دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
دكتور أحمد عثمان : ما انجزته انتفاضة سبتمبر
|
د.أحمد عثمان عمر انتفاضة شعبنا العظيم في سبتمبر 2013م ، حققت الكثير من المنجزات حتى هذه اللحظة، يحاول البعض من ذوي المصلحة أو الغفلة أو اليائسين تبخيسها وتخزيل المنتفضين عن مواصلة إنتفاضتهم، معللين ذلك بأن الهدف الوحيد للإنتفاضة هو إسقاط النظام وعدم سقوطه يعني هزيمة كلية للشعب. مثل هذه القراءة المسطحة لطبيعة الإنتفاضة من أي مصدر أتت، تتناسى أولاً أن هذه الإنتفاضة بدأت في شكل إحتجاجات ضد زيادة أسعار المحروقات ومن ثم عمقت أهدافها سريعاً حتى صار إسقاط النظام الهدف الموحد لجميع أهدافها بإعتباره شرطاً لرفع العبء عن كاهل الجماهير. وثانياً تتجاهل أن اي حراك إجتماعي في سبيل إنجاز هدفه الأخير لابد أن يحقق إنجازات غير مسبوقة ما كان للشعب أن يحققها دون حراك ودون إحتجاج. وحتى لا يغرق البعض المنتفضين وجماهير شعبنا العظيم في اليأس، يصبح لزاماً علينا رصد ما حققته الإنتفاضة حتى الآن ومايمكن أن تحققه، وشروط تحقيق جميع أهدافها. في تقديرنا المتواضع أن أهم ما أنجزته الإنتفاضة هو فضح حكم الأقلية المتطفلة على الشعب وعزله وتحديد جوهره الخالص ودفعه إلى إستخدام العنف كوسيلة وحيدة أتى عبرها ولا يمكن أن يستمر إلا عبرها. فالنظام في رده على الإنتفاضة، لم يجد مناصاً من الإعتماد على قوات أمنه الخاصة ومليشياته التنظيمية، حيث فشل في مواجهة شارع بشارع، وفي تنظيم حتى عضويته لتأييد قراراته الإقتصادية الكارثية الأخيرة، ولم ينجح في حشد محازبيه وأنصاره ولا حتى موظفي القطاع العام للخروج وإن شكلاً لتأييده. وهذا تراجع كبير في قدرة النظام وعزلة مؤكدة تفضح طبيعة النظام الطفيلية وتؤكد القطيعة بينه وبين الشعب الذي يتحكم فيه، وتجهض كافة التكتيكات التي أستخدمها طوال السنوات الماضية ليبدو وكأنه ذو جذور إجتماعية راسخة وأنه يتمتع بتأييد كبير في الشارع السوداني. كذلك قامت الإنتفاضة بنقل النظام من موقع الهجوم والمبادأة، إلى موقع الدفاع على كافة المستويات. فهو لم يتمكن من إقناع حتى عضوية حزبه ومناصريه بقراراته الإقتصادية، كما فشل في إستخدام المصد الأول في مواجهة أي معارضة وهو إمكانياته في تضليل الرأي العام عبر إعلامه وتسويق الإدعاءات حول طبيعة الإنتفاضة والمندسين فيها وإدعاءات التخريب المزعومة، ولم يستطع أن يتبرأ من القمع الذي مارسه عبر الأكاذيب الأخرى، وأيضاً فشل في إسكات الأصوات الحرة أو دحر الإحتجاجات عبر وسائل عنف أقل تكلفة سياسية كتفريقها بالغاز المسيل للدموع والعصي. وهذا الفشل الذي ألجأه إضطراراً لإستخدام آخر سلاح لديه وهو العنف المفرط بالإعتماد على نخبة مليشياته الخاصة بجنجويدها وأمنها الشعبي، يعني أنه في حالة دفاع قصوى عن النفس لم يصل إليها قبل هذه اللحظة.وبما أن النظام فشل في تسويق إتهامه للجبهة الثورية بالتخريب واقناع الجماهير بخطابه العنصري، يتوجب على الجبهة المذكورة تطوير خطابها وإيجاد السبل اللازمة لتقوية علاقتها بالحراك السلمي لتعزيز فرص إسقاط النظام. بالإضافة إلى ما تقدم، أجبرت الإنتفاضة النظام على نزع كافة المساحيق التي كان يضعها على وجهه، من إدعاءات زائفة حول حرية التعبير والتنظيم ومسحة الديمقراطية الكاذبة التي كان يتبجح بها ليل نهار. فاضطر لإيقاف الصحف، ومنع الصحفيين من الكتابة، واعتقال الكتاب، وشن حملة إعتقالات واسعة شملت الناشطين من جميع الإتجاهات السياسية، وقطاع واسع من الشباب المنتفض غير المنظم، أسفرت عن الوجه القبيح المستتر للنظام بالعودة لتعذيب المعتقلين والماجدات من المعتقلات . ولا شك في أن هذه الحملة الواسعة غير المسبوقة وما رافقها من قمع وعنف مفرط، لا تعكس قدرة ومنعة بالنسبة للنظام بقدرما تعكس حالة من الهلع والرعب إنتابت قياداته التي أصبحت تخاف من مجرد كلمة مكتوبة في صحف يقرأها من يتمكن من دفع ثمنها من نخبة المجتمع التي تستطيع القراءة في بلد تستشري فيها الأمية. وفي نفس السياق نستطيع قراءة إيقاف النظام لخدمة الإنترنت وإستمراره في حجب المواقع المعارضة، مما يعد إقراراً بأن كل ماكرسه من أموال في سبيل تغييب الوعي وسلب إرادة الجماهير لم ينجح في الدفاع عنه وعن سياساته في لحظة الرفض والغضب الجماهيري. فشل النظام في الحفاظ على وحدة قاعدته التنظيمية نفسها، حيث بلغت الهزة الناتجة من الحراك الإحتجاجي مكتب حزب الحكومة المسمى المؤتمر الوطني القيادي نفسه. فقام واحد وثل اثون من نخبة عضويته منهم خمسة بمكتبه القيادي وآخرون بالمجلس الوطني (جهازه التشريعي) وبعض ضباطه بالمعاش، برفع مذكرة لرئيس الحزب ورئيس النظام في نفس الوقت، تحتج على القمع المفرط لحركة الإحتجاجات وعلى تمرير زيادة أسعار المحروقات دون إتباع السبل المؤسسية ودون عرضها للمناقشة داخل حزب السلطة نفسه وبرلمانه الوهمي. وهذا يبين أن نخبة الطفيليين الحاكمة، قد فشلت في تمرير سياسة حكمها حتى داخل منظومتها الفاسدة نفسها، وفضلت أن تنفرد بالقرارات الكارثية وحدها، مما يؤكد عدم ثقتها في نفسها ووجودها في موقع الدفاع لا الهجوم. والواضح أن الحراك الجماهيري لم يشجع المجموعة التي تسمي نفسها إصلاحية على رفع صوتها علناً وخارج الأطر الحزبية فقط، بل مكنها من تحدي لجنة التحقيق التي عينها رأس النظام للتحقيق معها. وفي نفس السياق جاء موقف مجموعة سائحون التي لم تقطع الصلة بينها وبين النظام، ولكنها أعلنت عن دعمها لحق الشعب في التعبير عن رفضه للقرارات الإقتصادية الأخيرة وأدانت العنف الذي تم إستخدامه في مواجهة المحتجين. فوق ذلك ، لم يستطع حلفاء النظام وشركاؤه الكبار في حكومة التجويع والإفقار الحالية الدفاع عن سياساته ولا مباركة خطواته الدفاعية القمعية التي إتخذها. فأكبر الأحزاب التقليدية المشاركة في الحكومة (الحزب الإتحادي الأصل) شهد ململة معلنة وتصريحات من بعض كوادره بالإنسحاب من الحكومة، ولم يستطع منع قواعده الشبابية من المشاركة في الحراك الإحتجاجي واحتجب زعيمه الراغب في مواصلة البقاء مشاركاً في السلطة عن الأنظار منعاً للحرج، وابتعاداً عن مواقف لن يستطع الدفاع عنها وإن قبلها في الغرف المغلقة. أما الأحزاب الصغيرة المؤلفة قلوبها، فقد كان لبعض منسوبيها كوزير الإعلام صوت عال في الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه، ولكن مثل هذا الدفاع سيذهب جفاء كما يذهب الزبد لطبيعة هذه الأحزاب نفسها التي ستزول بزوال النظام تماماً مثل حزب الحكومة الحالي الذي لن يستطع الحياة بعيداً عن السلطة. ولأول مرة سمحت الإنتفاضة للدول بنقد النظام علناً وإبداء قلقها على مايحدث من قمع في السودان، وكمثال لذلك موقف دولة الإمارات العربية المتحدة وموقف المملكة العربية السعودية وكذلك ما أبدته دولة فرنسا من ملاحظات وبمستوى أقل موقف الولايات المتحدة الأمريكية. وتبع ذلك موقف بعض القنوات الإعلامية كقناة العربية وسكاي نيوز اللتان تميزتا بتغطية جيدة للإنتفاضة إضطرت النظام لإغلاق مكاتبهما بالخرطوم خوفاً من حدوث ثورة كما صرح وزير الخارجية. وهذه الخطوة تعد إنجازاً كبيراً في سبيل محاصرة النظام والتقليل من الدعم المعلن والمضمر الذي يجده من الولايات المتحدة الأمريكية والدول ذات العلاقة الوثيقة بمشروعها في المنطقة. وهي مؤشر لمدى عمق التناقضات الموجودة في هذا المعسكر والقابلة للإستثمار إن أحسنت القوى المعارضة إستغلالها. ولا شك في أن أهم سمة من سمات الإحتجاجات التي تعد إنجازاً مهماً لشعبنا، هو أن الغالب على هذه الإنتفاضة هو عنصر الشباب، الذي هزم التكتيك الرئيس للنظام بهدف الإستمرار في الحكم، وهو كسر حلقة التنظيم بجميع مؤسسات المجتمع المدني وفصل القوى المعارضة عن الجماهير. حيث تمكن الشباب من تجاوز القيادات التاريخية وتوحدوا في الشارع منظمين بأحزاب وغير منظمين وأنجزوا تنظيم إنتفاضتهم بأنفسهم، وإن لم يرتق التنظيم للمستوى المطلوب بعد. فهزيمة تكتيك السلطة الرئيس الذي تراهن عليه، يعني أن الشعب لم يعد من الممكن تأطيره والسيطرة عليه، وأنه أخذ زمام المبادرة من السلطة ووضعها موضع الدفاع، لأنه أثبت قدرته على الخروج من الصندوق الذي أراد النظام وضعه فيه. والشاهد أن إنتفاضة سبتمبر قد أكدت للنظام أن كسر حلقة التنظيم ومصادرة حق العمل الجماهيري عن الأحزاب والقوى المنظمة بالمخالفة للدستور، هو تعدد مراكز الإحتجاجات وامتدادها للأقاليم والمدن الأخرى غير العاصمة، ولا ننسى أن أول من خرج للشارع هو مدينة مدني بالجزيرة. إستمرارية الإنتفاضة لكل هذا الوقت رغم العنف المفرط الذي تستخدمه السلطة، يعني أن حاجز الخوف قد إنكسر وأن الجماهير قد إكتسبت ثقة في نفسها، وهذا حتماً ينقل الخوف والرعب إلى المعسكر الآخر أي معسكر السلطة. ومظاهر هذا الخوف لا تتكرس في المواجهة العنيفة للإحتجاجات فقط ، بل تظهر في محاولة البعض القفز من السفينة التي توشك على الغرق (الإصلاحيون مثالاً) ، وفي تهريب البعض لأمواله المنهوبة خارج البلاد وإرسال أبنائه للبحث عن وطن بديل، وفي نقل أسر بعض أبناء النخبة الطفيلية الحاكمة من مساكنهم الفاخرة المبنية من عرق شعبنا وأمواله لتأمينهم، وفي إنقطاع بعض الدستوريين والوزراء عن الذهاب لأماكن عملهم ووزاراتهم، وفي تعلل بعض أفراد المجموعة المذكورة بأسباب متعددة للسفر للخارج، وفي إضطرار السلطة لإغلاق المدارس والجامعات. وخلاصة الأمر هي أن الإنتفاضة قد تمكنت من نقل الشعب من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم وأجبرت السلطة على إستخدام الهجوم العنيف كوسيلة للدفاع وفضحت طبيعتها الإجتماعية وعزلتها. كذلك ألجأتها لفضح طبيعتها المعادية للجماهير بمصادرة هامش الحرية الضئيل الذي كان موجوداً ولمصادرة حق التعبير وممارسة الإعتقالات والتعذيب وأسقطت هيمنتها الإعلامية ومزقت وحدة تنظيمها الحاكم ودفعت الكثير من مؤيديها للإبتعاد عنها. أيضاً شجعت دول وأجهزة إعلام على إنتقادها وحشرها في الزاوية وأسست لكسر حلقة مصادرة الحق في التنظيم بإبتداع أشكال للتنظيم مغايرة للشكل الذي ألفته السلطة وتعودت على قمعه، مثلما وسعت نطاق العمل الجماهيري والاحتجاجي ليتزامن بين المركز والمدن الإقليمية. ومن أهم منجزاتها كسر حاجز الخوف ووضع المبادرة في يد الجماهير ، وتعزيز إمكانية البناء التراكمي فوق ما أنجزته حتى يتم إنجاز الهدف الأكبر وهو إسقاط النظام. فإسقاط نظام كنظام الرأسمالية الطفيلية الحاكم في السودان، ليس عملية بسيطة تقوم على معادلة رياضية سهلة ، بل عملية تراكمية معقدة من الصعود والإنحسار والتاكتيك والتاكتيك المضاد، والفهم لما تم إنجازه ومالايزال ينتظر مزيداً من الجهد حتى يتكامل مع عناصر أخرى لازمة لإسقاط النظام، مع حساب توازن القوى الداخلي وهو الأهم، وتحديد خارطة الفعل السياسي بواقعية، مع قراءة الظرف الإقليمي والدولي حتى تتمكن الإنتفاضة من تحقيق أهدافها. المهم هو الإمساك بقوة بقضايا الإنتفاضة والحفاظ على جذوتها باقية ومشتعلة والبناء على الكثير الذي أنجزته حتى هذه اللحظة، حتى يتحقق الخلاص لشعبنا والقصاص لشهدائنا. المجد والخلود لشهداء إنتفاضة ديسمبر المجيدة والخزي والعار والهزيمة لجلاديهم خدم الرأسمالية الطفيلية د. أحمد عثمان 6/10/2013م
( منقول عن الراكوبة )
|
|
|
|
|
|
|
|
|