|
إن شاء الله ياالإنقليز لا تفوتو ولا تموتو بقلم عبد الله علي إبراهيم
|
بلغت الخيبة في الاستقلال حداً دفع بعضنا الي الاعتقاد بخطأ نيلنا الحرية الوطنية أصلاً. وهذا ما سميته بالتنصل من الاستقلال. وهو ندامة علي فعل الحرية ومردودها. ويري المتنصلون في الإستقلال قفزة في الظلام هززنا بها الشجرة الوارفة ( دولة الاستعمار) ولم نلتقط الثمر. لا غلاط أننا قد شقينا بالاستقلال. وقد قاد هذا بعضنا الي القول اننا ربما لم نكن اهلاً لهذه التبعة الثقيلة. وقد يستحضر الجيل الأكبر سناً دعوة المرحوم أزرق الذي قال، ونحن علي اعتاب الاستقلال، إننا لم نبلغ مقامه بعد. وكان قوله آنذاك من الطُرف مثل قول مأثور عن إمراة عن الانجليز: "إن شاء إنتو لا تفوتو لا تموتو". ليس بوسعنا بالطبع رد المتنصلين عن الاستقلال الي الجادة الوطنية بالتخوين مثل قولنا لهم أنكم تتنكرون لتاريخ الوطنية السودانية. فالمتنصلون يملكون الدليل الحي علي بؤس مردود الاستقلال.وقد تكاثرت هذه الأدلة علي النطاق الأفريقي حتي تنامت الدعوة الي عودة الاستعمار الي القارة بمبررات شتي. ويذكر الناس للدكتور علي المزروعي، عالم السياسة الأفريقي الذي لا ترقي الظنون الي حسن وطنيته، مقاله عام 1994 في "الهرلد تربيون" الذي دعا فيه الي عودة الاستعمار الي القارة بتفاصيل لا مكان لذكرها هنا. بل عاد الإستعمار بالفعل الي افغانستان والعراق. ولا تخدعنك المزاعم والتزاويق من مثل رد الحرية الي العراق بعد تحريرها من طاغية كصدام. فقد جاءنا الاستعمار القديم ايضاً لتحريرنا من "المستبد الشرقي". وكان المهدي او الخليفة عبدالله هم صداميو تلك الأيام الخالية. يدور في ساحة الفكر الأفريقي جدل حول من الملوم في "طرشقة" الاستقلال. فهناك المدرسة البرانية التي تنسب العاهة الي الأوربيين الذين طبعونا بالتبعية لهم وإن غادرونا جسماً وعدداً وولداً كما قال العطبراوي. وهناك المدرسة الجوانية التي تقول أن العيب في الأفريقيين أنفسهم الذين فرطوا في استقلالهم بأيديهم. والإشكال مع ذلك أعقد من هذا التقسيم النظيف للتبعة في طرشقة الاستقلال. ولكي لا نغرق في متاهة نظرية عن من هو الملوم في تهافت الاستقلال دعنا نتأمل كيف نحتفل بإستقلالنا هذا العام. فنحن نحتفل به وقد ساد مصطلح "المهمشون" وهم المحرمون في الوطن الذين لم يشعروا قط بانهم ممن شملهم الاستقلال. بل صدر من صفوة هذه الجماعات ما يشير الي انهم استبدلوا بالاستقلال سيداً سودانياً بسيد انجليزي بما هو معروف ب"الأستعمار الداخلي". ومفاوضات الهامشيين بالكلام في نيفاشا أو بالسلاح في غيرها هي محاولة منهم لإستدراك الاستقلال. وهذا ما سميته في مواضع أخري بإعادة التفاوض في الوطن. ويري هؤلاء المهمشون أن خير الاستقلال قد اقتصر علي الشماليين. ثم اتضح أن هناك من الشماليين من يشكو الحرمان ويرأى نعماء الاستقلال شملت فئة منهم دون سائرهم. وقام منذ سنوات كيان الشمال طالباً الانضمام للمهمشين. وهكذا استدار التلاوم واكتمل من غير أن يقع لنا بعد من خم بيض الاستقلال فحتى االشمال الذي ظن الجميع انه استفاد من الاستقلال تشكو أطرافه من التهميش. ماهي دروس هذه القصة الحزينة؟ أولاً: أن نظرية الجواني والبراني قاصرة في تفسير خيبتنا في الاستقلال. فكيف يصح تحميل أفريقيين وزر إهدار الاستقلال وغالبيتهم تحس بصدق أنها براء من هذا الذنب. أما الدرس الثاني فهو أنه من الثابت ان للسودانيين دوراً في فساد الاستقلال. ولكن يبقي السؤال من هم هؤلاء السودانيون؟ هل هم جماعة عرقية دينية ثقافية جهوية؟ هل هم عرب السودان؟ هل هم شمال السودان؟ أم ان هناك قوي اخري طبقية وتاريخية تتحمل دون غيرها وزر فساد الاستقلال؟ ربما جاء الوقت لمطالعات فكرية طبقية في محنتنا بعد أن خضنا في حديث "الأعراق" حديثاً لم يشف الغليل ووقف بنا عند بوابات العدم.
مكتبة د. علي حمد ابراهيم
|
|
|
|
|
|