دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة)
|
فضيلي جماع: ========== مَوْتُكَ..هذا العُرْسُ الملكِي!
(إلى روح ياسر عرفات) (1) كأنّك أيْنَ سعيْتَ ..سعَى الطوْفانْ! تغازِِلُ موْتَك منْذُ وُلِدْت وترْكضُ بيْنَ جحيمِ الصَّبْرِِِ وعنْدَ شفيرِِِالقبرْ !! مكانُك؟ ليْس يحدُّكَ في أرجاءِِ الكوْنِِ مكانْ! وزمانُك أعْمَى ليْس يُميّز ما بيْن الألوانْ!! وأنْتَ تُغازلُ موْتَك تحْمِلُ خارطةَ الوطنِِ المسبِيِّ.. بقلبك يا إنساناً.. أصْلُ قضيّتهِ الإنسانْ! يتمدّدُ صوتُك قُدُسيّاً يتحوّلُ رعْداً.. برْقاً.. لهباً.. بيْنَ "الضفّةِ" و"الأقْصَى" ليقضََّ مضاجعَ.. مَنْ شربوا الأنخابَ على موْتِكْ ! يا ساحِرُ.. كيف قفزْتَ حواجزَ.. مَنْ حبسوك؟ وكيف عبرْتَ جِهاراً ثُقْبَ الإبرةِِ ثم جلسْتَ تحاورُهمْ وتجادِلُهمْ عُمُراً-دهْراً.. يسقطُ أو يتسرّبُ بيْنَ دوِيّ المِدْفعِِِ والحُلُمِ المنكُوبْ؟! هذا عصْرٌُ يُنكِرُ شمْسَ حقيقتِهِ! فاصْبِِرْ..لا تُلْقِ عصاكْ إصبرْ..لا تُلْقِ عصاكْ !
(2)
لموتك.. هذا العرْسِِ المَلكِيّ تنادَوْا عبْر فِجاجِ الأرضْ ونعْشُكَ يلْبسُ هَيْبةَ أسْطورهْ ! تتَنقّلُ بيْن قلوبِ محبِّيك زُمُرّدةً في الكفِّ.. ولؤْلؤةً في الصّدرْ تزفّك باكيةًًً أضواءُ شوارِع باريسَ وساحةُِ قوْسِِ النصرْ لموتك..هذا العُرْسِ الملكيّ تنادوا مَنْ يتكلّمُ؟ كان الصمْتُ بليغاً والخطباءُ تواروْا خلْفَ جلالِ الموتْ!!
(3)
النِّيلٌ توضّأ..صلّى الفجرْ وسالتْ من شُرُفاتِ الدُّورِ تراتِيلُ القرآنْ! وموكبُك الملكيُّ ترجّلَ.. حتىّ يرسم في بوّابةِ.. قاهرة الإيمانِْ علامةَ نصْر!
(4)
الآنَ تعودُ إلى حُضْنِ فلسطينْ طوفانٌ بشريٌّ ينْداحُ وآذانٌ وصلاهْ ! الآنَ تعودُ إلى حُضْنِ فلسطينْ ويا أشجارَ الكرْملِِ يا غصْنَ الزيتونْ الفارِسُ عادَ لتحملََهُ أنفاسُ الزّهْرِ وأجنحة الشُّهداءِ إلى أبواب القدس !!
فضيلي جمّاع- لندن الإثنين 16/11/2004
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: فضيلي جماع)
|
شكرا لك أخي الأديب الشاعر فضيلي ..لأشراكنا معك في تذوق هذ النص العميق المعبر , المفعم بالحزن النبيل الصادق.. هذا النص الذي تناول رحيل الرجل الرمز الأسطوري عرفات.. الذي كتب عليه الترحال والتسفار في حياته ومماته.. .. هذا الرجل الذي ناضل من أجل معادلة صعبة تحفظ الحقوق والكرامة وتحقق السلام العادل.. ... يكفي ما قاله عن الأسطورة الأخر مانديلا "كان أحد أبرز المقاتلين من أجل الحرية في هذا الجيل".وماقاله رئس جنوب أفريقيا الحالي "مقاتل عملاق ناضل من أجل الفقراء والمضطهدين ووصفه بأنه كان "رمزا لمقاومة القمع والظلم". من أكتوي بنار التميز والظلم مثل هولاء يعرفون أكثر قيمة رمز مثل عرفات... شكرا يا أستاذنا فضيلي مرة أخري علي هذه القصيدة الرائعة... كمال عباس
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: kamalabas)
|
أخي الأستاذ/ كمال عباس
عفواً إن جاء ردي متأخراً ‘ إختلاف التوقيت كان وراء ذلك وشكراً على المرور وعلى كلماتك الطيبات. قد يختلف بعضنا مع أطروحات الرجل هنا وهناك، لكن الثورة على الظلم تظل واحدة في أي مكان وزمان. ويبقى ياسر عرفات رمزأ بطولياً يثير الإعجاب.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: نصار)
|
العزيز فضيلي
لك التحية، وكل عام وأنت، والأسرة الكريمة بخير.. هذا نص سلس، شديد التماسك، ظاهر البهاء.. ولكن لا عجب!!
"يا ساحِرُ.. كيف قفزْتَ حواجزَ.. مَنْ حبسوك؟ وكيف عبرْتَ جِهاراً ثُقْبَ الإبرةِِ ثم جلسْتَ تحاورُهمْ وتجادِلُهمْ عُمُراً-دهْراً.. يسقطُ أو يتسرّبُ بيْنَ دوِيّ المِدْفعِِِ والحُلُمِ المنكُوبْ؟! هذا عصْرٌُ يُنكِرُ شمْسَ حقيقتِهِ! فاصْبِِرْ..لا تُلْقِ عصاكْ إصبرْ..لا تُلْقِ عصاكْ !"
رغم أن ياسر عرفات شخصية مثيرة للجدل، إلا أنه يبقى رغم كل ذلك، رمزا كوكبيا لنضال الشعوب. وايقونة تتجسد فيها الجسارة، والعناد، وكل السمات النبيلة، لشعب مناضل، احتار فيه مضطهدوه. سمعت قبل أيام في الراديو الشعبي القومي الأمريكي، مقابلات مع بعض القادة الفلسطينيين، الذين عبروا عن اختلافهم مع عرفات، غير أنهم أيضا، أبدوا إعجابا شديدا، بصبره، وصلابته، وتوحده في هدفه. قالوا أنه ظل ولسنوات طويلة، يعمل لثمانية عشر ساعة، كل يوم. كما قالوا، إنه رغم ما يقال عن الفساد المالي، المستشري، وسط قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، ورغم أنهم لا يستثنون عرفات من المسؤولية، عن ذلك الفساد، إلا أنهم شهدوا له، فيما يتعلق بنمط عيشه الشخصي، بالزهد الشديد، وببساطة المأكل، والمرقد، والملبس. قالوا أنه لم يكن يأبه بالمظهر، ولا بنعومة العيش، وطلاوته.
رحم الله ياسر عرفات، وأحسن إليه. فقد حمل راية النضال لعشرات السنين. لم تلن له فيها قناة، ولم يجد فيه أعداؤه ثغرة لمطمع، يدخلون بها عليه. وسيبقى ياسر عرفات، علما من أعلام النضال، في العالم، اختلفنا معه في أدائه السياسي، والمالي، أو اتفقنا.
تغازِِلُ موْتَك منْذُ وُلِدْت وترْكضُ بيْنَ جحيمِ الصَّبْرِِِ وعنْدَ شفيرِِِالقبرْ !! مكانُك؟ ليْس يحدُّكَ في أرجاءِِ الكوْنِِ مكان!
شكرا فضيلي على هذا النص الرائع.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
صديقي فضيلي :
صورة رغم سرياليتها البهية الا أنها كذلك أحرف تمشي بين مناكب الأبداع صارخة بروعة السبك وممسكة بتلافيف أنفاسنا أندهاشا وبهاءا وجمالا . لله درك يا صديق الحرف والكلم المفعم بالعمق والأصالة والنقاء الفطري والمتجلي هنا في صدق العاطفة ونبل المقصد وروعة المشهد وهيبته :
Quote: النِّيلٌ توضّأ..صلّى الفجرْ وسالتْ من شُرُفاتِ الدُّورِ تراتِيلُ القرآنْ! وموكبُك الملكيُّ ترجّلَ.. حتىّ يرسم في بوّابةِ.. قاهرة الإيمانِْ علامةَ نصْر!
|
ألف أه يا فضيلي .. فانك يا صديقي ربما لاتدري كم أيقظت هذه القصيدة العصماء فيني من أشجان وكم قفزت بي من محطات زمنية للوراء يوم كنت يا فضيلي ـ ضمن كوكبة طيبة ـ تضيئ ألقاوعطاءا في سماء خرطومنا المنكوبة . فألف شكر لك على ما تمنحنا اياه من روح تكاد أن تموت وحيدة مشردة في دهاليز المنافي .
ودي وسلامي لك و للأسرة الكريمة .
خضر عطا المنان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: خضر عطا المنان)
|
الصديق الأستاذ/ خضر عطاالمنان
كل عام وأنت بألف خير ويطل العيد القادم بإذن الله وأمثالك من القدرات الصحفية السودانية الفذة يسخرون طاقاتهم داخل الوطن بمنتهى الحرية. إفتقدناك ياأخي في عيدنا هنا بلندن وقد كان العشم حتى آخر لحظة أن تنضم الى الصديقين خالد الحاج والمعز عمر بخيت في برنامج لطيف أحسب أنهم سعدوا به كثيراً. لكن الجايات أكتر من الرايحات كما يقولون.شكراً على مرورك البهي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
التشكيلي والقاص الدكتور النور حمد
كل عام وأنت والأسرة الكريمة بألف خير. نسكت دهراً - أنت وأنا- عن التواصل ‘ فإذا بك تنال قصب السبق وتكون البادئ بلم الشمل ولو عن طريق الإنترنت كما تفعل الآن. لك شكري أيها النبيل.
أتفق معك تماماً أن ياسر عرفات شخصية مثيرة للجدل ولا يملك المرء إلا الإعجاب بقدراته الفذة على ترويض خصومه. إن ما يجمعنا بالمناضل عرفات هو الثورة على الظلم أين كان. وقضية الشعب الفلسطيني هي الصراع المحوري بين الجشع الإمبريالي في محاولة التفافه على حقوق الأمم والشعوب وما يفرزه هذا التغول من ردود الأفعال..أعني ثورات الشعوب المغلوبة على أمرها. وثورة الشعب الفلسطيني عندي تيار إنساني يكون الوقوف ضده وقوفاً مع غول الإمبريالية بشتى ألوانها. كان عرفات - وسيظل دائماً- الرمز الأسطورة لكفاح الشعب الفلسطيني وشعوب العالم الباحثة عن الحرية والديموقراطية والعدالة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: فضيلي جماع)
|
Quote: لموتك.. هذا العرْسِِ المَلكِيّ تنادَوْا عبْر فِجاجِ الأرضْ ونعْشُكَ يلْبسُ هَيْبةَ أسْطورهْ ! تتَنقّلُ بيْن قلوبِ محبِّيك زُمُرّدةً في الكفِّ.. ولؤْلؤةً في الصّدرْ تزفّك باكيةًًً أضواءُ شوارِع باريسَ وساحةُِ قوْسِِ النصرْ لموتك..هذا العُرْسِ الملكيّ تنادوا مَنْ يتكلّمُ؟ كان الصمْتُ بليغاً والخطباءُ تواروْا خلْفَ جلالِ الموتْ!! |
استاذنا فضيلي جماع
تحياتي ...
ليس هناك اجمل من ذلك ، الرجل يستحق فقد قاد اطول نضال من اجل الحريه ،واصبح
رمز للانسانية جمعاء..
عميق مودتي لك يااستاذ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: محمد عبدالرحمن)
|
أستاذنا الشاعر فضيلي جماع
كل سنة و إنت طيب
حمدا لله على سلامة الوصول ...
النِّيلٌ توضّأ..صلّى الفجرْ وسالتْ من شُرُفاتِ الدُّورِ تراتِيلُ القرآنْ! وموكبُك الملكيُّ ترجّلَ.. حتىّ يرسم في بوّابةِ.. قاهرة الإيمانِْ علامةَ نصْر!
ما أجمل هذا الربط بين موكبه الملكي و نيلنا و علامة نصره الأبدية .. متعك الله بالعافية ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: WaD OmI)
|
التاريخ كما يقولون نهر من الذهب والزبالة ‘ وهو في تدفقه لا يدع شيئاً كبيراً كان أو صغيراً إلا وحمله بين ضفتيه. وياسر عرفات الذي خرج من حصار بيروت على سفينة بعرض البحر ظناً من البعض أنها رحلة اللاعودة‘ كان قد عاد وأقام في تراب فلسطين نواة الدولة الأولى.
آسف..لست أملك توضيحاً أكثر من هذا. دعنا ننتظر حكم التاريخ علينا جميعا وعلى عرفات. وقد يقذف أحدهم سؤآلك في وجوهنا: ماذا فعل جيلنا للسودان؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: فضيلي جماع)
|
الحبيب فضيلى...
بعثت بقصيدتك إلى صديقة فلسطينية .... فجاء مع ردها هذا المقال عن عرفات كاتبه أورى أفنيرى و هو يهودى معروف بإنتقاده لتصرفات الدولة العبرية....و ربما نجد بمقال أفنيرى إجابة لبعض الأسئلة ...
مميّز في عصره
أوري أفنيري 6.11.04 ليس مهم أين مكان دفن عرفات بعد أن يتوفاه الله – سيأتي يوم وستنقل حكومة فلسطين الحرة رفاته إلى الحرم الشريف، كما فعلنا نحن ونقلنا رفاة بنيامين زئيف هرتسل وزئيف جبوطنسكي إلى جبل هرتسل. عرفات هو أحد أبرز الزعماء الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية. لا يحدد منزلة الزعيم حجم إنجازاته فحسب، بل يحددها أيضا حجم العقبات الذي كان عليه اجتيازها، ومن هذه الناحية لا يوجد في العالم كله أي منافس لياسر عرفات: لم يتوجب على أي زعيم من أبناء عصره أن يواجه مثل هذه الاختبارات القاسية وأن يتغلب على مطبات جسيمة كما فعل هو. حين اعتلى منصة التاريخ، في أواخر الخمسينيات، كان الشعب الفلسطيني أقرب إلى الانهيار. لقد شُطب اسم فلسطين من الخارطة الجغرافية والسياسية. إسرائيل، الأردن ومصر قسّمت فيما بينها البلاد. أما العالم فقد قرر أنه لا توجد وحدة وطنية فلسطينية متكتلة، وأن الشعب الفلسطيني لم يعد قائما، حاله حال شعوب الهنود الحمر في أمريكا – هذا إذا كان موجودا أصلا. رغم أن العالم العربي قد واصل الحديث عن "القضية الفلسطينية" إلا أنها كانت تستخدم كرة تتقاذفها الأنظمة العربية. كل من هذه الأنظمة حاول تسديد هدف "القضية الفلسطينية"، لصالحه قامعا بذلك أي بصيص لمبادرة فلسطينية مستقلة قمعا تاما. معظم الفلسطينيين كانوا يقبعون تحت وطأة دكتاتوريات ساحقة ومعظمهم عانى من ظروف مذلة. حين أسس ياسر عرفات، وكان في حينها مهندسا شابا في الكويت، "حركة التحرير الفلسطينية" (واختصارها "فتح" معكوسة)، كان قصده الأساسي من وراء ذلك تحرير شعبه من وطأة الحكام العرب، من خلال استعادة الشعب الفلسطيني قدرته على التحدث والعمل باسمه هو. لقد كانت هذه أول ثورة يقوم بها ذلك الرجل الذي أثار في حياته ثلاث ثورات كبيرة على الأقل. لقد كانت هذه الثورة ثورة خطيرة جدا. لم يكن لدى فتح أية قاعدة مستقلة، وقد اضطرت إلى مزاولة نشاطاتها من الدول العربية حيث لوحق نشطاؤها هناك كثيرا. فعلى سبيل المثال، حين رفض عرفات ذات مرة الانصياع إلى أوامر الحاكم السوري المناوب، جزّت كافة قيادة الحركة، وعلى رأسهم عرفات، في السجن. أم جهاد، زوجة أبو جهاد، هي فقط التي ظلت خارج السجن وتولت قيادة المقاتلين. لقد بلورت تلك السنوات أسلوب عرفات المميز. كان عليه المناورة بين الحكام العرب واستخدام كافة الخدع الممكنة والتصريح بأنصاف الحقائق وازدواجية الكلام، والتملص من الكمائن وتخطي المطبات. لقد تحوّل إلى متمرس دولي في مجال المناورات. بهذه الطريقة أنقذ الحركة في أيام ضعفها حتى تحوّلت إلى قوة هامة. لقد تخوّف جمال عبد الناصر، الحاكم المصري الذي كان يعتبر بطل العالم العربي بأسره دون منازع، من مغبة ارتفاع شأن القوة الفلسطينية المستقلة. وبهدف وأدها قبل بلوغها، أقام جمال عبد الناصر "منظمة التحرير الفلسطينية" (م.ت.ف.) ونصّب أحمد شقيري، المرتزق السياسي، زعيما لها. إلا أنه بعد هزيمة الجيوش العربية المخجلة في حرب الأيام الستة (حزيران 1967) وبعد ما كان يبدو بمثابة نصر "مُكهرب" لفتح على الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة (آذار 196، سيطرت فتح على منظمة التحرير الفلسطينية وتحوّل عرفات إلى زعيم لا منازع له للنضال الفلسطيني بأسره. في منتصف الستينيات، أثار عرفات ثورته الثانية – النضال المسلّح ضد إسرائيل. لقد كانت النية في البداية مثيرة للسخرية تقريبا: مجموعة صغير من مقاتلي العصابات، من غير المدرّبين ودون أسلحة تقريبا، ضد القوة الضاربة التي كان يتمتّع بها الجيش الإسرائيلي. لم يكن ذلك على أرض جبلية وأودية وأدغال لا يمكن اجتيازها، بل كان في بلاد صغيرة ومسكونة. إلا أن هذا النضال قد طرح القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي. ويجب أن نقول بوضوح: لولا العمليات العسكرية الفتاكة لم يكن للعالم ليولي أهمية للشعب الفلسطيني الذي يتوق إلى الوجود والحرية. نتيجة لذلك تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها "الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني" المتشتّت، وقد دعي عرفات، قبل ثلاثين سنة، لإلقاء خطابه التاريخي في الجمعية العامة للأمم المتحدة "أمسك بيدي الأولى بندقية، وفي الأخرى أمسك غصن زيتون..." لقد كان النضال المسلّح بالنسبة لعرفات مجرّد وسيلة لا غير. لم يكن ذلك أيديولوجيا ولا هدفا بحد ذاته. لقد كان من الواضح له تماما بأن هذه الأداة، رغم كونها تساعده على بلورة الشعب الفلسطيني والحصول على اعتراف دولي، غير أنها لن تنتصر على إسرائيل. لقد أدت حرب أكتوبر 1973 إلى تحوّل جديد في إدراكه للأمور، فقد رأى تقهقر الجيشين المصري والسوري بعد أن حققا انتصارا مثيرا، وفي نهاية الأمر كانت الغلبة للجيش الإسرائيلي. هذا الأمر أقنع عرفات نهائيا أنه من غير الممكن تحقيق الأهداف الفلسطينية بقوّة السلاح. بسبب ذلك، فور انتهاء حرب أكتوبر، أثار عرفات ثورته الثالثة: لقد قرر أنه يتوجّب على منظمة التحرير الفلسطينية التوصّل إلى اتفاقية مع إسرائيل والاكتفاء بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط. لقد وضعه هذا الأمر أمام مهمة تاريخية جديدة: إقناع الشعب الفلسطيني في التخلي عن موقفه التاريخي الذي أنكر وجود دولة إسرائيل والاكتفاء بإقامة دولة على 22% من مساحة فلسطين ما قبل عام 1948. رغم أنه لم يعلن ذلك بشكل واضح، فقد كان من الواضح أن معنى الأمر هو التخلي عن العودة غير المحدودة للاجئين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل. لقد بدأ العمل على تحقيق هذا الهدف بأسلوبه الذاتي – بصبر، بعناد، وبمناوراته المعهودة، خطوتان إلى الأمام وخطوة واحدة إلى الوراء. تشهد على حجم هذه الثورة حقيقة كون منظمة التحرير الفلسطينية قد نشرت عام 1970 في بيروت كتابا، هاجمت فيه بشدة حل الدولتين (وقد سمّي هذا الحل في الكتاب "برنامج أفنيري"، لأنني كنت أبرز الداعين إلى هذا الحل). يلزمنا العدل التاريخي بالقول بأن عرفات قد فكر باتفاقية أوسلو في وقت كان فيه إسحق رابين وشمعون بيرس ما زالا متشبثان "بالخيار الأردني" الذي لا أمل منه. كان عرفات هو الأكثر استحقاقا من بين الثلاثة الذين نالوا جائزة نوبل للسلام. منذ عام 1974 وما تلاه شهدتُ جهودا جبارة بذلها عرفات ليحث شعبه على قبول هذا التوجه الجديد. خطوة فخطوة، قبِل المجلس الوطني الفلسطيني بهذا التوجه، ابتداء من قراره بإقامة سلطة فلسطينية "على كل جزء من أجزاء الوطن الذي سيتم تحريره من أيدي إسرائيل" وانتهاء بالقرار التاريخي من عام 1988 بإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. لقد كانت مأساة عرفات (ومأساتنا) هي أنه مع اقترابه من الحل السلمي كانت تبتعد حكومات إسرائيل عنه. لقد كان الحد الأدنى من شروط عرفات، والتي لم تتغير منذ عام 1974 واضح جدا: دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ سيادة على القدس الشرقية (وبضمنها الحرم الشريف، باستثناء حائط المبكى والحي اليهودي)؛ إعادة الخط الأخضر إلى ما كان عليه، مع إمكانية تبادل مناطق محدودة ومتساوية؛ تفكيك كل المستوطنات في المنطقة الفلسطينية وحل قضية اللاجئين في إطار اتفاق مع إسرائيل. يرى الفلسطينيون في ذلك الحد الأدنى ولذلك لا يمكنهم التراجع عنه. من الممكن جدا أن إسحق رابين كان قريبا من هذا الحل في أواخر حياته، حين أعلن في التلفزيون بأن عرفات هو "شريكي". كل من خلفه اعترض على ذلك. لم يكن بنيتهم التخلي عن المستوطنات، بل على العكس فقد أرادوا بتوسيعها دون توقّف. لقد عارضوا تحديد حدود ثابتة لأن نظرتهم الصهيونية كانت تتطلع إلى التوسّع المستمر. لذلك رأوا في عرفات عدوا خطرا وبذلوا كل ما في وسعهم لكسره، مستخدمين كل الوسائل ومن بينها حملة لم يسبق لها مثيل من التشويه الشخصي. هكذا فعلت غولدا مئير ("لا يوجد شيء يدعى شعب فلسطيني")، كذلك مناحيم بيغن ("حيوان يدب على اثنتين... ذلك الرجل ذو الشعر على الوجه... هتلر الفلسطيني)، هو الأمر بالنسبة لبنيامين نتنياهو وإيهود براك ("مزّقت القناع من على وجهه")، كذلك إرئيل شارون الذي حاول اغتياله في بيروت وواصل محاولاته منذ ذلك الحين. لم يواجه أي مقاتل حركة تحرير في نصف القرن الماضي عقبات كبيرة كمثل التي واجهها عرفات. لم تقف في وجه الفلسطينيين دولة استعمارية ممقوتة أو أقلية عنصرية تثير السخط، بل دولة تمت إقامتها بعد الكارثة وأصبح العالم بأسره يشعر بالتأييد حيالها والإحساس بالذنب. يتفوّق المجتمع الإسرائيلي في كل المجالات، العسكري، الاقتصادي والتكنولوجي، على الشعب الفلسطيني بمئة ضعف. عندما توّجب على عرفات إقامة السلطة الفلسطينية، لم يستلم دولة نشطة كما فعل نلسون منديلا أو فيدل كاسترو، بل مناطق معزولة مساحاتها قليلة، حيث دمرت بنيتها التحتية بشكل منتهج في عشرات سنوات الاحتلال. لم يحظ عرفات بجمهور يسكن في أرضه بل حظي بشعب نصف أبنائه من اللاجئين الموزعين في العالم والنصف الآخر مؤلف من مجتمع ممزق من الناحية السياسية، الاقتصادية والدينية. كل ذلك يحدث في وقت تتواصل فيه حرب التحرير الفلسطينية. إن ما يعتبر إنجازا تاريخيا لعرفات هو تمسكه بهذه الحزمة وجمعها وقيادتها لتحقيق هدفها في مثل هذه الظروف خطوة تلو الأخرى. لكل رجل فذّ نواقصه. أحد نواقص عرفات هو ميله إلى اتخاذ القرارات بمفرده، وخاصة بعد أن قتل معظم شركاه. فقد حدثني ذات مرة أحد أبرز معارضيه: "هذا ليس ذنبه، فنحن المذنبون. لقد اعتدنا خلال عشرات السنوات الهروب من اتخاذ القرارات الحاسمة التي استوجبت شجاعة وإقداما. لقد قلنا دائما: فليقرر عرفات". وقد قرر عرفات بالفعل. وكما يفعل زعيم حقيقي، مشى عرفات في العديد من المرات في طليعة القافلة، ليقود شعبه. هذا ما حدث في المواجهة مع الحكام العرب وحين تبنى النضال المسلّح، وكذلك عندما مد يد السلام إلى إسرائيل. يكنّ له شعبه بسبب هذه الشجاعة ثقة، احتراما ومودة تفوق كل الانتقادات. إذا توفي عرفات، فستخسر إسرائيل عدوا كبيرا كان مستعدا أن يكون شريكا وحليفا. مع مرور السنين زادت وتعاظمت مكانة عرفات في ذاكرة التاريخ. أما بالنسبة لي: لقد قدّرت عرفات كوطنيّ فلسطيني، أعجبت بشجاعته وفهمت الاضطرارات التي كان عليه المناورة فيما بينها، ورأيت فيه شريكا لبناء مستقبل جديد لشعبينا واحترمته كإنسان. وكما قال هملت: "لقد كان إنسانا في آخر الأمر، لن أرى في حياتي مثيلا له".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: موتك..هذا العرس الملكي!!........(قصيدة جديدة) (Re: Omar)
|
أخي عمر
لقد أرحتني بهذا المقال الذي كتبه إيفنيري. حسنة الشعر أنه يفصح حيث يكون استخدام الرمز والإشارات وحسنة المقال أنه يشرح بالتفصيل تلك الرموز. لك وللأخت الفلسطينية التي بعثت إلينا بالمقال ألف شكر..وعلينا أن نتذكر دائماً أن عالمنا به الكثيرين من اليهود الأحرار من أمثال يوري أيفنيري ونعوم تشوميسكي عالم اللسانيات المشهور والذي لا يؤمن بدولة إسمهاإسرائيل أصلاً.
مرة أخرى لك الشكر الجزيل.
| |
|
|
|
|
|
|
|