|
حيدر إبراهيم: إنما يأكل الضبع من الغنم القاسية (2) عبد الله علي إبراهيم
|
كتب د. حيدر إبراهيم كلمة قبل أيام يشكو من دولة الإنقاذ لأنها لم ترخص لمركز الدراسات السودانية، الذي أسسه بالخرطوم في 2000 وأداره، للعودة إلى نشاطه المعلوم بعد إيقافه لعام انتهى في ديسمبر 2013. ووصف هذه الدولة بأنها "دولة ضباع". ونظر في أدب العرب لخصال الضباع فوجدها انطبقت على الإنقاذ. فالعرب تصف قتل الضباع الضان مثلاً ب"العيث"، أي أنها لا تقتل بقدر ما يكفيها للشبع بل تقتل ما طالته من فرط اللؤم. وقال للإنقاذ عيث لأن أزمتها الحقيقة لا في السياسة ولا الإيدلوجيا بل في السلوك، أي في غياب الأخلاق والمبدئية في المواقف. لا نرغب وبالطبع في الدفاع عن الإنقاذ فهي أقدر على الدفاع الضبعي عن نفسها وقد جودته لربع قرن من الزمان. ولكنا نتوقف عند تمييز حيدر للأخلاق والمبدئية لنرى إن كان التزم هو بها أم فعل فعائل الضباع. ويذكر القراء ربما أن حيدر كان انتقد اتحاد الكتاب السودانيين لزعمه أنه لم يقف مع مركزه كما اشتهى حيدر حين تعاوره ضبع الإنقاذ. وقد أصدر الاتحاد في وقتها بياناً في الرد على حيدر أوضح فيه ما قام به من واجب دفاعاً عن حق مركز حيدر في الوجود وسائر المراكز التي طالها عيث الضباع. وبدا لي وقتها أن حيدر، لزيم القاهرة حينها، لم يكن في عرين الضبع ليعطي للاتحاد ما للاتحاد. ولكن آفة حيدر الكبرى أنه كاره لرئيس الاتحاد، وهو أنا، ولأمينه العام وهو كمال. وقال إننا "جلكات" نضب معين إبداعنا وفات قطارنا. وكان بوسعه أن يقتصر على تبخسينا الذي تعودناه منه. فتخطانا إلى الاتحاد وشمله بالتهوين. وهذا عيث الضباع. رأى حيدر في الإنقاذ نظاماُ بلا أخلاق. وهي عنده كبيرة يهون معها ضلال إيدلوجيته كما مر. بينما لم تحل أخلاق حيدر دون أن يؤذيني وأنا أقرب له في قضيته من حبل الوريد. ففي مقال الضباع هاجم بقوة الأستاذ على عثمان محمد طه. وقال إنه لم يحل ما عرف عنه من تدين ومهنية قانوينة دون أن يتهم مركز الدراسات وغيره بالتمويل الأجنبي المؤدي للعمالة. والبينة على ذلك صحفي أجنبي لا هنا ولا هناك. ولا أعرف أن لو علم حيدر وقتها (أو حتى الآن) أن كاتب هذه السطور قد رد على الأستاذ على بُعيد تصريحه في عموده الراتب بصحيفة "القرار". ولم يمنعني تربص حيدر بي، ولا شنآنه، دون أن أعدل و أصدع أمام سلطان "ضبع" في قول حيدر. وكان عنوان كلمتي نفسها هو عن الشنآن والعدل. فإلى كلمتي في دفع الأذى عن مركز حيدر: وددت لو أن النائب الأول رئيس الجمهورية، السيد على عثمان، توخي قوله تعالي: "ولا يجرمنك شنآن قوموا ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى" ففي حديثه على التلفزيون عن بعض منظمات المجتمع المعطلة بتهمة قبض مال الأجنبي ظلم. و"ظلومة" رفاقنا في هذه المنظمات ليست تهمة "العمالة" بالغاً ما بلغت بل لأنهم حرموا أن يكون لهم يومهم في المحكمة لدفع الشبهة. بل يعتقد الباقر العفيف، مدير مركز الخاتم عدلان، أن تهمة الحكومة، متى حركت إجراءات قانونية ضده، لن تصمد زهاء دقيقة. فقد سبق ووضع أمام مفوضية العون الإنساني تقاريره عن دعم الوقفيات الأجنبية بما لا مزيد عليه. وطالما كان النائب اختار، وظيفة ومزاجاً، أن يكون مرجعاً للمشتكي (وبه داء) فكان المأمول أن يعدل: لا يحول دونه شنآن قوم. هو أقرب للتقوى. بدأت الحملة على منظمات المجتمع المستقلة عن الحكومة من جهة التمويل الأجنبي بمقالة نشرها كاتب أجنبي غامض. ولم تمنعه أجنبيته من الخوض في الأمر قائلاً أن الغرض من هذا التمويل الوقفي هو إسقاط النظام. ولم يمنع ذلك بعضنا من تصديقه. ومقالة هذا الكاتب الغامض (الفتَّان) هي التي ربما أشار إليه النائب الأول بقوله إن كتاباً صدر بالخارج عن تمويل المنظمات الآثم. وقد يكون هذا الكاتب الغامض باع للحكومة الترام. فالمعلومات عن مال هذه الوقفيات والمستفيدين منه واضحة على مواقعها في الإنترنت. وتلزم هذه الوقفيات المستفيد من منحها ببيان واف عن إنجازه بمالها على دائر المليم. رغبت لو وثَقت الحكومة أكثر في أن منظمات المجتمع المدني، ككيانات ديمقراطية، سبقتها في الرقابة على مال الوقفيات. فمن بين منشورات التربية النادرة في الحزب الشيوعي مؤخراً "ويحيد" وصف خلق الأداء الشيوعي القويم في تلك المنظمات وتعاطي مالها. وثارت من قريب خصومة معلنة حول وجوه التصرف في مال مركز الخرطوم لحقوق الأنسان تبخر المركز بعدها. كما كان مركز الخاتم عدلان نفسه ميداناً لنزاع حول صواب استخدام المال الوقفي الخارجي ضرج علائق أهله بالشقاق. أما منظمة حقوق الإنسان فرع القاهرة (لصاحبها في أمريكا) فحدث عنها ولا حرج. فقد سلقها كتاب معارضون مثل فتحي الضو ومن بين ذلك قواما مثل عبد العزيز البطل لفسادها بما لا تحتاج الحكومة بعده إلى تعليق. مال الوقفيات الأجنبية للديمقراطية والسلم والبئية حلال بما استحق. ومن آية الإحسان أن تطلبه في منافساته. وصار التدريب في ذلك الطلب وأشراطه الديوانية فناً ومهنة. ومع ذلك نسأل الله ألا يجعل وقفيات الأجانب أكثر همنا. ويستطيع النائب الأول بنفوذه وعنايته الشخصية بالثقافة ان يقنع بيوت مال سودانية كثيرة لإنشاء وقفيات للثقافة والمعارف مثل الذي سبقت له زين ودال وأخيراً م ت ن وسوداني. والطريق الأرحب إلى ذلك أن تعفي الدولة هذا الشطر من مالها من الضريبة كما هو متبع في دول أخرى. أرجو أن لا تصبح مسألة التمويل الأجنبي المعروضة سبباً إلى نزع الوطنية عن قوم حبهم للوطن باذخ وإن اختلف. ومن المؤسف أن نتنابذ بالوطنية بينما لم تكف الحكومة عن مبادرات تتالت عن رص الصف الوطني. إنتهى. ثم أردفت هذه الكلمة بأخرى أرسم تكيتكات للدفاع عن منظمات المجتمع وحقها المشروع في مال الوقفيات الأجنبية بأفضل مما فعل حيدر في مقالة له عن ذلك. فوجدته ربط بين التمويل الأجنبي للمنظمات وللأحزاب على طريقة "حرام على بلابله الدوح حلال على كل طير" بما خلط الأوراق خلطا. وركزت في كلمتي على أن سبيل منظمات المجتمع إلى أخذ مال الوقفيات بحقه وشرعاً أن تلتزم الشفافية وتنشر تقارير الأداء السنوي في تصريف هبات تلك الوقفيات على الملأ على مواقعها في الإنترنت. فلا أعرف من أغرى الإنقاذ بجمعيات المجتمع المدني مثل ثائرات فسادها حقاً أم زعماً التي ضربت الأطناب فيها يلوكها رفاق الأمس أعداء اليوم: فإلى المقال الثاني: كتب الدكتور حيدر إبراهيم منذ أسابيع كلمة قوية يدافع فيها عن حق منظمات المجتمع المدني في التماس العون من الوقفيات الغربية وغير الغربية لتمويل نشاطها. وكان ذلك في مناسبة مقالة لصحفي أمريكي هو إريك درايستر (16 أغسطس 2012) عن التمويل الغربي الذي يطوق عنق منظمات المجتمع المدني السوداني بدين سياسي عسير. ومؤكد أن المقالة مغرضة. فأتهم الصحفي فيها هذه المنظمات بأنها كانت وراء المظاهرات التي جرت في السودان مؤخراً (سبتمبر 2013) لتطيح بحكومة الإنقاذ كما أملى عليها ولي نعمتها في الغرب. ولم يدافع حيدر عن حق هذه المنظمات في طلب ذلك العون الوقفي على بينة بغير أن يطعن كائن من كان في وطنيتها فحسب، بل عاب على المنظمات تقاعسها في توضيح هذا الحق هجوماً وغلابا. فكأنها في رأيه رضيت بالإدانة إن لم توضح حقائق هذا العون الذي تسخره لخدمة الوطن. ولم تعجبني مع ذلك طرائق حيدر في الدفاع عن حق المجتمع المدني في مال الوقفيات. فإذا تركنا جانباً عنفه اللفظي في تهزئة من طعنوا في وطنية القائمين بهذه المنظمات بغير حاجة نجده أقام مقارنات بين هذه المنظمات والأحزاب وهيئات أخرى ربما هزمت غرضه. فقد استغرب لمن يعيب التمويل الأجنبي على هذه المنظمات ولا يعيبه على الأحزاب التي سبقتها إلى ذلك. فذكر الحزب الشيوعي وأنصار السنة والبعثيين والإسلاميين التي تمولت من أجانب ممن جمعتهم بها مودة ومعروف وقضية. ودفع حيدر بهذه الحجة المُقِارنة مع أنه هو الذي ميَّز بين سبل دعم المجتمع المدني وإجراءاته عن تلك التي تتمول بها الأحزاب ومن شاكلها. فتمويل المنظمات من الوقفيات يتم على ضوء مشروع جيد الحيثيات صار فن كتابته علماً من العلوم كما قال. وتتنافس المشروعات القادمة من كل صوب فتقرر الوقفية تمويل ما أعتقدت بمناسبته. وتُلزِم الوقفية المنظمة التي حازت على التمويل بتقارير منتظمة عن أدائها وكيف أنفقت مالها على وجوهه المشروعة. وهذا خلاف تمويل الأحزاب، كما قال حيدر، التي تنال دعومها "غمتي" ولا تقارير ولا يحزنون. وعليه فأفضل دفاع عن حق تمويل المنظمات من الوقفيات أن تنشر المنظمات تقارير أدائها الفصلية والخاتمة وكفى المؤمنين شر القتال والانفعال والتهزئة التي كالها حيدر للطاعنين في وطنية قادة المجتمع المدني. وأقول عرضاً إنه أزعجني من حيدر أنه أعاد رواية ضعيفة عن الحزب الشيوعي والتمويل الأجنبي. وهي مما أضطرته إليها مقارنته العرجاء بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. فقال إن الحزب تمول من رفاقه في المعسكر الاشتراكي خلال شركات للأخيرين تعمل في تجارة السلع ومنها الكبريت أبو مفتاح الشهير في الخمسينات. وربما لم يقرأ حيدر في تقارير المخابرات الأمريكية أن من قال ذلك بصورة مكتوبة موثقة هو عبد الله خليل البيه، رئيس الوزراء السوداني لاحقاً، لضابط الاتصال الأمريكي في 1953. وعلق ضابط الاتصال بأنه يجد قول البيه صعب التصديق. فالشيوعيون السودانيون ربما حَذِروا أن يركنوا لهذه الطرق الوعرة في تلقي المال من الخارج. وقال إنه لم يتلق تلك المعلومة من مصادر أخرى بما فيها البوليس السياسي السوداني. وهكذا أعطى الأمريكي المخابراتي الشيوعيين فضلاً ضن به البيه وحيدر. لو نشر حيدر تقارير أداء مركز الدراسات السودانية عن انفاقه مال الوقفيات (وهو أداء مشهود) لأغنى نفسه عن "قومة النفس" التي تخبط فيها. إنتهى. نالنا من حيدر أذى كثير وقساوة وغلظة. ولم يمنعنا شنآنه مع ذلك من أن نعدل. فوقفنا معه في محنته مع ضباع الإنقاذ بما نعتقد أنه الحق. فلم نقبل منهم الطعن في وطنية أحد لأنه تفاني في طلب العون من وقفية أجنبية على ضوء مشروعات مدروسة وفي منافسات معلومة. كما لم نرض من جمعيات المجتمع المدني أن تتستر على أوجه صرف هذا المال فيوسوس الوساوس في الصدور. فحين لم تسد هذه الجمعيات فرج التمويل الأجنبي بالشفافية جاءها الضبع من حيث لم تحتسب. وإنما يأكل الضبع من الغنم القاسية. (عدلت في بعص صياغات الأعمدة طلباً للوضوح تعديلاً لم يمس الموضوع)
|
|
|
|
|
|