رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 00:16 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-23-2014, 07:18 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه


    بسـم الله الرحمن الرحيـم
    ((قل إنني هداني ربى الى سراط مستقيم، ديناً قيماً، ملة ابراهيم، حنيفاً وما كان من المشركين * قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين * لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين.))
    صدق الله العظيم


    مقدمة الطبعة الرابعـة


    هذه هي مقدمة الطبعة الرابعة من كتاب ((رسالة الصلاة)).. نصدرها في هذا الشهر المبارك، وكانت الطبعة الأولى منه قد صدرت للناس في مثل هذا الشهر المبارك من عام 1385، وكان يوافق شهر يناير عام 1966، ثم إن طبعته الثانية ظهرت بعد مرور عام على طبعته الأولى، وذلك قد كان في شهر الله المبارك رمضان من عام 1386 وكان يوافق يناير 1967.. ثم ظهرت الحاجة إلى طبعته الثالثة فصدرت في شهر محرم من عام 1388، وكان هذا يوافق شهر ابريل من عام 1968..
    ولم تظفر أي من هذه الطبعات بمقدمة خاصة بها، وإنما كان ذلك بسبب إلحاح الأعمال الأخرى علينا.. والآن، ونحن نعد العدة لإخراج الطبعة الرابعة، فإنا بفضل الله، وبتوفيقه، نجد الوقت، ونجد العافية، لتصديره بمقدمة طويلة تتناول بعض قضاياه باستقراء جديد..
    وليس في عمل الانسان ما هو أهم، ولا أكمل، ولا ما هو أعود بالخير، والنفع، عليه، ولا على الانسانية، من الصلاة..
    والله تبارك وتعالى يقول: ((من كان يريد العزة فلله العزة جميعا، إليه يصعد الكلم الطيب ، والعمل الصالح يرفعه..)) فالكلم الطيب هو التوحيد.. هو ((لا إله إلا الله)).. والعمل الصالح، على رأسه الصلاة، والأعمال الصالحة الأخرى تتبع.. وهي إنما يكون صلاحها بصلاح الصلاة ..

    والصلاة فريضة ليس في الدين ما هو أوكد منها.. فإذا كانت الشهادتان في الدين أول الكلام، فان الصلاة فيه أول العمل .. وهي علم، وعمل بمقتضى العلم، وهذا في حد ذاته، يجعلها شديدة الأثر في توحيد البنية البشرية.. وحكمة مشروعيتها ترجع إلى هذا النفع الجليل.. والصلاة، من ثم، ليست عمل الشيوخ، أو عمل السذج، والبسطاء، غير المثقفين، كما يخيل للشباب، في وقتنا الحاضر، وإنما هي عمل الأذكياء، والمثقفين، في المكان الأول.. وسنبذل محاولة هنا، في هذه المقدمة، للتعريف بهذا الأمر.. وسيتجه الحديث إلى الدين، وإلى الانسان، وإلى العقل، وإلى وحدة البنية البشرية، التي بها يكون الكمال الذي ننشده جميعا، ونخطئ الطريق إليه.. وبالله التوفيق..

    (عدل بواسطة جمال المنصوري on 01-23-2014, 07:19 AM)

                  

01-23-2014, 07:20 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)

    الـدين..

    الدين ما هو؟
    للدين معان كثيرة.. فهو يعني الإكراه، ويعني الطاعة، ويعني القهر والغلبة..هذا في مستوى.. وفي مستوى آخر هو يعني السيرة، والنهج والمعاملة..
    ففي المعنى الأول، ورد قوله تعالى: ((أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات والأرض طوعا، وكرها، وإليه يرجعون؟))..
    وفي المعنى الثاني ورد قوله تعالى: ((ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن، واتبع ملة إبراهيم حنيفا؟ واتخذ الله إبراهيم خليلا!)) والدين في هذين المستويين دينان، بينهما اختلاف مقدار.. ويمكن تسميتهما بالدين العام، والدين الخاص.. ويمثل الدين العام حلقة، خارجية، محيطة، ويمثل الدين الخاص حلقة، داخلية، محاطا بها..
    فأما الدين العام فهو شأن الخلائق جميعها، وإليه الإشارة بقول الله تعالى: ((تسبح له السموات السبع، والأرض، ومن فيهن، وإن من شئ إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم.. إنه كان حليما غفورا.)) وهو بذلك يعني الإرادة الإلهية التي قهرت العناصر، وسيرت الخلائق إلى مصيرها المقدور.. وعن هذا الدين لا يشذ شاذ، ولا يخرج عليه خارج.. ولا تقع فيه معصية من عاص.. فليس في حقه إلا الطاعة.. وفي شرعه، من عصى فقد أطاع، في عين ما قد عصى.. وليس بطاعة الطائع فيه عند الله عبرة..
    وأما الدين الخاص فهو دين الجن والانس ـ وهو بذلك دين العقول المكلفة بترويض الشهوة.. وهو إنما سمي دين العقول لأن في شرعه تقع المعصية.. والمعصية هي مخالفة الحكم الشرعي في العمل، أو القول، أو كليهما.. وحكمة الحكم الشرعي قائمة في العقل الكلى القديم، ومراد هذا الدين تسيير العقل المحدث في طريق مرضاة العقل القديم، ولذلك فان العبرة في العمل فيه بالنية.. والنية هي استحضار القصد من وراء العمل في العقل، قبيل الشروع في العمل..
    وحين يمثل الدين العام إرادة الله يمثل الدين الخاص رضوانه.. وإنما يستصفى الدين الخاص، من الدين العام، كما يستصفى ماء الأنهار، من ماء البحار، بفضل الله، ثم بفضل حرارة الشمس التي بها تبخير الماء، وتصريف الرياح، وتسخير السحاب بين السماء والأرض.. فالله، تبارك وتعالى، قد أرسل رسله لاستصفاء رضوانه من إرادته، كما سخر شمسه لاستصفاء مائه العذب، من مائه الملح.. ومصافي الرضوان من الإرادة هي العقول البشرية.. ومن أجل أن تقوى هذه العقول على الاضطلاع بهذه المهمة أمدها الله بالعقول الملائكية ـ بالوحي ـ بجبريل ـ وإنما الوحي مرحلة، ريثما تستغني العقول عنه، بفضل الله، ثم بفضل تفجير الطاقة التي أودعها الله في البنية البشرية..
    وهذا أيضا ما من أجله قلنا أن الدين الخاص هو دين العقول.. وليست هناك كرامة ترجى، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، إلا والعقول طريقها..
                  

01-23-2014, 07:24 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)


    الإنسـان..

    الانسان ما هو؟ ومن هو؟
    الانسان حيوان نزل منزلة الكرامة بالعقل.. والإنسان لا يزال في طور التكوين، ولن يكون لاستمرار تكوينه نهاية، فهو يتنقل في منازل الكمال تنقلا سرمدياً.. والحيوان يتنقل أيضا، وقصاراه في ذلك أن ينزل أدنى منازل الانسان.. فكأن الاختلاف بين الحيوان والإنسان اختلاف مقدار، وليس اختلاف نوع.. والتوحيد يطلب إلينا أن ننظر الى جميع المخلوقات، بله الأحياء، كسلسلة واحدة متصلة الحلقات، وإن كان حجم الحلقات يختلف أثناء السلسلة.. ولدى هذه النظرة، فليس في الوجود الحادث غير الانسان، وجميع ما نراه، ومالا نراه، من هذا الوجود، إنما هو الانسان في أطوار مختلفة ومتتالية.. وإلى هذا المعنى المتكامل الإشارة بقوله تعالى: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟)) ومعنى ((هل)) هنا ((قد)) وهذا الحين من الدهر هو أمد ممدود، ودهر دهير..
    وللإنسان في هذه النشأة الطويلة أربع مراحل متصلة الحلقات، ولا يفصل بينها إلا حلقات من السلسلة، أكبر من سابقاتها، تمثل قفزة في سير التطور.. وتمثل هذه القفزة بدورها حصيلة الفضائل العضوية التي استجمعت من خلال المرحلة السابقة.. وهذا التقسيم إلى أربع مراحل إنما هو لتبسيط البحث فقط: وإلا فإن في داخل كل مرحلة، مراحل يخطئها العد.. وسنجمل الحديث عن هذه المراحل فيما يلي: ـ
    المرحلة الأولى من نشأة الإنسان ..

    هذه تعني تطوره في المادة غير العضوية منذ بروزه في الجسد.. وهو بروز في الأزل - في بدء الزمن.. وإلى هذه البداية السحيقة أشار تعالى بقوله: ((أولم ير الذين كفروا أن السموات، والأرض، كانتا رتقاً، ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون؟)).. الرتق ضد الفتق، وهو يعني الالتئام.. وعن هذا الأمر المرتوق، قال تعالى، في موضع آخر: ((ثم استوى إلى السماء، وهي دخان، فقال لها، وللأرض، ائتيا طوعاً، أو كرها. قالتا أتينا طائعين)) والدخان هنا يعني الماء، في حالة بخار.. فقد كانت السموات والأرض سحابة من بخار الماء، مرتتقة، ففتقت، وبرز التعدد من هذه الوحدة.. ولم تكن جرثومة الانسان يومئذ غائبة.. وإنما كانت هي ذرات بخار الماء.. ومن يومئذ بدأ تطور الانسان العضوي يطرد، تحفزه، وتوجهه، وتسيره، وتقهره، وتصهره، الإرادة الإلهية المتفردة بالحكمة .. وقد أنفق في هذه المرحلة من مراحل النشأة أمداً يعجز الخيال تصوره.. ثم انتهت هذه المرحلة ببروز المادة العضوية..
    المرحلة الثانية من نشأة الانسان ..

    وببروز المادة العضوية من المادة غير العضوية ظهرت الحياة، كما نعرفها نحن.. وإلا، فإن جميع المادة، عضوية، أو غير عضوية، حية.. وكل ما هناك، أن الحياة بدأت تبرز في المادة العضوية، بعد أن كانت كامنة في المادة غير العضوية.. فهي لم تجئ من خارج المادة..
    وأدنى درجات الحياة، التي نسميها اصطلاحاً حياة أن يكون الحي شاعرا بحياته، وآية ذلك أن يتحرك الحي، حركة تلقائية، وأن يتغذى، وأن يتناسل.. وقد بدأت هذه الحياة بحيوان الخلية الواحدة.. وبهذه الخطوة الجليلة، والخطيرة، افتتح عهد جديد.. عهد عظيم.. عهد الحياة والموت.. ومن يومئذ بدأ رأس سهم الحياة، وطليعتها في السير.. يالها من بداية!! وفي ذلك قال تعالى: ((ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون)) .. الحمأ الطين الأسود.. والحمأ المسنون الطين المتغير، المنتن.. والصلصال الطين اليابس، الذي يصل أي يصوت إذا لمسته.. وإنما احمومى الحمأ لأنه قد طبخ بحمو الشمس.. وذلك لأن الأرض كانت قطعة من الشمس انفصلت عنها، وأخذت تبرد، وتجمد، وتتهيأ لظهور الحياة عليها.. ثم ظهرت الحياة بين الماء والطين.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ((هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا.؟ * إنا خلقنا الانسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا)).. فإن النطفة، في هذه المرحلة من مراحل النشأة البشرية تعني الماء الصافي.. وأمشاج ، جمع مشيج.. من مشج، يمشج، مشجاً، إذا خلط بين شيئين.. وهما هنا الماء والطين.. فالنطفة الأمشاج، هي الماء المخلوط بالطين ..
    وهذه المرحلة الثانية، من مراحل النشأة البشرية، التي بدأت بحيوان الخلية الواحدة في القاعدة، تنتهي عند أعلى الحيوانات الثديية، في القمة.. وحين تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل النشأة، إنما تبدأ بقفزة جديدة، مذهلة، بها يدخل الانسان، كما نعرفه اليوم، في مسرح الحياة .
    المرحلة الثالثة من نشأة الانسان ..

    هذه هي المرحلة التي نحن نعيش الآن في أخريات أيامها، وهي قد بدأت يوم ظهر آدم النبي - الانسان المكلف - في الأرض.. وآدم هذا، ليس هو آدم الخليفة، الذي خلقه الله كاملا، أو يكاد، في الجنة، وأسجد له الملائكة.. وإنما هو طور من أطوار ترقى الخلقة التي انحطت عن آدم الخليفة، نحو مرتبة آدم الخليفة.. ذلك بأن آدم الخليفة - آدم الكامل - قد خلق في الجنة - في الملكوت - ثم لما أدركته الخطيئة طرد من الجنة، وأهبط الى الأرض.. وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ((فتعالى الله الملك الحق، ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه، وقل رب زدني علماً * ولقد عهدنا إلى آدم، من قبل، فنسي، ولم نجد له عزماً * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا، إلا إبليس، أبى * فقلنا: يا آدم، إن هذا عدو لك، ولزوجك، فلا يخرجنكما من الجنة، فتشقى * إن لك ألا تجوع فيها، ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها، ولا تضحى * فوسوس إليه الشيطان، قال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ، وملك لا يبلى؟ * فأكلا منها، فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه، فغوى * ثم اجتباه ربه، فتاب عليه، وهدى * قال: اهبطا منها، جميعاً، بعضكم لبعض عدو، فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل، ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً، ونحشره، يوم القيامة، أعمى)) . وعن طرد آدم من الجنة، وإهباطه إلى الأرض، بعد خلقه في أقرب صورة إلى الكمال. ورد القول الكريم: ((لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون)) وكان آدم، وزوجه، من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فإنهما تابا، وندما، بعد الزلة، وقالا: ((ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكون من الخاسرين)) هذا في حين أن إبليس الذي تولى إغواءهما، لم يتب، ولم يندم، ولم يطلب المغفرة، ولا الرحمة، وإنما طلب الإمهال، والإنظار: ((أنظرني الى يوم يبعثون)) فلما أجيب الى طلبه: ((إنك من المنظرين)) أظهر إصراراً على الاستمرار في الإغواء: ((فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم، ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين)) ولذلك لما ردوا جميعا إلى أسفل سافلين ترك هو هناك، واستنقذ الله آدم وزوجه، وهداهما بإيمانهما سبيل الرجعى.. فهذا معنى قوله تعالى: ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون)) وعندما رد آدم إلى أسفل سافلين كان في نقطة بدء الخليقة - في مرتبة بخار الماء - ثم بدأ سيره، بتوفيق الله، في مراقي القرب، حتى إذا بلغ مبلغ النبوة على الأرض، فكان الإنسان المكلف الأول، كان قد بدأ ينزل بصورة، محسوسة، أول منازل القرب من مقام الخلافة العظيمة التي فقدها بالمعصية، ولكنه كان لا يزال عن كمالها بعيدا . وبنزوله هذه المنزلة الشريفة أصبح له ذكر في الملكوت، بعد أن سقط ذكره زمنا طويلا.. وفي ذلك يقول تعالى: ((هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟))
                  

01-23-2014, 08:39 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)

    لنبوة الأولى ـ خلافة الأرض:

    وهذه المنزلة التي نزلها آدم في طريق العودة من التيه، والتي كان له بنزولها ذكر في ملكوت الله، هي منزلة أول نبوة على هذه الأرض، وبذلك فإن نازلها أول خليفة في هذه الأرض.. وقد حاول نزولها قبل آدم أبو البشر أوادم كثيرون، فلم يفلحوا، وانقرضوا، واستمرت محاولة طلائع سلالة الطين في نزول هذه المنزلة الشريفة، وكان الفشل لهم بالمرصاد، حتى إذا استقر في أذهان الملائكة أنهم لن يفلحوا، تأذن الله بظهور المحاولة الناجحة، فكان آدم أبو البشر.. ولما آذن الله ملائكته بأنه سيجعل، من سلالة الطين، في الأرض خليفة، عارضوا: ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك؟ قال: إني أعلم مالا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم * قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم، قال: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات، والأرض، وأعلم ما تبدون، وما كنتم تكتمون؟)).. ولقد عارض الملائكة في اتخاذ الله الخليفة من سلالة الطين قياسا على سابق علمهم، المستمد من سابق تجاربهم مع الأوادم السابقين.. فلما كشف الله لهم كمال النشأة البشرية المتمثل في مقدرتها على التطور، والترقي، والخروج باستمرار، من الجهل إلى العلم، أذعنوا، وانقادوا..
    ولقد جرت جميع هذه الأمور ثلاث مرات، ثلاث مرات.. فآدم قد خلق ثلاث مرات: مرتين في عالم الملكوت، ومرة في عالم الملك.. ذلك بأن الأسماء المسيطرة على الخلق هي العالم، المريد، القادر.. فبالعلم أحاط الله بمخلوقاته، في عالم الملكوت، وبالإرادة نزل بالإحاطة إلى التخصيص فكان أقرب إلى التنفيذ، وإن لم يزل في عالم الملكوت، ولكن مما يلي عالم الملك.. وبالقدرة نفذ في عالم الملك ما تمت الإحاطة به إجمالا، وتم تخصيصه تفصيلا في عالم الملكوت.. فعالم الملكوت عالم العقول، وعالم الملك عالم الأجساد .. وكل شيء في عالم الملكوت مسيطر على نظيره في عالم الملك.. لأن عالم الملكوت عالم لطائف، وعالم الملك عالم كثائف.. ولكل لطيف سلطان على كل كثيف.. وهذا معنى قوله تعالى: ((فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ، وإليه ترجعون)) .. وإنما ترجع كثائفنا إلى لطائفنا ، وذلك بخضوع نفوسنا، وهي كثائف، لعقولنا وهي لطائف.. وقمة اللطائف في ذات الله، ومن ثم وجب الرجوع إليه تعالى، وإنما يكون الرجوع بتقريب صفاتنا من صفاته، وذلك بفضل مدركات العقول المرتاضة بأدب الحق، وأدب الحقيقة..
                  

01-23-2014, 08:41 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)


    نشأة العقل..

    العقل هو القوة الدراكة فينا.. وهو لا يختلف عن الجسد اختلاف نوع، وإنما يختلف عنه اختلاف مقدار.. فالعقل هو الطرف اللطيف من الحواس.. والحواس هي الطرف اللطيف من الجسد.. وإنما بصهر كثائف الجسد، تحت قهر الإرادة الإلهية، ظهرت لطائف الحواس، ثم لطائف العقول..
    ولقد امتازت هذه المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان بظهور العقل.. ولم يكن العقل غائبا عن المرحلة الأولى، والمرحلة الثانية، من مراحل النشأة ولكنه كان كامناً كمون النار في الحجر، ثم صحب بروزه من الكمون إلى حيز المحسوس، هذه المرحلة الثالثة.. وعن حركة بروز العقل، ووسيلة بروزه، يخبرنا الله تبارك وتعالى، فيقول: ((إنا خلقنا الانسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل، إما شاكرا، وإما كفورا)).. فالنطفة الأمشاج تعني الماء المخلوط بالطين، وذلك عند ظهور الحياة بالمعنى الذي نعرفه، وهذا يؤرخ نهاية المرحلة الأولى، من مراحل نشأة الانسان، وبداية المرحلة الثانية.. ولا تزال الحياة، في القاعدة، تستمد من هذا المصدر.. ثم أخذت الحياة تلد الحياة، بطريقة، أو بأخرى، وذلك في مراحلها الدنيا، وقبل أن تتطور، وتتعقد، وتبرز الوظائف المختلفة، للأعضاء، وللأنواع.. وقبل أن تبرز الأنثى بشكل مستقل عن الذكر.. وتمثل هذه الحقبة طرفا من المرحلة الثانية من مراحل نشأة الانسان.. ثم عندما ارتقت الحياة، وتوظفت الوظائف، أصبحت الحياة تجيء من التقاء الذكر بالأنثى، وأصبحت النطفة الأمشاج تعني ماء الفحل المختلط ببويضة الأنثى..
    وكل السر في عبارة ((نبتليه))، لأنها تشير إلى صهر العناصر في الفترة التي سبقت ظهور المادة العضوية.. وتشير إلى صراع الحي مع بيئته الطبيعية، بعد ظهور أول الأحياء، وإلى يوم الناس هذا.. ((فجعلناه)) نتيجة لهذا الابتلاء، والبلاء، ((سميعا بصيرا)) إشارة إلى بروز الحواس في الحي، الواحدة تلو الأخرى.. وبعد أن اكتملت الحواس الخمس، وأصبح الحي حيواناً سوياً انختمت المرحلة الثانية من مراحل النشأة البشرية، وبدأت المرحلة الثالثة، وذلك ببروز لطيفة اللطائف - العقل - وإلى ذلك الإشارة بالآية السابقة ((إنا هديناه السبيل، إما شاكراً، وإما كفوراً.)).. ((إما شاكراً، وإما كفوراً)) تعني إنا هديناه إلى الشكر عن طريق الكفر، أو قل إلى الصواب عن طريق الخطأ.. وإليه أيضاً الإشارة بقوله تعالى: ((ألم نجعل له عينين؟ * ولسانا وشفتين؟* وهديناه النجدين؟)).. قوله: ((ألم نجعل له عينين؟)) إشارة إلى الحواس جميعها.. قوله ((ولسانا وشفتين؟)) إشارة إلى العقل.. فإنه هنا لم يعن باللسان مجرد الشريحة المقدودة من اللحم، والتي يشارك الإنسان فيها الحيوان، وإنما أشار باللسان إلى النطق باللغة، ولذلك ذكر الشفتين لمكانهما من تكوين الأصوات المعقدة، المختلفة التي تقتضيها اللغة.. واللغة ترجمان العقل، ودليله.. ثم قال: ((وهديناه النجدين)).. أصل النجد ما ارتفع من الأرض.. وهو هنا الطريق المرتفع.. و((النجدين)) الطريقين: طريق الخطأ، وطريق الصواب.. ولقد هدى الله الانسان الطريقين.. فهو يعمل، فيخطئ، فيتعلم من خطئه.. وحين هدى الله الإنسان النجدين، لم يهد الملائكة إلا نجداً واحداً، وهو أيضاً لم يهد الشياطين إلا نجداً واحداً.. وذلك أن الله، تبارك وتعالى، خلق شهوة بغير عقل، وركبها في الشياطين، ومن قبلهم، إلى أعلى الحيوانات، ما خلا الانسان، فهم يخطئون، ولا يصيبون.. وخلق عقولا بلا شهوة، وركبها في الملائكة، فهم يصيبون، ولا يخطئون.. ثم جعل الانسان برزخاً، تلتقي عنده النشـأتان: النشأة السفلية، والنشأة العلوية، فركب فيه الشهوة، وركب فيه العقل، وأمره أن يسوس شهوته بعقله.. فهو في صراع، لا يهدأ، بين دواعي الشر، ودواعي الخير.. وبين موحيات الخطأ، وموجبات الصواب.. فذلك معنى قوله، تبارك و تعالى، ((وهديناه النجدين)).. وهذه النشأة ((البرزخية)) التي جمعت بين الخطأ والصواب هي التي جعلت مطلق بشر أكمل من مطلق ملك.. ولمكان عزتها قال المعصوم: ((إن لم تخطئوا، وتستغفروا، فسيأت الله بقوم يخطئون، ويستغفرون، فيغفر لهم..)).. وعزة هذه النشأة في مكان الحرية فيها.. لأن حق الخطأ هو حق حرية أن تعمل، وتخطئ، وتتعلم من خطئك كيف تحسن التصرف في ممارسة حريتك، بغير حد، إلا حداً يكون منشأه عجزك عن حسن التصرف .. وذلك عجز مرحلي ، لن تلبث أن تخرج منه إلى قدرة أكبر على حسن التصرف، وهكذا دواليك.. والحرية هي روح الحياة.. فحياة بلا حرية إنما هي جسد بلا روح.. ويكفي أن نقول أن الحرية هي الفيصل بين حياة الحيوان، وحياة الانسان..
    وفي بدء الحياة كان الشعور.. وأدنى درجات الحياة أن يشعر الحي بوجوده.. وليس فيما دون هذا الشعور حياة.. ويوجب هذا الشعور بالوجود إحساس الحي بالحر، وبالبرد، وبالألم.. وجاء من هذا الإحساس الحركة من الحر المضر، ومن البرد المضر، ومن كل ألم، وإلى كل لذة ممكنة.. وبوحي من الفرار من الألم، والسعي في تحصيل اللذة، جاءت القدرة على تحصيل الغذاء، والالتذاذ به، وجاءت القدرة على التناسل، والالتذاذ به .
    وكان حيوان الخلية الواحدة يحس بكل جسده الرخو، ثم تعقدت الحياة، وارتقت، ورهف إحساسها بالخطر الذي يتهددها، فظهرت الحاجة إلى الوظائف المختلفة، فكان على الجلد أن يتكثف ، ويغلظ، ليكون درقة، ودرعا، وكان على بعض أجزاء الجسد، غير الجلد، أن يقوم بوظيفة الحس.. وهكذا بدأ نشوء الحواس.. ونحن لطول ما ألفنا الحواس الخمس نتورط في خطأ تلقائي، إذ نظن أن الأحياء قد خلقت وحواسها الخمس مكتملة.. والحق غير ذلك.. فإن الحواس نشأت، الواحدة، تلو الأخرى، كلما ارتقت الحياة، وتعقدت وظائف أعضاء الحي.. ففي البدء كان اللمس بالجسم كله - بالجلد - ثم لما توظف الجلد في الوقاية، خصصت بعض الأجزاء للمس.. ثم ارتقت وظيفة الحس لما أحتاج الحي للمس، والخطر على البعد، فامتدت هذه الوظيفة، امتداداً لطيفاً، فكان السمع، ثم كان النظر، ثم كان الذوق، ثم كان الشم .. وليس هذا ترتيب ظهور للحواس، ولا هو ترتيب اكتمال.. فإن بعض الأحياء يحتاج لحاسة معينة أكثر من احتياجه للأخريات، فتقوى هذه على حساب أولئك، مع وجود الأخريات، بصورة من الصور..
    والآن ، فإن الحيوانات العليا، بما فيها الإنسان، ذات خمس حواس.. وليس هذا نهاية المطاف.. فإن، في الإنسان، الحاسة السادسة، والحاسة السابعة في أطوار الاكتمال، ولا يكون، بعد الحاسة السابعة، تطور في زيادة عدد الحواس، وإنما يكون تطور في كمالها.. وهذا لا ينتهي، وإنما هو سرمدي..
                  

01-23-2014, 08:42 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)

    ما هي الحاسة السادسة؟؟

    هي الدماغ.. ووظيفتها الادراك المحيط، والموحد ((بكسر الحاء)) لمعطيات الحواس الأخرى - اليد، والأذن، والعين، واللسان، والأنف - في الحس، والسمع، والبصر، والذوق، والشم.. فإذا قويت يكون إدراكها لكل شئ عظيم الشمول، فكأنها تحسه، وتسمعه، وتراه، وتذوقه، وتشمه، في آن واحد…
    ما هي الحاسة السابعة؟؟

    هي القلب.. ووظيفتها الحياة.. وهذه الحاسة هي الأصل، وجميع الحواس رسلها، وطلائعها، إلى منهل الحياة الكاملة.. ولقد نشأت الحياة وسط الخوف.. قال تعالى في ذلك: ((لقد خلقنا الإنسان في كبد)) والكبد المشقة، ولقد دفعت هذه المشقة، التي وجدت الحياة نفسها محاطة بها، الخوف في أعماق الأحياء.. ولولا الخوف لما برزت الحياة، في المكان الأول، ولما ارتقت وتطورت، في المكان الثاني. ثم هي إن لم تنتصر على الخوف، في آخر المطاف، لا يتم كمالها.. وإنما تنتصر الحياة على الخوف عندما تقوى الحاسة السادسة، وتدرك الأمر على ما هو عليه، على النحو الذي وصفنا، ويومئذ سيظهر لها أن الخوف إنما هو مرحلة صحبت النشأة في إبان جهلها، وقصورها، وأنه ليس هناك ما يوجبه في حقيقة الأشياء.. فإذا بلغت الحاسة السادسة هذا المبلغ، انبسطت الحاسة السابعة - القلب - واطمأنت، وانطلقت من الانقباض الذي أورثها إياه الخوف، وأخذت تدفع دم الحياة قويا إلى كل ذرات الجسد، وكل خلايا الجلد، تلك التي كان الخوف قد حجرها، وجعل منها درقة، ودرعا لصيانة الحياة البدائية.. وبذلك يعود الشعور لكل الجسد، ويصبح حياً كله، لطيفاً كله، جميلا كله، غاية الجمال.. وتكون أرض الجسد الحي يومئذ هي المعنية بقوله تعالى: ((وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج))..
    هذه هي وظيفة الحاسة السابعة - الحياة الكاملة - وليس للحياة الكاملة نهاية كمال، وإنما كمالها، دائما، نسبي.. وهي تتطور، تطلب الحياة المطلقة الكمال، عند الكامل المطلق الكمال - عند الله - وإنما يكون تطورها باطراد ترقي جميع الحواس، كل في مجاله، وانعكاس ذلك على ترقي العقل، بقوة الفكر، وشمول الادراك.. وعلى قدر صفاء العقل، وقوة الفكر، تكون سلامة القلب، واتساع الحياة، وكمالها.. وهذا التطور المترقي بالحواس هو ما عناه الله بقوله ((وأنبتت من كل زوج بهيج))..
    لقد وصلنا باستقرائنا لنشأة العقل، وتطوره، إلى المرحلة الرابعة من مراحل نشأة الانسان. وخضنا فيها، بعض الخوض، ونحن لم نفرغ بعد من الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان، وسنوقف هذا الاستقراء لنتحدث قليلا عن المرحلة الرابعة، ثم نعود، من جديد، إلى مواصلة الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان، لأنها أهم النشآت الأربع..
                  

01-23-2014, 09:36 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)

    المرحلة الرابعة من نشأة الانسان

    هذه المرحلة هي مرحلة الكمال، وهي لما تأت بعد.. وبدايتها أرفع من نهاية المرحلة الثالثة، ولا يدخلها الداخل إلا بقفزة من قمة منازل هذه المرحلة..
    لقد تحدثنا عن المراحل الأربع من نشأة الانسان.. تحدثنا عن المرحلة الأولى، فقلنا: أن بدايتها في الأزل، حيث برز الانسان في الجسد، في المادة غير العضوية - تلك التي نسميها، اصطلاحا، ميتة - ونهايتها عند دخول المادة العضوية في المسرح..
    وتحدثنا عن المرحلة الثانية، وقلنا: أن بدايتها عند ظهور المادة العضوية - تلك التي نسميها، اصطلاحا، حية - ونهايتها عند ظهور العقل.. ويتضح لنا، من هذا، أن الشبه كبير بين المرحلتين: الأولى، والثانية، فهما معا مرحلة الجسد الصرف، على اختلاف مستوياته، من ذرة بخار الماء، وإلى أعلى الحيوانات الثديية، ما خلا الانسان..
    وأما المرحلة الثالثة فهي تتميز عن المرحلة الثانية ببروز العقل من الجسد، وهو عنصر جديد، وخطير..
    وأما المرحلة الرابعة فهي تتميز من المرحلة الثالثة بدخول الحاسة السادسة، والحاسة السابعة، في المسرح، وتلك درجة جديدة، من درجات الترقي، تصبح بها الحياة البشرية شيئا جديدا، مختلفا عما ألفنا من قبل.. ولذلك فإنا نستطيع أن نقول: أن لدينا ثلاث مراحل لنشأة الانسان: مرحلة الجسد الصرف، ومرحلة الجسد والعقل المتنازعين، وأخيرا مرحلة الجسد والعقل المتسقين.. ولقد تطورت، إلى الآن، الحياة على هذا الكوكب في مضمار المرحلتين: الأولى والثانية: فهي قد كان تطورها الأول تطورا عضويا صرفا، ثم لما بدأ بروز العقل، بفضل الله، ثم بفضل التطور العضوي الصرف، أخذت في تطورها الثاني، وهو تطور عضوي - عقلي.. وهذا الطور هو الذي نعيشه نحن الآن، وإني لأرجو أن نكون إنما نعيش في أخريات أيامه.. وسيجيء يوم، قريبا، يصبح التطور فيه عقليا صرفاً، في مقابلة البداية بالتطور العضوي الصرف، ذلك الذي كانت به بداية الحياة.. وأصحابنا الصوفية يقولون: النهاية تشبه البداية، ولا تشبهها.. والمؤرخون يقولون: التاريخ يعيد نفسه، ولكنه لا يعيدها بنفس الصورة.. وأحكم القائلين يقول: ((كما بدأنا أول خلق نعيده، وعداً علينا، إنا كنا فاعلين)).. وهو تبارك، وتعالى، لا يعيده بنفس الصورة لأنه من أسرار الألوهية، أنها لا تقف، ولا ترجع، ولا تكرر نفسها.. فلم يبق إلا ما قلنا.
    وهذه المراحل الثلاث: مرحلة التطور العضوي الصرف، ومرحلة التطور العضوي - العقلي، ومرحلة التطور العقلي الصرف..يمكن التعبير عنه، بلغة الدين، بأنها تقابل العوالم الثلاثة: عالم الملك، وعالم البرزخ، وعالم الملكوت.. فأما عالم الملك فهو عالم الأجساد، وأما عالم الملكوت فهو عالم العقول، وأما عالم البرزخ فهو عالم المنزلة بين المنزلتين - عالم مرحلي- وهذا هو عالم الانسان الحاضر، الذي نعيش نحن الآن في أخريات أطواره، كما سلفت إلى ذلك الإشارة..
    وعالم الملكوت مسيطر على عالمي الملك، والبرزخ، فهما تحت قهره، وحركتهما دائبة في طلبه، لأنهما إنما عنه صدرا، وقمة الملكوت عند الله، في صرافة ذاته، وعن ذلك قال تعالى: ((فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ، وإليه ترجعون)).. وقد سلفت إلى ذلك الإشارة..
    ولقد خلق الله كل شئ بالذات، ثم خلق بالواسطة، وهي الأسماء والصفات والأفعال.. وقد اقتضت حكمته أن يبرز خلقه إلى حيز الوجود بثلاث حركات: حركة العلم بالإحاطة، وحركة الإرادة بالتخصيص، وحركة القدرة بالإبراز إلى عالم المحسوس.. وهو في عالم البرزخ قد خلق بثلاثة أسماء: ((العالم المريد القادر)).. وهو، في عالم الملكوت، وهو يلي عالم البرزخ من أعلى، قد خلق بثلاثة أسماء: ((الله الرحمن الرحيم)).. وهو، في عالم الملك، وهو يلي عالم البرزخ من أسفل، قد خلق بثلاثة أسماء: ((الخالق البارئ المصور))..
    ومعنى الخالق الذي أحاط بمخلوقاته علما، ومعنى البارئ الذي أعطى خلقه الصورة الأولى، ومعنى المصور الموالي تقليب الصورة الأولى من خلقه في الصور المختلفة سيراً في مراقي التطور حيث يطلب الأخير كمال الأول.. وفي هذا المعنى قال تعالى: ((ولقد خلقناكم، ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا، إلا إبليس، لم يكن من الساجدين)) فههنا ((خلقناكم)) تعني أحطنا علما ببداياتكم، ونهاياتكم.. و ((صورناكم)) تعني أعطيناكم الصورة الأولى، وهي ذرة بخار الماء.. وأما قوله تعالى: ((ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)) تعني سخرنا الملائكة في خدمة البشر، وذلك لمكان كرامة النشأة البشرية على الملائكية.. وهو، تبارك وتعالى إنما عطف بالحرف ((ثم)) ليفيد الترتيب، والتراخي في الزمن، والملائكة سجدوا، وإبليس أيضا سجد، ولكن الملائكة سجدوا ((طوعاً)) وإبليس سجد ((كرها)) والفريقان، على سواء، مسخران للبشر.. فأما الملائكة فمن أعلى، وأما إبليس، وذريته، فمن أسفل، وبتأرجح البشر بين الاثنين يجيء الصواب، والخطأ.. وكلا الصواب والخطأ لمصلحة تطور الانسان إلى الكمال.. لأن بهما، من البداية، تم كمال النشأة..
    وفي أعلى معاني التطوير في اختطاط البداية، والنهاية، وفي التسيير، بين البداية، والنهاية، جاء قوله تعالى: ((أعطى كل شئ خلقه ثم هدى)) يعني هدى الله التطور في مراقيه.. فأما التطور العضوي الصرف، فهداه بالدين العام، وأما التطور العضوي - العقلي، فهداه بالدين الخاص - ((مرحلة العقيدة)).. وأما التطور العقلي الصرف، فهداه بالدين الخاص - ((مرحلة العلم)).. ولتبيين هداية الدين الخاص، بمرحلتيه، للتطور العضوي - العقلي، وللتطور العقلي الصرف، نعود لمواصلة الحديث عن المرحلة الثالثة من مراحل نشأة الانسان، كما وعدنا، وستكون لنا عودة إلى الحديث عن المرحلة الرابعة، أيضا، حين يمس الحديث التطور العقلي الصرف..
                  

01-23-2014, 09:37 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)

    عودة للمرحلة الثالثة من نشأة الانسان:

    قلنا أن هذه المرحلة تبدأ ببروز العقل في الانسان، وقلنا أن العقل لم يكن غائبا عن المرحلتين الأولى، والثانية، من مراحل نشأة الانسان، ((وهما معاً قد أسميناهما بمرحلة التطور العضوي الصرف)).. العقل لم يكن غائباً، وإنما كان كامناً في المادة، فمخضته الحوادث حتى برز إلى حيز الوجود.. وقد تحدثنا عن نشأة العقل، بشئ من التفصيل، لا نحتاج إلى إعادته هنا.. ولكنا، مع ذلك، لا بد لنا من الحديث عن العقل بشيء من التحديد لم يظفر به حديثنا السالف عن نشأة العقل.. قلنا أن آدم، بعد أن أقصي إلى مقام البعد - مقام أسفل سافلين - استنقذه الله بالتوبة عليه، فأخذ في طريق الرجعى، فقطع المرحلة الأولى من مراحل نشأته، وقطع المرحلة الثانية، أيضا، ودخل المرحلة الثالثة، وفي هذه نزل منزلة أول نبوة في الأرض، وفي هذه المنزلة اعتبر خليفة، وجرى في شأنه حوار الملائكة مع ربهم، ولكنهم اقتنعوا في آخر الأمر وسجدوا له.. وقد حصلت له من هذا المقام نكسة، وجرى عليه الإقصاء، ولكن بصورة أخف من تلك التي جرى فيها إقصاؤه من عالم الملكوت إلى أسفل عالم الملك..
    إن منزلة النبوة التي نزلها آدم، وهو في طريق العودة من البعد، لم تكن أول نبوة، على الإطلاق، ولكنها كانت أول نبوة ناجحة.. وآدم نفسه، على الأرض، قد كان مسبوقا بأوادم كثيرين.. فهو ليس أول آدم، على الإطلاق، ولكنه أول تجربة نجحت، من تجارب الأوادم الكثيرين.. ومعارضة الملائكة، حين قالوا: ((أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء؟)) لم تكن على غير وجه من وجوه الصحة، ولكنها كانت مبنية على تجربة محدودة مع بعض نماذج من سلالة الطين - مع بعض الأوادم- فلما أبان الله لهم كيف أن اطراد التحسين في أفراد هذه السلالة لا يقف عند حد، وأن النقص في أفرادها إنما هو مرحلي، اقتنعوا، وأذعنوا، وسجدوا.. وكان الأوادم السابقون لآدم أبي البشر الحاضرين، كلما وضعوا موضع الخلافة، فانحطوا عنها، عوقبوا بألوان الإقصاء.. وكانت ظاهرة الإقصاء المتواترة، الانقراض، مع استخلاص أفراد يكون لهم على معاصريهم ميزة، ولكنها ميزة غير كافية لإرساء التجربة المبتغاة، في الحكمة منهم.. ولنا فيما جرى لقوم نوح نموذج صريح، مع أن هؤلاء قد جاءوا في وقت متأخر كثيرا..
    ثم إن صور إقصاء الخلفاء، المقصرين عن شأو الخلافة، قد لطفت، بمحض اللطف الإلهي، فلم تعد الانقراض الحسي، وإنما أصبحت في صورة ((السلب بعد العطاء))، والسقوط من مقام القرب بالمعرفة بالله، إلى مقام البعد بالجهل بالله.. ولنا في ذلك نموذج، فيما قص الله علينا، من خبر أحد العارفين، من المتأخرين، وذلك حيث يقول، تبارك من قائل: ((واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا، فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض، واتبع هواه، فمثله كمثل ال######، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث.. ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا.. فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)) هذه هي صورة الإقصاء، التي سبقت زلة آدم.. ثم إن هذه الصورة نفسها قد لطفت بمحض اللطف الإلهي، فأصبحت إبعاداً مؤقتا، تعقبه توبة، ثم مغفرة، ثم تقريب بعد إبعاد.. وهذا هو الذي جرى لآدم، فإن إقصاءه الثاني لم يكن بعيداً وإنما كان البعيد إقصاءه الأول، وفي هذا جرى العتاب: ((وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين)) وهما إنما قالا ذلك بإلهام الله إياهما.. وهو تعالى لم يكن ليلهمهما الاستغفار إلا وهو يريد أن يغفر لهما.. وقد فعل.. فكانت زلة آدم هنا موجبة لبعد قريب، وقد عاد منه للقرب وكأن شيئا من البعد لم يكن.. ولنا فيما جرى لموسى، وهو ليس بعيداً عن آدم أبيه، ما يدل على سرعة الرجعى بالمغفرة، حين ييسر الله الاستغفار من الذنب: ((ودخل المدينة، على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته، وهذا من عدوه، فاستغاثه الذي من شيعته، على الذي من عدوه، فوكزه موسى، فقضى عليه، قال هذا من عمل الشيطان، إنه عدو، مضل، مبين * قال رب، إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فغفر له، إنه هو الغفور الرحيم * قال رب، بما أنعمت علي، فلن أكون ظهيرا للمجرمين)).. ثم لم يزل عقاب المخالفين، من المصطفين، يلطف، بمحض اللطف الإلهي، حتى انتهى، على عهد الحبيب الأعظم، إلى أن يقدم الله المغفرة قبل العتاب.. قال تعالى لحبيبه محمد: ((عفا الله عنك، لم أذنت لهم، حتى يتبين لك الذين صدقوا، وتعلم الكاذبين؟))..
                  

01-23-2014, 09:38 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)


    الدين قبيل آدم

    آدم صاحب أول نبوة اكتملت في الأرض، وهو أبو البشر الحاضرين، كان أول من استقام على التوحيد، في جملة أحواله، وكان دين التوحيد قد أوحي إليه من الله بواسطة جبريل.. ولم تكن تلك أول مرة يتصل فيها جبريل بالبشر ليوحي إليهم، فقد كانت له اتصالات بتجارب الأوادم الفاشلة، التي سبقت التجربة الناجحة بآدم أبي البشر الحاضرين..
    إن ظهور آدم النبي.. آدم الخليفة، آدم أبي البشر الحاضرين، لم يؤرخ ظهور العقل البشري، وإنما يؤرخ مرحلة من مراحل سير العقل البشري إلى النضج.. ولقد ظهر العقل البشري قبل آدم هذا بزمن طويل.. والعقل البشري هو الروح الإلهي الذي نفخه الله في البنية البشرية، فأصبحت، بفضله، مشدودة إلى الله، بعد أن كانت، قبلا، مشدودة إلى الأرض بحكم الجبلة.. وعن نفخ الروح الإلهي في البشر قال تعالى: ((وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً، من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته، ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين))..
    إن من أهم العبارات التي حوتها هاتان الآيتان الكريمتان عبارة ((فإذا سويته))، فإنها تشير إلى استعداد المكان لنفخ الروح الإلهي، فيه، وهذا الاستعداد قد استغرق زمناً هو من الطول بحيث يخطؤه التصور.. ويكفي أن نستحضر في عقولنا أن الله سبحانه وتعالى، سماه ((حيناً من الدهر)).. قال تعالى: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟)).. فإن استعداد الانسان لنفخ الروح الإلهي استغرق المرحلة الأولى، من مراحل النشأة، واستغرق المرحلة الثانية، واستغرق، من المرحلة الثالثة، طورا كبيرا.. ولم يكن نفخ الروح الإلهي في آدم الخليفة وحده، وإنما هو سار في جميع ذراري الوجود مسرى الأرواح في الأجساد، ولكنه في الانسان زاد في المقدار، وفي آدم الخليفة اطرد ازدياده أكثر من ذي قبل، حتى رفعه إلى درجة النبوة، والخلافة، وحفظه فيهما.. ونفخ هذا الروح في الانسان، قبل آدم أبي البشر، كان من قبيل إعداد المكان، في آدم، لنفخ الروح الذي به النبوة، والخلافة.. وعند نفخ الروح الإلهي في الانسان، السابق لآدم، وقع تمييزه على الحيوان، ووقع عليه بذلك تكليف العبادة، في مستوياتها البسيطة، وكانت من ثم بداية الدين.. ولم يكن لهذا الدين رسل غير بدائه العقول.. وكان وثنياً، تعددياً، ولكنه كان بداية الدين.. بداية الإسلام.. ولما جاء عهد الرسل، الذي انفرع بظهور آدم أبي البشر، لم تكن الحكمة من وراء إرسال الرسل أن يخبروا الناس بأن لهم خالقا، فإن ذلك قد سبقتهم عليه رسل العقول، وإنما كانت الحكمة من إرسالهم تعليم الناس طريقة معرفة خالقهم…
    وفي مرحلة التطور العضوي الصرف أعد الله الانسان إعداداً خاصا، فهو لم يجعله قوياً، قوة جسدية، تغنيه عن الحيلة في حل المشاكل التي تعترضه، في البيئة التي أوجده فيها، ولم يجعله رخواً، خائرا، لا يقوى على النهوض في وجه التحدي المعقول، وإنما جعله وسطاً، ذا قوة لا تغني عن اصطناع الحيلة، ولا تعجز عن تنفيذ خطة الحيلة، في كثير من الأوقات.. ومن هذا الوزن الحكيم برز العقل، وأصبح الانسان يحتال بعقله، وينفذ بعضله، وقوة تركيبه البدني.. وبهذه الممارسة دخلت مرحلة التطور العضوي - العقلي في المسرح..
    وخلق الله آدم على صورته، تبارك، وتعالى، وخلق الكون كله على صورة آدم.. وخلق الله آدم له، تبارك وتعالى، وخلق الكون كله لآدم، ونفخ الله روحه في آدم، ونفخ روح آدم في الكون.. وكان نفخ روح الله في آدم في قمة، ونفخه في الكون في قاعدة.. والنفخ كله مستمر، ولكنه يتصعد في طريق لولبي، يدور على نفسه دورة كاملة كلما رقى سبع درجات من درجات تصعيده، وتعلو نقطة نهاية الدورة فوق نقطة بدايتها سمتاً، به تكون قفزة في الترقي نحو الله.. ويدور هذا الطريق اللولبي حول مركز ينضم نحوه كلما صعد درجة.. فإذا ما انتهت دورة هذا النفخ في الدرجة السابعة، بدأت من جديد، واتخذت درجة النهاية هذه نقطة بداية للدورة الجديدة، وهكذا دواليك، إلى نهاية السرمد - وليس للسرمد نهاية- فيكون، بذلك، النفخ غير متناه..
    وعن نفخ الروح الإلهي في البنية البشرية بهذه الأطوار السبعة يحدثنا تبارك وتعالى فيقول: ((لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله، أحسن الخالقين))..
    وعن نفخ الروح، في بنية الكون، بهذه الأطوار السبعة أيضا يحدثنا، تبارك وتعالى، فيقول: ((إن ربكم الله الذي خلق السموات، والأرض، في ستة أيام، ثم استوى على العرش، يغشي الليل النهار، يطلبه حثيثا، والشمس، والقمر، والنجوم، مسخرات بأمره، ألا له الخلق، والأمر، تبارك الله، رب العالمين)).
    وهو عندما قال: ((ثم استوى على العرش)) إنما ذكر الطور السابع من أطوار النفخ..
    السلالة ما استل من الشئ، وهو ما استخرج برفق، وفي أناة، وهو الخلاصة.. وهي أيضا تعني النسل، وتعني الولد.. تقول: هو سلالة طيبة، أو تقول: هو من سلالة طيبة.. ولقد استغرق استلال هذه السلالة من الطين زمنا سحيقا، كما أسلفنا إلى ذلك الإشارة..
    وبعد إتمام استلال هذه السلالة، واستعداد المحل لنفخ الروح الإلهي - وذلك بظهور الحيوانات العليا- ظهر، بفضل الله، الانسان. واستمر تناسله، وزيادته، من يومئذ، بالتقاء ذكره بأنثاه، وأصبحت ((النطفة الأمشاج)) هنا، تعني ماء الرجل المخلوط، في الرحم، ببويضة المرأة.. فذلك قوله ((ثم جعلناه نطفة في قرار مكين)).. وقوله ((ثم أنشأناه خلقا آخر))، بعد أن ذكر أطوار التكوين المختلفة في الرحم، يعني ظهور النشأة السوية التي يختلف فيها الانسان عن الحيوان، ظاهرا وباطناً.. وظهور هذه النشأة إنما يكون بقفزة تمثل حصيلة التنقل في المراقي التي استجمعت في الأطوار الستة السابقة، كما سلفت إلى ذلك الإشارة.. وفي جميع هذه الأطوار، النفخ الإلهي مستمر، لا يتوقف، ولن يتوقف، يد الدهر..
    وعن نفخ الروح في بنية الكون في الأيام السبعة، تحدثنا التوراة أيضا فتقول: ((فأكملت السموات والأرض وكل جندها. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدسه.. لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً)) ووصف الله هنا بالحاجة للراحة، بعد العمل، ضرب من تصوره على صورتنا.. وتلك مرحلة ضرورية، من مراحل تطور معرف الانسان بالله، وهي مرحلة تعتبر كاملة إذا ما قورنت بالمراحل التي سبقتها، وإنما يظهر نقصها عند مقارنتها بالصور اللاحقة، من صور المعرفة بالله، وذلك حين تقدم الفكر البشري، وارتقى..
    وفي هذا الباب يجيء تعبير القرآن، في الرد على تعبير التوراة، فيقول جل من قائل: ((ولقد خلقنا السموات والأرض، وما بينهما، في ستة أيام، وما مسنا من لغوب)) وهذا بالطبع تصور بالله أليق، وأدخل في المعرفة، من تعبير التوراة.. ومع ذلك فإن عبارة التوراة: ((فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل)) ليست عبثا.. وهي قد جاءت في مقابلة ((ثم استوى على العرش)) من عبارة القرآن.. وفي مقابلة ((ثم أنشأناه خلقا آخر)) من عبارة القرآن أيضا.. وكل هذه العبارات، على تفاوت، تشير إلى تتويج الخليقة، بعد الطور السادس، بظهور الخليفة - الانسان الكامل- وبظهور الانسان الكامل تنتهي المعاناة، وينتهي الشقاء، وتتم الطمأنينة بالقرب وبالسلام..
    وليست أيام الله كأيامنا، وإنما هي أطوار تجلياته، وظهوره لخلقه، بخلقه.. أعني ظهور أمره ( والأمر باطن)، في خلقه ( والخلق ظاهر)، لخلقه، وهم أصحاب العقول - البشر- وهو، تبارك وتعالى، يعني هذا حين قال، من الآية السابقة،: ((ثم استوى على العرش، يغشي الليل النهار، يطلبه حثيثا، والشمس، والقمر، والنجوم، مسخرات بأمره، ألا له الخلق، والأمر، تبارك الله، رب العالمين)).. فالعرش يعني المخلوقات، بما فيها الأرواح المشرقة، اللطيفة، وهو عالم الخلق، وقد عبر عنه بالليل والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم.. وأشار بالليل والنهار إلى الأرض، ( كما أشار بهما إلى الحركة، وإلى الزمن)، لأنهما من أوضاعها من الشمس.. وعبارة ((ثم استوى على العرش)) تشير إلى استيلاء القهر الإرادي على نواصي المخلوقات.. وقد أبان ذلك بقوله ((مسخرات بأمره)) وذلك عالم الأمر.. والأمر مستول على الخلق.. ولله، تبارك وتعالى، الخلق والأمر..
    وهذا الاستيلاء هو نفخ الروح الإلهي في الكون، وقد وقع على سبع درجات، عبر عنها بسبعة أيام..
    ثم إن الله، تبارك وتعالى، سخر الكون لنفخ الروح الإلهي في الانسان، وذلك بإغراء العداوة بين الأحياء فيما بينهم، من طرف، وبين الأحياء والعناصر الأخرى، من طرف آخر.. فقال ((إن من أزواجكم، وأولادكم، عدوا لكم، فاحذروهم)).. وقال ((إن الشيطان لكم عدو، فاتخذوه عدوا)) وكذلك خلق الانسان وسط العداوات.. لقد ((خلقنا الانسان في كبد)) ثم كان عليه أن يسعى للمصالحة، والمسالمة، والمحبة.. من أجل حياته.
    ولما كان الانسان الأول قد وجد نفسه، في البيئة الطبيعية التي خلقه الله فيها، محاطا بالعداوات من جميع أقطاره، ولما كان الله قد سواه وسطا، فلا هو بالقوي، الذي يستغني بقوة عضلاته عن استعمال حيلته، في حل مشاكله، ولا هو بالضعيف، الرخو، الخائر، الذي لا ينهض لأي مستوى، من مستويات تحدي الأعداء فإنه قد سار في طريق ((الفكر والعمل))، من أجل الاحتفاظ بحياته وقد هداه الله بعقله، وقلبه، إلى تقسيم القوى التي تحيط به، إلى: أصدقاء، وإلى أعداء.. ثم قسم الأعداء إلى أعداء يطيقهم، وتنالهم قدرته.. وإلى أعداء يفوقون طوقه، ويعجزون قدرته.. وكذلك قسم الأصدقاء إلى: أصدقاء يبادلهم وداً، بود، وخدمة، بخدمة، وإلى أصدقاء يغمرونه بألطاف النعم، ويغدقون عليه أصناف البر، وهو عاجز عن مكافأتهم على صنيعهم هذا به، لأنهم أقوياء، وهو ضعيف، ولأنهم أغنياء، وهو فقير، وقد زادت قوتهم، واستغناؤهم، عن حدود تصوره، فلزم العجز، واستشعر الشكر.. ولقد هدته هذه النظرة طريقه في الحياة: فأما الأعداء الذين يطيقهم، وتنالهم قدرته، مثل الحيوان المفترس، والإنسان العدو، فقد عمد في أمرهم، إلى المنازلة، والمصاولة، والمراوغة، فاتخذ، من أجل ذلك، الآلة، يمد بها قوته، ويعوض بها عن الأنياب، والمخالب، التي لم تعد من طبيعة تكوينه، كما لجأ إلى الحيلة، فاتخذ المساكن فوق الأشجار، وفي الكهوف، وعلى قنن الجبال.. ومن محاولاته في هذا الاتجاه نشأ العلم التجريبي الذي وصل، في القرن العشرين، إلى فلق الذرة..
    وأما الأصدقاء الذين استطاع أن يبادلهم نفعاً، بنفع، ومعاملة، بمعاملة، فقد هدته صداقتهم إلى العيش معهم في جماعات أكبر من تلك التي يعيش فيها الحيوان، مما ساق إلى التفكير في رعاية مصالح الآخرين.. وبدأ، بهذا الاتجاه، نظام المجتمع، وتأدى ذلك إلى نشأة العرف، والعادة، والتقليد، التي هي مقدمات القوانين والتشاريع..
    وأما الأصدقاء الكبار، والأعداء الكبار، فقد هدته حيلته إلى التزلف إليهم، بتقريب القرابين، وبإظهار الخضوع، وبالتمليق.. فأما الأصدقاء فبدافع من الرجاء، وأما الأعداء فبدافع من الخوف.. وبدأت، من يومئذ، مراسيم العبادة.. ونشأ، من يومئذ، الدين..
    لعمري!! ليس الأمر بهذا اليسر.. ولكن هذه مجرد العبارة، وهي عبارة قد اضطررنا إلى الإيجاز فيها، أشد الإيجاز.. وهي، من أجل ذلك، ولغير ذلك أيضا، عبارة جانبية، ومعممة، ومخلة بالصورة.. وعذرنا أنا لا نملك في المقام الحاضر خيراً منها..
                  

01-23-2014, 09:39 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)


    العقل الواعي والعقل الباطن

    قلنا أن العقل هو الروح الإلهي المنفوخ في البنية البشرية، وقلنا أن النفخ يعني الاستيلاء الإرادي القاهر على العناصر، والأحياء.. وهو، في مرحلة الأحياء، إنما كان بإغراء العداوة بين الأحياء فيما بينهم، وبينهم وبين جميع العناصر التي تزخر بها البيئة الطبيعية التي يعيشون فيها.. وهذا التعميم يخضع لبعض الاستثناء.. فإن هناك بعض القوى، وبعض العناصر، أمكن وضعها في جانب الصداقة، ومع ذلك، فإن جانبها لم يكن مأمونا، كل الأمان، والخوف من تصرفاتها، وبدواتها، لم يزل موجودا، مما جعل الخوف هو العنصر الغالب في مشاعر الأحياء.. وفي الحق، إن الخوف ( القهر) هو الذي استل المادة العضوية من المادة غير العضوية، فبرزت بذلك الحياة.. ثم إن الخوف هو السوط الذي حشد الأحياء في زحمة سباق التطور.. فالحياة مولودة في مهد الخوف.. ومكتنفة بالخوف في جميع مدارجها.. ولولا بوارق الأمان، الفينة بعد الفينة، ولولا لوائح اللطف، الفينة بعد الفينة، ولولا غواشي الغفلة، في أغلب الأحيان، لاجتاح الخوف الحياة، ولقطع نياطها.. ولا يزال الخوف، إلى الآن، هو الأصل في سوق الحياة إلى كمالها في جانب الله.. قال تعالى في ذلك: ((وإن من قرية إلا نحن مهلكوها، قبل يوم القيامة، أو معذبوها عذابا شديدا، كان ذلك في الكتاب مسطورا * وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون.. وآتينا ثمود الناقة مبصرة، فظلموا بها، وما نرسل بالآيات إلا تخويفا * وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس.. وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس.. والشجرة الملعونة في القرآن.. ونخوفهم، فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا)).. اعتبر قوله تعالى: ((وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)) وقوله تعالى: ((ونخوفهم)).. ثم اقرأ قوله تعالى: ((يأيها الناس اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة شئ عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد)).. أو اقرأ قوله تعالى: ((فكيف تتقون، إن كفرتم، يوما يجعل الولدان شيبا، * السماء منفطر به؟ كان وعده مفعولا.)).. وخير حالات المؤمن أن يعمل الطاعات وقلبه خائف من لقاء ربه، قال تعالى: ((والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون)).. وخير حالات الخوف أن يكون موزوناً بالرجاء، فلا يستبد فيتداعى إلى اليأس، ولا يضعف فيتداعى إلى الغفلة.. وفي وزن الخوف والرجاء قال تعالى: ((أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة، أيهم أقرب، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه.. إن عذاب ربك كان محذورا)) وقال أيضا: ((أمن هو قانت، آناء الليل، ساجدا وقائما، يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربه؟ قل هل يستوي الذين يعلمون، والذين لا يعلمون؟ إنما يتذكر أولو الألباب.)) فهذه الحالة هي من حالات العلم بالله.. والحكمة وراء الخوف، والتخويف، إنما هي سوق الناس إلى الله حين يظهر عجزهم عن النهوض بأعباء حياتهم: اقرأ صورة لكل الذي ذكرنا، في الآيات، البينات، التاليات: ((وإنك لتدعوهم إلى سراط مستقيم * وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن السراط لناكبون * ولو رحمناهم، وكشفنا ما بهم من ضر، للجوا في طغيانهم يعمهون * ولقد أخذناهم بالعذاب، فما استكانوا لربهم، وما يتضرعون * حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب، شديد إذا هم فيه مبلسون * وهو الذي أنشأ لكم السمع، والأبصار، والأفئدة. قليلا ما تشكرون * وهو الذي ذرأكم في الأرض، وإليه تحشرون * وهو الذي يحيي ويميت، وله اختلاف الليل، والنهار. أفلا تعقلون)).. هذه جميعها صور للخوف، والتخويف بالعذاب في الدنيا، وبوعيد العذاب في الساعة، وفي الأخرى.. وهذا في الإسلام، وفي القرآن، وهو لم يجيء إلا مؤخرا، وبعد أن لطف حس الناس، وأصبحوا يزدجرون بأقل مزدجر!! ولقد ذكرنا، تبارك وتعالى، في هذا السياق الرهيب، والأبصار، والأفئدة، فقال: ((وهو الذي أنشأ لكم السمع، والأبصار، والأفئدة. قليلا ما تشكرون)) وفيه إشارة إلى أنه تعالى إنما أنشأها بالعذاب، وبالخوف من العذاب، وبالتخويف منه، كل على كل مستوى، من مستويات الحياة.
    ولقد قال: ((قليلا ما تشكرون)) ونحن إنما نفهم هذا القول فهما جيدا إذا تذكرنا قوله تعالى: ((ما يفعل الله بعذابكم، إن شكرتم، وآمنتم؟ وكان الله شاكرا عليما)).. فكأنه قال: إن الحكمة وراء العذاب أن الله يريد به أن يمخض، من كثافتكم، الرقائق التي بها يظهر شبهكم إياه، فتكونوا شاكرين وعالمين، كما هو شاكر وعليم.. ثم إن الله، تبارك وتعالى، يقول، في الآيات السابقات: ((وهو الذي ذرأكم في الأرض، وإليه تحشرون)).. ذرأكم بثكم، وشتتكم، كما تشتت البذرة ((وإليه تحشرون)) تجمعون، وتساقون، وتزفون.. وإنما يكون حشرنا إليه بتقريب صفاتنا من صفاته، وذلك باستخراج لطائفنا من كثائفنا بالعذاب، وبالخوف، وبالتخويف من العذاب.. ثم إنه قال، وههنا ملاك الأمر، قال: ((وهو الذي يحيي ويميت، وله اختلاف الليل، والنهار. أفلا تعقلون)).. ((يحيي ويميت)) إشارة إلى قهر الحياة.. و ((اختلاف الليل والنهار)) إشارة إلى قهر العناصر.. ومن قهر العناصر برزت الحياة.. ومن قهر الحياة برزت العقول.. ولذلك قال تعالى: ((أفلا تعقلون)).. ومن جراء القهر ولد الخوف، ومن جراء الخوف ولدت الحياة، وسارت محفوزة في المراقي، سمتا فوق سمت، إلى أن بلغت مرتبة ظهور العقل البشري في أعلى الحيوانات.. وهي لا تزال تطرد، تطلب كمالات العقل والقلب..
    فالعقل هو الروح الإلهي المنفوخ في الانسان، والخوف هو وسيط النفخ، وصراع العناصر المختلفة، التي تزخر بها البيئة الطبيعية، هو العامل المباشر، والله من وراء كل أولئك محيط.. وهذا النفخ مستمر، وهو سرمدي، ويأخذ في اللطف كلما برزت لطائف الحياة من كثائفها، وكان لها السلطان.. وسيجيء يوم يبدل الله فيه الخوف أمناً، والحرب سلاماً، والعداوة محبة.. ((ما يفعل الله بعذابكم، إن شكرتم، وآمنتم؟ وكان الله شاكرا عليما؟)).
    وأين نفخ الروح الإلهي؟ هل نفخ في الأجساد؟ أم هل نفخ في العقول؟ لا هنا لا هناك.. فليس الجسد مكان النفخ، وإنما هو نتيجة النفخ.. ومثل ذلك يقال عن العقل.. فليس الدماغ، وهو عضو العقل، مكان النفخ، وإنما هو نتيجة النفخ.. فالنفخ متقدم عليهما، كما يتقدم السبب النتيجة..
    فأين كان النفخ إذن؟
    الجواب، في القلب!! وما هو القلب؟ هو ذات الحي!! هو الحي بالأصالة، حين لا يكون الجسد، ولا الدماغ، حيين إلا بالحوالة..
    هو الحي الذي أعطى الجسد والدماغ الحياة، وهو ليس خادمهما، وإنما هو سيدهما.. وقد أخطأ علم الطب الحديث - علم وظائف الأعضاء- حين ظنه مجرد مضخة للدم.. والأمر كما هو عليه في الدين.. ففي الحديث: ((ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائره.. ألا وهي القلب)) وليس المقصود بالفساد هنا الفساد الحسي الذي ينتج عنه الموت الحسي، فحسب، وإنما المقصود الفساد المعنوي الذي ينتج عنه الموت المعنوي - الكفر-
    وفي القرآن التركيز كله على القلب، ولا يجيء ذكر العقل - الدماغ والجسد- إلا في المكان الثاني.. قال تعالى ((إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع، وهو شهيد)) فالذكرى في المكان الأول لصاحب القلب الذكي، ((لمن كان له قلب)) وجاء به على التنكير ليفيد التعظيم.. فإن لم يكن، فلصاحب العقل الواعي: ((أو ألقى السمع، وهو شهيد)).. ((ألقى السمع)) يعني أعار الأذن، وتلك إشارة إلى العضو المحسوس، وهي، من ثم، إشارة إلى الجسد.. ((وهو شهيد)) يعني غير شارد الذهن وقت الاستماع، وتلك إشارة إلى حصر القوى التي تعمل في الدماغ - إلى العقل- والآيات التي تركز على القلب في المكان الأول، مستفيضة في القرآن، ونحن لا نستطيع، كما أننا لا نحتاج، إلى متابعتها هنا، فليراجعها من شاء في مظانها.. وإنما نريد هنا أن نورد ثلاث آيات، هن آية في الدلالة على المكانة التي يحتلها قلب الانسان، من الانسان.. قال تعالى على لسان إبراهيم الخليل: ((ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال، ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم)) ففي آخر المطاف لا منجاة من عذاب الخزي، ولا من خزي العذاب، إلا بسلامة القلب..
    وهل يزيد في توكيد كرامة القلب لو قلنا أن لكل مخلوق قلبا، وليس لكل مخلوق عقل؟؟ فإنه لم يعرف شئ من الكائنات، مهما صغر حجمه، وخف وزنه، ليس له قلب.. مع القلب الجسد، فإنهما قد نشآ في وقت واحد.. فالجسد بيت القلب، وهو من ثم صنوه، وزوجه، وهو المعني بقوله تعالى: ((سبحان الذي خلق الأزواج كلها، مما تنبت الأرض، ومن أنفسهم، ومما لا يعلمون)).. فالإشارة في ((من أنفسهم)) إلى القلب والجسد.. وفي حين أن الجسد بيت القلب، فإن القلب بيت الرب.. وهو، من ثم، زوج الرب.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ((ومما لا يعلمون))…
    والحواس إنما هي نوافذ البيت التي تدخل النور، والهواء الطلق للساكن، وبها، ومنها، يطل الساكن، أيضا، على العوالم الخارجية.. والعقل، وهو أمير الحواس، إنما هو ((ديدبان)) القلب، وحارسه الأمين، يؤذنه بقرب الخطر، ويدفع عنه الخطر، حيث أمكن..
    والقلب هو بيت الله، هو الحرم الآمن، الذي قال تعالى عنه: ((ليكفروا بما آتيناهم، وليتمتعوا، فسوف يعلمون * أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا، ويتخطف الناس من حولهم؟ أفبالباطل يؤمنون، وبنعمة الله يكفرون؟)) فالكعبة، في مكة، هي بيت الله، في ظاهر الشرع، والقلب، في الصدر، هو بيت الله، في الحقيقة.. وقد جعل الله بيتيه آمنين من الخوف.. قال تعالى، في حق قريش: ((لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)) فالقلب، في سويدائه، حرم آمن من الخوف، ولا يلم الخوف إلا بحواشيه، فذلك قوله: ((أنا جعلنا حرما آمنا، ويتخطف الناس من حولهم)).. ولقد سبق لنا أن قررنا أن الله، تبارك وتعالى، قد نفخ الروح الإلهي بوسيلة الخوف.. وقررنا أن مكان نفخ الروح الإلهي إنما هو القلب.. وقررنا، فيما سلف، أن القلب حرم آمن من الخوف.. ولذلك فقد فداه الله بالجسد، وجعله على حواشيه، ليكون له ردءاً، ودرعا، من الخوف، وهذا هو السبب في نشوء الجسد في وقت يكاد يكون واحداً مع وقت نشوء القلب.. ثم لحق بهما العقل، ليكون عونا على الانتصار على الخوف.. وحين يتم الانتصار على الخوف، بفضل الله، ثم بفضل العقل، يصبح نفخ الروح الإلهي في القلب البشري بوسيلة اللطف، بالأمن، وبالسلام، وبالمحبة.. فما دام النفخ من الخارج فإنه بوسيلة الخوف الذي تسلطه العناصر الخارجية، وسيجيء وقت يصير فيه النفخ من الداخل، ويومئذ يكون الخوف قد انهزم، وإلى الأبد.. والله، تبارك وتعالى، يقول، في أمر النفخ، في مرحلتيه: ((سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟)).. ((سنريهم آياتنا في الآفاق)) إشارة إلى نفخ العناصر بالقهر الإرادي في الجسد.. قوله: ((وفي أنفسهم)) إشارة إلى نفخ العناصر بوسيلة الخوف، في الجسد، وفي الدماغ، أو قل العقل،.. قوله: ((حتى يتبين لهم أنه الحق)) يعني حتى يصل بهم الإدراك إلى استيقان التوحيد، ويومئذ ينهزم الخوف، ويجيء دور الأمن، والسلام.. وإلى ذلك أشار بقوله تعالى: ((أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟))..
    والقلب عضو يعمل فيه الفؤاد، والفؤاد هو قوة الإدراك الوتري.. والجسد والدماغ عضوان يعمل فيهما العقل، والعقل هو قوة الإدراك الشفعي.. وفي مرحلة الإدراك الشفعي يكون النفخ من الخارج، والخوف هنا حاضر..
    وفي مرحلة الإدراك الوتري يكون النفخ من الداخل،.. ((أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟)).. ههنا مقام نفخ الذات في الذات.. نفخ الذات في القلب البشري.. وليس للخوف ههنا مجال..
    وفي الإدراك الوتري ينقطع التعدد ولا يبقى غير الوحدة.. فالمدرك، والإدراك، والشئ المدرك، جميعها شئ واحد، ولذلك فإن القلب هو عين الفؤاد..
    ما هو العقل الباطن؟ هو القلب، وهو قوة الإدراك الوتري.. ما هو العقل الواعي؟ هو العقل، وهو قوة الإدراك الشفعي..

                  

01-23-2014, 09:40 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)

    العقل الواعي، وكيف نشأ؟

    نشأ العقل الواعي على مرحلتين: مرحلة قانون الغابة، ومرحلة قانون العدل..
    فأما مرحلة قانون الغابة فقد تحدثنا عن طرف منها في حديثنا عن الخوف، وسنكتفي بما قد جرى ذكره.. لا سيما وأن هذه المقدمة قد طالت، وهي، على كل حال، ليست مكانا للاستقصاء والتفصيل..
    وأما مرحلة قانون العدل فإنها تؤرخ بدء العقل البشري، وبدء المجتمع البشري.. وبدء الدين.. وبدء العرف الذي هو أصل القوانين جميعها..
    لقد قلنا أن الله تبارك وتعالى قد جعل سلالة الانسان وسطا، فهو لم يجعله قويا يستغني عن الحيلة بقوة عضلاته في حل مشاكله، وهو لم يجعله ضعيفا، رخوا، لا ينهض لأي من أعدائه وقلنا أنه، تبارك وتعالى، بهذه الحكمة، الحكيمة، قد هداه طريق ((الفكر والعمل)) معا.. فهو يفكر، وينفذ، وبذلك أصبح طريق تطوره يختلف، في ظاهره، عن طريق تطور الحيوانات، والحشرات الأخرى.. وهو، في مراحله الباكرة، قد اهتدى إلى الدين، وإلى المجتمع، وهذان أمران ليس هناك ما هو أعظم منهما نفعا.. وقد اتفق لنا أن تحدثنا عن نشأة المجتمع، في كتابنا: ((الرسالة الثانية من الإسلام)) فليراجعه من شاء من القراء الكرام..
    وفي مرحلة قانون الغابة كان الخوف مسيطرا على المسرح، سيطرة تامة.. فليس هناك غير الصيد والصياد.. والصياد نفسه هو صيد لصياد أكبر منه.. وقد رسخت هذه الفترة الخوف في نفس الانسان، واضطرته ليبحث عن الأمان في الكثرة التي من فصيلته، والتي من فصيلة الحيوانات المستضعفة التي تكون، في الغالب الأعم، فريسة لذوات المخالب الحمر، والأنياب الزرق.. وكذلك أنشأ المجتمع، وألف الحيوان الأليف.. وقد اقتضت معيشته في الجماعة أن يتنازل، طائعا، أو مكرها، عن قسط كبير من حريته.. ذلك بأنك لا تستطيع أن تعيش في أية جماعة بشرية بغير أن تراعي حدودا معينة، تقيد تصرفاتك بفعل ما لا ينضر به الآخرون.. ومن هذه الحدود المعينة نشأ القانون فيما بعد.. وأغلب الظن أن أول هذه الحدود انصب على تنظيم الغريزة الجنسية.. ذلك بأن الغيرة الجنسية أمر مشترك بين الحيوان والإنسان.. وقل أن تجد حيوانا، أو طائرا، لا يغار على أنثاه.. وقد دخلت هذه الصفة الحميدة مع الانسان عهد كرامته الجديد..
    ونعتقد أن ثاني هذه الحدود انصب على رعاية الملكية الخاصة، وحمايتها..
    وبفضل حماية الزوجة، وحماية الملكية الخاصة، أصبح المجتمع البشري ممكنا..
    ولم يكن الأمر بهذا اليسر.. فقد كان من أصعب الأشياء على الانسان البدائي أن يقيد نفسه، ويسيطر على نزواته.. وكان من أصعب الأشياء، أيضا، على المجتمع أن ينفذ العقوبة على المخالف لقواعد السلوك، وللعرف الذي درجت الأجيال على رعايته..
    ونشأت فكرة الآلهة، وفكرة الدين، في مطلع هذه المرحلة.. ومع فكرة الدين نشأت العقيدة في الحياة الأخرى، بصورة من الصور، وما يجري فيها من خوف، أو أمن، ينبني على فعل الخير - رعاية العرف- أو فعل الشر - مخالفة العرف- في هذه الحياة..
    ووصفت الآلهة بكل الصفات التي تجعلها رهيبة، وتجعلها قادرة، وتجعلها مطلعة على أفعال الانسان.. وقسمت إلى من يصادق، ويعين، ويرعى من يفعل الخير، فيطعمه من جوع، ويؤمنه من الخوف.. وإلى من يستحوذ على من يفعل الشر، فيخذله، ويسلمه إلى متاهات الظلام المخوف..
    وكانت عقوبات القتل الذريع توقع على أقل مخالفة من مخالفات العرف المرعي، ولم يكن الفرد مهماً في بدء المجتمع، وإنما كانت الأهمية، كلها، للمجتمع.. وذلك، في وقته، قد كان أمرا حكيما، غاية الحكمة، لأمرين، أولهما: أن المجتمع، يومئذ، قد كان ناشئا، وحديثا، فهو قد كان في أشد الحاجة إلى تمام الرعاية لقواعد نشأته.. وثانيهما: أن الفرد البشري قد كان حيواني النزعة، غليظا كثيفا، يحتاج العنف العنيف، لتقوى سيطرته على نزواته، وبدواته..
    فكأن العرف الأول، بغير تدبير واع من آباء الأسر - وهم قد كانوا نواة الحكومة الأولى- قد حكيما، موزوناً، يرعى مصلحة الفرد، ويرعى مصلحة الجماعة، في آن معا.. وفي هذا تظهر حكمة الحكيم الذي سير الحياة في العهود السحيقة، من بؤرة هوانها، وذلها، إلى منازل شرفها، وعزها..
    وقد كان الفرد البشري، حتى في هذه المرحلة، يعيش وسط الخوف.. بيد أن أمرا هاما قد طرأ على حياته، وهو أنه قد أصبح يستطيع أن يعيش في أمن، بالقدر الذي يتفق مع تلك الفترة الرهيبة، إذا ما أخلص للجماعة، واجتنب مخالفة العرف الذي ترعاه.. ليس فقط يعيش في أمن.. بل إنه لينعم بصداقة الآلهة، وصداقة الأرواح الخيرة، التي ترف بأجنحتها عليه، وصداقة الخيرين من أبناء، وبنات، الأسر التي تكون الجماعة..
    وهكذا، بدافع من الرهبة والرغبة، أخذ يبرز الذكاء الذي يميز بين ما يليق، وما لا يليق، وأخذت تبرز الإرادة التي تروض الشهوة الفطرية، لتسوقها في طريق الواجب.. وذلك برفض اللذة العاجلة، إيثاراً للذة الآجلة، التي قد تكون في كنف الآلهة، في هذه الحياة، أو في الحياة المقبلة بعد الموت، أو قد تكون في رضا الجماعة، وتقديرها، وثنائها المستطاب..
    فمن الاحتكاك بين اللذة الحاضرة، والواجب المرعي برز الذكاء للتمييز، وبرزت الإرادة للتنفيذ.. وهذه هي بداية العقل البشري، لأن به دخلت القيمة في وجود الانسان، ولأن به تجدد اعتبار المستقبل، وبدأ جولان الخيال في شعابه، وانسراحه في غيوبه.. وبهذا المستوى من العقل البشري بدأ الدين الخاص، وأخذ يستصفى من الدين العام، كما تستصفي حرارة الشمس ماء الأنهار العذب من مياه البحر الملح.
    لقد قلنا، آنفا، أن الروح الإلهي المنفوخ في البنية البشرية هو العقل.. وقلنا أن الله نفخه فيه بوسيلة الخوف الذي نتج عن إغراء العداوة بين الأحياء فيما بينهم، وبين الأحياء والعناصر التي تزخر بها البيئة الطبيعية التي أوجد الله فيها الحياة.. ونقول الآن أن مرحلة بروز العقل البشري، في البشر، تؤرخ تحولا جوهريا في طريقة نفخ الروح الإلهي، وذلك أن الطريق قد انفتح أمام الانسان، بفضل الله، ثم بفضل العلم، ليكون بمفازة من عذاب الخوف إن هو اتبع الواجب الذي ترسمه الحكمة.. وذلك بمراغمة هوى نفسه.. وهو لم يترك في حيرة من أمر الواجب.. فقد تولى الله هدايته، فأرسل رسل الأنوار - الملائكة- لتمد بدائه العقول، التي نشأت في الظلام، بأسباب القدرة على صحة الإدراك.. وهو تبارك وتعالى يقول: ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)) والرسل الأولى رسل العناصر التي أبرزت، بالخوف، الجسد من القلب.. ثم أبرزت، بالخوف أيضا، الحواس من الجسد.. ثم أبرزت بالخوف أيضا، العقل من الحواس.. والرسل الثانية رسل العقول إلى كل فرد بشري.. والرسل الثالثة رسل عقول الحكماء، والأذكياء، والمجربين، إلى عقول أهل الغرارة والسذاجة.. والرسل الرابعة رسل الملائكة الأطهار، تتصل بالبشر المؤهلين، لتسوقهم، ولتسوق بهم، إلى طريق الحكمة، والصلاح، الذي به يكون العتق من الخوف، ومن الضلال الذي يوجب الخوف.. قال تعالى: ((الذين آمنوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون)) والرسل الخامسة، إذن، رسل البشر المكرمين، إلى بقية البشر المكلفين.. يأتونهم ببينات السماء، عن طرائق الوحي الأمين.. والرسل السادسة رسل العقول المرتاضة بأدب الحق، وبأدب الحقيقة، إلى القلوب التي وسعت كل شيء، لأنها بيت المطلق.. والرسل السابعة رسل هذه القلوب.. إلى هذه القلوب منها وإليها، بغير واسطة فما في الكون إلا إياها..
    ومرحلة قانون العدل لا تزال سارية، وهي لا تزال تدال، بمحض الفضل، على مرحلة قانون الغابة.. فهما، إنما تقتسمان النفوذ، اليوم، وستكون الدولة لقانون العدل، يوم ينتصر الانسان على الخوف، ويسلم من القسمة، ويحقق وحدة ذاته..
    لقد قلنا أن الانسان بفعل الخوف، وبفعل الرجاء، قد بدأ يسيطر على نزواته، وبدواته، وأخذ يروض شهواته بعقله، حتى لا يأذن بالحركة للشهوة التي توقعه في غضب الآلهة، وغضب الجماعة، وتوجب عقوبتهما، عاجلا أو آجلا..
    ومن هذه السيطرة نشأ الكبت، وانقسمت الشخصية.. واليوم، فإن من الكبت الذي نعانيه ما هو نصيب أحدنا من التراث البشري في التاريخ الطويل، ومنه ما هو كسبه الخاص، أثناء ممارسته حياته في بيئته الطبيعية والاجتماعية، في عمره هذا القصير..
    والذي أوجب الكبت، في الماضي، ولا يزال يوجبه، هو تصور الجماعة، وتصور الفرد، للواجب عرفا، وشرعا.. وفي يوم الناس هذا وبعد أن قطعت البشرية كل هذا العمر الطويل، فإن هذا التصور لا يزال غبيا، وجاهلا، وبعيدا عن الحكمة.. فما ظنك به يوم بدأ الكبت في صدر أول فرد بشري؟؟
    والكبت مرحلة هامة، من مرحلتي سيرنا نحو الكمال، وهو، من ثم، ليس شرا، وإنما يجيء الشر من إقامتنا عليه، وقعودنا عن السعي إلى التخلص منه.. ولما كان الكبت نتيجة للخوف، فإن التخلص منه لا يتم إلا بالتخلص من الخوف، وبالتخلص من الخوف ندخل المرحلة الثانية، والأخيرة، من مرحلتي سيرنا إلى الكمال..
    ولا يكون التخلص من الخوف إلا بالعلم - إلا بمعرفة الأشياء على ما هي عليه في الحقيقة المستورة عنا بأستار الغيب - فإنا لو اطلعنا على الغيب لهزمنا الخوف، قال تعالى عن جن سليمان: ((فلما قضينا عليه الموت، ما دلهم على موته إلا دابة الأرض، تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)).. وقال تعالى عن لسان حبيبه: ((قل لا أملك لنفسي نفعا، ولا ضرا، إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير، وما مسني السوء إن أنا إلا نذير، وبشير، لقوم يؤمنون)) والغيب هو الله.. والله تبارك وتعالى، يعني هذا حين قال: ((قل لا يعلم، من في السموات، والأرض، الغيب، إلا الله، وما يشعرون أيان يبعثون)) وجاءت عبارة: ((وما يشعرون)) هنا لتشير إلى أن حياتنا ناقصة، لنقص علمنا، ذلك النقص الذي سلط علينا الخوف. وقد حجر الخوف بعضنا ليكون درعا لباقينا، وقل بذلك شعورنا.. ونحن ننتظر أن يبعث، بالعلم، البعض الذي أماته الخوف منا.. وذلك أمر محقق، ولكننا نجهل ميقاته.. وجاء باسم الاستفهام ((أيان)) ليشير إلى الزمان الذي فيه البعث.. ((يبعثون))، وهذه عبارة تشير إلى أننا أموات بسبب الجهل، وننتظر البعث بالعلم.. ولقد قلنا أن العلم الذي به الحياة إنما هو إدراك الأشياء كما هي في الحقيقة.. والحقيقة هي الله أيضا.. فالحقيقة، والغيب هما العلم المطلق وهو فينا، في حالة كمون، ولا يفتر منا إلا في المكان، والزمان.. والذي نحققه من المطلق، في الزمان والمكان، هو العلم النسبي - هو الحق- والحق هو وجه الأشياء الذي يلي الحقيقة.. ونحن لا نستطيع أن نحقق من المطلق شيئا إلا إذا تحلينا بما يسمى ((أدب الوقت)).. وأدب الوقت هو الحضور في اللحظة الحاضرة، من لحظات الزمان.. ذلك بأن اللحظة الحاضرة هي أصل الزمان، وهي وسط بين طرفين، كليهما وهم، وكليهما، في حكم الحقيقة، باطل.. وهما لا يجدان تبريرهما إلا في الحكمة التي تقوم وراء خلق الأزواج، قال تعالى: ((ومن كل شئ خلقنا زوجين، لعلكم تذكرون * ففروا إلى الله، إني لكم منه نذير مبين)).. هذه هي الحكمة في خلق ((الزوجين)).. ((لعلكم تذكرون)) ومعناها لعلكم تتعلمون.. لأن عقولنا لا تدرك الأشياء إلا بأضدادها.. وهذا ما عنيناه بقولنا، آنفا، أن العقل هو قوة الإدراك الشفعي..
    ثم قال ((ففروا إلى الله)).. فروا من الضدين، كليهما، إلى من لا ضد له..
    ولنعد للزمان، فقد قلنا أن اللحظة الحاضرة هي أصله، وقلنا أن هذه اللحظة الحاضرة هي وسط بين طرفين كليهما وهم.. ونقول هنا أن هذين الطرفين هما الماضي والمستقبل.. فليس الماضي زمنا، ولا المستقبل زمنا، باعتبار الحقيقة، وإنما هما زمانان باعتبار الحكمة. والشيء الذي هو زمن، باعتبار الحقيقة، إنما هو اللحظة الحاضرة، وهذه اللحظة الحاضرة تدق، حتى لتكاد أن تخرج عن الزمن، فإذا خرجت عن الزمن، التقت بالإطلاق، فكانت إياه.. وهذا حديث يحتاج إلى شرح لا نجد له الوقت، ولا الحيز، هنا، وقد نعود إليه مرة أخرى..
    ويهمنا هنا عبارة ((أدب الوقت)) التي أشرنا إليها آنفا.. فإن أدب الوقت هو الحضور مع اللحظة الحاضرة، لأن فيها ذات الله.. فما هي في الماضي، ولا هي في المستقبل.. واللحظة الحاضرة تمثل القلب، والماضي والمستقبل يمثلان الدماغ.. كل منهما يمثل نصفا.. كل منهما يمثل جناحا من جناحي الطائر - طائر الزمان- والفضل في بروز الجسد أولا، ثم العقل ثانيا، من القلب، يرجع إلى الله، ثم إلى المستقبل والماضي.. ذلك بأن الخوف أزعجنا عن العيش في اللحظة الحاضرة، وشدنا إلى المستقبل، وهو بنفس القدر، ولنفس السبب، شدنا إلى الماضي، فأصبحت حياتنا ((أرجوحة)) بين الماضي والمستقبل، فنحن لا ننتظر في اللحظة الحاضرة، إلا ريثما نتحول منها.. ونحن، في أثناء مرورنا باللحظة الحاضرة، إنما نتلقى الحياة التي نطيقها، ولولا أنا مشدودون إلى الماضي والمستقبل، فلا نلبث، في اللحظة الحاضرة، إلا ريثما نتحول، لاحترقت حياتنا، هذه الناقصة، ذلك بأن اللحظة الحاضرة، حين تتناهى، فيها الحياة المطلقة، ونحن بعد، لم يستعد المكان فينا ليتلقى من المطلق إلا بالقدر القليل جداً، وهو قدر يزيد، بمحض الفضل، كل حين..
    والماضي، والمستقبل حجابان يحولان بيننا وبين اللحظة الحاضرة، فلا نعيش فيها إلا بالقدر الذي تطيقه حياتنا الناقصة، والتي تسير إلى الكمال، كل حين، ولكن ((بقدر معلوم)) وأصحابنا الصوفية يقولون ((الحجاب رحمة)).. وهم إنما يعنونه في هذا المقام بالذات.. فإن التعرض لتجلي الحقيقة الكبرى على أوان ناقصة يحصل منه ((السحق)) وهو ذهاب العقل، وإذا ذهب العقل فقد انقطعت الزيادة..
    وإلى هذين الحجابين، في المكان الأول، الإشارة بقوله تعالى: ((سواء منكم من أسر القول، ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل، وسارب بالنهار * له معقبات، من بين يديه، ومن خلفه، يحفظونه من أمر الله.. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال)) عنى بقوله ((من أسر القول)) المادة غير العضوية، وعنى بقوله ((ومن جهر به)) المادة العضوية، وهي تشمل جميع درجات الأحياء. قوله ((له معقبات)) يعني حجبا.. ((يحفظونه من أمر الله)) يعني من التجلي الوتري، فلا ينمحق تحت هيبته.. قوله تعالى: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) يعني، فيما يعني، لا يتجلى تجليا وتريا على مكان قبل استعداد ذلك المكان لتلقي الأمر الجلل.. وهو، تقدست أسماؤه، فيما هو دون التجلي الوتري، لم ينزل كلامه على حبيبه إلا بعد أن أعد المكان بطول التحنث.. ثم قال، زيادة في ذلك: ((يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه، أو انقص منه قليلا * أو زد عليه.. ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا))..
    وعندما طلب موسى رفع هذه الحجب قبل أن يستعد المكان منه للتجلي الوتري لم يجب، بمحض الرحمة، إلى طلبه.. قال تعالى في ذلك: ((ولما جاء موسى لميقاتنا، وكلمه ربه، قال رب!! أرني، أنظر إليك!! قال: لن تراني، ولكن انظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا، وخر موسى صعقا، فلما أفاق قال: سبحانك!! تبت إليك، وأنا أول المؤمنين * قال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي، وبكلامي، فخذ ما آتيتك، وكن من الشاكرين)).. وهذا ليس نهيا لموسى عن طلب الزيادة، ولكن توجيه له ليطلب الزيادة بالعمل بالشريعة، ليستعد المكان منه للتلقي، فيجيء الفيض من الله.. لأن استعداد المكان إنما هو سؤال بلسان الحال، والدعاء بلسان الحال لا تتأخر الإجابة عليه، ولا الاستجابة له، والله، تبارك وتعالى، يقول: ((أدعوني استجب لكم)).
    وقد فدى الله موسى بالجبل، وجعله له عبرة، ومن خلال العبرة تم التجلي لموسى ولكنه لم يكن تجليا وتريا لأن الجبل قد جعل واسطة فيه..
                  

01-23-2014, 09:42 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)


    وحدة البنية البشرية

    إن القلوب حرم آمن من الخوف لأنها بيت الله، وقد أسلفنا في ذلك القول، ونحب أن نقول أن هذا ينطبق على جميع القلوب، حتى قلب المادة غير العضوية وهي ما نسميها اصطلاحا ((ميتة))..
    وعن سلامة القلوب في أصل التكوين قال المعصوم: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه))..
    وفي ذلك قال تعالى عن اليهود: ((وقالوا قلوبنا غلف، بل لعنهم الله بكفرهم، فقليلا ما يؤمنون)) وقال عنهم أيضا: ((فبما نقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم قلوبنا غلف.. بل طبع الله عليها بكفرهم، فلا يؤمنون إلا قليلا)) .. قال هناك ((فقليلا ما يؤمنون)) وقال هنا ((فلا يؤمنون إلا قليلا)) وذلك أن الكافر لا يكون بغير إيمان إطلاقا، فإن في قلبه الحقيقة - في عقله الباطن الحقيقة- ولكن بينها وبين عقله الواعي حجب كثيفة وهذه الحجب هي التي عبر عنها، تبارك وتعالى، حين قال: ((كلا، بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا، إنهم عن ربهم، يومئذ، لمحجوبون)) والرين هو الصدأ والدنس والطبع.. وذلك كله قد كان بسبب الكبت الذي جرى منذ نشأة المجتمع البشري، والذي لا يزال يجري، وهو قد قام في ظل الأوهام، والخرافات، والأباطيل، التي صحبت علمنا بالله، وبحقائق الأشياء، وبما يكون عليه الواجب علينا نحو أنفسنا، ونحو الله، ونحو الجماعة.. وهذه هي المرحلة التي أسميناها مرحلة الجسد والعقل المتنازعين، والتي ستعقبها، بعون الله وبتوفيقه، مرحلة الجسد والعقل المتسقين..
    ولما كانت القلوب، في سويداواتها، قد جعلها الله حرما آمنا فإن منطقة الكبت لا تقع فيها، وإنما تقع في ((الخرطوم))، في ((المقرن)) في ((البرزخ)) الذي يقوم عند مجمع بحري العقل الواعي، والعقل الباطن.. قال تعالى في ذلك، ((مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان)).. وهذا ((الخرطوم)) هو موطن الانسان في الانسان - هو موطن الانسان الكامل، في الانسان الذي هو مشروعه المستمر التكوين- وكما أن طريق التكوين، والتطوير، لولبي، فكذلك الكبت فإنه لولبي.. هو لولب يدور حول مركز..
    والإنسان الكامل يجيء من التقاء موسى العقل، بخضر القلب على شرط أن يجد موسى مع الخضر الصبر، والثبات.. ولقد قص الله علينا عن موسى الشريعة، وخضر الحقيقة، حيث لم يستطع موسى مع الخضر صبرا: ((وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين، أو أمضي حقبا * فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا * فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا * قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة؟ فإني نسيت الحوت!! وما أنسانيه إلا الشيطان، أن أذكره، واتخذ سبيله في البحر.. عجبا!! * قال ذلك ما كنا نبغي، فارتدا على آثارهما قصصا * فوجدا عبدا من عبادنا، آتيناه رحمة من عندنا، وعلمناه من لدنا علما * قال له موسى: هل أتبعك على أن تعلمني، مما علمت رشدا؟ * قال إنك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟)) ولم يصبر موسى.. وإنما هو لم يصبر لأنه صاحب شريعة، وكان على الحق غيورا.. ولو قد عمل بشريعته هذه حتى بلغ حقيقة كحقيقة الخضر لصبر معه.. والمحاولة هنا، عندنا نحن، هي أن تقوى، بالعبادة، عقولنا حتى تساير، في المطالع، قلوبنا، من غير أن تزعجها، أو أن تعجلها، فنعيش مستنيرين، ومنورين، في أفقي مشارقنا، ومغاربنا، بقمر شريعتنا، وشمس حقيقتنا، والمسافة بينهما محفوظة، في غير إخلال: ((لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار.. وكل في فلك يسبحون)).
    ومنطقة الكبت، في صدر كل منا، عبارة عن سجن رهيب.. أشد رهبة من سجن ((الباستيل)) المشهور.. وهو سجن مظلم، لا يصل إليه النور، ولا الهواء.. وقل أن تصل إليه، من الخارج، الأصوات.. وقد زج في هذا السجن بأبرياء، ومظاليم، وأحرار، بغير محاكمة وقام على أبوابه سجانون عتاة، أشداء، أرهبوا السجناء، وأذلوهم، واضطروهم إلى الطاعة، ففقدوا الحرية، وفقد بعضهم الحركة.. ولكنهم لا يزالون، جميعهم، أحياء يتطلعون ليوم الإنعتاق، وأمامهم إحدى خطتين: إما أن يثوروا بالسجانين والحراس، ويقتحموا أبواب السجن، فتسيل بهم الشوارع سيلا بشريا مجتاحا، أو أن يجدوا العدل منا، والإنصاف، والتفهم العميق.. وفي سبيل هذا التفهم برزت في أروبا، وفي أمريكا، أساليب من الحياة، والفكر، كأساليب ((الهيبيز)) وأساليب ((اللامعقول))، ولكنها أساليب تدل على الحيرة، وعلى القلق، وعلى الجهل بأصل المشكلة.. ومع ذلك فإنها تملك فضيلة الاعتراف بهذه المأساة، في حياتنا، التي تحاول الكثرة الغالبة تجاهلها.. ومن أجل ذلك فإنا لا نعتبر حركات الشباب، التي تتجه اتجاه ((الهيبيز)) علامة مرض، وإنما هي عندنا علامة صحة.. وهذا هو الذي جعلنا نجزم بأنا نعيش الآن في أخريات أيام مرحلة التطور العضوي - العقلي..
    ومن أجل تفهم هذه المأساة لا بد من تعمق أصولها، وهي أصول بدأت منذ فجر العقل البشري.. وقد كان الخوف، والجهل مسيطرين على قضاة وسجاني هؤلاء البؤساء.. ونحن لا نستطيع أن نعيد الحرية لهؤلاء المظاليم إلا إذا كنا، قضاة وسجانين، متحررين من الخوف، ومتحررين من الجهل.. ولا يحررنا من كل أولئك إلا العلم بالأشياء على ما هي عليه في الحقيقة.. وأول ما تعطيه حقيقة الأشياء أن الناس قد خلقوا ليكونوا أحرارا.. ولا يذهلننا عن هذه الحقيقة كون الناس قد خلقوا ضعافا.. فإن هذه مرحلة، وهم، في هذه المرحلة، قد باعوا حريتهم، وقد أنى لهم الآن أن يستردوها بالعمل الجماعي، وبالعمل الفردي..
    وأول ما يمكن أن يقدمه لنا العمل الجماعي تنظيم الجماعة وفق قانون العدل، بدلا من قانون الغابة، حتى نحارب الخوف فلا نضطر إلى زيادة السجناء ((الكبت)) بغير موجب.. وقانون العدل يقول أنه ليس هناك قوي، وضعيف، وإنما هناك محق ومبطل.. والمحق يصله حقه وإن كان عاجزا، والمبطل ينال منه سلطان العدل، وإن كان متجبرا كفارا..
    ومن أجل محاربة الخوف فإن قانون العدل يقول: إن الناس أشراك في خيرات الأرض، وأشراك في تولي السلطة - الاشتراكية والديمقراطية- وفي بنتهما - العدالة الاجتماعية-
    وثاني ما تعطيه حقيقة الأشياء أن الوجود خير كله.. لا مكان للشر، في أصله، وإنما الشر في مظهره.. وسبب الشر هو جهلنا بهذه الحقيقة.. ومن ثم، فليس هناك ما يوجب الخوف.. ونحن لا نستطيع أن نستيقن هذه الحقيقة الكبرى إلا إذا تلقينا من الله بغير واسطة، ولا يكون لنا ذلك إلا إذا لقينا الله، ونحن لا نستطيع أن نلقاه إلا إذا عشنا متحلين ((بأدب الوقت)) وهو أن نعيش اللحظة الحاضرة، غير مشتغلين بالماضي، ولا بالمستقبل.. وهذا ما من أجله فرضت الصلاة.. وهذا هو الصلاة.. وستجدون هذا مفصلا في هذا الكتاب الذي نعيد تقديمه إليكم بهذه المقدمة الطويلة، المستفيضة..
    إن التحلي ((بأدب الوقت)) يوصل إلى ذات الله، ويوصل بفضل الله، إلى توحيد الذات البشرية، وذلك بحل العقد النفسية التي قسمت شخصيتنا، وأورثتنا الشذوذ في جميع صوره، وجميع مستوياته.. وهو أيضا - التحلي ((بأدب الوقت)) - يفتتح العهد الجديد- عهد المرحلة الرابعة من مراحل نشأة الانسان- وهي مرحلة التطور العقلي الصرف، الذي تحدثنا عنه آنفا، ووعدنا بالعودة إليه.. بيد أنا لا نملك في هذا المقام في أمره تطويلا.. وإنما نكتفي بما ورد في شأنه في مقامه من هذه المقدمة..

    (عدل بواسطة جمال المنصوري on 01-23-2014, 09:43 AM)

                  

01-23-2014, 09:43 AM

جمال المنصوري
<aجمال المنصوري
تاريخ التسجيل: 04-02-2009
مجموع المشاركات: 1275

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رسالة الصلاة - الأستاذ/ محمود محمد طه (Re: جمال المنصوري)

    خاتمــة:

    أما بعد فإن هذه المقدمة قد استفاضت، وكان همي دائما، وأنا أسير في شعابها، كفكفة أطرافها.. ولكن موضوعها طويل بطبعه، وسنفرد له مؤلفا مستقلا باسم ((الاسلام علم نفس)) وبالله التوفيق.. وعليه التكلان..
    ومهما يكن من الأمر، فإن الله، تبارك وتعالى، قد أظفرنا من هذه المقدمة بما نريد.. وإني لأرجو أن ينفع الله بها الناس، فيقبلوا على قراءة ((رسالة الصلاة)) وهم ينتظرون من وراء صلاتهم، فائدة حاضرة، وعاجلة، فإن آجلا لا يبدأ عاجله اليوم ليس بمرجو..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de