|
|
 الحركة الشعبية لتحرير السودان: وي ووب عبد الله علي إبراهيم
|
الحركة الشعبية لتحرير السودان: وي ووب
عبد الله علي إبراهيم
تكررت خلال أزمة السودان الجنوبي القائمة الأشارة إلى انقسام 1991 في الحركة الشعبية بين شيعة جون قرنق ورياك مشار. وكانت ذروة تلك التلميحات لذلك الانقسام هي وصف سلفا كير لمشار بأنه "نبي الكارثة". وهو يحمله بذلك وزر المذابح التي وقعت بين الدينكا والنوير إثر ذلك الانقسام. ولو صح تصوير لام أكول، الذي ناصر مشار، للنزاع في كتابه الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان : داخل ثورة أفريقية (الخرطوم 2001). لما رأينا سبباً لصب خلاف قرنق ومشار في إتون نزاع إثني بين هذين الشعبيين الجنوبيين. فقد كان أصل نزاع 1991، كما هو نزاع اليوم، حول الديمقراطية في حركة مسلحة استحكمت فيها حلقات التسلسل القيادي عسكرياً فلا مكان لمدني في إعرابها. وجاء لام بحيثيات نافذة لصور انفراد قرنق بزمام الحركة وتغييب ما عداه عن مجرياتها. واشتكى الواثق كمير مؤخراً عن تهميش قطاع الشمال في أنظمة الحركة خلال تنفيذ اتفاقية السلام الشامل لأنه لم يحارب وكان من القاعدين. ولم استغرب احتجاج مشار ولام على هيمنة قرنق على الحركة لأنهما ممن تربى على العادات النقابية في الشمال التي تصريف الأمور فيها جماعي حتى في أسوأ الأحوال. بل كتب فائز الشيخ السليك منذ أيام ينعى على قطاع الشمال قيام قيادته بوضع دستور للحركة ستعرضه على مجلس تحرير معين من القيادة لإجازته. وهذا، في قول فائز، تسويق للاستبداد. فمن دقنو وفتِّلو.
غير خاف إذاً أن الحركة الشعبية التي يلهج أنصارها بها كغاية الأرب من فرط عصمتها السياسية هي مشروع تحت التكوين أو للمستقبل. فما استعر فيها الصراع في القيادة حتى تفرق دمه بين "القبائل". كان ذلك في 1991 وهو ما يجري أمام ناظرنا في أيامنا هذه. فلم يتسرب لوجدان صفوة الجنوب ومؤسستها السياسية معنى وروحية الحرية التي قاتلت لأجلها قتالاً عنيداً عنيفاً وانتصرت. وتجدها متى اشتجر الخلاف بينها تركت الحركة الشعبية على قارعة الطريق وعادت قياداتها تستنفر أهلها وتستنصر بهم ظالمة ومظلومة. ومما له دلالة قصوى هنا في المعنى الذي نسوقه هو درامية الصدام بين سلفا ومشار. فقد وقع خلال انعقاد اجتماعات مجلس التحرير، لجنة الحركة المركزية، التي اجتمعت لتنظر في فض الخلاف الذي استوى بين الفريقين وأدى إلى تجريد مشار من مسؤولياته في الدولة، ورفت باقان أموم من أمانة الحزب العامة ضمن إجراءات أخرى. وواضح أن اجتماع مجلس التحرير كان مجرد "مديدة حرقتني" لخصماء يجيشون سندهم الإثني الحقيقي ليوم الكريهة.
فإذا استعرنا من مجاز منصور خالد قلنا كلما تكاثرت زعاع صفوة القومية الجنوبية تناقصت أوتاد تنظيمهم لأن التحشيد للمعركة يجرى خارج حظيرته بين "القبائل". ويدفع شعب النوير والدينكا ثمناً باهظاً لصفوة لا سقف لغرائزها للحكم ولا نهاية لبحر دمائها وسفكها. ولا تظنن أن الشعبين لا يعرفان أنهما حطب تلك الغرائز ولظاها. فقد وجدت تفصيلاً لصورة الجنوبي كضحية لنزاع الصفوة القومية الجنوبية في مقال جيد شجاع كتبه الأنثربولجي السوداني جوك مادوت جوك (صار في قيادة وزارة الثقافة بدولة جنوب السودان) والأنثربولجية إيلين هتشنسون المحاضران بالجامعات الأمريكية. وقد نشرته مجلة الدراسات الأفريقية (المجلد 42، العدد 2 ، 1999). وقد فصَّل الكاتبان من واقع دراساتهما الميدانية كيف أن الدينكا والنوير قد أصبحا ضحية سائغة لصراع قرنق ومشار بعد إنقسام 1991 المعروف في الحركة الشعبية. وأنتهي الكاتبان للقول إن الذين سقطوا من النوير والدينكا بالرصاص الجنوبي فاق بمعدلات كبيرة ضحايا رصاص الجيش الحكومي. ويسمي سواد الجنوبيين حروب قرنق ومشار ومن لف لفهما ب" حروب المتعلمين". وقد علق رجل من عامة الجنوبيين علي هذه الحروب قائلاً: " كانوا يقولون لنا في الماضي إن حرب النوير والدينكا هي من فعل جهلائهم. فأنظر بربك الي هذا القتل المجاني الجاري بيننا الآن. فهذه حرب أفظع من أي حرب خضناها في الماضي. وهذه هي حروب المتعلمين أوع بالك".
ومقالة جوك وهتشنسون كلمة حق في وجه صفوة جائرة لم تحسن ترتيب بيتها السياسي ليحتوي زعازعها متى تكاثرت فينزع عنها فتيلة النار. فصارت كلما تناطحت جعلت الدينكا والنوير حطباً لنيران شبقها للحكم. وأول خطط ترتيب هذا البيت سيء السمعة هو الفصل النهائي بين الحركة الشعبية وجيش تحرير السودان. فالحركة، طالما كانت واجهة لجيش التحرير، لن تزيد عن كونها مجرد منبر ل"جر شكل" لا تحسن إدارته وضبطه. وبما ان دستور السودان الجنوبي يكفل تعدد الأحزاب فمن العقل حل الحركة وتكوين أحزاب بحسب ما يريد الناس كما فعل لام اكول بعسر شديد. وإلا فسيكون للنوير والدينكا رأياً آخراً في يوم قريب.
|
|
  
|
|
|
|
عبدالله علي إبراهيم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست