|
مراهقو السبق الصحفي د. عبدالله علي إبراهيم
|
مراهقو السبق الصحفي
د. عبدالله علي إبراهيم صحيفة الخرطوم – 5\12\2013
لا أعرف كلمة قرأتها مؤخرا اتصفت بمتانة التحليل ورصانة العقل مثل التي كتبها أ ُبي عزالدين عوض في الرد على الرزيقي ومولانا كمال رزق خطيب مسجد الخرطوم العتيق.
وجاءت كلمته في معرض بيانه لحقائق الحفل "سئ السمعة" الذي تدرب فيه بعض شبابنا على الرقص بيد بعثة جماعة أمريكية لها عقيدة في إنسانية الرقص وشفائه. وأثار اُبي في مقاله بقوة مسألة الداعية وحدود حريته في الخطبة. ووجدت كلمته هوى في نفسي لأنني كتبت عن وجوب أن يتحرى الخطيب بدقة الحقائق الإجتماعية التي يرغب في إبداء رأي الدين فيها، وأن يدعو لها أو عليها بحكمة وموعظة حسنة. وطلبت أن يراعي الدعاة أن جمهورخطبهم ممن يوصف ب"الأخيذ" (؟؟). فهو، خلافا لجمهور خطب السياسة ممنوع من التعليق على الخطبة سلباً أو إيجاباً: يسمع ويفوت. ويخرج أكثرنا من الخطب المقدسة هذه بحرج من صمته على ما أعتقد أنه سوء نقل وبؤس تعليق.
قـدّم أ ُبي لكلمته بتعريف للمتعصب من كتاب لغربيين ذكرهم. وتقرأ قدر ما تقرأ لوجوه الرأي عندنا فتجدهم مضربين عن القراءة المعمقة: ومن الطقوق ولافوق نافع قال نافع سوا. فقال على ضوء كنتب "سيكلوجية المتعصب": إن المتعصب معصوم من التحسب لأنه ربما أخطأ؛ بينما كلنا خطاؤون. وواضح من بقية المقال أن أُبي إنما قصد شيخ رزق بتعريفه الباكر للمتعصب.
و أ ُبي شديد المعارضة في الحجاج، ويأتي الخصم من مأمنه.
فقال: إن رزق طلب لإثبات مجون الحفل أن تعيد صحيفة "حكايات" نشر صوره ليراها الغاشي والماشي. فكان رد أُبي عليه أن هذا لا يجوز يا مولانا. فمتى استبان رزق فساد َ الحفل وجب عليه أن يحجب صوره لا يظهرها للماشي والغاشي. فالإسلام أمر بأن نغض الطرف بوجه الفحش، لو وجد.
فما أوقع رزق في هذا المطب أنه كان حريصا على إحقاق أنه على الصواب من مجون الحفل و نسي أصل تكليفه وهو كف الناس عن التفرج على الباطل. وهذا من سَوق العزة بالنفس إلى الإثم. كما في أ ُبي حجية كاريكاتورية ناسفة. فقال لرزق: إن كام لك رأي في المعازف فأفتنا في نغمات الهواتف (التي قد يكون ###### من المأمومين إغلاقها لوقت الصلاة) والسلام الجمهوري الذي يقف له الناس بلا استثناء.
ومن أدق أبواب إفحام أ ُبي لرزق ما جاء عن مصادر مولانا لمادة خطبه. فقال له طالما كانت مثل جريدة "حكايات" مرجعك الوثيق فنحيلك لما جاء في عدد جمعة ما عن مدرسة بأم درمان احتفلت بخمسينية اغتيال الرئيس الأمريكي كندي. وتخلل الإحتفال إهداء أطفال المدرسة بأم درمان الهدايا لأسر ضحايا 11 سبتمبر، وغنائهم "فليحفظ الرب أمريكا"، ورفع أطفال منهم العلم الأمريكي! وقال له: هل سيكون الحفل موضوعك لجمعة قادمة "بعد أن تستوثق من تفاصيل الخبر".
وأظن أ ُبي جاء بصفة لم يُسبق إليها في صحافة الفضيحة الإجتماعية حين وصف كتابها ب"مراهقي السبق الصحفي". أحـسـنـت.
ومربط الفرس عندي مطلب أ ُبي أن تقترن الخطب المنبرية بأشراط لحرية التعبير فيها. ومن ذلك أن يقوم نظر صاحبها في قضايا السياسة والمجتمع على شئ أمتن وأرصن من مراهقي أي سبق كان. فليجلس الخطيب إلى الدولة أو الشباب أو أياً من سيتناولهم بخطبه ليعرف منهم لا عنهم؛ قبل أن يدلو بدلوه.
ويقتضي هذا أن تكون لإمامة مسجد في عتق مسجد الخرطوم دائرة أبحاث من مختلف التخصصات تعين الخطيب على حقائق موضوعه ليفتي عن علم وينير.
ولا أعرف من أساء إلى خطبة الجامع مثل أولئك الذين أرادوا أن تعدها جهة في الدولة ولا يكون الخطيب فيها سوى "الصدى". وطالما تحرر الخطباء من عاهة الخطبة المسبقة فليعطوا هذه الحرية حقها بالبحث في علل المجتمع وصحوه؛ بروح ناقدة عاطفة يقترب الدين منها من الوجدان لا الآذان.
وأخيرا فأ ُبي يطلب من الخطيب أن يمتنع بالكلية من رمي قوم مسلمين بآي ٍ من الذكر نزلت عن الكفار. فهذه مكيدة لا وعظ.
لم أقرأ لأُ ُبي من قبل. وأتمنى ألا تكون كلمته هذه خريدة فريدة جاء إليها محزوناً لما اكتنف عمله في أمانة الثقافة بالمؤتمر الوطني من شغب. أتمنى، بعد حفظ الله له، أن يوالي هذه الكتابة النبيهة الشجاعة في مضامير مصموت عنها.
|
|
|
|
|
|