناتي وذهبت إلى حيث تقيم رشيدة. وفي بهو الشقة استقبلتني المرحومة رشيدة عمسيب استقبال الشقيقة التي فارقت شقيقها لعشرات السنين... كانت لحظة مؤثرة بالجد يا منى....وعرفتني بولدها وابنتها وربما بنت أخرى لم تكن متواجدة وقتها. وعدت رشيدة بالعودة بعد يومين بعد أن سألتها عن أفراد الأسرة فأخبرتني بوفاة الوالدة وسألتها تحديداً عن منى عمسيب فقالت لي أنها في هولندا...... ولكني لم أرجع لرشيدة بسبب قتل الحركة الشعبية (التي تدافع عنها منى) لشقيقي في قريتنا بجنوب كردفان وتحديداً في خورالدليب أثناء ذهابه لصلاة الفجر وصادف غادرة من الحركة الشعبية على القرية.... اتصلت على رشيدة عمسيب من خورالدليب.... فبكت..... عفواً أحبتي الأعزاء عن الخروج عن موضوع البوست وهو الغربة وأشجانها وعذاباتها وآلامها، ولكن الكلام يأتي بالكلام. فزميلتي في جامعة الخرطوم الدكتورة رشيدة عمسيب شقيقة الأستاذة منى كانت من أقرب الناس إلى شخصي وهي التي عرفتني على أسرة هذه المنى والتي أعرفها جيداً. منى عمسيب زادتني وجعاً بالإضافة إلى وجع الغربة التي قاربت الثلاث عقود. منى عمسيب رسمت على وجهي سحابة سوداء من الحزن والكآبة والكرب عندما أتتني بنبأ وفاة حبيبتي رشيدة عمسيب..... إسماعيل الفضل ببـــــو

Quote: اللهم ارحمها وانر قبرها كما كانت شعلة علم ونور لنفسها وللآخرين .

Quote: ولكني لم أرجع لرشيدة بسبب قتل الحركة الشعبية (التي تدافع عنها منى) لشقيقي في قريتنا بجنوب كردفان وتحديداً في خورالدليب أثناء ذهابه لصلاة الفجر وصادف غادرة من الحركة الشعبية على القرية.... اتصلت على رشيدة عمسيب من خورالدليب.... فبكت.....

Quote: الناس بالناس ما دام الحياة بهم .... والسعد لا شك تارات وهبات وأفضل الناس ما بين الورى رجل.... تُقضى على يده للناس حاجات لا تمنعن يد المعروف عن أحد .... ما دمت مقتدراً فالسعد تارات واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت .... إليك لا لك عند الناس حاجات قد مات قوم وما ماتت مكارمهم .... وعاش قوم وهم في الناس أموات