|
عبد الحميد البرنس: بيسحروك يا ولد!
|
عبد الله علي إبراهيم. كنت نشرت كلمة عن "الفتاة المرتدة" المشهورة نقلها صائل جائل في منبر سودانيزأونلاين على الشبكة الدولية ليتربص بها اليساريون الجزافيون في طقس يسمونه "الردم" ينتاشون المقال وصاحبه بالتنكيد والتبكيت. ويتبرع كل منهم خلال الطقس بجهله وسوء طويته، أو يرمي بعقله مع الحجارة كما قال الأستاذ محمود محمد طه عن من قذفه بحجر يوماً وهو يحاضر. ولكن ربما فوجيء الصائل الجائل بالاستجابة الأولى لمقالي جاءت من يساري جزافي أشرق إعجاباً بالكلمة. فعلق عبد الحميد البرنس على عبارة انتخبها من المقال قائلاً: "جزاك الله خيراً يا دكتور!". ثم لم يمر يوم أو آخر حتى أنزل هذا البرنس بوستاً في سودانيزأون لم يترك لنا فيه جنباً فكرياً نرقد عليه. ولم استغرب لتحول البرنس من الشهيق إعجاباً بمقالي إلى تبخيسه ولم يجف حبر سروره به. يحدث هذا كثيراً لي. ما يبدي اليساري الجزافي إعجابه بما أكتب حتى يسترذله في طرفة عين. وأرثي لكائنات اليسار الجزافي الناكثة على أعقابها لأنه لابد هناك من يخضعهم لمجلس تأديب فكري يسوقهم سوق الشياه إلى القطيع بعد أن ظن الواحد منهم أنه "ماهو هوين" وقد صار "سيد نفسه": مين أسيادك؟ أسقمني دائماً عوج منطق اليسار الجزافي. وجدتهم وقفوا بضجيج وهياج مع حق أن يرتد المرء عن دينه بصورة لا تخلو من سوء تربية سياسية. ولكنهم استنكروا عليّ الردة عن الحزب الشيوعي منذ 4 عقود. فكان عنوان بوست الصائل الجائل "عندما يصير الشيوعي كوز: عبد الله علي إبراهيم مثالاً". و"بَغِر" البرنس منه فجعل عنوان بوسته: "في إطروحة الدكتور المسلم عبد الله علي إبراهيم نفعنا الله بعلمه". ويريدون بذلك إنني "تدروشت" وهي العبارة الرائجة عند الشيوعيين عن من هجرهم وأظهر تديناً فجائياً ما. فمن رأي البرنس أنني ضحية الانحسار المضطرد لـتأثيرات الاستنارة والعقلانية في الحياة العامة. واقتضاه ذلك لفت الناس إلى انزلاقاتي "إلى مواقع فكر" على النقيض من ما اشتهر عني من التقدمية. وأنه أصبحت لي "مالآت" أخيرة بعد الانزلاق. ثم أفتى البرنس متشدداً ثم آخذاً برخص الماركسية. فقال إنه كان بوسعه القول إن "عبدالله ارتد عن يساريته". بيد أنه استبدل ذلك بعبارة أكثر شاعرية هي "أصاب عبدالله منحنى فكري حاد" ذو مأزق أخلاقي لا حل له برأيه. وقال إنني لم يبق لي من فرط الإنزلاق الفكري سوى أن أصرخ كالدرويش أب عبل "لا شرقية ولا غربية، إسلامية ميه لمية". وكما قال عبد الله عبيد طراه الله بالخير مرة: يا البرنس بيسحروك يا ولد! ما حز في نفسي كثيراً أن رشاش هذا الدعي طاش فأصاب أستاذنا عبد الخالق محجوب لمجرد عرفاني الدائم له بالفضل على طريقة "لا فاضي في البناء ولا البجيب الطوب،" الذي هو أنا. فقال إن تثميني للرجل حال دوني ورؤية التهافت في صياغتة للماركسية كأداة وصف وتحليل للواقع على نحو نقدي. بيسحروك يا ولد! فخطاب عبد الخالق العام، برأي البرنس، فيه بعض منزلقات تحيله إلى موقع إنتاج فكري يمكن بوصفه بكل بساطة بأنه "غير تقدمي" أو "لا جدلي" أو ليس علمياً حتى. ولم يأت البرنس بغير "طربقات" من هنا وهناك من قول عبد الخالق بغير خلق في النقل أو تدبير السياق. فقد أخذ عليه مثلاً الأخذ عن لينين في مسألة الانتفاضة مما يعني بؤس الاستشهاد بالرجل. ثم ما لبث أن رفع البرنس لينين إلى مصاف منارات الفكر. فقال عن موضوع ما إن لينين أدركه ب"براعة شديدة" وسمى شغله الفكري ب"الاجتهادات الثورية" وقال عن شيء ما إنه "ألهم" لينين". ولكن استعانة عبد الخالق بلينين منزلقات وهلمجرا. البرنس ممن يظن أن اجترار أسماء المفكرين في كتاباته تغنيه هو نفسه عن التفكير. فهو من تصفه الفرنجة بالرجم بالأسماء الطنانة. فهو يأتي بها مطردة لا تسعفه على الرشد أو الأدب. فأنظر قائمة الأسماء التي وردت عنده مثنى وثلاث: لينين، ميشال فوكو، ألتوسير، فانون، مهدي عامل، جيمس جويس، محمود العالم، غرامشي. فلو تعلم البرنس شيئاً من هؤلاء لتعلم طرائق التفكير وحسن الاستدلال والتنزه عن التناقض والبهدلة. فقل لي بربك كيف يرتد من "تدروش" في أول تعليق له على كلمتي: "جزاك الله خيراً يا دكتور!" سريعاً إلى وصفي بكاتب "هكذا هراء" من وارد الجزيرة القناة! وكيف لمن يجأر بالشكوى من حجر دولة الإنقاذ على حرية الردة عن الإسلام أن يكون منتهى قوله عن كآبتي الفكرية إنني مرتد عن الماركسية وكأن الردة عن العقيدة اقتصرت على الإسلام؟ وكيف يستشهد كاتب كاره للمرتدين عن الماركسية بمرتد من الطراز الأول عنها إلى الإسلام هو روجيه غارودي، أم لأن لأسمه لألآء غربي مما يناسب آفات البرنس الفكرية. الحمد لله علي الإسلام ثم الحمد لله علي الإسلام ثم الحمد لله علي الإسلام. وكانت الوالدة تثلث متى تحمدلت.
|
|
|
|
|
|