|
حرائق بيت السجانة: حررت الناس يا إسماعيل!
|
عبد الله علي إبراهيم (قرأت في الرأي العام اليوم 19 إبريل 2014 عن منزل بحي السجانة تشب فيه الحرائق وتنتقل إلى حيث يرحل أصحابه بعدتهم وأثاثهم إلى دور الجيران . ورابطت المطافيء عند المنزل ونصحتهم بتلاوة القرآن بعد يأس من السيطرة على الحريق. وبقي في المشهد الآن فكي متخصص في التعاطي مع الجن ( المتهم بإشعال الحرائق انتقاماً لمقتل طفله الذي قتله أصحاب المنزل وقد تمثل في صورة فار) يستعين بالآيات وشمهروش. وكتاب الله مافيهو كلام. ولكن محنني غياب العلم عن الصورة. وهو غياب تكرر عن مشاهد مثل هذه النيران الإعتباطية ظاهراً نبهت له في عمود لي في 2004 أنشره للذكرى والتعظة) جاء بالصحافة (24-3-2004) تحقيق عن حرائق قرية المدردمة (بولاية القضارف) الغامضة. فمنذ عيد الأضحي الماضي و قطاطي القرية تحترق بنار غامضة لم يشاهد الناس لها مصدراً. وزار الصحفي القرية بعد 42 يوماً من بدء الحرائق. ووجد أن بعض المسؤلين قد طافوا بالقرية. ولم يجد الأهالي عندهم لا تفسيراً للظاهرة ولا إستجابة لمطلبهم بتوفير تناكر ماء للمساعدة في إطفاء الحريق. بينما كلفت أكاديمية الشرطة شيخاً من مركز الرقية الشرعية ليتلو القرآن في الحلة. وظل يتلوه لأيام ثلاثة والنار لم يتوقف ضرامها. وقد خلص الشيخ القاريء الي أن النار من فعل عامل آخر غير الجن كافره أو مسلمه. وليس في أمر هذه الحرائق عجباً ولا غموضاً متي ما نهضت لتفسيرها صحافة نبيهة قائمة علي مركز للمعلومات أو فقهاء العلوم الطبيعة عندنا ممن لهم شفقة بأهلهم. فقد إنشغل الراي العام في آخر السبعينات (لو أسعفتني الذاكرة) بحريق كمثل حريق المدردمة. وكان مسرحه منزلاً حكومياً مما يقع علي حافة حي الداخلة بمدينة عطبرة. ولا أزال أذكر عناوين الجريدة التي نقلت الخبر وصور سكان المنزل. وقد نسيت هذا الأمر حتي وقع نظري وأنا في هذا البلد قاموس علمي خصص باباً لنوع هذه الحرائق. واسمها بالأنجليزية spontaneous combustion مما أعربه كفاحاً ب "الاضطرام التلقائي". وينشأ مثل هذا الحريق عن تفاعل كيمائي في باطن الشيء يجعله يندلع بالنار من غير مصدر نار خارجي. وقد تعلق الناس بهذه الظاهرة في أوربا لأنها مما شاهده الناس يحدث للبني آدم. وهذا مما لفها بالإثارة والغموض. وقيل أن صورة الجثة بعد الحريق ثابتة في كل الأحوال. فتبقي القدمان والرجلان سالمة بينما يتحول بقية الجسد الي رماد. وقد نشرت مجلة علمية في عام 2003 تحليلاً كيمائياً لموت السيدة ماري ريزر (67 عاما) التي توفيت بالاضطرام التلقائي وهي تتأرجح علي كرسيها المفضل. وقد إمتدت أبحات هذا الحريق الي غير الناس مثل الخرق المعطونة بالزيت التي هي اكثر الأشياء قابلة لمثل ذلك الإضطرام. وربما كان حريق المدردمة ضرباً من الإضطرام التلقائي. لست أدري كل ملابسات نار المدردمة الغامضة. ولكن كلمة الصحفي بعد أربعين يوماً من المحنة لا توحي بأن أهل المعرفة قد حملوا شيئاً من إستنارتهم الي اهل القرية المكلومة. فقد إتهمت اكاديمية الشرطة الجن بجريرة إشعال النار في القرية وأوفدت لهم "فكي" ليطرده عنهم. وهذا من قولنا "كحامل التمر الي هجر". فلا أعتقد أن أهل المدردمة لم يحاولوا طقوس توبيخ الجن وزجره أول ما قامت هذه الحرائق. فإرسال الفكي هو بضاعة اهل المدردمة ردت اإليهم. لولا أن زاجر الجن البوليسي اصبح فكياً حكومياً أفندياً. وقد حملتني واقعة تقاعس علماء الحكومة (غير الفكيا) عن تنوير مواطنيهم بأسرار الطبيعة وعلومها الي بعض تأملات حول خيبة المثقف الحديث في ان يكون وطناً روحياً للشعب. فحتي حين يكون العالم منهم هو المالك لمفتاح مثل الغموض الذي لف أهل المدردمة تجده يعتزل الساحة تأففاً ويفوض فكياً مختصاً في علوم الرجرجة والدهماء والدردمة. وقد عدت بذاكرتي الي ما كتبه المرحوم حسن نجيلة في باب "لون من الفكر العلمي" في كتابه "ملامح من المجتمع السوداني" عن تصدي المرحوم الزعيم إسماعيل الأزهري أيام كان طالباً بكلية غردون لظاهرة طبيعية غمضت علي الناس وأوضحها بنور العلم. فقد إنشغل الناس في 1921 بما أسموه بئر دنقلا الغريبة. نزل فيها مواطن لحاجة له فغاب حتي اشفق أخاً له فغاب بدوره وتكرر نزول مشفق وغيابه ست مرات. ونزل اخيراً شيخ البلد نفسه وتلاشي في البئر. وبلغ الخبر مركز الخندق وجاء الضابط وأنزل ######اً في البئر فخرج ميتاً ثم انزل لمبة وخرجت مطفأة. وبعث مراسل جريدة الحضارة من دنقلا هذه القصة الي الجريدة فنشرتها. وتلقت الجريدة توضيحاً لغرابة بئر دنقلا من المرحوم الزعيم الطالب. وقال في توضيحه أن الناس والكلاب ماتت بالإختناق بغاز حامض الكربونيك الذي غالباً ما تراكم في الآبار المهجورة ويختنق به الكائن الحي أو الفانوس المنير لعدم وجود الهواء اللازم للتنفس في طبقاته المتراكمة المنسية. وقال نجيلة إنه ما فرغ من قراءة هذه القصة حتي أثني علي رعيل الوطنيين الذين خرجوا لتنوير أهلهم. غير أن محدثه قال له إن ما لفت إنتباهه حقاً هو جراءة هولاء الرجال علي المجهول. فقد كان يمكن للحلة كلها ان تهلك في البئر. هل ما زالت المدردمة تخوض في لهب مجهول نارها . . . يا رب؟
|
|
|
|
|
|