سمؤل حسين, سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الاستقرار السياسي و التطور الديمقراطي

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 11:46 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-02-2014, 02:52 PM

عرفات حسين
<aعرفات حسين
تاريخ التسجيل: 02-22-2013
مجموع المشاركات: 2783

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سمؤل حسين, سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الاستقرار السياسي و التطور الديمقراطي

    الفصل الأول ( المراحل الأساسية للتنمية )
    1. أهم ملامح وأبعاد سياسات التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي
    2. الإطار العام لبحث الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية لسياسات التثبيت والتكيف
    الفصل الثاني
    1. سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الاستقرار/ عدم الاستقرار السياسي
    2. في السمات العامة لإعمال الاحتجاج الجماعي والعنف السياسي التي اقترنت بسياسات الإصلاح الاقتصادي
    3. سياسات التثبيت والتكيف وتصاعد ظاهرة عدم الاستقرار السياسي الأسباب والدوافع والاحتمالات
    الفصل الثالث (العلاقة بين الرأسمالية والديمقراطية )
    1. أبعاد ومحددات العلاقة بين سياسة الإصلاح الاقتصادي وعملية التطور الديمقراطي
    2. الآثار السلبية لسياسات الإصلاح الاقتصادي وانعكاساتها على العملية السياسية
    3. سياسات الإصلاح الاقتصادي والتنمية وعملية التطور الديمقراطي
    4. القطاع الخاص وحدوده دوره في تدعيم عمليه التطور الديمقراطي
    • ضعف وهشاشة القطاع الخاص
    • اعتماد القطاع الخاص على الدولة
    • الطبيعة البناءة للقطاع الخاص وطبيعة الأنشطة التي يقوم بها
    • أموال القطاع الخاص وإفساد بعض آليات الممارسة السياسية الديمقراطية
    • تبعية الرأسمالية للرأسمالية العالمية
    • حدود دور القطاع الخاص في عملية التنمية
    5. محاولات فهم العلاقة بين الإصلاح الاقتصادي والتطور الديمقراطي
    • استمرار تقاليد التسلطية السياسية ورسوخ ظاهرة " شخصا نية السلطة
    • عدم ملائمة الإطار الدستوري لتدعيم عملية التطور الديمقراطي
    • استمرار العمل بقانون الطوارئ وبترسانة من القوانين الأخرى المقيدة للحقوق والحريات
    • أزمة النظام الحزبي
    • حدودية فاعلية هامش حرية الصحافة
    • افتقار الانتخابات ( المحلية والبرلمانية ) إلى النزاهة والشفافية
    • استقلال السلطة القضائية: الحدود والقيود
    • ضعف استقلالية تنظيمات المجتمع المدني ومحدودية فاعليتها
    • أزمة المشاركة السياسية
    • غلبة طابع التوتر والتأزم على العلاقة بين الدولة والمجتمع
    6. أبعاد ودلالات عملية التطور الديمقراطي
    الفصل الرابع (سياسات الإصلاح الاقتصادي وطبيعة دور الدولة في عملية التنمية
    1. أولا : الأزمة البنائية للدولة:المظاهرة والأسباب
    2. ثانياً : أبعاد دور الدولة في عملية التنمية في ظل اقتصاد السوق
    3. ثالثاً : في متطلبات ومداخل تفعيل دور الدولة في عملية التنمية في ظل سياسات التثبيت والتكيف
    الفصل الخامس ( سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الفساد السياسي والإداري )
    1. أولاً : الإطار العام لتحليل انعكاسات سياسات الإصلاح الاقتصادي على ظاهرة الفساد السياسي والإداري
    2. ثانياً : انعكاسات الإصلاح الاقتصادي على ظاهرة الفساد السياسي والإداري
    الفصل السادس
    1. أولا : في مفهوم " العولمة " وأبعاده الاقتصادية
    2. ثانياً : انعكاسات سياسات التثبيت والتكيف على علاقة الاقتصاديات العربية بالاقتصاد العالمي

    مقدمة
    الاقتصاد هو الطريق لبناء آمة و بناء الدولة و مؤسساتها.
    هل يتناسب التطور الاقتصادي مع الاستراتيجية الاقتصادية للسودان ؟ هل توجد استراتيجية اقتصادية للسودان ؟
    السودان حتى الآن لم يستطع بناء نظام متكامل (الدولة) سياسي وأجهزة إدارية من الخبراء والعلماء (الخدمة المدنية )و القضاء والتشريع تحدد المخاطر والأهداف الاستراتيجية والمصالح العليا وتحدد الأسس والسلوكيات وانتهاج سبيل العلم لتحقيق مصالح المواطنين و مصالح الدولة ويضعه على خارطة النظام السياسي والاقتصادي الدولي,فقد أدى إخفاق النظام السياسي في التأثير على كافة الأنظمة الأخرى وعلى رأسها الخدمة المدنية
    و لم يتفاعل مع البيئة وتأزم العلاقة بين النظام والمجتمع جعل البلاد تدور في الحلقة المفرغة ، لا تزال الشقة كبيرة بين الخبراء و المثقفون من جهة والسياسيين لاستفادة من علم وخبرة أبنائه. لا بد من أيجاد راية يجتمع فيها آهل السودان لبناء مستقبل أمه و دولة الوطن الواحد .
    لابد من تأسيس العلاقة بين الحكومة والمعارضة على أسس جديدة تجعل المعارضة تشعر بأنها من النظام وتمارس دورها في مسئولية , وتجعل الحكومة تدرك بأن إفساح المجال أمام المعارضة تشعر بأنها من النظام وتمارس دورها بمسئولية , وتجعل الحكم يدرك بأن إفساح المجال أمام أحزاب المعارضة للمشاركة في السلطة يشكل دعماً للاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي أن ظاهرة غياب الديمقراطية وتعثرها لا يجد تفسيره في العوامل والمتغيرات السياسية ذات الطابع السياسي فحسب , لأن هذه الظاهرة مصادرها وأسبابها الأخرى التي يتعين آخذها بعين الاعتبار. أسباب تاريخية ( الجذور التاريخية للاستبداد والتسلط) ,أسباب ثقافية ( ضعف قيم الديمقراطية في الثقافة السياسية ) ,أسباب اقتصادية واجتماعية (أزمة التنمية, وتعدد أشكال الانقسامات والتفاتات الاجتماعية , وغياب الديمقراطية على مستوى تنظيمات المجتمع كالآسرة والمدرسة والجامعة والنادي ) أسباب خارجية ( قيام بعض القوى الخارجية التغاضي عن ممارستها في سبيل تأمين مصالحها )
    المعطيات والمؤشرات الواقعية لإخفاق النظام السياسي
    1. استمرار تقاليد التسلطية السياسية ورسوخ ظاهرة " شخصا نية السلطة
    2. عدم ملائمة الإطار الدستوري لتدعيم عملية التطور الديمقراطي
    3. استمرار العمل بقانون الطوارئ وبترسانة من القوانين الأخرى المقيدة للحقوق والحريات
    4. أزمة النظام الحزبي
    5. حدودية فاعلية هامش حرية الصحافة
    6. افتقار الانتخابات ( المحلية والبرلمانية ) إلى النزاهة والشفافية
    7. ضعف استقلالي السلطة القضائية: الحدود والقيود
    8. ضعف استقلالية تنظيمات المجتمع المدني ومحدودية فاعليتها
    9. أزمة المشاركة السياسية
    10. غلبة طابع التوتر والتأزم على العلاقة بين الدولة والمجتمع
    ملحوظة: منذ الثمانينات و التسعينات يسيطر علي اقتصاد السودان, مجموعه اقتصاديون آو لجنه اقتصادية , تنظر وتعدل كما تش أصبحت ألان مجموعه راس مآليه بحكم وجودها في النظام المصرفي والسلطوي .

    نواصل

    الفصل الأول
    المراحل الأساسية للتنمية
                  

03-02-2014, 03:10 PM

عرفات حسين
<aعرفات حسين
تاريخ التسجيل: 02-22-2013
مجموع المشاركات: 2783

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمؤل حسين, سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الاستقرار السياسي و التطور الديمقراطي (Re: عرفات حسين)

    الفصل الأول


    المراحل الأساسية للتنمية

    لقد مرت عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية بثلاث مراحل أساسية منذ الخمسينيات حتى الآن . وفيما يلي عرض لهذه المراحل وأهم ملامح كل منها , مع الأخذ بعين الإعتبار أن التحقيب الزمني لهذه المراحل هو مسألة تقريبية , حيث يصعب وضع خطوط زمنية دقيقة لتحولات وتطورات طويلة نسبياً . ولعل بعض التأثيرات الناجمة عن مرحلة معينة لا تظهر وتتبلور إلا في مرحلة تالية .
    المرحلة الأولى : وقد امتدت هذه المرحلة زمنياً منذ الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات , وساد خلالها نظام الإقتصاد الموجه الذي استند إلى عناصر أساسية مثل التخطيط المركزي , وتأسيس قطاع عام كبيراً , مما ترتب عليه تعاظم دور الدولة في الإقتصاد والمجتمع , وعلى الرغم من أهمية التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها الدوله خلال هذه المرحلة مقارنة بالاوضاع التي كانت سائدة في مرحلة ما قبل الإستقلال إلا أنه ارتبط بها , من ناحية أخرى حدوث حالة من التضخم والترهل في الأجهزة البيروقراطية , مما أدى إلى ضعف فاعليتها ووقوع معظمها في في سلبيات عديدة مثل الفساد والروتين وخلافه . وخلال هذه المرحلة اتجهت الدوله إلى إحكام سيطرتها على المجال السياسي . فأخذت بنظام الحزب الواحد الذي تحول من الناحية العملية إلى مجرد إمتداد ,لاجهزة الدولة كما قامت بأحكام سيطرتها على مجتمعها , و لم تسمح بقيام تنظيمات مستقلة للمجتمع المدني كالنقابات والجمعيات وخلافه من الأصل أو أخضعتها لجملة من القيود التي أفقدتها الاستقلالية في حالة السماح بقيامها . وخلال هذه المرحلة تم تكريس ممارسات التعبئة السياسية كبديل لعملية المشاركة السياسية الحقيقية .
    المرحلة الثانية : وقد بدأت هذه المرحلة امتدت حتى منتصف الثمانينات, نظراً لذلك فقد حققت الاقتصادات معدلات نمو معقولة ولكن النمو الذي تحقق خلال هذه المرحلة كان غير متكافئ , كما أنه كان في أغلب الحالات نمواً هشاً , حيث لم يستند إلى تأسيس تنمية حقيقية من خلال توسيع القاعدة الإنتاجية للإقتصاد وتنويعها وبناء القوى الذاتية الدافعة لعملية التنمية , فضلاً عن ارتباط هذا النمو بعدد من العوامل الخارجية التي لا يمكن التحكم فيها وضبطها , والتي تعتبر اكثر حساسية تجاه التحولات والتقلبات السياسية والاقتصادية , والأمنية والإقليمية والعالمية ونظراً لذلك يؤكد كثير من اساتذة وخبراء الإقتصاد على أن حقبة الطفرة ( من منتصف السبعينيات حتى منتصف الثمانينات ) كانت حقبة الفرص الضائعة , حيث لم يتم استثمار الإمكانيات والموارد الضخمة التي تحققت في تأسيس مرتكزات حقيقية للتنمية الذاتية والتي إلى جانب عناصر أخرى توسيع القاعدة الانتاجية للإقتصاد وتنويع مصادر الدخل , وتأهيل العنصر البشري للمشاركة بفاعلية في عملية التنمية , وتوسيع دائرة مشاركة المواطنين في العملية السياسية والإنمائية وقد اسهمت العائدات المالية التي تحققت للدوله سواء بشكل مباشرأوغير مباشر ( تحويلات العمالة والمنح والقروض ) , أسهمت في تكريس قوة الدولة وتدعيم دورها المركزي في الاقتصاد والمجتمع . وقد تبلورت في هذا الإطار ظاهرة الدولة الريعية , والدولة شبه الريعناحخية .( والدولة الريعية هي التي تحصل على جزء من إيراداتها ( 40% فأكثر ) من مصادر خارجية في شكل ريع , كما يشكل الانفاق العام جزءا كبيراً من ناتجها المحلي الإجمالي) وقد اتجهت الدوله إلى الاقتراض من الخارج , مما اوقعها في ( فخ الديون ) , وبخاصة في ظل ارتفاع أعباء خدمة الديون وضعف الموارد المتاحة لتمويل هذه الأعباء .
    الثالثة : مع تدهور وتراجع عائدات الدوله خلال الثمانينات و التسعينات , وتزايد معدلات الركود الاقتصادي في الدول الصناعية المتقدمة , وتدهور شروط التبادل التجاري في غير صالح العمل , بدأت الدوله تواجه أزمة اقتصاية بدرجات متفاوتة. وخلال النصف الثاني من الثمانينات والتسعينات بدأت تتبلور مظاهر الأزمة الاقتصادية بصورة واضحة وقد تمثلت أبرز تلك المظاهر في : تراجع معدلات النمو , تزايد العجز في الموازنات العامة وموازين المدفوعات , وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والمديونية الداخليه والخارجية ( فاقت 20مليار دولار)., وتراجع معدلات الاستثمار العام والخاص , وتدني مستوى الخدمات الإجتماعية . وتحت ضغط تلك الازمة الاقتصادية إتجهت الدوله إلى نادي باريس بقصد إعادة جدولة ديونها . وقد اشترط النادي على الدوله ضرورة تطبيق برامج للتثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي بالاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين حتى تتم عملية إعادة الجدولة . وكانت تلك بدايات المرحلة الثالثة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية .

    أهم ملامح وأبعاد سياسات التثبيت
    الإقتصادي والتكيف الهيكلي

    مع الإقرار بأن الدولة تقوم بتنفيذ برامج للتثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي , وقد بدأت السير في هذا الطريق في توقيتات زمنية مختلفة, وان هناك بعض الاختلافات بين هذه البرامج وبخاصة فيما يتعلق ببعض النواحي الفنية والإجرائية , إلا ان هناك الكثير من المبادئ والعناصر المشتركة التي تمثل قاسماً مشتركاً كبيراً بينها وبشئ من الايجاز يمكن القول بأن اهم عناصر ومكونات برامج التثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي تتمثل في : خفض الإنفاق العام وذلك عن طريق تقليص أوالغاء الدعم الحكومي للسلع والخدمات , وتقليص الإنفاق الموجه إلى القطاعات والخدمات , وتقليص الإنفاق الموجه الى القطاعات والخدمات الاجتماعية وبخاصة قطاعي الصحة والتعليم , وزيادة الضرائب , وتحرير الأسعار بحيث تترك لآليات العرض والطلب , وتخفيض قيمة العملة الوطنية , وتحرية التجارة الخارجية , وإلغاء الرقابة على الصرف , ورفع يد الدولة عن مسألة التوظيف , وتشجيع القطاع الخاص , وتخصيص المشروعات العامة المملوكة للدولة , والتخلي عن حماية الصناعية الوطنية ...الخ .وعموماً فإن العناصر والإجراءات السابقة تتمحور حول ثلاثة أبعاد أساسية :
    أولها , تحريرالنشاط الاقتصادي من القيود والضوابط التي تفرضها الدولة وتدعيم آليات إقتصاد السوق .
    ثانيها , تشجيع القطاع الخاص ليقوم بالدور الرئيسي في النشاط الإقتصادي مع تخصيص المشروعات العامة المملوكة للدولة .
    ثالثها , استبدال استراتيجيات التنمية ذات توجه خارجي غايتها إدماج الإقتصاد في الإقتصاد العالمي .
    وهكذا , فإن الدوله اتجهت إلى تنفيذ برامج التثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي تحت ضغط ازمتها الاقتصادية التي افرزتها عوامل ومتغيرات عديدة ( داخلية وخارجية ) من ناحية , وضغط مؤسسات التمويل الدولية وبخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين من ناحية أخرى . والتحدى الحقيقي الذي يواجه الدوله في الوقت الراهن – تتمثل في مدى فاعلية برامج التثبيت والتكيف الهيكلي في تمكينها في تجاوز أزمتها الاقتصادية من ناحية وتحقيق التنمية من ناحية اخرى .


    نواصل

    الإطار العام لبحث الآثار الإقتصادية والإجتماعية السلبية
    لسياسات التثبيت والتكيف
                  

03-02-2014, 06:37 PM

عرفات حسين
<aعرفات حسين
تاريخ التسجيل: 02-22-2013
مجموع المشاركات: 2783

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمؤل حسين, سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الاستقرار السياسي و التطور الديمقراطي (Re: عرفات حسين)

    الإطار العام لبحث الآثار الإقتصادية والإجتماعية السلبية
    لسياسات التثبيت والتكيف

    ثمة شبه اتفاق بين معظم الاقتصاديين بما في ذلك خبراء صندوق النقد والبنك الدوليين على أن هناك تأثيرات وانعكاسات سلبية لبرامج التثبيت والتكييف الهيكلي خلال الاجل القصير , وأن هذه التأثيرات تصيب بصفة اساسية الفقراء ومحدودي الدخل وهي بمثابة الدواء المر الذي يتعين تجرعه والثمن الذي يتوجب دفعه من أجل تحقيق الإصلاح خلال الاجلين المتوسط والطويل . كما يطرح خبراء الصندوق والبنك الدوليين حجة أخرى في هذا السياق مفادها أن كل كلفة استمرار الاوضاع السابقة للإصلاح كانت ستفوق كلفة وأعباء الإصلاح من خلال تنفيذ برامج التثبيت والتكيف . وإزاء هذا الطرح يثير البعض عدة مسائل جوهرية
    اولها : عدم وضوح التحديد الزمني للأجل القصير والأجلين المتوسط والطويل . فالمدافعون عن برامج التثبيت والتكيف الهيكلي يستخدمون تلك التعبيرات دونما الإشارة إلى تحديدات زمنية ولو تقريبية .
    ثانيتها : ان الاثار السلبية لبرامج التثبيت والتكيف والتي ستتناولها الدراسة لاحقاً تبدو مؤكدة , اما نتائجها الايجابية فتبدو احتمالية ويتوقف تحققها على مدى نجاح الدوله في توفير الاسس والمقومات اللازمة لذلك , والتي قد تتضمن الى جانب عناصر أخرى إدخال بعض التعديلات والتطويرات على تلك البرامج .
    ثالثتها . ضرورة النظر في تجارب وخبرات دول عالم ثالثية اخرى سبقت الدوله في تنفيذ برامج مماثلة وبخاصة في امريكا الاتينية , حيث تؤكد خبرات الكثير من هذه الدول على ان برامج التثبيت والتكيف لم تتحقق الاهداف المرجوة في دفع عملية التنمية في الدول المعنية .
    وتأسيساً على ما سبق يمكن القول بأنه إذا كانت الدوله قد اتجهت إلى تنفيذ برامج التثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي على خلفية أزمتها الإقتصادية والإجتماعية التي تفاقمت خلال التسعينيات , فإن طبيعة الآثار التي ترتبت وستترتب على هذه البرامج على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي سوف تحدد إلى حد كبير تأثيراتها وانعكاساتها على الصعيد السياسي وثمة نقطة هامة جديرة بالتسجيل في هذا المقام وهي أن الإتجاه نحو تنفيذ برامج التثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي وما ينطوي نحو تنفيذ برامج التثبيت الإقتصادي والتكيف الهيكلي وما ينطوي عليه من انفتاح وتحرروإعمال لآليات اقتصاد السوق , هذا الإتجاه لم يأت كنتيجة لضغوط داخلية من قبل القوى والفئات الرأسمالية , التي اتسمت – ولا تزال – بالضعف والهشاشة والتبعية لرأس المال العالمي. ولكنه اقترن في جانب هام منه بضغوط بعض القوى والمؤسسات الخارجية وبخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين كما أن الدولة بأجهزتها ومؤسساتها هي التي تدير عملية تطبيق برامج التثبيت والتكيف .
    ورغم وجهة بعض الانتقادات التي يوجهها البعض إلى توجهات وممارسات الصندوق والبنك , إلا انه من المهم في الوقت نفسه عدم إغفال حقيقة الأزمة الإقتصادية التي دفعت الدوله باللجوء إلى الصندوق والبنك , والتي كانت محصلة لعوامل وأسباب عديدة معظمها داخلي وبعضها خارجي . وعادة ما يشار في هذا المقام إلى مظاهر الهدر والفساد وسوء الإدارة وتدني مستوى الاداء التي شابت السياسات الاقتصادية للدوله في مراحل ما قبل انخراطها في تطبيق سياسات التثبيت والتكيف وبدا التطبيق . وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أن هذه السياسات الجديدة اقدر على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية , إذ أن كفاءتها ودرجة فاعليتها في تحقيق التنمية تتوقف على مدى توافر العديد من المعطيات والمقومات على نحو ما سيأتي ذكره فيما بعد .

    نواصل

    الفصل الثاني

    سياسات الإصلاح الإقتصادي وظاهرة الاستقرار
    / عدم الاستقرار السياسي
                  

03-02-2014, 10:36 PM

عرفات حسين
<aعرفات حسين
تاريخ التسجيل: 02-22-2013
مجموع المشاركات: 2783

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمؤل حسين, سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الاستقرار السياسي و التطور الديمقراطي (Re: عرفات حسين)

    الفصل الثاني

    سياسات الإصلاح الإقتصادي وظاهرة الاستقرار
    / عدم الاستقرار السياسي

    الهدف من هذا الفصل هو رصد وتحليل إنعكاسات سياسات الإصلاح الاقتصادي على ظاهرة الاستقرار السياسي / عدم الاستقرار في الدوله , وذلك من خلال تحليل السمات العامة لبعض اعمال الاحتجاج الجماعي والعنف السياسي التي شهدتها الدوله خلال عقدي الثمانينات والتسعينات والتي ارتبطت بشكل مباشر أو شبه مباشر بقرارات وإجراءات اخذت في إطار تطبيق سياسات التثبيت والتكيف . فضلاً عن تحليل طبيعة العوامل والاسباب التي جعلت , وتجعل , من هذه السياسات مصادر قائمة ومحتملة لعدم الاستقرار السياسي في عديد من الحالات .
    ورغم تعدد ابعاد ومظاهر عدم الاستقرار السياسي , إلا ان الدراسة سوف تركز على المظاهر والابعاد السلوكية المتمثلة في اعمال الاحتجاج الجماعي والعنف السياسي مثل التظاهرات والإضرابات واحداث الشغب و التمردات المسلحة ..الخ , والتي تعتبر من الملامح الأساسية للتطور السياسي بصفة عامة , حيث عانت , وتعاني , منها الدوله بدرجات متفاوتة واشكال مختلفة ولاسباب متباينة . وما يهمنا هنا هو البحث في الآثار القائمة والمحتملة لسياسات التثبيت والتكيف على حالة عدم الاستقرار السياسي .
    في السمات العامة لاعمال الاحتجاج الجماعي والعنف السياسي
    التي اقترنت بسياسات الإصلاح الإقتصادي

    لقد اكدت خبرات الدول, على ان تطبيق تلك السياسات غالباً ما يشكل مصدراً لعدم الاستقرار في الاجل القصير اما في الاجلين المتوسط والطويل , فان طبيعة وحدود تأثير تلك السياسات على الاستقرار السياسي والاجتماعي .
    فتتوقف على مدى فاعليتها في تحقيق التنمية ومواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الاساسية التي تعاني منها الدولة والمجتمع .وفي معرض توضيح ذلك يمكن القول بأن عملية تطبيق سياسات التثبيت والتكيف قد اقترنت بحدوث تظاهرات واضطرابات واحداث شغب, وقد جرى العمل على وصف تلك الاحداث ب(شغب الغذاء ) أو ( انتفاضات صندوق النقد )وذلك باعتبار انها تأتي كردود افعال مباشرة لقيام الحكومة بتنفيذ وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين .ومن واقع تحليل بعض احداث العنف البارزة التي اقترنت بسياسات وقرارات التثبيت والتكيف , يمكن القول بان تلك الاحداث قد اتسمت بعدة سمات عامة .
    أولى هذه السمات , انها كانت اقرب ما تكون الى هبات او انتفاضات شعبية تلقائية واسعة النطاق , اي جاءت في عديد من الحالات كردود افعال مباشرة على بعض قرارات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة وبخاصة فيما يتعلق برفع اسعار بعض السلع الاساسية وتقليص الدعم الحكومي . كما ان النطاق الجغرافي لتلك الأحداث امتد ليشمل العديد من المدن وذلك على غرار ماحدث في السودان ( 1985 ) مصر ( 1977. 1981 . 1986 ) ,والمغرب ( 1981, 1984 ,1988, 1990) , والجزائر ( 1988) , وتونس ( 1978 , 1984 , 1988 , ) والاردن ( 1989 , 1996 ) , واليمن ( 1995 , 1996 ,1998 , ونظراً لذلك فقد شكلت تلك الاحداث تحديات حقيقية للنظام الحاكم , وهو الامر الذي ادى الى تدخل القوات المسلحة للسيطرة على الموقف في عديد من الحالات
    ثانيتها , أن انتفاضات الخبز اواضطرابات صندوق النقد شكلت في الاغلب ظاهرة حضرية , حيث تمركزت الاحداث في العديد من المدن الكبيرة , وفي بعض الحالات كانت تنتشر الاحداث من مدينة الى اخرى , ويجد هذا الامر تفسيره في خصوصية ظاهرة النموالحضري خلال عقدي الثمانينيات و التسعينيات, حيث شهدت الدوله موجات من النزوح البشري المستمر من الارياف الى العواصم والمدن , ونظراً لضعف البنى والهياكل الانتاجية والخدمية والحرب في العديد من المدن , فقد تجمع المهاجرون الجدد على حوافها في العشش ومدن الصفيح والاحياء العشوائية التي اصبحت تشكل احزمة فقر تحيط بالمدن , ونظراً لتردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء السكان فإنهم يشكلون مادة خاماً لأعمال العنف السياسي والاجتماعي , ويعتبرون أكثر استعداداً وقابلية للمشاركة في تلك الاعمال والانخراط فيها , وذلك للتعبير عن الاحتجاج والرفض للقرارات والسياسات التي تزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الملقاة على عاتقهم ,ولذلك فإن اعمال العنف تستهدف الممتلكات والمظاهر التي تجسد التفاوتات والتناقضات الاجتماعية في المجتمعات . وعلى الرغم من مشاركة بعض التيارات والحركات السياسية في بعض احداث العنف التي شهدتها الدوله , الا ان الدراسات التي تناولت هذه الظاهرة بالرصد والتحليل تؤكد على ان قطاعات واسعة من الفقراء ومحدودي الدخل والمهمشين والعاطلين هي التي تنخرط في تلك الأحداث وتشكل عمودها الفقري , كما برز دور الطلبة والشباب بصفة عامة في عديد من الحالات . سجلت جامعة الخرطوم اعلى نسبة عنف في الجامعات السودانية خلال السنوات الاخيرة تلتها جامعة النيلين وابرزت دراسة جنائية ان 3.67% من اسباب العنف داخل الجامعات تعود لاسباب سياسية و 5،14 % لاسباب ادارية و 9،10% لاسباب ثقافية و 7،3% لاسباب دينية فيما سجلت الاسباب الاقتصادية 6،3% .
    ثالثها : أنه على الرغم من تراجع الحكومات في بعض الحالات بعض القرارات الاقتصادية التي تسببت في تفجير الاضطرابات واعمال العنف , الا ان الاتجاه العام تمثل في استخدام القوة لقمع تلك الاحداث والسيطرة عليها , خاصة وانها شكلت في عديد من الحالات تهديداً كبيراً للنظام الحاكم , ومن هنا يبادر النظام باستدعاء الجيش للتدخل والسيطرة على الاحداث , كما قامت بتنفيذ حملات اعتقال , اختلفت من حيث نطاقها من حالة الى اخرى , كما اتخذت النظام تلك الأحداث كزرائع لتضييق الخناق على بعض قوى وتيارات المعارضة السياسية على خلفية اتهامها بالتحريض على الاضطرابات , واعمال العنف وفي جميع الحالات , فأنه لم يترتب على تلك الاحداث تراجع الحكومه عن مواصلة تطبيق سياسات التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي , ولكن الذي حدث في عديد من الحالات هو التمهل في عملية التطبيق , واصدار القرارات بشكل تدرجي , مع تكثيف الخطاب الإعلامي الرسمي بشأن تهيئة الرأي العام لتقبل تلك القرارات وتحمل آثارها السلبية المؤقتة , والتأكيد على انها تمثل الخيار الوحيد المتاح لتحقيق التنمية والازدهار في الأجلين المتوسط والطويل .


    نواصل


    سياسات التثبيت والتكيف وتصاعد ظاهرة عدم الاستقرار السياسي
    الأسباب والدوافع والاحتمالات
                  

03-03-2014, 09:27 AM

عرفات حسين
<aعرفات حسين
تاريخ التسجيل: 02-22-2013
مجموع المشاركات: 2783

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمؤل حسين, سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الاستقرار السياسي و التطور الديمقراطي (Re: عرفات حسين)

    سياسات التثبيت والتكيف وتصاعد ظاهرة عدم الاستقرار السياسي
    الأسباب والدوافع والاحتمالات

    يمكن فهم وتفسير ردود الأفعل الشعبي العنيف التي اقترنت بإجراءات التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي التي اتخذتها الدوله , يمكن فهمها في ضوء الآثار السلبية التي تترتب على تلك السياسات , والتي يعاني منها الفقراء ومحدود الدخل بصفة اساسية , خاصة وأن تلك السياسات تم تبينها بدعوى مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة – بدرجات متفاوتة واشكال مختلفة – منذ الثمانينيات . ومن المعروف ان الفقراء كانوا الاكثر معاناة من جراء تلك الازمة , وبذلك اصبحت معاناة هؤلاء مزدوجة , فهم واقعون تحت ضغط الازمة الاقتصادية من ناحية , وضغط الآثار الناجمة القول بأن الإجراءات المرتبطة بتخفيض او إلغاء الدعم السلعي , وزيادة اسعار والخدمات وبخاصة الاساسية وزيادة الرسوم على الخدمات الحكومية , وزيادة الضرائب , وتقليص الإنفاق العام على القطاعات الاجتماعية وبخاصة التعليم والصحة , والإسكان كل هذه الاجراءات وغيرها تصيب الفقراء ومحدودي الدخل بصفة اساسية , وتؤدي الى مزيد من التدهور في أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية . وتزداد خطورة هذا الامر في ضوء اتساع حجم شريحة الفقراء ومحدودي الدخل , فالذين يعيشون علىخط الفقر أو دونه أو فوقه بقليل في الريف والحضر , يمثلون الشطر الاعظم من سكان الدوله .عن تطبيق ما يعرف بالسياسات الإصلاحية والتصحيحية لمواجهتها من ناحية اخرى .وفي معرض تفصيل ما سبق يمكن بالاضافة إلى ما سبق , فإن تطبيق سياسات التثبيت والتكيف وما يرتبط بها من إجراءات تتعلق بتراجع الدولة عن التزاماتها بتعيين الخريجين , وتقلص حجم الدخل العائلي المتاح للإنفاق , وانخفاض الإنفاق العام , وتحريرالتجارة الخارجية , والسير في عملية التخصصية وما يقترن بها من تسريح لأعداد من العاملين في المؤسسات التي يتم تخصيصها , كل هذه الأمور وغيرها تؤدي إلى ذيادة حدة مشكلة البطالة في الدوله خلال المراحل الاولى من تطبيق سياسات وبرامج الإصلاح الاقتصادي . وهي مشكلة تعاني منها – بدرجات متفاوتة – قبل أن تشرع في تطبيق سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي . وبدلاً من أن تسهم تلك السياسات في التخفيف من حدتها أدت إلى زيادتها , خاصة وأن العاملين الذين يفقدون وظائفهم من جراء التخصصية ينضمون الى جيوش العاطلين . وعلى سبيل المثال , ففي ارتفعت نسبة البطالة من ( 12,9% ) عام 1985 إلى ( 24, 23% ) عام 1990 , إلى 40% عام 1996 .وبغض النظر عن الاختلافات بشأن تقدير حجم البطالة , فالمؤكد انها مشكلة حقيقية , خاصة وأنها تتركز في فئة الشباب المتعلم , أي انها تضغط على أكثر قطاعات المجتمع حيوية وقدرة على العمل والعطاء .وهو ما يعني إهدار جانب هام من القوة البشرية التي تمثل ثروة حقيقية للدولة والمجتمع متى أحسن استثمارها وتوظيفها بشكل سليم , ناهيك عن إهدار الموارد التي تم إنفاقها على تعليم الشباب العاطلين , حيث تصبح إنتاجية التعليم بالنسبة لهم لا تساوي شيئاً. و دراسات عديدة على أن مشكلة البطالة التي تقصر الشباب وما يترتب عليها من زيادة إحساسهم بالاحباط واليأس وافتقاد الدور والمعني إنما تمثل عنصراً أساسياً لتنامي ظواهر التطرف والعنف والجريمة . وثمة مشكلة أخرى تتعلق بظاهرة البطالة , وهي أن نسبة كبيرة من خريجي التعليم المتوسط والعالي الذين ينضمون الى قوة العمل , لا يمتلك أفرادها المؤهلات والمهارات التي تمكنهم من الانخراط بفاعلية في مجالات جديدة للعمل تحكمها اعتبارات تتعلق بالتحرير الاقتصادي . والتكيف الهيكلي , وهذا يرجع الى خصوصية النظم والسياسات التعليمية , حيث تعاني , بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة , من جملة من السلبيات وأوجه القصور التي تجعل مخرجات العملية التعليمية لاتتماشى مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية .
    وإذا كانت سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي تؤدي الى زيادة الاعباء الملقاة على عاتق الفقراء ومحدودي الدخل , مما يترتب عليه مزيد من التدهور في اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية من ناحية , وتسهم في زيادة حدة مشكلة البطالة من ناحية أخرى , فإنه يترتب عليها ايضاً تعميق حدة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمعات.ففي الوقت الذي تتجه فيه أوضاع الفقراء ومحدودي الدخل نحو مزيد من التدهور على نحو ماسبق ذكره , فإن الاجراءات المتعلقة بالإعفاءات الضريبية والتسهيلات التي تقدم للمستثمرين , وعمليات التخصصية تؤدي الى إعادة توزيع الدخل والثروة لصالح الشرائح الرأسمالية , وبعضها رأسمالية ذات طابع طفيلي , أي ان كل مايهمها هو تحقيق ثروات كبيرة من خلال الانخراط في أنشطة طفيلية محدودة أو عديمة الإنتاجية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية . وهي تلجأ في سبيل تحقيق ذلك الى سبيل عديدة بعضها مشروع ومعظمها غير مشروع , ويدخل في باب الجريمة الاقتصادية .
    وبالاضافة الى ما سبق , فإن سياسات التثبيت والتكيف ألقت بتأثيراتها السلبية على الطبقة الوسطى في الدوله , حيث اتجهت أوضاعها نحو مزيد من التدهور .ومن المعروف أن تلك الطبقة كانت قد نمت واتسع نطاقها في ظل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تبنتها الدولة خلال التسعينيات . ولذا شكلت قاعدة إجتماعية لنظام الحكم خلال العقود المذكورة , ولكن مع قيام الدولة بتطبيق سياسات التثبيت والتكيف , بدأت الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية كتلك الطبقة تتراجع تحت الضغوط زيادة الأسعار والضرائب والرسوم وتقليص الإنفاق العام على القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة , ناهيك عن زيادة معدلات البطالة على نحو ماسبق ذكره . ونظراً لذلك , ولاعتبارات أخرى , فقد اتجهت فئات من تلك الطبقة للانخراط في أعمال الرفض والاحتجاج ضد النظام الحاكم وما تنفذه من سياسات اقتصادية واجتماعية .
    ويتضح مما سبق أن سياسات التثبيت والتكيف تقوم على إحداث تحولات في الأسس الاجتماعية للنظام الحاكم . فتلك السياسات تزيد من الضغوط الملقاة على عاتق الطبقات الوسطى , والدنيا , وتؤدى الى اعادة توزيع الثروات والدخول لصالح الفئات والشرائح الرأسمالية .
    وهكذا فإن عملية الانتقال أو التحول في السياسات الإقتصادية إنما تعكس تحولاً في التحالفات الاجتماعية والطبقية للنظام الحاكم . فالطبقات الوسطى والدنيا التي استفادت من السياسات الاقتصادية والاجتماعية في مرحلة الاقتصاد الموجه تتعرض لمزيد من الأضرار والأعباء وأحياناً لحالة من التهميش والاستبعاد في ظل تطبيق سياسات التثبيت والتكيف . بل أن بعض المكاسب التي حققتها تلك الطبقات في عهود سابقة تتعرض للتآكل . وبالمقابل فإن الفئات والشرائح الرأسمالية التي تم تهميش دورها وضرب قاعدتها الاقتصادية من خلال عمليات التأميم وسياسات الإصلاح الزراعي وغيرها في السبعينيات عادت بأشكال جديدة لتقوم بدور أساسي في ظل عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تنفذها الدوله بضغوط من صندوق النقد والبنك الدوليين .
    كما برزت فئات وشرائح رأسمالية جديدة في إطار تلك التحولات , وفي جميع الحالات فقد حصلت الفئات الرأسمالية بروافدها المختلفة على كثير من الامتيازات والتسهيلات , كما افسح النظام الحاكم المجال لتلك الفئات للمشاركة في صنع القرار الاقتصادي ولو على بعض المستويات . ونظراً لذلك فقد اصبحت مصالح تلك الفئات مرتبطة بالدولة , مما يؤثر سلباً على طبيعة دورها في عملية التطور الديمقراطي على نحو ما سيأتي ذكره فيما بعد .
    ومع تزايد إدراك الحكومه لخطورة الآثار السلبية الناجمة عن تطبيق سياسات التثبيت والتكيف على أوضاع الاستقرار الداخلي , وهو الأمر الذي يمكن أن يهدد استمرارية عملية الاصلاح ذاتها , فلابد من اتخاذ بعض الإجراءات للتخفيف من حدة الآثار السلبية لتكل السياسات , وذلك من خلال شبكات وبرامج الأمان الاجتماعي , والتي تتخذ أشكالاً ومسميات مختلفة في بعض الدول مثل الضمان الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والصندوق الاجتماعي للتنمية . وعلى الرغم من أهمية مثل هذه الإجراءات , إلا أن بعض الدراسات التي تناولت تجارب بعض الدول في هذا المجال خلصت الى محدودية مواردها ومصادر تمويلها من ناحية , واتساع نطاق الآثار السلبية لسياسات التثبيت والتكيف من ناحية أخرى ,وتأسيساً على ما سبق , يمكن القول , بأنه اذا كانت سياسات التثبيت والتكيف تخلق حالة من عدم الاستقرارفي المدى القصير , وذلك نظراً لما يترتب عليها من ردود أفعال عنيفة على نحو ماسبق ذكره , فالمؤكد أن بعض المشاكل التي تزداد حدة في ظل تطبيق تلك السياسات وبخاصة مشاكل البطالة , والتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية , وتدهور أحوال الفقراء ومحدودي الدخل وتناقص مقدرتهم على إشباع حاجاتهم الاساسية , هذه المشاكل تمثل مصادر للاحتقان الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي . بلغة أخرى هي مشاكل تخلق بيئات ملائمة لتنامي ظواهر التطرف والعنف والجريمة , وبخاصة في ظل غلبة فئات صغار السن والشباب على الهياكل السكانية للدوله من ناحية , وارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب على نحو ما سبق ذكره من ناحية اخرى .
    ولذلك فإن مدى نجاح سياسات التثبيت والتكيف في تحقيق التنمية الاقتصادية ومواجهة المشاكل سالفة الذكر خلال الأجل المتوسط يعتبر عاملاً اساسياً في تحقيق الاستقرار السياسي , حيث أن ذلك من شأنه تدعيم ما يعرف ب( شرعية الإنجاز ) للنظام الحاكم , وتوسيع دائرة التأييد الشعبي لها . ونحسب أن هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الدوله في تطبق سياسات التثبيت والتكيف في الوقت الراهن , فالآثار السلبية لتلك السياسات قائمة ومؤكدة وتؤتي تأثيراتها السلبية حدوداً معينة .
    وإذا كان الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي يؤكد على ان الآثار السلبية لتلك السياسات هي بمثابة الدواء المر الذي يتعين لبعض الوقت من أجل تصحيح الاختلالات الاقتصادية وتحقيق التنمية وتحسين مستوى المعيشة , إلا ان السؤال الملح هنا يدور حول المدى الزمني الذي سيكون هذا الخطاب قادراً خلاله على إقناع قطاعات عريضة من المواطنين بتلك الحجج , فالمواطن قد يتحمل قسوة التحولات اليوم على أمل أن يحصل على نوع من التعويض غداً ولكن ماذا لوجاء الغد دون أن تتحقق الوعود والشعارات التي يرفعها النظام الحاكم ؟ الأرجح أن ذلك سوف يؤدي الى وقوع في دورات من العنف المضاد , والتي تعتبر أسوأ الاوضاع التي يمكن أن تصيب أي مجتمع سياسي . وفي هذا السياق , فإن تصميم سياسات التثبيت والتكيف على النحو الذي يحد من آثارها السلبية على الفقراء ومحدودي الدخل , وتدعيم شبكات وبرامج الأمان الاجتماعي لحماية تلك الفئات , وتحقيق العدالة في توزيع أعباء عملية الإصلاح , كل تلك الأمور وغيرها تعتبر من العناصر الهامة للحد من الآثار السلبية للسياسات المعنية على حالة الاستقرار السياسي وثمة مسؤلية أساسية تقع على عاتق الدولة بهذا الخصوص , وذلك على نحو ما سيأتي ذكره فيما بعد .
    ويطرح التحليل السابق سؤالاً اساسياً , تخرج الإجابة عليه عن نطاق هذه الدراسة ,
    مفادها إلى أي مدى يمكن تحقيق التنمية في ظل سياسات التثبيت والتكيف التي تطبقها الدوله ؟
    وبعيداً عن الاختلافات في الرأي بشأن الإجابة على هذا السؤال , فإن القول الفصل هو للنتائج التي تتحقق على أرض الواقع , وطبيعة وحجم الثمن الاجتماعي لتلك النتائج . والعبرة في نهاية المطاف بالأثر الذي تتركه تلك السياسات أو غيرها على مستوى معيشة المواطن العادي , باعتباره الغاية النهائية لعملية التنمية وأداتها الاساسية .


    نواصل

    لفصل الثالث
                  

03-04-2014, 00:01 AM

عرفات حسين
<aعرفات حسين
تاريخ التسجيل: 02-22-2013
مجموع المشاركات: 2783

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمؤل حسين, سياسات الإصلاح الاقتصادي وظاهرة الاستقرار السياسي و التطور الديمقراطي (Re: عرفات حسين)

    أبعاد ودلالات عملية التطور الديمقراطي

    للتأكيد على صدقة القول بأن سياسات التصحيح الاقتصادي التي تطبقها الدولة لا تشكل دعماً حقيقياً لعملية التطور الديمقراطي, كما أنها تسير في تطبيق سياسات التثبيت والتكيف . ولقد انتقل من صيغة التنظيم السياسي الواحد إلى صيغة التعددية السياسية المقيدة . وبغض النظر عن حالة المد والجزر التي شهدتها التجربة في بعض الفترات , يمكن القول بأن تجربة التعددية السياسية قد تمخضت عن هامش ديمقراطي محدود اتسع نسبياً. وتتجلى أبرز مظاهر هذا الهامش في : تمتع الصحافة بقدر اكبر من الحريات , وتمتع القضاء بدرجة أكبر من الاستقلالية , والسماح بتأسيس عدد اكبر من الأحزاب السياسية ( حتى أواخر عام 2001 كان هناك 14 حزباً سياسياً مسجلا على الساحة ) , وتزايد تنظيمات ما يعرف بالمجتمع المدني , والانتظام في إجراء الانتخابات ( المحلية , انتخابات مجلس الوطني ) . ولكن كل تلك الإجراءات لا تؤسس دليلاً على حدوث تحول ديمقراطي حقيقي. وكل ما تؤكد عليه هو أن النظام أصبح يتسم بطبيعة مختلطة , حيث يتضمن بعض سمات النظم الديمقراطية والكثير من سمات النظم التسلطية , خاصة وأن الهامش الديمقراطي مرهون من الناحية العملية بإرادة رئيس الجمهورية أكثر من استناده إلى قوى ديمقراطية حقيقية , وإلى أجر دستورية وقانونية راسخة , وقواعد إجرائية واضحة ومحددة للعبة السياسية . وقد بدء الهامش يضيق نسبياً , مما دفع البعض إلى الحديث عن تعثر تجربة التحول الديمقراطي .
    وهذا يدل على آن عملية التطور الديمقراطي تفتقر إلى عنصر التراكم , وان النظام يتعامل مع قضية الديمقراطية بمبدأ خطوة للأمام وخطوة للخلف . وعموماً فإن هذه الاستنتاجات تستند إلى عدد من المعطيات والمؤشرات الواقعية , نوجز أهمها فيما يلي
    استمرار تقاليد التسلطية السياسية ورسوخ ظاهرة " شخصا نية السلطة " فالملاحظ أن الانتقال إلى التعددية السياسية لم يغير كثيراً من سمة " شخصا نية السلطة " وطابعها المركزي , وحيث آن رئيس الجمهورية يتمتع بسلطات وصلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية واسعة سواء في ظل الظروف العادية أو الاستثنائية , مما يجعله محور النظام السياسي والقوة المسيطرة فيه , فطبقاً للدستور يأتي الرئيس على قمة السلطة التنفيذية بصلاحيات تشريعية واسعة . كما أن رئاسته لحزب الموتمرالوطني صاحب الأغلبية في المجلس الوطني تتيح له السيطرة على السلطة التشريعية , وبذلك فهو يسيطر من الناحية العملية على السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً كما أن رئيس الجمهورية يستطيع آن يستمر في الحكم بمقتضى نصوص دستورية , وكذلك بمقتضى رئاسته لحزب الموتمرالوطني الذي يحتكر البرلمان , مما يحول دون تمكين أحزاب المعارضة – التي تحصل على تمثيل في البرلمان – من تأمين النصاب المطول لتعديل الدستور , أو طرح مرشح آخر للرئاسة . ونظراً لضخامة سلطات رئيس الجمهورية . ومهما يكن من الآمر فإن ظاهرة " شخصا نية السلطة " أو " الفرعونية السياسية " على حد تعبير المفكر الكبير الراحل جمال حمدن تمثل أحد التقاليد الراسخة في الخبرة السياسية على مر العصور .
    عدم ملائمة الإطار الدستوري لتدعيم عملية التطور الديمقراطي .لا شك في أن الإطار الدستوري للنظام السياسي لا يمثل دعماً لعملية التطور الديمقراطي , بل هو يمثل معوقاً لها , حيث أن الدستور الحالي صدر في عام 1998 , أي في ظل نظام الحزب الواحد , بحيث اصبح ينص على آن النظام السياسي يقوم على تعدد الأحزاب . ورغم عمق وكثافة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي جرت وبخاصة فيما يتعلق بالانفتاح الاقتصادي والتخصصية وتراجع دور الدولة في الاقتصاد , رغم ذلك فقد بقى الدستور دون تعديل أو مراجعة , مما أوجد فجوة بين النصوص الدستورية من ناحية وكثير من جوانب الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من ناحية أخرى . كما آن الدستور يتضمن نصوصاً عديدة لا تتفق هدف تدعيم عملية التطور الديمقراطي
    وبالإضافة إلى ما سبق فإن الدستور يخول رئيس الجمهورية سلطات واسعة جداً وبخاصة في الظروف الاستثنائية . كما آن هناك نصوصاً دستورية تتضمن إخلالا بمبدأ التوازن بين السلطات , حيث تكرس غلبة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية . ناهيك عن وجود فجوة بين الدستور وبعض القوانين المنظمة للعمل السياسي , حيث تتضمن قوانين عديدة تقييداً لممارسة بعض الحقوق والحريات المنصوص عليها في سلبيات الموجودة في الدستور الحالي والتي تقيد الممارسة الديمقراطية , فإن الحكومة ترفض وبإصرار شديد فتح ملف تعديل الدستور بدعوى أن الوقت غير مناسب لتعديل الدستور وانه لابد من تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي والأمني قبل الشروع في تعديل الدستور , فضلاً عن القول بأن هناك العديد من القضايا الكبرى التي لا يوجد بشأنها اتفاق عام داخل المجتمع , وبالتالي فان فتح ملف تعديل الدستور سوف يؤدي حسب التصور الرسمي إلى زيادة حدة الاستقطاب الاجتماعي والصراع السياسي في الداخل ولكن كل هذه المبررات لا تخفي حقيقة أن الدستور الحالي لا يتلاءم مع هدف تدعيم التطور الديمقراطي .( علما بان الاستقتاء بتعديل الدستور كان ضمن انتخابات عام 2000 والغي قد وعدت الحكومة بالتعديل أخيرا ! )
    استمرار العمل بقانون الطوارئ وبترسانة من القوانين الأخرى المقيدة للحقوق والحريات: ويشكل هذا الوضع مقوقاً رئيسياً لعملية التطور الديمقراطي , فعلى الرغم من أن قانون حالة الطوارئ وتعديلاته قد صدر أساسا ليضبط بصورة مؤقتة بهدف مواجهة الأزمات والكوارث الطارئة التي تشكل تهديداً للأمن العام والنظام , والتي لا تكفي القوانين العادية للتصدي لها بفاعلية , على الرغم من ذلك فإن القانون يطبق بصورة متواصلة , وبذلك تحول القانون الذي وضع أساساً ليطبق بشكل مؤقت إلى قانون دائم , وقد دأبت الحكومة على تبرير استمرار العمل بقانون الطوارئ بحجة أساسية مض أدها أن هذا القانون ضروري لمواجهة مشكلتي الإرهاب . ومن المفارقات أن المشكلة تزايدتا بشكل ملموس في ظل قانون الطوارئ . وعلى الرغم من التأكيد المستمر من قبل السلطة الحاكمة بان القانون لم ولن يطبق إلا على الإرهابيين , آلا أن المؤسسات المعنية كثيراً ما أساءت استخدام القانون , خاصة وأنه يخولها سلطات وصلاحيات واسعة . ولذا فإن استمرار العمل بهذا القانون يخلق مناخاً غير ملائم لتدعيم عملية التطور الديمقراطي , ومن هنا فإن أحزاب وقوي المعارضة وفاعلات في المجتمع طالبة – وتطالب – بإلغاء العمل بقانون الطوارئ مع إعادة وصف وتحديد حالات إعلان الطوارئ ووضع الضمانات الكافية التي تحول دون إشارة استعمال سلطات الطوارئ . وبالإضافة إلى قانون الطوارئ فإن البناء القانوني يتضمن جملة من القوانين التي تنطوي على تقييد لبعض حقوق المواطنين وحرياتهم ومنها على سبيل المثال : القانون رقم ( ) لسنة 1998 بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية وتعديلاته , والقانون ( ) بشأن الجمعيات الأهلية ( جاري تعديله حالياً ) , والقانون رقم ( ) بشأن نظام الأحزاب السياسية وتعديلاته . والقانون رقم ( ) بشأن حماية القيم من العيب وتعديلاته والقانون رقم ( ) بشأن محاكم أمن الدولة ...... الخ , تمثل هذه القوانين وغيرها بنية تشريعية استبدادية تعوق عملية التطور الديمقراطي , ولذا فإن الإصلاح الدستوري والقانوني يمثل ركيزة أساسية لتنمية الديمقراطية
    أزمة النظام الحزبي: من المؤكد أن وجود ( 14 ) حزباً سياسياً مسجلا على الساحة ( حتى أواخر عام 2001 ) لا يعتبر دليلاً على وجود نظام حزبي تعددي حقيقي , وذلك نظراً لعدم وجود أي نوع من التوازن بين حزب المؤتمر الوطني من ناحية وبقية الأحزاب من ناحية . وهو ما يجعل النظام الحزبي اقرب إلى نظام الحزب المهيمن أو المسيطر منه إلى نظام التعددية الحزبية وجدير بالذكر آن حزب المؤتمر الوطني يستمد وضعه المسيطر في النظام الحزبي من عاملين أساسيين لا علاقة لهما بحجم قاعدته الجماهيرية أو برنامجه السياسي , آو طبيعة إنجازه .
    أولهما , هو تولي رئيس الدولة رئاسة الحزب الحاكم وبذلك اصبح الحزب يعتمد على شرعية الرئيس ومكانته . كما اصبح التصويت للحزب في الانتخابات تصويتاً للرئيس نفسه .
    وثانيهما , التداخل الشديد بين أجهزة الحزب وأجهزة الدولة , وتوظيف الثانية – بأشكال مختلفة لمصلحة الحزب وبخاصة في فترات الانتخابات . وبذلك تتنافى شروط المنافسة المتكافئة بين الأحزاب السياسية , فهناك ( حزب الدولة ) يتربع قمته رئيس الدولة ومجموعة أحزاب صغيرة لا حول لها ولا قوة وعلى خلفية هذا الوضع يقوم حزب المؤتمر الوطني بممارسة دوره بعقلية التأبيد في السلطة مما يجعل أحزاب المعارضة تقع تحت وطأة فقدان الأمل في الوصول إلى السلطة أو حتى المشاركة فيها بفاعلية طالما استمرت الأوضاع الراهنة على ما هي عليه .ولذلك دأبت أحزاب المعارضة على مطالبة الرئيس بالتخلص من رئاسة حزب المؤتمر الوطني , حتى تتحقق شروط المنافسة المتكافئة بين الأحزاب , ألا آن الرئيس رفض – ويرفض – هذا المطلب بدعوى أن تخليه عن رئاسة الحزب سوف يفسح المجال للتناحر السياسي .(الديمقراطيون الأحرار 4-9-1999 )
    وجدير بالذكر أن ضعف فاعلية أحزاب المعارضة لا يرجع فقط إلى حالة عدم التوازن بينها وبين حزب المؤتمر الوطني آو إلى طبيعة القيود التي يفرضها قانون الأحزاب وتعديلاته على أنشطة تلك الأحزاب , بل يرجع أيضا إلى عدد من عوامل الضعف المرتبطة ببني وهياكل هذه الأحزاب , فهي في معظمها أحزاب بلا جماهير وتعاني من جفاف جماهيري على تعبير أحد الكتاب . والأرجح أن معظم المواطنين لا يعرفون اكثر من نصف عدد الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة , فهي تنظيمات هامشية تتقوقع في دوائر ضيقة في العاصمة وبعض المدن الكبرى , مما يجعلها اقرب للنوادي السياسية منها إلى الأحزاب , كما تعاني أحزاب المعارضة – بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة – من غياب الديمقراطية الداخلية , وضعف قيادات وكوادر الصف الثاني , وكثرة الانشقاقات والصراعات الداخلية , وشخصا نية السلطة داخل الأحزاب , وضعف إمكانية التعاون والتنسيق فيما بينها من اجل تفعيل دورها السياسي في مواجهة الحزب الحاكم , ناهيك عن ظهور فئات من محترفي العمل السياسي في أروقة تلك الأحزاب , وهم يتخذون العمل السياسي مصدراً للتكسب والارتزاق . ولا شك في آن نظاماً حزبياً بهذه المواصفات لا يمكن آن يمثل ركيزة قوية لتطور ديمقراطي حقيقي وجاد . ولذلك فإن إصلاح النظام الحزبي يمثل ركناً أساسيا لتنمية الديمقراطية .
    محدودية فاعلية هامش حرية الصحافة :مع التسليم الكامل بأهمية هامش حرية الصحافة, والذي يعد أحد أبرز ملامح التعددية السياسية ( المقيدة ) , آلا آن فاعلية هذا الهامش تعتبر في التحليل الأخير محدودة نظراً لاستمرار سيطرة الدولة على ما يعرف ب" الصحف القومية " , فضلاً عن استمرار سيطرتها على الأعلام المسموع والمرئي . ومن المعروف أن الأخير هو الأكثر تأثيراً في تشكيل توجهات الرأي العام . ناهيك عن محدودية توزيع صحف المعارضة بصفة عامة , ووضع عراقيل شديدة بشأن حرية الصحف , كما أن ضعف استجابة الحكومة لما ينشر في صحف المعارضة يسهم في تفريغ هامش حرية الصحافة من محتواه , بحيث يتحول في نهاية الآمر إلى مجرد ممارسة الأحزاب لحق الصراخ وحرية التنفيس , ومع التسليم الكامل بأن بعض ما ينشر في صحف المعارضة يفتقد في بعض الأحيان إلى روح المسئولية , آلا هذا لا يبرر النهج الذي اصبح تقليداً ثابتاً للسلطة في نظرتها إلى الصحف , حيث تتهمها بالكذب والإثارة والتلفيق والتحريض والعمالة لقوى خارجية وجهات أجنبية
    ويكشف هذا الأمر عن واحدة من أبرز إشكاليات التطور السياسي والديمقراطي , وهي الخاصة بغياب علاقة صحية وصحيحة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة . فالأول يمارس دوره بعقلية احتكار السلطة والتأبيد فيها , ولذلك لا يقيم وزناً لأحزاب المعارضة , مما يكرس لدى هذه الأحزاب الإحساس بفقدان الأمل في الوصول إلى السلطة أو حتى المشاركة فيها بفاعلية , وهو ما يدفع بعضها إلى الشطط والتطرف في المواقف اللفظية . ولذلك فإن إعادة تأسيس العلاقة بين الحكومة والمعارضة على أسس جديدة تجعل المعارضة تشعر بأنها من النظام وتمارس دورها في مسئولية , وتجعل الحكومة تدرك بأن إفساح المجال أمام المعارضة تشعر بأنها من النظام وتمارس دورها بمسئولية , وتجعل الحكم يدرك بأن إفساح المجال أمام أحزاب المعارضة للمشاركة في السلطة يشكل دعماً للاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي . ولا شك في أن إعادة تأسيس العلاقة بين الطرفين على هذا النحو تمثل عنصراً هاماً لتدعيم مسيرة الديمقراطية , خاصة وأنه لا يمكن تصور وجود نظام ديمقراطي حقيقي دون آن تكون هناك معارضة سياسية ديمقراطية .
    افتقار الانتخابات ( المحلية والبرلمانية ) إلى النزاهة والشفافية :على الرغم من الانتظام في إجراء الانتخابات ( المحلية والبرلمانية ) منذ التحول إلى التعددية السياسية , آلا آن هذا يعتبر دليلاُ على رسوخ الممارسة الديمقراطية , وذلك نظراً لأن الحكومة دأبت على التدخل في العمليات الانتخابية بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة , بهدف التأثير على نتائجها .ومن أبرز الأساليب التي اعتادت الحكومة اللجوء أليها للتدخل في الانتخابات ما يلي :
    صياغة القوانين الانتخابية على النحو الذي يضمن حصول حزب الموتمرالوطني ,( الذي يترأسه رئيس الدولة ( حزب الدولة ) على أغلبية كبيرة تؤهله للتحكم في مسارات عمل المؤسسة التشريعية سواء على الصعيد التشريعي آو الرقابي , وهذا يعني ببساطة تقليص دور أحزاب المعارضة في البرلمان , وتحويله أي البرلمان إلى أداة في يد السلطة التنفيذية , هذا وقد سبق حل برلمان 1996 قبل استكمال المدة الدستورية , وبالإضافة إلى آلية القانونية فإن الحكومة اعتادت دعم حزب الموتمرالوطني خلال الانتخابات من خلال سلسلة من الإجراءات الإدارية والتنفيذية والإعلامية والأمنية وهو ما يخل بمبدأ نزاهة الانتخابات ووجود منافسة متكافئة بين الأحزاب .
    وبالإضافة إلى ما سبق فإن الانتخابات البرلمانية التي أجريت في ظل التعددية السياسية قد عانت من كثير الظواهر السلبية التي شوهت صورتها , ومنها علة سبيل المثال : محدودية الإشراف القضائي على الانتخابات , وعدم دقة كشوف الناخبين , وتوظيف المال العام بدرجة أو بأخرى لحساب حزب الموتمرالوطني , فضلاً عن بروز جور كل من والمال الخاص في إدارة الانتخابات البرلمانية وبخاصة التي أجريت عامي 2000 , ونظراً لكافة الاعتبارات السابقة. ورغم آن أحزاب المعارضة تطالب بتوفير ضمانات نزاهة الانتخابات مثل خضوع الانتخابات لإشراف قضائي كامل , ووقف العمل بقانون الطوارئ خلال فترة الانتخابات , والفصل بين أجهزة الحزب الحاكم وأجهزة الدولة ..... الخ ,إلا آن الحكومة دأبت على تجاهل هذه المطالب , وهو ما دفع أحزاب المعارضة إلى مقاطعة انتخابات. وهذا بدلاً من أن يتسع تمثيل المعارضة داخل البرلمان بصورة تدريجية على النحو الذي يؤكد بأن عملية التطور الديمقراطي تسير إلى الأمام وتحقق نوعاً من التراكم , بدا الأمر وكأن تلك العملية تتراجع , وهو ما دفع البعض إلى الحديث عن تعسر ورقود عملية التحول الديمقراطي . أما بالنسبة لانتخابات المجالس المحلية , فقد دأبت أحزاب المعارضة على مقاطعة أغلب هذه الانتخابات بدعوى عدم وجود ضمانات لنزاهتها , مما جعل مجالس المحلية ساحات خالية لحزب الموتمرالوطني .
    استقلال السلطة القضائية: الحدود والقيود : على الرغم من الاستقلال الذي تحظى به السلطة القضائية , والذي يمثل بدون شك أحد ملامح تجربة التطور السياسي في إلا آن هذا الاستقلال يتعين النظر أليه في ضوء بعض القوانين والتشريعات المعمول بها التي تشكل مساساً بمبدأ استقلال القضاء . ففي ظل قانون الطوارئ وبعض القوانين الاستثنائية الأخرى يجري تشكيل محاكم استثنائية تمثل في التحليل الأخير نوعاً من القضاء الموازي للقضاء الطبيعي . كما أن هناك بعض الاعتبارات السياسية والقانونية التي تستغلها السلطة التنفيذية في بعض الأحيان من أجل التدخل في شئون القضاء . ناهيك عن شيوع ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية ويشكل مساساً بسيادة القانون وهيبة الدولة . ونظراً للدور الهام الذي قامت به المحكمة الدستورية العليا في إرساء بعض الأسس المبادئ المتعلقة ببعض الحقوق والحريات العامة , والمجتمع المدني والتوازن بين السلطات .آن قانون المحكمة الدستورية العليا يصب في خانة التجربة الديمقراطية , , ولمبدأ الرقابة على دستورية القوانين من اهتزاز الثقة بين الدولة ومواطنيها , وإذا كانت الدولة لا تقدم القدوة في مجال احترام الدستور والقانون فكيف لها آن تطلب من مواطنيها الالتزام بهما ؟
    ضعف استقلالية تنظيمات المجتمع المدني ومحدودية فاعليتها :على الرغم من الزيادة الكبيرة في عدد تنظيمات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات والاتحادات والروابط...الخ ,وعلى الرغم من بروز الدور السياسي لبعض هذه التنظيمات بشكل ملحوظ , آلا انه من المؤكد آن اغلب تنظيمات المجتمع المدني تفتقد إلى الفاعلية والاستقلالية عن أجهزة الدولة ومؤسساتها . فقانون الأحزاب السياسية يتضمن الكثير من القيود والضوابط الإدارية والتنظيمية والمالية والإجرائية التي تقيد من ممارسة الأحزاب القائمة لأنشطتها. ونظراً لبروز دور النقابات المهنية وبخاصة نقابات الأطباء والصيادلة والمهندسين والمحاميين ...الخ , نظراً لذلك فقد اتجهت الحكومة إلى السيطرة على هذه النقابات , وذلك بالاعتماد على آليات عديدة منها :
    إصدار قانون موحد للنقابات المهنية وقد تضمن القانون وضع ضوابط وآليات لتنظيم العملية الانتخابية داخل هذه التنظيمات ونظراً لأن هذا القانون لم يحقق الأهداف الحقيقية المرجوة منه عند دخوله حيز التطبيق , فقد بادرت الحكومة بتعديله .
    آما بالنسبة للجمعيات الأهلية , فهي تفتقر, آلي الاستقلالية الحقيقية . بشأن الجمعيات يسمح للدولة بالتدخل في شئون هذه الجمعيات بالاعتماد على أساليب عديدة مالية وإدارية وتنظيمية .
    أزمة المشاركة السياسية :على الرغم من مرور أكثر من عامين على عملية الانتقال من التنظيم السياسي الواحد إلى التعددية السياسية والحزبية ( المقيدة ) , آلا آن ذلك لم يترتب عليه حدوث تحول جوهري في طبيعة وأنماط مشاركة المواطنين في الحياة السياسية . حيث لم تزال سمة العزوف عن المشاركة السياسية هي التي تميز قطاعات واسعة من الشعب . فالمشاركة من خلال الأحزاب السياسية تعتبر بصفة عامة متدنية نظراً لضعف وهشاشة القواعد الجماهيرية لهذه الأحزاب . وباستثناء عدد محدود من أحزاب المعارضة التي تمارس بعض النشاط السياسي على الساحة , فإنها تكاد أن تكون غير معروفة لمعظم المواطنين . وهكذا فإن السواد الأعظم من الشعب يقع خارج إطار النظام الحزبي .
    أما بالنسبة للمشاركة من خلال الانتخابات البرلمانية , فإنه لم يحدث أن تجاوزت نسبة التصويت حاجز آل ( 50% ) من المسجلين في كشوف الناخبين , والعدد الفعلي للذين يحق له حق التصويت فإن النسبة السابقة تنخفض إلى نحو ( 25% ) . ومن المفارقات أن نسبة المشاركة في التصويت تنخفض بصفة عامة في العاصمة والمدن الكبرى مقارنة بدوائر الأرياف والأقاليم , هذا الأمر يجد تفسيره في ارتباط العملية الانتخابية في الأرياف والأقاليم بالاعتبارات والتوازنات العائلية والقبلية والجهوية . وكلها أمور لا علاقة لها بدرجة الوعي السياسي , ورغم تعدد الأسباب التي تدفع قطاعات واسعة من المواطنين وبخاصة في أوساط المتعلمين والمثقفين إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات , فالمؤكد أن شعور الكثيرين بأن أصواتهم لا قيمة لها , وان نتائج الانتخابات محسومة سلفاً لصالح الموتمرالوطني (حزب الحكومة ) يمثل سبباً جوهرياً لهذه الظاهرة , خاصة وأن ممارسات أجهزة الدولة أثناء الانتخابات تكرس هذا الإحساس لدى المواطنين .
    فقد أكدت دراسات عديدة على هامشية دور المجلس الوطني في عملية التطور الديمقراطي . فاغلب مشروعات القوانين تتقدم بها الحكومة ويقوم المجلس بإقرارها وإضفاء المشروعية القانونية عليها , وذلك بعد مناقشتها بصورة جدية في بعض الحالات وشكلية في معظمها , وبخاصة عندما يمرر المجلس قوانين عديدة خلال فترة زمنية وجيزة , كما أن دور المجلس في ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية يعتبر بصفة عامة محدوداً حيث انه غالباً ما يفضل أعضاء المجلس وبخاصة نواب حزب الموتمرالوطني استخدام أساليب بعينها للرقابة البرلمانية مثل الأسئلة وطلبات الإحاطة , وهي تدور في معظمها حول قضايا وموضوعات مرتبطة بالوزارات الخ , أما الأساليب الأكثر فاعلية في ممارسة الرقابة مثل التشكيل لجان تقصي الحقائق والاستجوابات , فإنه نادراً ما يتم اللجوء إليها . والأهم من ذلك أنه جرى العمل في المجلس على تفريغ آلية الاستجواب من فاعليتها الحقيقية , (قد تم تعين وزير خاص بالمجلس الوطني) وذلك بالاعتماد على عديد من الأساليب التنظيمية والإجرائية , ومن هنا فإنه لم يترتب على أي استجواب طرح الثقة بوزير , بل غالباً ما يقوم المجلس في أعقاب كل استجواب بتقديم الشكر إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المستجوب مع الإشادة بسياسة وزارته , ثم الموافقة بالانتقال إلى جدول الأعمال , وبذلك يصبح الاستجواب كأن لم يكن ونظراً لضعف وهشاشة المشاركة السياسية من خلال القنوات والأساليب التقليدية للمشاركة بسبب عدم فاعليتها , فقد اتجهت بعض الفئات الاجتماعية إلى الانخراط في الأساليب غير التقليدية للمشاركة بهدف توصيل مطالبها وممارسة التأثير على قرارات الحكومة وسياساتها . ومن هذه الأساليب أعمال الاحتجاج الجماعي والعنف السياسي . ولا شك في أن تزايد هذه الأعمال وتزايد درجة حدتها إنما يدل على هشاشة عملية التطور الديمقراطي .
    فالديمقراطية تعني إلى جانب عناصر أخرى الإدارة السلمية للعلاقات والصراعات داخل المجتمعات والتمثيل المتوازن للمصالح المتنافسة , وتمكين القوى المختلفة من المشاركة في العملية السياسية دون عنف , ومتى تعطلت هذه الأساليب والقنوات ينفتح الباب أمام صور الاحتجاج الجماعي والعنف السياسي .
    غلبة طابع التوتر والتأزم على العلاقة بين الدولة والمجتمع :على الرغم من أن الرئيس قد انتهج منذ توليه الحكم استراتيجية تهدئة الأزمات في تعامله مع مختلف القوى والتيارات التي لا ترفع السلاح في وجه الدولة والمجتمع , آلا أن هذه الاستراتيجية شهدت تغييراً ملحوظاً , مما جعل طابع التوتر والأزمة يغلب على علاقة الدولة بالمجتمع , فبعد آن كان الرئيس يلتقي بقيادات أحزاب المعارضة بصورة شبه دورية خلال الفترة رئاسته الأولى , تقلصت هذه اللقاءات إلى حد كبير بعد ذلك , وتصاعدت حدة النقد, خاصة وان أم قطع الأحزاب المعارضة للانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 2000 , هذا الإخفاق عمق الإحساس لدى المعارضة بهامشية دورها في العملية السياسية . كما تأزمت العلاقة بين النظام والصحفيين على خلفية لعقوبات على جرائم النشر , وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تدخل الرئيس شخصياً.
    ونظراً للآثار السلبية التي ترتبت على تطبيق سياسة التخصيصية على قطاعات من العاملين في شركات قطاع الأعمال العام , فقد تزايدت خلال السنوات الأخيرة , الإضرابات التي قام بها العمال في بعض المواقع , وقد دأبت السلطات على استخدام أساليب عديدة للسيطرة على الحركة العمالية , منها اللجوء إلى القوة لفض الإضرابات والحيلولة دون انتشارها .
    وبالإضافة إلى ما سبق فقد خاض النظام مواجهات حادة مع تنظيمات التطرف والعنف وبعد آن تمكن النظام من كسر شوكة هذه الجماعات بدأ في توسيع نطاق عملية المواجهة. ونظراً لانشغال الدولة بالمواجهة مع بعض التنظيمات والقوى والتيارات السياسية من ناحية , وإعادة الاعتبار لهيبة الدولة وسيادة القانون من ناحية أخرى . وتأسيسا على ما سبق يمكن القول بأنه في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة في تطبيق سياسيات التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي , فإن عملية التطور الديمقراطي تتسم بالتذبذب وتفتقد إلى السمة التراكمية . بل أن السنوات الأخير شهدت تقدماً في بعض مؤشرات التطور الديمقراطي .
    وجدير بالذكر أن حالة التعثر الديمقراطي ليست قاصرة على السودان فقط , بل تعرفها دول عربية أخرى عديدة تقوم بتطبيق سياسات التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي , ولذلك فقد أصبحت قضية تعثر عملية التحول الديمقراطي على الاجندة البحثية لعديد من الباحثين ومراكز البحوث العربية والأجنبية المعنية بالسياسيات العربية , ولا يتسع المجال هنا للتفصيل في تناول نماذج وحالات أخرى في هذا المجال , ولكن يلاحظ أن دولاً مثل الأردن وتونس والجزائر وموريتانيا واليمن , وجميعها تطبق برامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين أو بالأحرى بضغوط منهما , يلاحظ أن النظم الحاكمة في هذه الدول تنتهج أساليب عديدة لضبط عملية التحول الديمقراطي وجعلها ضمن الحدود التي تحول دون حدوث تغيير جوهري في طبيعة السلطة والحكم . ومن هذه الأساليب على سبيل المثال : ضمان هيمنة الحزب التي يترأسها رئيس الدولة على المجالس التشريعية وذلك من خلال إصدار قوانين انتخابية بمواصفات معينة , وبالتلاعب بأشكال مختلفة , في إدارة العملية الانتخابية , كما يستخدم هذه النظام الآلية القانونية لإحكام سيطرتها على الساحة السياسية بما ينطوي عليه ذلك من إقصاء لبعض القوى السياسية الفاعلة , وتقييد لأنشطة الأحزاب , وضمان لسيطرة الدولة على تنظيمات ما يعرف بالمجتمع المدني , ناهيك عن تقليص هامش حرية الرأي والتعبير , كما أن سجل حقوق الإنسان يتضمن كثيراً من أشكال الانتهاكات التي ترصدها تقارير منظمة العفو الدولية والمنظمة العربية لحقوق الإنسان وغيرهما من المنظمات المعنية بهذا الأمر .
    وتأسيسا على ما سبق يمكن القول بان أقصي ما يسمح به هو نوع من الانفتاح السياسي المحدود والانفراج الديمقراطية التي تسهم في تخفيض الضغوط , وتمكين بعض القوى من ممارسة حق التنفيس السياسي فضلاً عما تعكسه من مسايرة التوجه العالمي نحو الديمقراطية بما ينطوي عليه ذلك من إعطاء انطباع للعالم الغربي ومؤسسات التمويل الدولية من آن هناك تطوراً ديمقراطياً
    أما تكريس الديمقراطية ,والالتزام بها كمنهاج للحكم , والقبول بنتائجها في إحلال وتغيير النخب الحاكمة , فكلها أمور تبدو صعبة التحقيق على الأقل خلال لأجلين القصير والمتوسط , وتأكيداً لذلك يلاحظ أن عملية الانتقال نحو التعددية السياسية لم يترتب عليه تقليص لسلطات الحاكم أو حتى حدوث تغيير جوهري في تركيبة النخبة الحاكمة , وربما تكون تجربة المغرب الوليدة ذات دلالة في هذا السياق , حيث شهد عام 1998, انتقال المعارضة المغربية إلى كراسي الحكومة بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الإقصاء والاستبعاد .. ونظراً لحداثة هذا التحول فمن الصعب الآن إخضاعه لتقييم موضوعي متكامل .ومهما يكن من أمر , فالمؤكد أن ظاهرة غياب الديمقراطية وتعثرها لا يجد تفسيره في العوامل والمتغيرات السياسية ذات الطابع السياسي فحسب , لأن هذه الظاهرة مصادرها وأسبابها الأخرى التي يتعين آخذها بعين الاعتبار , فهناك أسباب تاريخية ( الجذور التاريخية للاستبداد والتسلط) , وثقافية ( ضعف قيم الديمقراطية في الثقافة السياسية ) , واقتصادية واجتماعية ( أزمة التنمية , وتعدد أشكال الانقسامات والتفاتات الاجتماعية , وغياب الديمقراطية على مستوى تنظيمات المجتمع كالآسرة والمدرسة والجامعة والنادي ), وخارجية ( قيام بعض القوى الخارجية التغاضي عن ممارستها في سبيل تأمين مصالحها ) .
    ناهيك عن ضعف وهشاشة القوى الديمقراطية من ناحية , وتدني مكانة الديمقراطية ضمن أولويات المواطن من ناحية أخرى , بمعنى آن الديمقراطية لا تزال قضية نخبة , ولم تتجذر بعد في الوعي الجمعي للشعب بحيث تتحول إلى قضية مجتمع أوالى مطلب اجتماعي . وبإيجاز , فإنه إذا كان النظام الحاكم يتلاعب بقيم وآليات الديمقراطية , المؤكد أن هناك عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية وتاريخية وسياسية تقف خلف غياب أو تعثر الديمقراطية وبدون تفكيك هذه من خلال عملية نضالية مستمرة تنخرط فيها القوى الديمقراطية الفاعلة والقادرة على تعبئة مختلف العناصر والقوى الحية في المجتمع المدني خلف المشروع الديمقراطي , بدون ذلك يصعب حدوث تحول ديمقراطي حقيقي, سيبقى أي تطور ديمقراطي رهناً بإرادة الحكام وليس بإرادة المجتمع .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de