|
ميرغني عبد الرحمن حميد: عدد الحصى عدد الثمر عبد الله علي إبراهيم
|
كنت في نهاية الأسبوع الماضي (من عام 2009) ببورتسودان للعزاء في رفيقنا الأستاذ ميرغني عبد الرحمن حميد. نشأنا بحي الداخلة وعلى مدرسته العطبراوية في إحسان القيادة المحلية. وهي مدرسة أرسى تقاليدها في الداخلة المرحوم عبد الله محي الدين الحسن الذي نحتفل بمرور 20 عاماً على وفاته في يناير القادم (2010). فهذه القيادة تبدأ بالنادي. ولأنه ناد رياضي واجتماعي معاً يصبح القائد المحلي حارساً للنسيج الاجتماعي "القبائلي" يرتق فتقه. كما يصير "سداد فرقة" يتفقد الناس ويقف على نقصهم فيسعى بين أهل الاستطاعة يكمله، أو يتوسط للجهات المختصة فيزيل الظلامة. ولأن النادي الاجتماعي في عطبرة مما نشأ على يد اليساريين غالباً صارت اليسارية صفة غالبة في قيادة الأندية. مراراً ذكرت كيف تغلب هؤلاء النشطاء الشيوعيون على القبلية في ناد للناس السواسية في الحي. قال لي المرحوم محمد على إبراهيم إنه لما بداؤوا هذه الأندية كان عمكم عبد الموجود لا يمرر الكرة إلى فلان بالاسم لأنه دنقلاي مع جامع التيم الواحد. وربما فسر هذا تحول ميرغني من عقيدته القوية في الزعيم الأزهري (التي ورثها عن أخيه الأكبر المرحوم علي حميد) إلى اليسار. وأذكر من شدة عقيدته وقوة أسرها أن قلت لهم يوماً بعد عودتي من ليلة سياسية للحزب الوطني الاتحادي: "ناسكم الكلهم كروش". فقال لي""وماذا عن كرش عبد الخالق" ولم أحر جوابا. وتعلمت أن لا أزكي أستاذنا عبد الخالق فوق ما لا يستطيع هو نفسه أن يفعل. راقبت تحول ميرغني تدريجياً إلى اليسار. واعتقد أن لصحافة مصر الاشتراكية دورا مقدماً في هذا التحول. أتذكر بالتحديد مجلة "الكاتب" الشهرية. كنت نتدارسها. وقد أخذتنا بالذات مقالات أحمد رشدي صالح عن اليمين واليسار في الإسلام. لقد صرعتنا بزاويتها المبتكرة في قراءة تاريخ صدر الإسلام كمادة لنزاع اجتماعي يصح فيه مصطلح اليمين واليسار. وكان هذا النظر سبباً قوياً لنرى سداد فكرة استصحاب المأثرة الإسلامية في عملية التغيير الاجتماعي. فحين يقول الشيوعيون إنه لم يقم بينهم تقليد للإلحاد كما قد تقتضي الماركسية فصدقوهم (إلا ربما في دوائر الطلاب مما هو من نزق الشباب عامة أو بين من أفلتوا من السودان متميزين غيظاً على الإسلاميين فتسدوا في الإسلام). وميرغني مسالم سمح النفس. وكنت استعيده حكايته مع فتوة بالحي. قال إنه كان يحمل عمود الفطور لأبيه. فأعترضه الفتوة وجر الشكلة. واعتذر ميرغني بأنه مرسل بالفطور ولا وقت له للشكل واقترح تأجيله إلى وقت مناسب. وأصبحا في حجاج بين الشكلة الآن أو الشكلة لاحقاً. والحقيقة أن ميرغني لم يرغب في الشكلة أصلاً. وجاء قريبنا أبو القاسم محمد طه ماراً ووجد الجدال واقفاً. وحلاً للإشكال اقترح على ميرغني أن يحمل الفطور نيابة عنه إلى والده فيخلي يده للشكلة الآن. ولقيت أبا القاسم الذي جاء للعزاء من عطبرة. وخطرت لي الطرفة. و لو وجد سبيلاً ليحول بين ميرغني والموت لما تردد. وانتهزنا أنا وميرغني عطلاتنا من جامعة الخرطوم للقيام بنشاط سياسي ضد نظام الفريق عبود. ومن أوضح تلك النشاطات احتفالنا بعيد الاستقلال عام 1962 أو 1963 التي رويتها في موضع آخر لأن الإذن له ساقنا إلى مكتب الحاكم العسكري. واحتفظ ما أزال بصورة للجنة تلك المناسبة تعجبني وجوهنا ونحن في ثوب الشباب القشيب. والتقيت في العزاء بالصديق الدكتور كمال علي موسي ولنا زمالة في سرقة النحاس بالداخلة كما سبق.
|
|
|
|
|
|