أصرفلو عربي: اللغة والسياسة وعبد الخالق

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 11:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.عبد الله علي ابراهيم
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-15-2014, 03:47 AM

عبدالله علي إبراهيم
<aعبدالله علي إبراهيم
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 2082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أصرفلو عربي: اللغة والسياسة وعبد الخالق

    عبد الله علي إبراهيم
    من طرائف المعتقل بعد مأساة انقلاب 19 يوليو 1971 أنه سئلت ابنة الاستاذ فاروق كدودة الطفلة عن ابيها فقالت: "العجوز طبلوا." وهكذا كان حالي حين اتفق للحزب الشيوعي أن أختفي من الأعين للعمل كمتفرغ تحت الأرض. وقد فوجئت بالزميل التيجاني الطيب يحدثني في ميدان بامتداد الدرجة الثالثة أن عليّ تدبير منزل أو منازل لطبلتي على النفقة الخاصة. وفعلت. وتلك قصة أخرى.
    وضعني التفرغ والطبلة المصاحبة وجهاً لوجه مع اللغة العربية.وعهدي بصحبة اللغة العربية وتذوقها قديم. أذكر أيامي في عطبرة حين كنت اتسقط العبارات البليغة والألفاظ الغراء من الكتب والصحف وأدونها في كراسة من ذوات ال 64 صفحة بغلاف أصفر أو سمني. وكانت هذه الدرر هي لبناتي لبناء قصصي القصيرة حين عالجت كتابتها في النصف الثاني من الخمسينات. ولكن طبلة التفرغ اختلفت عن هذا الغوص الباكر للآليء اللغة. فقد اتسع المطلب. فأنا الآن داعية أريد الخوض في مستقبل هؤلاء القوم وتبليغهم الخطة المثلى لها. ووقع عليّ بجانب صيد لآليء اللغة أن انفذ إلى نظامها ذاته بحسبانه نظاماً نسيقاً منطقياً فلسفياً يستبطنه من اتوجه إليه بالدعوة. فأمية المرء وجهله بقواعد اللغة العربية لا تمنعانه من إنشاء لغة تفصح عما بنفسه. وهذا ما يجعل الداعية يقصد اللغة لذاتها.
    لا ينجح الداعية ولا السياسي بدون عقد تحالف وثيق مع اللغة إذا أراد لرسالته أن تلامس شغاف القلوب. ولذا قال أحد الكتاب إن تصريف السياسة عن طريق الكلمات أي اللغة هو الشرط السابق لاعتبار السياسة ضرباً من الثقافة. ومن مغبة سوء توظيف اللغة في السياسة هو أن تصبح ساحة للهرج لا للرشد. وقد استوقفتني دائماً العقوبة التي يؤدب بها الجيش من خرقوا الضبط والربط. وهي التبكيت المسمى "أصرفلو عربي". وهي عقوبة يقف فيها المذنب انتباه بينما يتحدث له الرتبة العليا حديثاً ما أنزل الله به من سلطان. ف "اصرفلو عربي" هي تبليغ خلا من المنطق، وانحلت رابطة النحو والبلاغة فيه فاضحي "بلاغة مضادة" مقصوداً بها تعذيب المذنب. وعنصر الأدبة في إجراء الجيش ناجم من استماع المرء إلى لغته وقد انسلخت عن التبليغ بأي شيء مفيد كتوقعه منها واستعداده لها. وقد دخلت في تجربة "اصرفلو عربي" في غير نطاق الجيش مرة. واشهد أنها كانت محض عذاب.
    والشيء بالشيء يذكر. لم اكن أعرف حين انطبلت متفرغاً داعياً واسطته اللغة أنه قد سبقني أستاذي عبد الخالق محجوب إلى النظر إلى السياسة كثقافة والتنبيه لذلك في كتيبه "إصلاح الخطأ في العمل الجماهيري". أو بالحق لم أذكر لأنني كنت قد قرأت الكتيب ساعة صدوره في 1961 وانفعلت به انفعالاً لم يزل حتى الآن ويبدو أنني نسيت الجزء الخاص باللغة منه.
    وحلف عبد الخالق مع اللغة العربية وثيق تدرب عليه في سياق نهضة حركة الخريجين وأدبياتها المصرية بشكل رئيسي. فكان في حلقة قراءة من الأصدقاء الطلاب تنعقد جلساتهم على شاطيء النيل بعد صلاة المغرب بجامع خضر حول ما استجد في مجلة "الرسالة" وغيرها. وكان عقادياً هواه أي من المعجبين بالعقاد حتى وجده يترجم عن الشاعر الإنجليزي كيتس بغير عرفان فأنصرف عنه فيما روى لي صديقه د.عبد الغفار. وكان من بين الطلبة المبرزين في الثانوية الذين اختارهم أستاذهم البنا في رحلات صيد الأرانب بخلاء وادي سيدنا في عطلة نهاية الأسبوع ليطلعهم ميدانياً على حياة العرب.
    اللغة ليست مجرد وسيلة أو حامل للدعوة بل هي نسق من أنساق الدعوة ذاتها. وقال عبد الخالق في كتيبه إن وسيلة الدعاية (وأفضل "التبليغ" على الدعاية بشرط الزمان) بالأفق الشيوعي وسيلته اللسان وهو الشفاهة والرمز أي لكتابة. ونصح بشأن الشفاهة أن نتحاشى غريب الماركسية أو تبسيطه متى استدعى الأمر. وأن لا تستبد بنا العقيدة أو تستخف بنا فنجعلها مناسبة نستعرض فيها ميزتنا كسدنة لها. وقال إن هذا التنطع من خلق البرجوازية الصغيرة فاجتنبوه. ونصح أيضاً بتحاشى الوعظ والحديث من عل وغمط الناس حقهم في الحوار. فالتبليغ ساحة ديمقراطية مطلبها الحكمة وشرطها اتساع الصدر وحسن الاستماع. وشدد على مبدأ بلاغي معروف أنه لكل مقام مقال. ومن ذلك أنه لا يٌحسن الكلام في السياسة في موضع أنس خفيف في فرح مثلاً. فليس مجلس الأنس مجالاً للدعوة مهما كان الإغراء ولو ألحنت في حجتك.
    أما من جهة الكتابة فقد التمس عبد الخالق أن تكون صحافة الحزب طازجة مع النبأ وأن يتسم أسلوبها بالإشراق. وقال إنها لم تلتزم بذلك حتى تاريخ الكتاب وبلغت من السوء حداً لم يعد حتى الرفاق من قرائها الحريصين، واكتفوا من الغنيمة بتوزيعا على الآخرين: سترة وصلحة. ونصح صحافة الحزب أن تركز علي الحدث لا الأشخاص مهما كان فعلهم فضائحياً أو مثيراً.
    ولم تغب عن عبد الخالق ابداً قضية تنوع لغات السودان وتعددها. ومن أراد بياناً بذلك فعليه بكتابي "الماركسية ومسألة اللغة". وجاء عبد الخالق في كتيبه عن إصلاح الخطأ بتنوع قل التنبه له وهو الفارق بين لغة الحديث بالعربية عن لغة الكتابة بها وهو ما يسمى ب "دايقلوسيا" بالإنجليزية. وقال إن حل معضلة تنوع لغات السودان وكثرتها عسير غير أننا ينبغي أن لا تفتر لنا همة في الكفاح من حيث المبدأ لتجد هذه اللغات طريقا لتكون لغة التعليم بين أهلها في ظل الحكم الوطني الديمقراطي والاشتراكي بعد اخضاع الشفاهي منها للكتابة. وتَحَفظ دون أن يرهن نفع هذه اللغات إلى يوم النصر الاشتراكي. فقال إننا بالطبع لن نتجمد بتلك اللغات لذلك اليوم ويجب أن نصل أهلها بها كما حاولنا بالنسبة للجنوب (المنشورات لعمال مصنع أنزارا بالإستوائية بلغة الزاندي) وفي مجلة "سكناب" للبجا (من يذكر هذه الصحيفة أو يحتفظ بشيء منها؟). ووجه بأن تقوم طلائع القوميات، أو المهمشين في لغة اليوم، بترجمة أدب الحركة التقدمية إلى أهلهم وبلغاتهم حيث كانوا. ووجه لدراسة كتابة لغات (سماها اللهجات) القوميات لتدخل مناهج مدارس الجنوب. بل اعتبر الإنجليزية داخلة في عداد اللغات السودانية. ودعا إلي استمرار صدور (الجنوبي)، وهي نشرة شيوعية موجهة لصفوة الجنوبيين، باللغة الإنجليزية. أما من جهة تباين لغة الخطاب والكتاب، أي الدايقلوسيا، فقد دعا إلى الاقتراب من لغة الشفاهة لا كفراً بالعربية بل لأن "اللغة العربية مرنة" ويمكن أن تسع هذا المشروع. ولا مؤامرة على "أم اللغات" ولا يحزنون.
    لما "انطبلت" للدعوة للاشتراكية في 1973 ضمن طاقم الحزب الشيوعي المتفرغ له وجدت أن اللغة هي التي ستؤانس وحشتي أو تفسدها. فأنا أنام علي اللغة على سرير الحديد وسلك المشبك الشهير أفكر في مشروع ما أكتب غداً. واصحو عليها جالساً عند منضدة الحديد رخيصة الثمن بلونها اللبني أكتب ما سهرت ليلي أفكر فيه. ذلك كله في غرفة بسيطة أنيقة بالحلة الجديدة يضرب عليها الصمت سحابة النهار كله.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de