|
قـرض المطـار الجديـد وتصفيق البُـلَـهَـاءْ مصعب المشرّف
|
: يبدو أن البعض عندما ينزنق وينحشر في الزاوية . لا يجد مفراً سوى في القفز على طريقة "قـلب الهُـوبا" للخروج من مأزقه .... وهذا عين ما جرى بالأمس القريب حين أعلنت سلطة الطيران المدني؛ وبغباء تحسد عليه أنها وقعت عقداً للحصول على قرض ربوي يبلغ 680 مليون دولار من شركة صينية. ونلفت الإنتباه إلى أن الطيران المدني لم يتطرق إلى شروط سداد هذا القرض أو نسبة الفوائد الربوية والغرامات المرتبطة بتأخير السداد .. إلخ من تفاصيل كان يفترض أن يتم إطلاع الشعب عليها عبر الصحف . وممثلي الشعب في البرلمان على الرغم من أن هؤلاء دائما ما يبصمون بالموافقة في نهاية المطاف حتى لو كان القرض بالشروط المجحفة التي طلبها تاجر البندقية اليهودي (شيلوك) من (أنطونيو) في رائعة شكسبير الشهيرة.
والطريف هو التهليل والتكبير الذي صادف توقيع هذا القرض الذي جمعوا لأجله بعض من لا علاقة لهم بالأمر ولا معلومات لديهم ؛ وإنما فقط على سبيل إستكمال وجاهات الزفّة الكضابة والنفخة المسرحية ..... وحرارة تصفيق وتطبيل وتهريج الأفندية والباشكتبة البُـلَهـاء المعهود.
والمضحك أن طيات هذا الخبر الكئيب قد شفعه تصريح للناطق الرسمي بإسم سلطة الطيران المدني المدعو عبد الحافظ عبد الرحيم ؛ أوضح فيه أن الوفد الموقّع على القرض المشار إليه بقيادة الكابتن باجوري قد قام بلقاءات تنويرية لعدد من السودانيين العاملين بالبحرين بحضور سفير السودان هناك.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ما هو دخل السودانيين العاملين بالبحرين بتوقيع حكومة السودان ممثلة في الطيران المدني لهذا القرض؟ هل هذا القرض قد تم لأجلهم ؛ أم أنهم هم الذين سيُلقى على عواتقهم أعباء سداده مع الفوائد التي ستتراكم بمرور السنوات؟ .... لماذا تم الزج بإسمهم هنا ؟ .... هل أصبح هؤلاء إمتداد للبرلمان السوداني في زمن المشروع الحضاري أم ماذا؟ ..... أم هل هم الجهة التي تحدد مشروعية وجدوى إقتراض حكومة الخرطوم من عدمه؟
منطق كسيح مفلس ؛ وأساليب غريبة عجيبة مشبوهة وعوجـاء ؛ باتت تصاحب أداء العمل الحكومي لا تبرير لها ولا تفسير.... وتظل كأنها صادرة من جهة غير واثقة من نفسها ، وتشك في مصداقيتها قبل شك الغير فيها .... وتدرك أن على رأسها بطحة دائماً ما تحسس عليها. والمثير للريبة أن المتحدث الرسمي بإسم وفد الطيران المدني لم يتطرق إلى المداخلات التي تقدم بها أفراد هؤلاء العاملون من الجالية السودانية بالبحرين ، الذين طُُرح عليهم ما أشار إليه المتحدث الرسمي المذكور بمصطلح "تنوير".. أو كأنّ مجرد الحصول على قرض هو في حد ذاته إنجاز لا تستتبعه إلتزامات قاصمة للظهر ؛ تتحملها الأجيال الحالية واللاحقة من أبناء شعبنا المغلوب على أمره؛ المهموم في منامه ويقظته ، وتقلُّب وجهه في السماء .... وتقـلُّبِه في الساجدين. ربما حاولت رئاسة الوفد الذي قام بالتوقيع على إتفاقية القرض المناورة بالإلتفاف والزوغان لتفادي مطــب عقد مؤتمر صحفي تنويري في العاصمة الخرطوم ... ومواجهة أسئلة الصحفيين المطلعين على بواطن الأمور هناك .. وخوفاً من أن يخرج لهم من بين صفوف هؤلاء "بهــرام" آخر يعريهم ويمسح بهم الأرض.
واقع الحال أن القرض المشار إليه تغلفه الكثير من الضبابيات .... ولم يفصح الموقِّع عليه شيئاً عن فترة السماح والسداد ونسبة الفائدة وغير ذلك من شروط وجزاءات علّها كانت إستغلالية مجحفة .... . وإنما جاء كل شيء في فحوى تنويره المزعوم مبهماً لا يصلح حتى لإقناع الدجاج والنعاج والخراف.
لا نريد أن نستبق الأحداث ؛ ولكن التجارب السابقة خير برهان .. وحسبنا أن نتعلم من الحاضر المعاش قبل الماضي القريب في كل ما يتعلق بمسألة الإقتراض . وما يترتب عليه من إلتزامات تقع في نهاية المطاف على عاتق الشعب وحده ؛ في الوقت الذي يفلت فيه لصوص المال العام بثلثي القرض وعمولاته . ويتركون الباقي (على مضض) لشركات وهمية تستنفذه في بنود مائعة تحت مسميات وبنود صرف مجهرية غامضمة مثل "إجراء مسوح وإستكمال دراسات" ..... " طلب خبرات أجنبية ومكاتب إستشارات هندسية" .... " إعادة دراسة فنية لأعمال خرسانية قائمة بالفعل" ..... وهكذا تذهب ملايين القرض شمـار في مرقــة على طريقة ما حدث للخطوط الجوية السودانية ؛ دون مساءلة أو محاسبة حتى تاريخه. وإن هي إلا سنوات حتى تفوح الروائح النتنة .... وبعد أن يأكل الدحيش العيش ؛ يخرج علينا المراجع العام ليحدث البرلمان بوجود مخالفات في المطار الجديد .... وينتهي الأمر بتكوين لجنة .... وباي باي ... ولتظل ساقية جحا تــدور بلا طائل .... أو كما سودنها الشاعر السوداني وغناها حمد الريَّح " والساقية لِسّــهْ مِـــدَوِّرَة".
الأغرب من كل هذا أن خبر إقتراض السودان مبلغ 680 مليون دولار من شركة هاربر الصينية تحت مزاعم بإستكمال المرحلة الثانية من المطار الجديد الذي يبدو أنه لن يستكمل قريباً .... صاحب هذا الخبر وفي نفس التوقيت خبراً آخر يفيد بأن محلية الخرطوم (في الخرطوم هذه المرة) ؛ قد توصلت إلى إتفاق مع شركة مطارات السودان القابضة فيما يتعلق بتطوير وتأهيل المنطقة الواقعة شرقي مطار الخرطوم الدولي (الحالي) . وإزالة المخالفات على إمتداد السور الغربي للمطار قبالة شارع أفريقيا . وتأهيل المدخل الشمالي الرئيسي حتى شارع النيل.
معنى ذلك أن الواقع على ضوء المستقبل المتوسط قبل القريب ليس كما يدعي البعض بقرب الإنتهاء من تشييد المطار الجديد ، وفتحه أمام حركة الملاحة الجوية الدولية ولإستقبال زوار البلاد .
ولا نرغب في حــك ظهر الطيران المدني حتى يكُـبّ الدم ..... ولكن الشاهد أن السودان في هذه المرحلة بالذات لا يستقبل من الزوار سوى بعض رؤساء الدول الأفريقية المجارة الهامشية المِدْقِعَة الفَـلَس وإستثنائية التخلف والفقر ؛ الذين يعتبر مطار الخرطوم الحالي بالنسبة إليهم كأنه مطار هيثرو...... مطار هيثرو الذي بعنا حق هبوط وإقلاع خطوطنا الجوية الوطنية بطريقة أقل ما توصف به أنها " قِـلّــةْ أدب " بالمعنى الشعبي الدارج في الشارع السوداني. والواقع كذلك أن ما تبقى من شركات طيران عالمية مثل ألـ KLM ولوفتهانزا والبريطانية قد ألغت رحلاتها من وإلى الخرطوم ....
والمستقبل في ظل الأوضاع الإقتصادية المتردية . والإحتقان السياسي الراهن لا تبشر بإنفراج قريب يستدعي اللهث والإستعجال لأجل توقيع عقد بالحصول على قرض للمسارعة بإستكمال المرحلة الثانية من مطار الخرطوم الجديد بأي تكلفة وثمن.
على أية حال فلننتظر الأيام القادمة .... ولا أدّعِي القدرة على قراءة الطالع وعلم الإبراج والنجوم ... ولكن ليتوقع الجميع أحاديث حقيقة عن إكتشاف تصدعات في مباني المطار الجديد ... وعدم تطابق مدرج الهبوط والإقلاع مع المواصفات العالمية .... وتوقف بيت الخبرة الأجنبي الفلاني ...وهروب المحاسب العلاني ...و .... إلخ مما أصبح لبانة رخيصة ووجبة صباحية يلوكها الناس على نحو تقفل النفس، وتغنيهم عن طلب وتناول وجبة الفطور وما يستتبع ذلك من تـكـبـد نفقات لا قبل لهم بها ولا طاقة .
ولا نملك في نهاية المطاف ، ومع تنامي ظاهرة اللهث خلف القروض التي يبدو أنها أصبحت واحدة من تكتيكات اللعب في الوقت المستقطع بدل الضائع ..... والمخرج الوحيد للمستجدين من طالبي الثروة الحرام ولصوص المال العام بعد أن جفت الموارد المحلية الأخرى عن التدفق ..... ولعلنا نحاكي المتنبيء بالقول: قـــرْضٌ بــأي حـالٍ عــدت يا قـرْضُ .... بمـا مضى أم لأمــــرٍ فيــك مَــرَضُ
|
|
|
|
|
|