|
الحبيب المصطفى:حرية تعبير شيطانية عبد الله علي إبراهيم
|
(نص ورقة مقدمة لمؤتمر السيرة النبوية الشريفة الأول بجامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم في يناير 2013) ظل الغرب والمسلمون في نطاح متكرر حول أعمال مسماة إبداعية منذ رواية "آيات شياطنية" لسلمان رشدي أساءت لخير البشر محمداً صلوات الله عليه وسلم . وأشتد هذا النطاح وشذّ بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 كما تجسد ذلك في توالي الرسوم والأفلام الهازئة بسيرة أفضل البشر. وبدا هذا النطاح كدورة معادة من"هيجان" إسلامي يستغرب الغرب دائماً لفرطه وعنفوانه. فمنذ مسألة رشدي قال الدكتور على المزروعي بأن هذا نطاح سخريا: فالغرب في غاية الدهشة لعمق غضبة المسلمين لإساءة الكتاب لصلى الله عليه وسلم بينما المسلمون، من جهتهم، مروعون بتجرد الغرب من الحساسية لرموزهم وتاريخهم. وتتابعت هذه الدورات وتسارعت. ترافق مع احتجاجنا على الفيلم المسيء لخير البشر، "براءة المسلمين" ، وقائع ستخرج بنا من حلقة الفعل المزريء برموزنا الروحية وردة فعلنا المضرية عليه إلى إستراتيجية طويلة المدى في الغيرة على رسول الله. فمتى أحسنا تحليل هذه الوقائع ثَقَّفنا تلك الغيرة في المعنى الذائع عن مصطلح الثقافة الذي رده إلى "تثقيف العود" بمعنى جعله أمضى، وسديد الإصابة، موجعاً. فقد حوت هذه الوقائع الغربية صنوفاً من إزدواج المعايير، الذي هو سمت أهل الشوكة وأمتيازهم، صح أن ننفذ إليها بنظر حاذق، نأخذ بناصيتها، فتسلس دعوتنا إلى الناس كافة لتوقير رموزنا الروحية. بل من شأن هذا التثقيف للغيرة على تلك الرموز أن يؤلب انفعالات ردود فعلنا المعتادة في الشارع العربي الإسلامي لتتناغم مع تلك الاستراتيجية المنشودة حين تتغلغل وعياً ثاقباً في مواجهتنا للغرب وأحكامه. ترافقت مع ثورتنا على الفيلم المسيء خمس وقائع اتصلت بصورة ما بما نحن بصدده من غثاء الغرب عن رموزنا. وهي: -صدور كتاب لسلمان رشدي عن تجربته في العيش مختبئاً من ملاحقة فتوى روح الله الخميني في 1989 بردته عن الاسلام لنشره رواية "آيات شيطانية" ووجوب قتله. -حكم قضائي فرنسي بإدانة صحيفة فرتسية نشرت صوراً عارية الأعالي لدوقة كمبردج زوجة الأمير وليام حفيد ملكة بريطانيا. -تدشين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لنصب تذكاري لضحايا المحرقة اليهودية في درائسي. -إفتتاح فرانسو هولاند لقسم الآثار الإسلامية في متحف اللوفر. -رفع بيتينا ولف، زوجة رئيس جمهورية المانيا المستقيل وسط متاعب فساد، قضية على قوقل لإذاعته أنها اشتغلت بالمهنة القديمة كمرافقة رجال. رشدي: شاتم الرسول استعرضت نانسي شيفر كتاب رشدي الأخير "جوزيف أنطون: ذكريات" الذي روى فيه حياته الخفية طلباً للنجاة من فتوى الخميني بحل دمه في 1989 حتى رفعت عنه في 1998. واختار للعنوان اسمه السري الذي اتخذه درءاً للملاحقة. وتكون من أسماء لكتابين ممن علق بهما وهما جوزيف كونراد وأنطون تشيخوف. وأذاع فيه عقيدة "حرية التعبير" الغربية حرفياً. فقال إن مسألته نجمت من صدام لإيران الموسوسة من الغرب مع غرب أصبحت فيه حرية التعبير سليقة. وموعظة الكتاب المهم، بحسب شيفر، أنه يحث الغرب لبذل ما لا يدخر له وسعاً لمواجهة الأصولية الدينية التي لا تتورع من إعدام الكاتب. ونوهت شيفر بقول رشدي عن هذه الأصولية بأنها كالسحاب تحجب ضوء الشمس. وقالت إن رشدي قصد من كتابه ألا يكون للاصولية الدينية سلطاناً تضع به نقطة الختام لحياة اي كاتب. ومن أبواب الكتاب الهامة إشهار خجله من توبته النصوح أمام علماء دين مسلمين وائمة. فقد اجتمع بهم خلال محنته في نقطة بوليس بادنقتون بلندن كتب بعدها عريضة استرجع بها إسلامه ونطق بالشهادة وجدد الولاء لدين أجداده وطفولته. من قرأ سيرة المصطفى في "آيات شيطانية" صدقت عنده كلمة فيرلين كيلنكينبورج: بعض الأشياء في بعض الأوقات أهم من الفن" (النيويورك تايمز 8-23-2004). وجاء عند كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، في حديث للصحفيين بعض القيم التي يتواضع عندها الفن. فقال أن الفيلم موضوعنا فاضح ومخز. ولا يريد أحد بالطبع المساس بحرية التعبير بشرط ألا يصطدم بمعتقدات الآخر وقيمه. فهذه الحرية لا يمكن الدفاع عنها متى استخدمت لاستفزاز أشخاص آخرين أو أذلالهم ( الشرق الوسط 22 سبتمبر 2012). ولم استجل قيمة عبارة كيلنكينبورج إلا بعد تدريسي كتاب "آيات شيطانية" ضمن مقرر عن الإسلام والغرب بجامعة ميسوري-كولمبيا بالولايات المتحدة في منتصف العقد الأول من هذا القرن. فبعد قراءة نص "حادثة الإفك" من سيرة ابن هشام قال لي أحد طلابي إنه بينما رد دان براون في "شفرة دافنشي" (2003) الاعتبار مريم المجدلانية عاهرة نجد أن رشدي جعل من امرأة شريفة عاهراً. فصور براون المجدلانية، التي تواتر عهرها، كضحية للكنيسة أرادت بتعهيرها التغطية على زواجها من المسيح العزب في عقيدتها. ووجدت طالبي انفعل بخاصة من وضاعة رشدي أنه لم يصبر على القذف بحقه صبراً ألزمنا به، باسم حرية التعبير، وهو يهاتر رموزنا هتراً في روايته. فلجأ للقضاء ليرد اعتباره من قذف أحد حماته من الشرطة الإنجليزية جاء في كتابه عن الوقت الذي كان فيه ضمن فريق تأمينه. ووصف الشرطي، رون إيفانز، رشدي بأنه "نذل، كريه، وبخيل، ومغرور، وعديم اللطف إلى درجة". وذكر أنه طلب من الشرطة قيمة مبيت حراسه في بيته ناسياً أنهم كانوا يحمونه بنفقة دافع الضرائب لما بلغ 11 مليون جنية استرليني. وقال محامي رشدي إن نشر الكتاب سيعرض رشدي للخطر في حين أنه لن يقع من الكتاب نفع عام. ووصف رشدي الكتاب بأنه لا وجه له لتكلأه حرية التعبير, فهو محض قذف. وثمة فرق بين القذف وحرية التعبير. وقال إنه لن يمنع المؤلف من نشره ولكنه متى نشره تحمل مترتباته وسيقاضيه بالقذف (القارديان 2 أغسطس 2008). وتربح رشدى بدعواه ضد حارسه القديم بالقذف مما وفره عرف غربي قضى بأن لا حق للميت في دعاوى القذف. فلا يمكن لمسلم، مثلاً، ان يقاضي لشتم نساء الرسول حسبة أمام محاكم الإنجليز. ولكن بوسع الحي ان يقاضي روائياً كرشدي بالقذف. ويسوقنا هذا إلى الواقعة الأخرى التي ترافقت مع غيرتنا على المصطفى بعد عرض الفيلم المسيء على الإنترنت. فحكمت محكمة فرنسية خلال تلك الأيام على ناشر "كلوسر" الفرنسية الكف عن نشر وتوزيع وبيع صور كاثرين ميدلتن دوقة كمبردج التقطها المصورون المتربصون وهي عارية من أعلى. وقضت أيضاً بأن تسلم نسخ الصور الديجتل للعائلة المالكة. وبنت حكمها على أن المصورين خرقوا حقوقها بالخصوصية وسلطانها على صورتها. كما حكمت على الناشر أن يدفع للدوقة وزوجها الأمير وليام مبلغ 2 ألف جنيه إسترليني نظير أتعابهم القانونية. وستزداد الغرامة صعداً على كل يوم يتأخر الناشر عن تسليم الصور الديجتال للزوجين. وجرى تصوير الزوجين الملكيين بكميرا بعدسة طويلة من الشارع العام وهما يتشمسان خلال زيارة لجنوب فرنسا. ووصفت المحكمة الصور ب"المتقحمة". ومعروف أن القانون الفرنسي شديد الهمة في حماية الخصوصية ويتعامل مع بعض الإعتداءات عليها كجرائم. وسيلاحق المدعي المصور من وراء انتهاك حرمة الأميرة الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته. ووصف الزوجان نشر الصور بأنه "شاذ ولا مبرر له". وقارنه بأسوأ صور تطفل المصورين المتربصين التي قضت على حياة الأميرة ديانا والدة وليام. (إنترناشونال هيرالد تربيون 19 سبتمبر 2012). لو جرت محاكمة ناشر "كلوسر" في انجلترا، التي هي مملكة الأمير، لكان خرقه مما يتسع على الرتق. فبحسب علي المرزوعي أن الغرب صار على سنة أن الخيانة مما يرتكب بحق الوطن وليس الأمة كما يرى المسلمون. فلا يفرق المسلمون بين الدولة والدين. فالردة عن الدين تتلابس مع الخيانة. وزاد مزروعي بأن الردة ما تزال مما يوقع تحت طائلة القانون في بريطانيا. لكنها لم تعد من أكابر الجرائم وتقتصر على من أساء للمسيحية دون غيرها من الأديان. وقال إنه من جهة أخرى لا يفرق البريطانيون بين الدولة والعائلة المالكة. فحتى يومنا هذا تجد القانون البريطاني يجرم " تلويث" الدم الملكي أو من "يُغَمِضُه" مثل مواقعة زوجة الابن الأول وولي العهد. فمتى مست تلك العائلة شائنة ورفعت بها دعوى كان المتهم، متى ثبتت الدعوى، خائناً للوطن. ولم تصمد "استباحة" الميت ورموزه خلال تلك الأيام التي استباح الغرب سيرة المصطفى بحجة أن الميت لا عصمة له. فشهد الرئيس الفرتسي، فرانسوا هولاند، تدشين نصب تذكاري لضحايا المحرقة اليهودية في درائسي. وبينما هو في ذلك "القداس" خطب يدعو للعلمانية ليُصمِت المسلمين المتظاهرين غيرة على المصطفي. قال هولاند: "إن كل ما يمزق ويفرق ويعارض هو غير مجد وأن المتوجب هو تطبيق القواعد التي نعرفها وهي قواعد الجمهورية والعلمانية" (الحياة 22 سبتمبر 2012). وقد أصاب محمود غزلان من الأخوان المسلمين حين رحب بإنتقاد حكومة فرنسا للرسوم ولكنه طالب بأن يتعامل القانون الفرنسي بمثل ما يتعامل مع منكري المحرقة اليهودية (االشرق لأوسط 20 سبتمبر2012 والإنترناشونال هيرالد تربيون 20 سبتمبر 2012). وبلغت قداسة الرموز اليهودية مبلغاً أُوقف به عمدة لندن عن العمل في وظيفته لأربعة أسابيع لأنه وصف مراسلاً صحفياً يهودياً بأنه مثل حارس معسكر اعتقال نازي. والمفارقة أن العمدة منتخب ولا يصح إيقاف منتخب من الناس عن عمل لم يوظف له بواسطة الدولة أو غيرها . (إنترناشونال هرالد تربيون 25 فبراير 2006). واشتكى المسلمون مراراً بأن تهمة العداء للسامية تجد من يقتص لها ولكن ليس من نشر الإسلاموفوبيا ( النيويورك تايمز21 فبراير 2006). ومن مظاهر هذا المعيار المعتل حكم محكمة في النمسا على المؤرخ البريطاني ديفيد إيفرنج بالسجن سنوات ثلاث لأنه أنكر أن للنازيين غازاً في معسكرهم الدموي بأوشيويز. وحوكم بمقتضى قانون صدر في 1992 يجرم من أنكر أو خفف أو إتفق له إيجاد أعذار لجرائم الاشتراكية الديمقراطية النازية ضد الإنسانية بالنشر والإذاعة وكل الوسائط. فلم يمنع موت ضحايا الهولكست من صون رمزهم من التجريح بينما يسف الغرب في سيرة المصطفى باسم حرية التعبير في شأن الأموات. (في نفس العدد أن يحزم القضاء الفرنسي بحزم مثل ما تعامل مع الدوقة كيت مدلتون"لو كانت قضية الدوقة مسألة خصوصية فإن الرسوم إساءة لشعب بالكامل يجب احترام مقدسات الآخرين". بعد نشر جريدة فرنسية (شارلي إيدو) لرسوم مسيئة يوم 19 سبتمبر). وأتبع ذلك تحريك دعوى ضد شارلي إيدو بتهمة القذف العلني والتحريض على كراهية المسلمين. منع التصديق بمظاهرة في باريس. وتزامن احتجاج المسلمين على الشغب الغربي برموزهم الحضارية مع افتتاح هولاند، رئيس جمهورية فرنسا، للقسم الإسلامي بمتحف اللوفر وهو الموقعة الأخيرة في مسار المتحف الفرنسي ليسع العالم بأسره. وتكون القسم من 3000 قطعة اثرية غطت 12 قرناً. وقال هولاند إن العرض يوفر للزائر الغربي "جزءاً من التعرف على الذات". فأفضل سلاح في نظره لمحاربة الظلامية التي ينسبها البعض إلى الإسلام موجود في الإسلام نفسه اي في حضارته. وقالت مديرة القسم إن عرض مأثرة الإسلام هي ما يفرغ المتطرفين من الحجة ويحجب الإسلام عن التلوث بفعلهم (الشرق الوسط 19-9-2012). وكان من بين استفاد من هجمة المسلمين على تبذل وسيط الأسافير في أعقاب الفيلم المسيء بيتنا ولف زوجة رئيس جمهورية ألمانيا المستقيل. فرفعت دعوى على قوقل في محكمة هامبورج للقيل عن ماضيها في مرافقة الرجال بالأجر والقال. ولم يمانع قوقل كثيراً في حجب ما نشره عنها في بعض البلدان مع أنه تنصل من تبعة كونه الأصل في الذائعة عنها (إنترناشزنال هيرالد تربيون 19 سبتمبر 2012). حرية التعبير تذرع الغرب دائماً بمبدأ حرية التعبير للتغطية على بؤس حساسيته تجاه تظلم المسلمين من شغب بعض أهل القلم والريشة فيه حيال مقدساتهم. وقد رأينا في ما تقدم نذراَ طعنت في هذا المبدأ. فالمبدأ الذائع تحكمي تولد من خبرة الغرب الخاصة في عصمة الأحياء على الإسفاف دون الموتي. ومتى ما أردنا للمبدا أن يشمل الإنسانية كما يرغب أصحابه أن يكون صح أن يستعين بخبرات بشرية أخرى ساوت بين الأحياء والأموات في الصون بل ربما غلبت الأموات على الأحياء في الشأن. ثم إن الغرب تخير من ألأحياء ذوي الدم الأزرق الملوكي فجعل مسهم بسوء ردة وخيانة. ثم أنه كال بمكيالين في حرمة الأموات فأحسن إلى موتى الهولكست ورموزها بينما أنكر على المسلمين رد الغثاثة عن رموزه التاريخية. وسنعالج في هذا الباب من الورقة إن كانت حرية التعبير حتى في الغرب الذي تواضع عليها موضوع اتفاق جف فيها الخلاف فقطعت قول كل خطيب. وسيكون دأبنا هنا البرهان بأن حرية التعبير مفهوم لم يستقر في الغرب بعد ليجعل منه سدنة الغرب القوي، والحواريون المصابون بالغرب (الرأسمالي) عندنا، مبدأ رياضياً حسابياً مستعلياً في تطبيقه ونفاذه وسرمديته. وسنعرض لشواهد من الحياة الإبداعية الأمريكية لم تنفعها حجة حرية التعبير ولم تحمها من سخط الساخطين عليها لأنها مست عقائدهم الدينية والمدنية الأثيرة بوقاحة. جولياني ومتحف المتربولتان بنيويرك: 1999 هدد جولياني عمدة نيويورك أنه سيتوقف عن تمويل متحف بروكلين (65 مليون دولار) إذا لم يزل لوحات من معرضه "سينسيآن" ومنها "مريم العذراء تقدس سرها" للفنان الأفريقي الإنجليزي كرس اوفيلي التي تقلدت جوائز سبقت لإخسانها التشكيل. وقد استخدم في رسمها روث البقر وقصاصات من مجلات الجنس. ووصف العمدة اللوحة بأنها "شتم" للكاثوليك بخاصة وإفتراء على المسيحية بشكل عام. وخرق بقوله سوابق قضائية قضت بأنه طالما قبلت الحكومة تمويل عمل إبداعي لم يعد من حقها التمييز بين تلك الأعمال التي اتفق لها نشرها أو عرضها. وكانت الكنيسة الكاثوليكية ومنظمات اليهود الأرثوذكسية قد سندت جولياني في وقفته ضد مزاعم حرية التعبير. وصمتت المؤسسة الليبرالية في المدينة عن نقد العمدة وأعوانه. وقال مؤيد لجولياني إن الفن المجسم لا يعبر عن أفكار أو آراء ولذا فهو غير مشمول بالتعديل الأول للدستور الذي يحمي حرية تداول الآراء. حجب مسلسل عن الرئيس ريقان، 2005 كانت السي بي إس بصدد إذاعة مسلسل عن الرئيس ريقان في 2005 وأضطرت لحجبه نظراً للاحتجاج عليه بإساءة تمثيل تلك الحياة. وتكونت لجنة للدفاع عن ريقان أمطرت المحطة التلفزيونية بوابل من النقد عبر التلفون ممن تجاوبوا مع دعوتها لوقف العرض. وقالت النيويورك تايمز إن وقف المسلسل أثار جدلاً أطرافه ربما لم تشاهد المسلسل نفسه. ووصفت الجريدة هذا الحجر على حرية التعبير بأنه مفصل من الأسلوب السوفيتي القارس في عداء الحرية اللوبي الأرميني يوقف مسلساً عن معاناتهم في تركيا: 2006 تكأكأ اللوبي الارميني على التلفزيون العام الأمريكي وحال دونه ودون بث فيلم عن محرقة الأرمينيين في تركيا (1916) لأن بثه اتصل بحلقة نقاش سيشترك فيها مثقفون منكرون لتلك المحرقة (النيويورك تايمز 25 فبراير 2006). "رفد" الشاعر في نيوجيرسي، 1999. ويلغ لجم التعبير عند ولاية نيو جيرسي أن حاكمها طلب من الشاعر أميري باراكا، شاعر الولاية المكرم لعامه، أن يتنزل ويترك الوقع لأنه كتب قصيدة أوحى فيها أن إسرائيل علمت بخراب برج التجارة الدولية قبل حدوثه. ففي قصيدته "شخص ما فجّر أمريكا": من عرف أن برج التجارة العالمية سيجري تفجيره من أخطر 4000 عامل إسرائيلي بالبرج أن يلزموا بيوتهم في ذلك اليوم لماذا بقي شارون بعيداً عن البرج وقد تكأكأ عليه اللوبي الصهيوني يتهمونه بأن ينشر أكاذيب رديدة. وقالوا إنه بنشرها لا يكون بعض الحل للبحث عن الحقيقة بل مروج للأكذوبة وعليع فقد جلل بالعار المنصب وشخصه". وأنشر كملحق في نهاية البحث كلمة نشرتها عن جدل حرية النشر والدين كما جرى في مدينة صغيرة بالولايات المتحدة. أبواب جحيم أخرى على حرية التعبير: الغرب نبه على المزروعي، المفكر الأفريقي المسلم من كينيا، إلى وسائط لتعطيل حرية التعبير غير الحجب الصريح بواسطة الدولة كما عندنا بين العرب والمسلمين. فمن بين أساليب الغرب في حماية مقدساته ضد حرية التعبير أن يسل سيف السوق على المسيء لها. فشوكة السوق عامل هام في الرقابة على التعبير وضبطه في الولايات المتحدة. فقد يقع الخرق لحرية التعبير من جهة تخوف المؤسسة من أن كتابات معينة ستجلب لها غضب من ينفقون عليها فيتوقف مالهم. ولقي هذا المصير الباحث بروس بارتلت في المركز الوطني لتحليل السياسات لكتاباته المحافظة (نيويورك تايمز 30 أكتوبر 2002). والرمي بثقل السوق للحد من حرية التعبير من عادة اللوبي اليهودي في أمريكا. فمتى عالجت صحيفة ما أمر إسرائيل بغير مستحبهم تنادوا إلى التوقف عن شرائها ثم يعقب ذلك الامتناع الصامت عن الإعلان فيها وهو ما يتحاشاه الناشر ويطلب السلامة. وبعض طرائق الغرب في التخلص من المنشق مثل رشدي مجرمة في وصف مزروعي لها. فإذا أعلن الخميني قراره بقتل رشدي على الملأ تجد الغرب يضمر القتل. فمتى عزموا عليه قتلوا المستهدف في عملية سرية ممنهجة. وضرب بذلك مثلاً. ضاقت فرنسا بمركب لجماعة السلام الأخضر (قرين وتش) التي تحرس البيئة من التلوث والفساد.وراقبت عن كثب تجارب فرنسا النووية في المحيط الهاديء. وبلغ من فرنسا الضيق أنها حطمت مركباً للجماعة وقتلت ناشطاً منهم في نيوزيلندا. ولما احتجت نيوزيلندا على ذلك بدأ السوق الأوربية المشتركة في تأديبها. واستغرب مزروعي لأن نفس هذه البلدان الأوربية سحبت سفراءها من إيران بعد فتوى إيران استباحة دم رشدي. وهذه سنة إسرائيل. فلما تنصر مردخاي فانونو وكشف أسرارها لصحيفة بريطانية استدرجته مخابراتها إلى روما بإغراء الجنس وخدرته وحملته إليها لعقابه على خيانته المزدوجة للدين والوطن معاً. محمد أركون ورشدي: 1993 لا غلاط أن حرية التعبير مبدأ نبيل. ولكن متى كانت معياراً للغرب نسفل به ويترقى هو كف أن يكون مبدأ للإنسانية جمعاء بل ضرباً من نظرية النشوء والإرتقاء من البدائية حتى الحضارة. وممن أحسن نقد حرية التعبير كسبق غربي محمد أركون الفيلسوف المسلم. فالغربي الليبرالي، في قوله، رأى فتوى الخميني لقتل رشدي كفظاظة من مرحلة تخطاها تاريخه بينما لم يعبرها المسلمون بعد ويتخبطون في إسارها. فلم تعد الزندقة تهمة صالحة للعرض بمحاكم الغرب. فهي متروك غربي تاريخي تسامى الغرب فوقه بينما لا يزال يساور جماعات تعيش ظلامية قرن أوسطية في أصقاع من الأرض كالمسلمين وغيرهم. فقد وقع للغرب الفصل بين الدهري والروحي بينما لا يزال من يدمجهما في جاهليته الأولى. وقال أركون إن هذا الفهم النشوئي لحرية التعبير بحاجة إلى إعادة نظر فلسفي جذري لأنه الفهم الذي يتجذر غرور الغرب حقاً. فهو يسعى تحت مسمى حرية التعبير لمناقشة الإسلام وللبرهان أن كل ما قيل في الماضي عن مهمة أوربا الاستعمارية التمدينية كانت وما لم تزل راجحة. فمسألة رشدي ليست للانقسام حولها بين مؤيد ومعارض. ومن ضاق بغيرة المسلمين على المصطفى التي تمثلت في تظاهراتهم غطى بستار الصمت جوانب من معركة كبرى بين المسلمين والغرب طوت رشدي ضمن طوت. فكتابه صار رمزاً لتأذي المسلمين من الغرب في التاريخ الحديث وبالذات منذ القرن الثامن عشر. فليس ما يحتج عليه المسلمون هو حرية التعبير بل حرية اللغو من غالبين يظنون أنهم بلغوا مراق من سلم التطور بينما يلهث الخالفون في أثرهم. تريد الورقة بهذا المدخل المختلف لنطاح الغرب والإسلام أن تثقف دفاعاتنا عن سيرة أفضل البشر بتقحم "مقدسات" الغرب الثقافية مثل حرية التعبير التي يسوغون بها هترهم بحقنا في حين يعطلونها أو يستنكروها متى ما مس "إبداع" ما معالق الروح منهم وشغب برموز تلك الروح. إن لم نثقف الاحتجاج فتحنا للتطرف باباً يلجه المهان طوعاً. قالت هوندا دياب للاسوشيتد برس في تظاهرة أمام القنصلية الأمريكية في سدني باستراليا: "لقد سقمنا من كل أحد يتخذ حبيبنا رسول الله سخريا" (قلف تايمز 16 سبتمبر 2012 ). والطريق من هذا الهوان على النفس إلى الثأر كيفما أتفق قصير جداً. فبعد مظاهرة بصنعاء كان حسين جمعة، فني مصاعد، يرفع صورة لزعماء القاعدة بوصفهم من نصروا الإسلام حقاً. وحين سئل إن كان يتمي للقاعدة قال: "يكون لي الشرف لو أنني أنتمي إليها" (الحياة 22 سبتمبر 2012 )
Arkoun, Mohammed. “Back to the Rushdie Affair Once More.” In For Rushdie: Essays by Arab and Muslim Writers in Defense of Free Speech. Geoge Braziller, 1993. Mazrui, The Satanic Verses or a Satanic Novel. The Committee of Muslim Scholars of North America, 1989.
|
|
|
|
|
|