فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 09:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-28-2014, 08:01 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون

    Quote: في هذه الرواية (الكتاب الأول) لا يقدِّم الكاتب قصة تحكي عن حيوات شخصياته، بقدر ما يتيح للقارئ أن يتعرف على فكرهم ونفسيتهم

    بل لم يوضح تفصيلياً التهمة التي جاءت بالمسجونين إلى هذا المكان ما عدا "سانتينو" اللّص و "د. بدوي خليل" قاتل زوجته، "وكمال" الذي سطا على بنك السودان، كما جاء على لسانه في آخر فصل الذي عُنون بـ " من وثائق سلامة – التداعي الأول – الرجل الأميبي" و جاء عن طريق السرد الذاتي خلافاً للفصول التي سبقته. سرد فيه "كمال" أحد أبطال الرواية والذي لم تظهر شخصيته إلا في الفصل الذي سبقه مباشرة، رغم أن اسمه ورد أكثر من مرة . أيمكن أن نعتبر أن هناك تداعي ثانِ وثالث بذات النهج، وأن الفصول الخمسة الأولى ما كانت إلا مقدمة لهذه التداعيات؟ أم أنه – الكاتب- يحقق رؤيته لكتابة الرواية كما جاء على لسان "كمال" ( الرواية منطقها الوحيد أنها رواية. ويجب أن نخرج بها من لونية الروايات التي تحدثنا عن آل فلان وبني علان. فالشخص قد أصبح بمفرده آل. كما أن سينما المؤلف همها خلق


    دنيا، كل إنسان فيها عاصمة لبلاد الإنسان) أهو بهذا يؤسس لخطابه الروائي خاصة وأنه قدَّم ذات الفهم في هذه الرواية، أم الإثنين معاً؟حتى رواية "كمال" لقصته جاءت من داخل وثائق "سلامة" الأخصائية النفسية، ولم تأتِ بطريقة تقليدية بأن يحكي كل منهم حكاياته لزملائه وجريرته التي انتهت به إلى السجن.لم يهتم الكاتب بتحديد الأزمنة سواء كان الزمن الروائي الذي جرت فيه أحداث الرواية، داخل المتن الروائي وبالطبع داخل السجن، أو زمن القصة الذي يخبرنا وقتها أو حقبتها الزمنية التي جرت فيها على الواقع – واقعه المتخيَل، حتى الفترة الزمنية التي قضاها "كمال" متسكعاً في أوربا لم يشر إليها أو يحددها، وإنما اكتفى بالشخصية وبُعدها الفكري، رغم أن الفترة قد تخبر القارئ مدى تأثر "كمال" بالغرب اعتماداً على طولها أو قصرها.هل أسقط الكاتب الزمان ولم يلتفت إليه؟ ونحن نعرف أن الزمان أحد عناصر الرواية لا يتمفصل عنها؟ لم يسقطه على طول الرواية وأشار إليه دون أن يحدد مدته سنين، شهور أو أسابيع، تركه مفتوحاً وترك للقارئ الحرية في ذلك، إضافة إلى أن الرواية أصلاً لا تتحدث عن أحداث وقعت في زمان معين، وإنما تعكس مستويات فكرية لأُناس عاشوا أو يعيشون دون تحديد نقطتي بداية ونهاية زمنية.

    اكتفى الكاتب بالإشارة إلي الأماكن عدا موضعين أو ثلاثة تفصيلياً، رغم لغته الوصفية الدقيقة، ولم يغفل ارتباط المكان بساكنيه مثل وصفه لغرفة "مكاشفي النوراني" إمام المسجد وخطيبه (في الفناء الخلفي لمسجد السجن تنهض غرفة "مكاشفي النوراني" كدكَّة سفينة
    نوبية باهظة التاريخ. البحر يترامى أمامها وتروق له فكرة أنه بحر. وأشرعتها مطوية كهن النوبيات الختين. من تحتها أقراص الملح ومن فوقها رائحة العاصفة. فارقت ألفة المراسي وصار لها في الألم حياة. غرفة وحيدة ومحبة. لا يعتبرها صاحبها موضع قدم لمزيد من الأرض، بل خطوة نحو عالم آخر. ولهذا فقد استوحشت المدن مقبوضة الروح وباردة الإرادة. وثبتت أقدارها في هذا المكان). "مكاشفي النوراني" رجل متصوف ترك الدنيا وملذاتها وتعلَّقت نفسه بالآخرة دار البقاء. ورغم هذا له أحزانه وشجونه التي لم ندرك أسبابها رغم وجوده.- الناس يكافحون الحزن. ولكن الصوفي وحده الذي يترك حزنه للعدم. قال هذا لحمدان وقبلها كان يردد مقطع لـ " كمال":
    مع الريح ألقيت دمعي
    وتركت حزني للعدم
    نلاحظ في عموم الرواية استحضار الموروث والتاريخ، خاصة في تلك النقاط التي تتحدث عن "سانتينو"، جذوره وعادات جدوده وتقاليدهم، إضافة إلى الروح الصوفية النقية التي صاحبت " مكاشفي النوراني" في غير ذي موضع، واستعمال كلمات لها صلة وطيدة بها مثل كلمة
    "نافلة" في الفصول الأولى. الفضاء الروائي، فضاء فكري جدلي، يحاول الجميع التعمق فيه وتكاد تتساوى مستويات السقف الفكري الذي يظلّهم ويتجادل الكل تحته، كلٌ متكئ على بُعده الثقافي والفكري وحتى لونه السياسي، كلٌ منطلق من فكرة. فـ "سانتينو" ذاك الأفريقي مائة بالمائة الذي يستحضر في ذهنه مراراً عادات جدوده الوثنيين.

    "سانتينو" اللص بنظر المجتمع والمحكمة التي قضت بأمرها، لا يعتبر نفسه لصاً لمرض في نفسه أو أن اللصوصية فيه فيروساً يجب العلاج منه واستئصال ما يساعد على انتشاره، بل يسرق "سانتينو" بدافع من تحقيق العدالة الاجتماعية التي ينادي بها هو والتي هي إحدى الدعائم التي يرتكز عليها فهمه الاشتراكي. يقول عن نفسه : - .... سانتينو لن يتخلى عن اللصوصية حتى تشفى كل قبور الموتى من الفقراء.ويقول أيضاً مخاطباً "الفليل":- أتعتقد هذه المهرطقة – يقصد "سلامة" الأخصائية النفسية- أننا نولد كي نتفرج على الناس وهم يعيشون؟ إن كانوا ينظرون إلينا كفائض بشر؛ فسنوظف أنفسنا في ما يعود باللعنة على الجميع .إذن، "سانتينو" مؤمن أنَّه لا يسرق لنزعة شريرة أو روح امتلاك ما عند الغير؛ إنما يسرق منطلقاً من مفهومه الاشتراكي، رغم أنه لا يتفق مع الاشتراكيين في كل حماقاتهم كما قال ..وشيطان مكة (خالد العوض) ذاك الرأسمالي تاجر المخدرات الذي وضع مبادئه على رفوف وأدراج مكاتبه، الذي كان ينال ما يريد، ويدفعه الظلم أكثر ويحثّه الطموح والشعور بالقوة على السير على جثث الضعفاء الذين يسقطهم في طريقه إلى الأعلى، لم يفعل كل ذلك إلا لأنه أراد أن يطّوع المال وأن يجعله خاضعاً له فقد كان يقول لنفسه: (إن كان المال جِنّى المدينة، فلا بُدَّ أن أجعله أحد خُدامي المطيعين أقول له : شخلاي مخلاي، فينفذ رجال القانون طلباتي كالمنومين مغنطيسياً، فيتبرع الناس بتقديم أنفسهم للقضاء بدلاً عني). (جِنّي يقصد بها جن)وهاهو الآن ينتظر حبل المشنقة، يعض أصابع الندم وتتآكله الحسرة على نفسه. ورغم أنه كان يعي تماماً ما يفعله من تجاوز ديني وأخلاقي واجتماعي إلا أنه كان مستمراً في فعله – كنت أختبئ من ظلامة في ظلامة .. وأينما أخفيت رأسي سقطت عليه دعوة مظلوم. أنقذني يا رب وسأسجد لك على الجمر .و "بشرى محمود" السجين السياسي والشاعر الذي أُدخل هذا المكان لأنه اكتشف أن ما كان يفعله أكبر خطأ، وهو اشتراكه في حرب جنوب السودان، وسيره على خطى السُلطة:يقول بأسى:- ما هو محتمل أن تندم على فقد حبيبة أو ارتكاب خطأ، أما أن تندم على حرب فهذا ندم بالغ التعقيد.متى يندم الإنسان على خوض حرب؟ جميعنا يعرف أن خوض الحروب هي مفخرة لكل مشارك فيها، ولكن عند "بشرى" تحولت إلى ندم عندما اكتشف عبثية ما يقوم به وبعده عن المنطقية. اكتشافه هذا جعله يتحول من (مع) إلى (ضد) ولهذا هو هنا.يؤمِّن " بشرى" على تمني مكاشفي لو أنهم فهموا أسباب خوض الحرب ودواعيها.– ليت الاستعمار يعود من جديد، لنحاربه فتضمن لنا حربنا معه شيئاً يفهمه هو على الأقل. أو على أسوأ الفروض لكي نموت بطريقة يحترمها الأحفاد ولنعرف مع من ندفن.
    إذن، كان اكتشافه ذاك تحولاً غيّر مسار حياته.ومن الشخصيات أيضاً شخصية "الفليل" هذا الكائن الشهواني الذي يحصر وجوده في الحياة من أجل الجنس فقط فهو (رجل متوزِّع بين مجرى للدم ومجرى للشهوة) ويرى أن الكون خلق من أجل المرأة ومنهزماً أمامها، الرجل الذي يريد (أن يبدأ الحياة من حيث لا تنتهي بالموت)، ما هي هذه الحياة التي لا تنتهي بالموت، أهي الجنس، الشهوة، المتعة؟أمّا "د. بدوي خليل" قاتل زوجته والذي تآكلته الغيرة إلى أن أودت به إلى لائحة المنتظرين حبل المشنقة وهو الآن في استسلام تام لمصيره المنتظر (الموت أرخص من خوفنا منه)وعبارته التالية توضح رؤيته للحياة وتكشف بؤس حياته التي عاشها (والحياة في الأصل هي إعدادي موت، تدخل ثانويته وجامعته لتتخرّج كمُتوفَّى معه شهادات)
    الحوارات اتّسمت بالجدلية حيث ينهض كل صاحب فكرة ليدافع عن أفكاره وطريقته التي اختارها للعيش، ويتبارى الكل في إطلاق عبارات وأحكام تحدّث القارئ أن يتبناها، ورغم اختلاف المتحاورين إلا أننا نلمس تقارباً ثقافياً بينهم، عدا شخصية المأمور الممثل للسُلطة داخل السجن والتي ظهرت واهية مثل خيط العنكبوت وتكاد تكون بغيضة.

    ركَّز الكاتب على بناء شخصياته النفسي وصوّرها ببراعة، فنحن نرى ما يعتمل في الصعيد الجُوّاني ونلمس أمراض النفس التي هي السمة
    التي يشترك فيها معظم المساجين، فإن التداعي الأوّل (الرجل الأميبي) جاء من داخل وثائق الأخصائية النفسية، ولأنه أوّل فلا بُدّ أن يعقبه ثانِ وهو (الرجل الكلورفيل)- شخصية الفليل المنشور كفصل من الكتاب الثاني، وما يتلوه من تداعيات الشخصيات المريضة.في التداعي الأوّل تبرز لنا شخصية "كمال" الذي يمارس الضياع، ذاك الشاعر الذي لم يعد يؤمن بشيء فترك جامعته وطار إلى أوربا جابها وتشرَّد فيها وتاه حتى عن نفسه. نشخصّها فنجدها شخصية تعاني اللامعنى والفشل والضياع، يقول عن نفسه: (أنا فقط شخص فاشل في كل شيء).كمال لا يؤمن بشيء، حتى الشعر يؤمن بها أحياناً فقط، فالإيمان عنده إعجاب لحظي ولفترة محدودة (إنّ فكرة الإيمان عندي لا تزيد على كونها فكرة إعجاب بشيء ما لفترة من الزمن) وإذا كان الشخص لا يؤمن بأي شيء فهو حتماً لن يتبنى أية قضية أو موقفاً في الحياة ( لا أدري كيف أخلق لي موقفاً ثابتاً تجاه قضية معيّنة).و"سانتينو" رجل مريض بالحقد، رغم قضاياه التي يؤمن بها ورغم افتخاره العظيم بافريقيا فإن فقره دفعه للحقد على البرجوازيين والرأسماليين (لقد صرنا مقَسّمين بين رجل الحقد في أعماقه كالصدأ، يحقد ويتآكل من جراء حقده، حتى يتكوم الحقد والتراب بدلاً عنه.. وبين رجل مريض يؤمن بأن متعة الإحباط في الدنيا تفوق متعة تفاهاتنا التي نسميها لحظات السعادة والسلام).و"الفليل" ( التداعي الثاني، الرجل الكلورفيل) مهووس بالجنس وحياة المتعة، الذي (خرج لأحلامه بالأرض التي يتوفَّر فيها الجنس لدرجة الموت بتخمته)."د. بدوي" رجل مريض بالكره والأنانية، بل ينادي بالكره ويجعله شرطاً للتحرر من العذاب (لا بُدّ أن نكره لنتحرر من العذاب)، ويبرر كرهه هذا بـ (أنا أكره لأنني أريد كل الحب)، ولأنه أراد حب زوجته قلتها! والآن في مواجهته حبل المشنقة، وهل يحصد الكره غير الكره؟أمّا شيطان مكة تاجر المخدرات فهو مريض بالجشع والطمع وغياب الفضيلة (المبادئ كنت أضعها في رفوف التواليت مع أوراق النظافة وقطن عشيقاتي). رجلٌ لو أعفي من حكم الإعدام لعاد إلى سيرته الأولى ولجمع الأموال بكل الطرق وسار في ذيل إغواء الحياة.كلٌ من هذه الشخصيات تعاني مرضاً عدا "بشرى محمود" السجين السياسي المحبوب من الجميع المؤمن بأن (الحرية إرادة وفعل تجاه الأقدار وسقف المصير الخارجي)، و"مكاشفي النوراني" الصوفي الزاهد المُهاب والمحترم والذي يدعو إلى الإيمان العميق والصادق ينصح "سانتينو": (إنْ كنت تريد راحة البال فابحث عن الإيمان يا سانتينو ... مجيء الإنسان لهذه الدنيا كان مرحلة لا بُدّ منها لتنفيذ حكمة مقصودة بتدبير ودِقَّة لا ريب فيهما. فكل ما هو دنيوي خُلِق كأخلاط وتُركت تنقيته لعامل خارج هذه الأخلاط.. لشيء يشبه عقل الإنسان. والإنسان نفسه خُلِق كأخلاط وتُركت تنقيته لعامل خارج هذه الأخلاط.. لشيء يشبه الإيمان). هاتان هما الشخصيتان السويتان بين شخصيات الرواية، إذا استثنينا موظفي السجن (المأمور، الأخصائية النفسية، السنجك موظف الشؤون الاجتماعية،حمدان الطباخ.) يمكننا أن نخمِّن سبب هذه الصحة النفسية التي تتمتعان بها، إذا عرفنا القيم الجميلة والنبيلة التي تحملها وتؤمن بها كلٌ منهما. فبشرى يؤمن بحب الوطن وضرورة الارتباط به والولاء له، ومكاشفي يدعو إلى الإيمان الحقّ وتغذية الروح قبل البدن.هل أراد الكاتب بهذين النموذجين أن يقول: هذا ما يجب أن يكون عليه البشر؟ بالرجوع إلى الشخصيات والمقارنة بينها يمكن معرفة الإجابة.قبل الخروج سنعرج على العنوان (إحداثيات الإنسان) - الإحداثي السيني والصادي- هذان الخطّان اللذان يحتويان منحنى حياة الإنسان، المنحنى الذي يصل إلى أعلى نقطة فيه - التي يختلف علّوها من شخص إلى آخر – تكون عندها قمة حياة الإنسان، ومهما استغرق الخط فيها من زمن، مهما طال ثبات الخط عندها فإن مصيره إلى الانحدار الذي تختلف سرعته أيضاً من حياة إلى أخرى. يبدأ المنحنى من الصفر، يصعد، ثم إلى الصفر يعود. يخرج الإنسان من ظلام الرحم إلى ظلام أو نور الحياة، ثم ينتهي، من الصمت إلى الصخب إلى الصمت. من تجويف الرّحم إلى تجويف القبر، من صرخة الميلاد إلى شهقة الموت، أنت من يحدد ما تحمله عربة الحياة في هذه الرحلة، فإما أن تكون مليئة بالقيم والأهداف والفضائل (بشرى ومكاشفي) أو بلامعنى وفارغة ومجوَّفة (مثل حياة كمال)، أو محتشدة بأمراض النفس والخطايا وارتكاب الجرائم (د. بدوي، الفليل، شيطان مكة). إنها رحلة الحياة التي تبدأ من الصفر وإلى الصفر تعود قبل البعث.إحداثيات الإنسان رواية فكرية نفسية أخلاقية لها محمولها الخاص وشفرتها الخاصة، تجلَّى فيها الكاتب في رسم شخصياته وتنوعها وإغنائها.

    وأنا الآن أكبر كل يوم ولا أتقدّم نحو شيء، تماماً كما قال صديقي "كمال":
    تُحلِّق فوقي النسور
    وأنا أهربُ
    من جثتي إلى جثتي
    يوليو 2003


    http://www.globalarabnetwork.com/culture-ge/culture-studies/...-2012-12-29-14-29-30
                  

04-28-2014, 08:16 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan12.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

04-28-2014, 08:24 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

    Rania-Mahkama.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

04-28-2014, 08:31 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

04-28-2014, 08:42 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

    xsa.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الكاتب محسن خالد
                  

04-28-2014, 08:49 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

                  

04-28-2014, 08:58 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

                  

05-02-2014, 04:31 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: رانيا مأمون ومحاولة اختراق الأسلاك الشائكة في رواية (ابن الشمس) - صورة
    الشماسة (بالسين) أو الشماشة (بالشين) !!
    04-23-2013 06:03 PM
    رانيا مأمون كاتبة من مواليد ودمدني، صدرت لها مجموعة قصصية عن دار أزمنة للتوزيع والنشر بالعاصمة الأردنية عمان تحت عنوان( 13 شهراً من إشراق الشمس)في العام 2009، وسبقتها روايتها (فلاش أخضر) عام 2006.في روايتها الجديدة ( ابن الشمس) الصادرة عن دار العين للنشر بالقاهرة في هذا العام 2013، تخوض رانيا مأمون الروائية الشابة تجربة فريدة وغاية في الصعوبة، حيث تحاول اختراق عالم مسكون بالصمت من كل الجهات. صمت من يعيش فيه، وصمت من يجاورهم ويجهل حالهم، والصمت الرسمي المسدل عليه، فهو في حد ذاته وثيقة إدانة لايوجد أي خط دفاع في مواجهتها.
    image
    إنه عالم أبناء الشوراع أو من عرفوا باللهجة السودانية ب(الشماشة) كنية عن كونهم لايملكون بيوتاً دافئة لها أسقف تؤويهم وتقيهم وهج الشمس، الشماسة (بالسين) أو الشماشة (بالشين) هو الوجه الآخر للاسم الذي اختارته المؤلفة للرواية (ابن الشمس)، والشماسة هم خلاصة من خلاصات الحروب الأهلية والتدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان. هم ثمرة النهب المستمر للثروات وتكدسها في أيدي قلة مترفة تعيش حياة قصور السلاطين وترفهم ورفاهيتهم، وفي المقابل تفتك الأمراض والأوبئة بالسواد الأعظم من الشعب الذي يعاني معاناة لا تخطر علي بال أحد.الشماسة الذين يلتحفون الأرض حفاة جياعاً عراة حاملين كل الأوبئة والأمراض، هم وثيقة إدانة لكامل النظام الاجتماعي في السودان الذي تقف فيه قصور منيفة تطاول أعناقها عنان السماء، وتخطر في شوارعه المليئة بالحفر أفخم أنواع السيارات في ذات الوقت الذي تزداد فيه جيوش أبناء الشمس الحفاة العراة مجهولي الآباء ومعلوميهم الذين يقتاتون الفتات وبواقي الطعام، ويسكنون الخيران والشوارع، ويلبسون أسمالاً بالية وهم محرومون من كافة حقوقهم كبشر، فلا تعليم، ولاصحة، ولاغذاء، ولاكساء، ولاأسرة، ولا مأوي،لاشئ سوى أرض وسماء، وأقدام حافية تمارس التسكع والركض خوفاً من حملات الحكومة .إن الكتابة عن هؤلاء مخاطرة كبرى، فهم لايتكلمون، ولايتوقفون للحوار لأن جوعهم أكبر، وخوفهم أكبر، وهم لايملكون ملكة كتابة، ولايعرفون الكتابة في الغالب، ومن الصعب أن يُخترق عالمهم، لذلك تجئ الكتابة عنهم في الغالب كتابة من الخارج، انطباعات مسبقة، وتصورات غامضة ،ويغلب الوصف أو التمثيل المثالي المجافي للحقيقة أو التصوير المبالغ فيه لذلك العالم وأهله. من الصعب جداً على الكاتب أن يسقط تجاربه الذاتية على عالمهم فهو في الغالب عالم يختلف عن العالم الذي خبره الكاتب،لذلك أظن اختيار رانيا مأمون للموضوع كان اختياراً شجاعاً ينم عن ثقة كبيرة في قدراتها ككاتبة، وينم كذلك عن جهد بذلته بوجه خاص لمحاولة اختراق ذلك العالم وسياجه الحديدي لرؤيته والكتابة عنه من الداخل كما فعلت في تجربتها التي تستحق الوقوف عندها.صحيح أنها ليست التجربة الأولى سودانياً ولا الأولى عربياً لمقاربة الموضوع، فهناك محاولات سابقة في السودان أبرزها محاولة القاص الزبير علي، وتحديداً قصة (البرميل) التي كتبت في الخمسينيات ونشرت بمجلة القصة السودانية عام 1960، ثم أعيد نشرها ضمن مجموعته القصصية(المقاعد الأمامية) في 1969، وهي القصة التي قارب فيها الزبير علي، عالم أبناء الشمس مبكراً جداً، مقاربة رائعة وإن كانت وصفاً خارجياً ومقابلة بين عالمين بعيون القاص أكثر منها بوعي أبناء الشمس أنفسهم، حيث صور مشهداً من حياة ثلاثة من أبناء الشمس في السوق الأفرنجي في الخرطوم وهم يتأملون فترينات المحلات، ثم يصورهم يتصارعون مع مجموعة أخرى من الصبية المتشردين حول محتويات برميل قمامة، ثم يركضون هاربين من مطاردة البوليس لهم متضامنين في وجه الشرطة عدوهم المشترك.وفي السبعينيات كتب محمد المهدي بشرى نصاً مستوحى من قصة حقيقية لقيت فيها مجموعة من الشماسة حتفهم بصورة مأساوية حين دهستهم شاحنة في قلب الخرطوم وهم نائمون، تغطيهم كراتين فارغة. ومن المؤكد أن هناك نصوصاً أخرى عالجت الموضوع وقاربت القضية، ولكن تبقى رواية ابن الشمس تقريباً، العمل الروائي السوداني الأول الذي قارب عالم الشماسة بتوسع تسمح به تقنية كتابة الرواية،أما عربياً فإن الموضوع مطروق كثيراً في تجارب إبداعية مختلفة لعل أبرزها رواية (الخبز الحافي) للمغربي محمد شكري، التي نشرت في 1972 وترجمت إلى 38 لغة و التي لامست عالم التشرد بجرأة جعلتها ممنوعة في بعض البلدان العربية. ويتميز العمل الروائي لرانيا مأمون بأنه تناول لحياة المشردين من الداخل وليس تصويرا لهاً من الخارج. بطل الرواية هو جمال، وهو من أبناء الشوارع، نتابع عبر الرواية مسيرة تشرده بأدق تفاصيلها حتى نهايته الفاجعة والطبيعية لأمثاله، جثة مجهولة في مشرحة تنتظر بلا جدوى من يأتي للتعرف عليها، فكأنما المجتمع الذي لفظه حياً ولم يمنحه حياة إلا على هامش الحياة، وأستكثر عليه أن يحب ويتزوج،عاد بعد موته وأستكثر عليه حقه في أن يدفن، فجعله جثة بلا هوية تقبع في ثلاجة لحفظ الموتى وربما تمسي مادة تعليمية لطلاب الطب. إنها قمة المأساة أن يلفظ الوطن جمالاً حياً وميتاً. أما الشخص الوحيد الذي تعاطف مع جمال فهو كرم، حارس المشرحة الذي يعيش هو الآخر على هامش الحياة، وأكثر قرباً للموتى الذين يحرسهم من قربه للأحياء.والرواية حافلة بشخصيات متعددة غنية ومرسومة بصورة جيدة،إبراهومة صديق جمال ورفيقه في رحلة التشرد، هو ابن شمس آخر يحاول أن يجد لنفسه مكاناً تحت الشمس، ويبتسم له الحظ نوعاً ما، حين يحب فتاة تنتمي إلى طبقة مسحوقة مثله، هي نبقة بنت حواية بائعة الشاي، وتنتهي قصته معها بزواج وإنجاب واندماج في الحياة من جديد بعد تشرد طويل رغم أنه كاد يدفع حياته ثمناً لذلك الحب حين غرر بالفتاة باسم الحب، وحبلت منه دون رباط شرعي. أما جمال فقد أحب ابنة رب العمل الثري، وكان نصيبه الطرد من العمل والعودة لحياة التشرد بعد المرور بالسجن والتعذيب لمجرد تفكيره في الاقتراب من طبقة أعلى، وفي النهاية يموت مقتولاً ولاتعترف السلطة حتى بكونه مات مقتولاً، ولاتشغل بالها بالتحقيق في مقتله فهو خارج حساباتها. هو عند السلطة مجرد متشرد تطاول على ولي نعمته ونظر إلى حيث لاينبغي له أن ينظر.
    اللغة في الرواية لغة جيدة تجمع بين الفصحى المعتمدة كلغة أساسية للنص، وبين العامية، وتحديداً مفردات الأطفال المتشردين ( أبناء الشمس) التي يعج بها قاموسهم الخاص. يتم الانتقال بين العالمين بيسر، فالكاتبة اعتمدت الفصحى في السرد الوصفي والتداعي (الحوارات الداخلية ) لأبطال الرواية ، بينما قصرت مساحة قاموس العامية الخاصة بأبناء الشمس في المقاطع الحوارية فقط، وهي لم تحتل مساحة كبيرة في الرواية.صحيح أن القارئ المتعمق قد يشعر أحياناً بأن لغة التداعي والأفكار المعبر عنها هي لغة وأفكار أعلى من قدرات الشخصية المتداعية، وأقرب إلى أفكار الكاتبة منها إلي الشخصية الروائية،ولكن بشكل عام كان السرد ملتزماً بالموضوعية وعدم تدخل الكاتبة المباشر،وعموماً لاتقاس الأمور هنا بمقياس من الذهب، ففي الحياة الحقيقية نجد كثيراً من الأشخاص العاديين يملكون أفكاراً ولغة تتجاوز حدود الوضع الاجتماعي والثقافي لمثلهم، فلكل قاعدة استثناء، وهناك دوماً أشخاص نادرون ومتميزون، وهولاء في الغالب هم من يلفتون نظر الروائي والكتاب،لذلك أميل إلى القول بأن اللغة جاءت متسقة مع السياق الروائي.
    المكان في الرواية يعتبر من أقوى النقاط التي يتميز بها العمل، المكان واضح ومحسوس بشكل مثالي، نكاد نشم رائحة مدينة ودمدني وشوارعها وأزقتها، ونسمع وضجيج المقاهي الصغيرة والمطاعم التي يتميز بها السوق الجديد أو (السوق الصغير) كما يسميه أهل المدينة لتمييزه عن السوق الكبير.يتميز السوق الجديد في مدني بأنه مستقر لأفراد الطبقات الفقيرة من عمال وحرفيين يعتمدون في رزقهم على ارتياد مقاهي السوق الجديد التي تشكل أماكن لعرض خدماتهم واصطيادهم بواسطة المقاولين والأفراد،وتشكل المقاهي والمطاعم المنتشرة هناك أماكن لتجمع العمال الذين يعملون في التجمعات العمالية الحكومية الكبيرة المنتشرة بالجزء الجنوبي من مدينة مدني، وهي تجمعات عمال المؤسسة الفرعية للحفريات، وعمال الإدارة المركزية للكهرباء والمياه، وعمال البحوث الزراعية، وهناك ورش الحرفيين المختلفة وعمال النقل والمواصلات من سائقين وتذكرجية وقومسنجية وغيرهم. هذه التجمعات لها امتدادات ثقافية ورياضية
    تنعكس علي طبيعة تلك التجمعات، فتمسي المقاهي مكاناً لحوارات رياضية ساخنة، وأمكنة للقفشات والترويح عن النفس.نجحت رانيا مأمون في تصوير هذه البيئة تصويراً دقيقاً، وصورت موقع أبناء الشمس في هذه البئية، يلجونها مشردين ينقبون عن الفضلات ويواجهون بالطرد، ومن ثم يلج بعضهم في تجارب العمل كصبية في المقاهي والمطاعم ليكتسب وجودهم بعض الشرعية التي تعطيهم أفضلية في نيل الفضلات ونيل قليل من النقود، ووضع قدم صغيرة في محاولة الاندماج في المجتمع الذي يلفظهم إلى الرصيف مجدداً.ترصد رانيا مأمون تلك المحاولات اليائسة والمتكررة لهؤلاء الصبية للخروج من جب التشرد واحتلال مكان في المجتمع، وترصد في المقابل تلك الأقدام الغليظة التي تسحقهم كالحشرات، وتدفعهم دفعاً إلى أعماق الجب من جديد.تلتزم رانيا مأمون خلال تسجيل رحلة محاولات الصعود والهبوط التزاماً صارماً بالمكان الذي يتيحه المجتمع لأبناء الشمس، وهو الشارع دوماً، هو الخور الذي تحتله مياه الخريف، وهو مكان العمل الضيق سواء كان مقهى أو مطعماً، وعندما حدث تطور يسير في ظروف ابن الشمس جمال ورفيقه إبراهومة، كانت لهما فرصة السكنى في بيت عزابة في حي فقير، تغير المكان ليصبح فيه سقف يؤوي وجيران لهم سكن مستقل يتم التواصل معهم.المكان كما نرى هو أشبه بسجن واحد له حدود مرسومة سلفاً، سواء كان عنبراً جماعياً كالخور، أو كان بيت عزابة يشبه حبساً انفرادياً. المكان لايزال له قضبان وحدود وحراس فضيلة. المكان الآخر في الرواية هو المشرحة حيث يحفظ الموتى في ثلاجات، هي زنزانة أخرى، كأن الرواية تقول إن أبناء الشمس يظلون في حياتهم أسرى لزنزانة حدد المجتمع طولها وعرضها، وحين يموتون تنتظرهم زنزانة أخرى محددة المواصفات. إن المكان في الرواية يتماهى مع موضوع الرواية، وهو الظلم الذي يتعرض له أبناء الشمس أحياءً وأمواتاً، فحين رفض رب عمل جمال اقتران ابنته به وطرده من العمل، حكم عليه ضمناً بالإعدام،وربما يكون ذلك المخدم وراء مقتل جمال الغامض الذي لم تعترف به السلطات وأسدلت عليه ستاراً من الصمت، فجمال ينتمي إلى أبناء الشمس وليست له أسرة أو قبيلة أو حزب أو جماعة تقف خلفه وتثير ضجة بشأن موته،لذلك يبقى ذلك الجمال الجميل حبيساً في ثلاجة موتى دون أن يكترث أحد به أو بمصيره.إن المجتمع لم يكتف بنفي جمال خارجه ورفض عودته داخل أسواره فحسب، بل أنكر عليه حقه في العمل وحقه في الحياة وحقه في الموت ورعاية حرمة جسده بعد الموت.إن ضيق الأمكنة وقلتها وبؤسها في الرواية هي تعبير مكثف عن ضيق المصائر وفرص الحياة الكريمة المتاحة أمام ابناء الشمس، وهم ضحايا أوضاع ليسوا مسؤولين عنها.
    الجرأة في التناول وطرح بعض القضايا سمة أخرى بارزة في هذه الرواية، ابتداءً من اختيار الموضوع والبيئة الخاصة به، حيث اختارت الكاتبة السباحة عكس التيار، واختارت أن تطرق دروباً موحشة، وأن ترتاد أمكنة تتقاطع بشكل حاد مع أنوثتها وما هو مطلوب منها، فالجرأة في طرح بعض القضايا المحروسة بالأشواك محظورة على الرجال في مجتمعاتنا، فكيف بها إذا جاءت من أنثى؟ إن كتابة رواية عن أطفال الشوارع تقود بالضرورة إلى الحديث عن المحيط الاجتماعي الفاسد الذي يجبر هؤلاء المتشردين على العيش فيه، وعن الأهوال التي تجابههم وصنوف الاستغلال الجنسي وغيره، وقد كانت الكاتبة جريئة في تصويرها لشخصية المعلم سالم الشاذ جنسياً واستغلاله لأحد أبناء الشمس لإرضاء شهوته المريضة، ومن ثم تخليه عنه بعد أن ألحق به عاهة مستديمة في حادث، وتكون نهاية ذلك المعلم صاحب القهوة، نهاية قاسية حيث يقتل بطريقة بشعة تشير إلى أنها عملية انتقامية نفذها أحد ضحاياه السابقين، وربما يكون ذلك الضحية هو أبوزيد الذي استغله بصورة بشعة ورماه عظماً. وفي هذه النهاية إشارة إلى أن العنف والاستغلال يولدان عنفاً مضاداً. وتصور الرواية بشكل بديع روح التضامن بين المسحوقين التي تتجلى في موقفهم من صديقهم إبراهومة، وكيف أنهم أنقذوه من ورطته بإكمال مراسم زواجه من البنت التي أغواها وكاد يقتل بسبب ذلك، وتصور الرواية كيف انتقلت الأم الشرسة في دفاعها عن شرف بنتها حد التهديد بالقتل إلى أم رحيمة وكريمة بعد تصحيح إبراهومة لغلطته وتزوجه بالفتاة.إن هذه المرأة المسحوقة لم تر في كون إبراهومة ابن شمس لا أصل معروفاً له ما يعيبه، بل كان ما يعيبه عندها هو الأخلاق؛لأنه طعنها في ظهرها واعتدى علي شرفها، ولكنه حين صحح خطأه قبلت به زوجاً لبنتها وصفحت عنه، خلافاً لموقف رب العمل المتغطرس الذي رأى في طلب جمال ابن الشمس الذي يعمل عنده ليد ابنته جريمة لاتغتفر، بل توجب منعه من العمل وسجنه وتعذيبه بواسطة شرطي فاسد، وربما قتله لاحقاً. إن الاختلاف في الموقفين يفضح كون الصراع صراعاً اجتماعياً وطبقياً. فحب جمال لناهد ابنة صاحب المطعم الثري الذي يعمل عنده تجسد
    علاقة الحب المرفوضة طبقياً، والمحكوم عليها بالإعدام بلا حيثيات ولافرصة للطعن في القرار بأي طريق من طرق الطعن التي تعرفها العدالة الطبيعية. أما علاقة إبراهومة ابن الشمس بنبقة بنت حواية بائعة الشاي الفقيرة، فهي تجسيد لعلاقة الحب المرفوضة أخلاقياً والمقبولة طبقياً، فحين ثارت حواية وأرادت قتل إبراهومة بسبب اعتدائه على شرف بنتها ، كان منطلقها منطلقاً أخلاقياً بحتاً؛ فهي لم ترفض العلاقة وتحكم عليها بالموت من حيث المبدأ،بل رفضت الخيانة وعدم ممارسة الجنس تحت مظلة المشروعية، وحين تحققت المشروعية وبات إبراهومة زوجاً للبنت، قبلت الأم بذلك وصفحت عن الخطأ، فإذا قسنا القيم الأخلاقية الكامنة في الموقفين، نجد أن حواية أقرب إلى مكارم الأخلاق من صاحب المطعم الذي كان فاقداً لمكارم الأخلاق على طول الخط، فهو لايستنكف عن محاربة جمال في لقمة عيشه، ولايستنكف من طرده هو وصديقه من السكن رغم أن الأخير لم يرتكب جرماً إذا اعتبرنا طلب يد ابنته جريمة، ولم يستنكف الرجل أن يرشو الشرطي الفاسد ليعذب جمالاً ويعتقله. إنها مقارنات قاسية لاتنتهي بين عالمين وممثلي كل منهما.هذه المقارنة الفادحة الصامتة هي مايميز هذا العمل ويعطيه حيوية وألقاً. إنها رواية المصائر المظلمة والضمائر الخربة، ولكنها لاتخلو من بصيص أمل نابت في الصخر، فنجاح إبراهومة في الخروج من الجب وصيرورته رب أسرة وإنجابه طفلاً هو في الحقيقة أمل وأفق تمنحه الرواية للمسحوقين أمثاله بأن من حقهم أن يحلموا بعالم سعيد، فليس بالضرورة خلف كل قيصر يموت قيصر جديد. كما أن النهاية القاسية للمعلم سالم هي كوة أمل أخرى تقول إن ثمة أمل دائماً في عدالة السماء التي لاتغيب أبداً ،أما موت جمال فلعله مهر غال تدفعه الشعوب ثمناً للحرية. عوداً علي بدء، تعتبر الرواية التي تقع في مئتين وواحد وسبعين صفحة من القطع المتوسط، عملاً فنياً متميزاً وجديراً بالقراءة .
    المراجع:
    1/ابن الشمس / رواية/ رانيا مأمون/ دار العين للنشر الطبعة الأولى 2013
    2/المقاعد الأمامية/ مجموعة قصصية/ الزبير علي
    الطابع / دار البلد / 1999 الطبعة الثانية
    3/ الخبز الحافي / محمد شكري/ رواية

    صلاح الدين سر الختم
    صحيفة الصحافة


    http://www.sudaneseonline.com/news-action-show-id-59977.htm
                  

05-04-2014, 02:48 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

    شكرا برنس على جلب المقاربة.

    النقد الذي يكتبه كتّاب عن كتّاب رغم خلوه في كثير من الأحيان من المصطلحات التي تميَّز النقد الأكاديمي،إلا انه يضع الكاتب الناقد في موقع الكاتب المنقود،و من خلال الاستفادة من تجربة الكتابة يكشف الكاتب الناقد عن جوانب قد لا ينتبه إليها النقد الأكاديمي.

    لكن من مزالقه أن الكاتب الناقد قد يجعل "لا شعوريا" كتابته نموذجاً مطلقاً "للكتابة".

    الحيادية المطلقة في النقد،و من ضمنه الأكاديمي،تبدو بعيدة المنال.فحتى الناقد الأكاديمي له انحيازاته،غير الواضحة لديه في أحايين كثيرة.

    كن بخير.
                  

05-04-2014, 09:23 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: osama elkhawad)

    عزيزي المشاء:

    أردت بهذا البوست أن أبعث بتحية مزدوجة لمحسن خالد المستغرق هذه الأيام في تساؤلات "عالم الغيب والشهادة" ولرانيا مامون الكاتبة من أتون القمع, وهذا وذاك أمران باعثان للأسى, وأما ما أثرته أنت من شجون متعلقة بمشهد النقد فجملة أمور مهمة أحاول مناقشتها تاليا.
                  

05-04-2014, 10:25 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

    عزيزي المشاء:

    دعني أذكرك في البدء, عائدا بك إلى كتاب رينيه وليك "مفاهيم نقدية", حيث خلص في أحد فصوله, لو تتذكر الآن, أن رؤى إليوت النقدية ليس في نهاية المطاف سوى امتداد لرؤيته الجمالية هو نفسه للعالم. وكما تفضلتم هنا, عزيزي المشاء, قد تجانب الدقة الأكاديمية عمل الكاتب الناقد, وهو ما نلحظه هنا وبوضوح في رؤية رانيا لرواية محسن خالد, وهي أقرب إلى مداخلة في ندوة تناقش الرواية محل الاهتمام منها إلى دراسة موضوعية, لكنها رؤية تتميز بحساسية الكاتب تجاه اللغة والنوع/ السرد. وأتفق معك بشأن ما أشرتم إليه بالمزالق, قائلا:

    Quote:
    لكن من مزالقه أن الكاتب الناقد قد يجعل "لا شعوريا" كتابته نموذجاً مطلقاً "للكتابة".


    وهو ما فطن إليه حلمي سالم أثناء مناقشة أحد دواوينه عند بداية هذه الألفية وصاغه وقتها عبد الحميد البرنس كخبر لصحيفة الحياة اللندنية:

    Quote: في ختام الأمسية، أبدى حلمي سالم تراجعاً عن بعض آرائه القديمة، مشيراً الى التحولات "التي حدثت لي خلال السنوات الماضية". وقال: "تغيرت مواقفي من بعض الكتابات الشعرية الموجودة، واكتسبت موهبة أو نعمة ادراك الجمال المختلف عند الآخرين، فالجمال متعدد الوجوه، ولا يمكن تقييمه على مثال واحد، ومن العدل أن "تستطعم" الجمال الذي قد لا يتوافق مع صدورك، او نظريتك انت للجمال".


    http://daharchives.alhayat.com/issue_archive/Hayat%20INT/200...%84%D9%8A%D8%A9.html


    عموما, لا أوصي مبدعا ما ببمارسة النقد (احترافيا) إن جاز التعبير, لأن في ذلك هدر لطاقة الموهبة لديه, وهو للأسف ما وقعت في فخه جماعة إضاءة 77 في مصر, لقد صرفوا الكثير من الجهود في نقد الشعر والتنظير للشعر, مما انعكس سلبا على كتابة الشعر, ومن ذلك ما قمت به من تنبيه صديقي حلمي سالم نفسه في سياق آخر:


    Quote: هكذا، يؤسس حلمي سالم رؤيته للعالم، عازفاً على وتري الحسية، وانتهاك السلطة، وإذ يفعل ذلك على خلفية من سخرية تستهدف تفكيك جهامة التابو الثقافي والمعرفي في آن، يسقط كما أشرنا في فخ "التنظير جمالياً"، ما يدفعنا، إلى طرح السؤال: هل يكفي امتلاك تصورات معينة حول الشعر مهما تكن فرادتها لكتابة شعر متفرد.


    http://daharchives.alhayat.com/issue_archive/Hayat%20INT/200...%B1%D8%A7%D9%8B.html
                  

05-06-2014, 02:26 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

    ومع هذا, كان حلمي سالم رحمه الله مثالا يحتذى في تقبل النقد والتفاعل معه. تماما, كالعظام من أصحاب الأفق النقدي الواسع. ولكم يزيد كل يوم ويتسع: مكانه الشاغر في نفسي. يا إلهي, لم يموت الإنسان?.
                  

05-07-2014, 05:21 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: عبد الحميد البرنس)

    ادونيس ايضا يا برنس تمثل اطروحاته النقدية دفاعا عن "خطابه الشعري"،لكنه في المقابل كان يحذر دوما من نمذجة الحداثة،فالحداثة اصلا بلا نموذج.

    و في هذا السياق تحدث شوقي بزيع مرة عن "الاصوليين الجدد" و هم من يدعون ان قصيدة النثر فقط هي نموذج الحداثة الوحيد الأوحد.
                  

05-07-2014, 11:33 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فكر وبناء الشخصية الروائية .. رواية إحداثيات الإنسان لمحسن خالد/ رانيا مأمون (Re: osama elkhawad)

    عزيزي المشاء:

    أتفق معك, فثمة نماذج مثل نموذج الشاعر الكبير أدونيس, نجحت في تقديم أمثلة باهرة عبر الجمع ما بين المشروعين الجمالي والنقدي, وكما تعلم أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا السياق اسم إليوت, ومع ذلك حين أعود على المستوى الشخصي إلى المسارات القديمة في الذاكرة, أجد أنني توقفت منذ منتصف التسعينيات تقريبا عن القراءة المنتظمة الدقيقة للنقد في تجلياته النظرية والتطبيقية, ناهيك عن ممارسته على نحو ما فعلت مثلا مع قصيدة صلاح عبدالصبور (في ذلك المساء), إذ وجدتني متورطا في مستنقع النقد الشكلاني السائد في مصر آنذاك, مما أثر كثيرا على مستوى الحيوية السردية لدي إن جاز هذا التعبير, ودونك عمل لتلك المآلات السردية على مستوى النصوص الإبداعية كرواية (راما والتنين) لإدورد الخراط. وعلى ذكر سيرة صلاح عبدالصبور, أجد أنه نبه منذ وقت مبكر أن طابع هذا العصر "التخصص", وأهمية حديث صلاح تزداد, في تصوري, حين ندرك أنك كقاص أوشاعر ونحوه من ضروب المبدعين عليك أن تتجاوز إبداعيا الكم والكيف المهول لتراكم النوع الذي تكتب من داخله محققا بصمتك الخاصة وقاطفا جواز مرورك إلى التراث وأذكر ماركيز مثلا دالا هنا. ناهيك أنك غالبا ما تجد نفسك مباصرا لجهودك وضغط المعيش, فضلا عما يمكنك تسميته موقع الكتابة من داخل بنية التخلف. وهذا ما أدركه بذكاء أمل دنقل. مثل رأيي هذا, سبق وأن طرحته عام 1999, متخذا حلمي سالم نفسه كنموذج بارز من جماعة إضاءة 77, وهذا ما أخذ يحسه وقتها أحد أقطاب تلك الجماعة في مكتب جريدة الشرق الأوسط أثناء حوار لي معه, وأعني جمال القصاص:

    Quote:
    حلمي سالم في كتابه "هيا الى الأب" . تفاعل جدلي بين جيلين أم أن الأبناء ينكرون آباءهم ؟



    تفاصيل النشر:
    المصدر:
    الكاتب: عبدالحميد البرنس
    تاريخ النشر(م): 30/4/1999
    تاريخ النشر (هـ): 14/1/1420
    منشأ:
    رقم العدد: 13201
    الباب/ الصفحة: 22
    يضمّ كتاب الشاعر حُلمي سالم "هيّا الى الأب: مقالات حول القطيعة والاتصال في الشعر" * وبحسب المقدمة مجموعة من المقالات المتفرقة، التي كُتبت في أوقات متفرقة طوال أكثر من عقدين كاملين الثمانينات والتسعينات، يجمعها خيط رئيسي واحد: هو تقديم نموذج صحي للعلاقة مع "الأب" أو الأجيال الشعرية والنقدية السابقة. وهو نموذج ينطوي على التفاعل الجدلي "السليم" بين "الأبناء والآباء" في حقل الإبداع والفن والأدب.
    فالكتاب يحاول، من جهة، توثيق عرى الجدل والتفاعل بين مختلف التجارب الفنية والادبية، كما يحاول، من جهة أخرى، دحض مفهوم "قتل الأب" بالمعنى الإجرامي "الغشيم"، ليصل من وراء كل ذلك الى اقرار مبدأ: "الوصل والتواصل، لا القطع والانقطاع".
    فالكتاب، بهذا المعنى، يمكن اعتباره حلقة تُضاف، في التحليل العام، الى سلسلة مساجلات ومناظرات حول مفهوم العمل الشعري، جرت، في مصر، منذ أواخر العقد السابع تقريباً، ما بين شعراء السبعينات ورواد الشعر الحديث، حيث تراوحت المواقف، خلال تلك المساجلات، ومن قبل كلا الطرفين والمناصرين لهما، ما بين النظرة العدمية النافية والرؤية الموضوعية الناقدة؟!
    وآية الاختلاف، في ذلك، تتمثل، عبر خلفية تاريخية مقتضبة، في إحساس شعراء السبعينات، أو "الابناء" لا سيما بعد نكسة 67، بكون القطيعة مع السابق في المعالجة وفي طرائق الاداء ومناهج النظر أضحت ضرورة موضوعية وجمالية، أو تجسيداً "لعالم يولد من أحشاء عالم يموت"، وفي رد فعل الرواد الذين وصفوا هؤلاء بالغموض والتبعية لأدونيس في رؤاهم وكتاباتهم مثال أمل دنقل، وبأن شعرهم، كما يقول أحمد عبدالمعطي حجازي، "مقطوع الصلة بالشعر العربي كله" أو بأنهم "جيل بلا آباء".
    يقول أمل دنقل: "إنني على سبيل المثال أحب أدونيس، لكنني لا احترم الأدونيسيين، فهؤلاء الذين يحاولون تقليد أدونيس يحكمون على أنفسهم بالموت مقدماً، ليس فقط لأن أدونيس أكثر ثقافة منهم أو لأنه صاحب قضية اعتنقها في مساره الاجتماعي المتغير وظل مخلصاً لها، ولكن أيضاً لأن أدونيس استطاع أن يكوّن شخصية فنية في خلال رحلته الشعرية وأن يكون متميزاً عمن عاصروه أو سبقوه. لكن هؤلاء الذين ارتدوا عباءته لن يكونوا مثله، فليس هناك غير أدونيس واحد، والباقي سوف تكنسه الأيام".
    وعلى عكس ذلك، يعمل حلمي سالم، أثناء مناقشة الشاعر "المصادم"، على تأكيد أصالة "جهود شباب الشعراء والأدباء" وبيان أن هذه الجهود، على نحو ما جاء في كتابه "الوتر والعازفون" ما هي إلا "القطيعة الجدلية الصحية التي تسم كل علاقة صحية بين كل لاحق وكل سابق"، حيث يرى، في الرد على أمل، أن هذا التأثر أمر وارد وطبيعي في بدايات التكوين الشعري. ويرى في موقع آخر من المناقشة 1980، ما نصّه:
    "إننا لا نرى غضاضة كبيرة في أن نكون أدونيسيين إذا كان المقصود هو المعنى الاصطلاحي، على أننا نفرق - في هذه المسألة الأدونيسية - بين المنهج وبين المذهب: المنهج في هذا الصدد الشعري هو التجريب المتواصل والشجاعة الشعرية الدائمة والجرأة على النبش والاقتحام الجمالي لكل مجهول ومحرم ومغلق. ونحن باعتمادنا هذا المنهج إنما نعتمد - في الحق - جوهر الفن باعتباره ظاهرة اقتحام مفتوحة. أما المذهب في هذا الصدد الشعري فهو ما ينتج عن ذلك "المنهج" المقتحم من نتائج، أي من اعمال شعرية وقصائد وطرائق فنية خاصة".
    نحن إذن، يواصل المؤلف، قد نتفق مع أدونيس في "المنهج الجمالي"، ولكننا نختلف عنه في "المنتوج الشعري"، بمعنى "أننا نصطنع أداة واحدة، لكننا نصل - أو نحاول أن نصل - الى إجابات مختلفة في بناء العمل الشعري، إدراكاً منا بأن قيمة الشاعر هي في تفرده وتميز صوته الفني".
    ويرى حلمي سالم، على صعيد العلامة الفارقة لشعراء السبعينات، أن مربط الفرس، في العمل الفني، وبحسب الدراسات والفلسفات الجدلية الجديدة، هو رقي التشكيل الجمالي لموقف معين من العالم، لا في هذا الموقف بذاته منفرداً، فليس بالمضمون وحده، كما تذهب الدراسات والفلسفات السابقة، يكون العمل الفني ويكون النظر النقدي الجمالي، ويتضح ذلك، وبجلاء شديد، من خلال نقد المؤلف، وتطويره، لمفهوم التشكيل عند صلاح عبدالصبور، الذي يعطي لهذا المفهوم الأهمية الحاســـمة في العملية الشعرية. يقول: "إن المقدرة على التشــكيل، مع المقدرة على الموســــيقى، هما بداية الطريق لجواز مرور الشاعر الى عالم الفن العظيم".
    إن هذا التقرير الحاسم - والحديث لحلمي - يجعل التشكيل والموسيقى شيئين مختلفين، فكأن الموسيقى ليست أحد عناصر هذا التشكيل، فالحديث عن التشكيل كعنصر، ثم الحديث عن الموسيقى أو الصورة أو غيرهما كعناصر أخرى في العمل الشعري "يجعلنا نعتقد أن عبدالصبور يستخدم مفهوم التشكيل استخداماً يقترب به من مغزاه المصطلحي في الرسم والفنون التشكيلية لا بمعناه الأدبي الرحب. على أن عبدالصبور إنما يقصد "الوزن" وحده، حينما يتحدث عن "الشرط الموسيقي" بحيث لم يشتمل تصوره عن "الموسيقى" ألوان الايقاع المختلفة، التي يمكن أن تزخر بها القصيدة، حتى وإن خلت من "الوزن" التقليدي، على الرغم من "تراوح" هذا الوزن في تجربة الشعر "الحر" وعدم انصبابه في اطار حديدي من الوحدات المتناظرة المعلومة. والسؤال، الذي يمكن للمرء أن يطرحه هنا، هو: الى أي مدى، في ظل "تكاسل" وعزوف الكثيرين من النقاد، في مصر وبقية العالم العربي، "أثقلت" مثل هذه المساجلات على التجربة الجمالية لشعراء السبعينات حلمي سالم، حسن طلب، محمود نسيم، عبدالمنعم رمضان، وغيرهم؟!.
    * صدر عن المجلس الأعلى للثقافة - القاهرة 998

    http://daharchives.alhayat.com/issue_archive/Hayat%20INT/199...A1%D9%87%D9%85-.html

    عزيزي المشاء:

    أشارتك إلى النمذجة مهمة, بل على درجة عالية من الأهمية, إذ أن الإبداع بدءا كما تعلم بصمة خاصة, بل شديدة الخصوصية, فحين تعتبر الإبداع إنشاء على غير مثال, فأنت لا تقيم مثالك من فراغ أوعدم, بل بحوار نقدي خلاق مع ما هو معطى وقائم. وقد تكون مساهمتك كمبدع مساهمة جزئية كإضافة لبنة إلى بناء, وقد تكون مساهمتك مساهمة جذرية كأن تنقض البناء القائم برمته شاقا دروبا جديدة للتفكير ومجترحا طرقا غير مكتشفة لإدراك الناس والعالم.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de