|
الرشــايــدة .. غجـــر الصحــراء (مقال مترجم) مصعب المشرف
|
.
:
لفت نظري هذا المقال الذي كتبه المصور الصحفي (ايريك لافورقيو) ونشر صباح الأربعاء 30 أبريل في بعض طبعات المجلات الغربية . ومنها على سبيل المثال الديلي ميل البريطانية تحت عنوان:- (The gypsies of the desert)
تناول إيريك لافورقيو في هذا المقال جوانب كانت خافية عن قبيلة الرشايدة العربية التي نزحت بطون منها إلى القارة الأفريقية في أحدث الهجرات التي شهدتها القارة السوداء لمجموعات بشرية سامية ...
وربما يتبادر إلى ذهن الأغلبية من عامة أهل السودان أن قبيلة الرشايدة يقتصر تواجدها على السعودية والسودان فقط ... ولكن الذي كشف عنه مقال لافورقيو أن هذه القبيلة تنتشر في كل من أريتريا ومصر وليبيا إلى جانب السودان .... وأنها تشترك جميعها في (خاصية) عدم الاختلاط والإندماج والتمازج العرقي مع أهل البلاد الأصليين.
وقد استصحب لافورقيو مقاله بعشرين صورة فوتوغرافية . حاول من خلالها تدعيم فقرات مفصلية من هذا المقال تناولت كافة الجوانب الاجتماعية والسمات البشرية والأنشطة الاقتصادية لهذه القبيلة التي لا تزال تقف قوية في وجه الاندماج والتمازج العرقي مع غيرها من قبائل سامية عربية أو حامية أفريقية في اريتريا والسودان ومصر وليبيا ؛ مما يجعلهم يبدون وكأنهم مجرد "ضيوف" ثقلاء الظل في أراضي هذه الدول مجتمعة.
كان ملخص ما نشره المصور الصحفي عن إستطلاعه المصور كالآتي: أن قبيلة الرشايدة المقيمة في أفريقيا تنحدر من شبه الجزيرة العربية . وتحديداً من داخل أراضي ما يعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية ً. أنهم يعتمدون في نشاطهم الاقتصادي على تربية الإبل ، ويربحون الآلاف من حصيلة بيعها لاسيما تلك التي تعرف بالهجن العربية الرشيقة ، حيث يقبل عليها أثرياء العرب وزعماء القبائل البدوية للمشاركة بها في السباقات ؛ وتمثل مصدراً لحصد الجوائز المالية المغرية وللمباهاة والفخر والتأكيد على مفاهيم الأصالة والرفاهية التي يحرصون على صيانتها فيما بينهم. وبعض الرشايدة يعمل في مجال التهريب بكافة أنواعه لاسيما الأسلحة . ومنهم من يعمل في الإتجار بالبشر والإختطاف .... وتلك هي المشكلة.
ويقول ايريك لافورقيو أنه قد زار العديد من القبائل المنعزلة النائية حول العالم والتقط لأفرادها وبيئتها ومساكنها العديد من الصور الفوتوغرافية الفريدة .... ولكنه حين حاول الوصول إلى الرشايدة في سوق الإبل بدولة الإمارات العربية المتحدة ؛ نصحه كثيرون ومنهم باكستانيون بعدم الإقتراب منهم ووصفوهم بأنهم مجانين.
ثم أنه وحين حاول تعقبهم في مضاربهم وخيامهم البدائية داخل أريتريا بوجه خاص ؛ فوجيء بأن لا أحد من السكان المحليين يرغب في مرافقته كدليل . وواجه رفضاً وإعراضاً من جميع أصحاب السيارات الأجرة الذين عبروا له عن تخوفهم من أن يقوم الرشايدة بنهب سيارتهم وأموالهم إن عثروا عليهم في الطريق الخلوي .. ولكن ايريك عثر في نهاية المطاف على صاحب سيارة أجرة وافق على توصيله (بعد مفاوضات شاقة) إلى مخيم للرشايدة في أريتريا نظير أتعاب باهظة . وذلك بعد أن اشترط عليه أن يتوقف بالسيارة على بعد 200 متر من مشارف المضارب .
كان التساؤل الذي يتردد بإلحاح في ذهن المصور ايريك لافورقيو ويبحث له عن إجابة هو "لماذا اختار هؤلاء الرشايدة هذا النمط من حياة العزلة داخل صحاري الدول الأفريقية التي نزحوا إليها من شبه الجزيرة العربية؟ .. وكيف التصقت بهم هذه السمعة المخيفة المنفرة عنهم لدى الغير؟
يقول إيريك لافورقيو أن الرشايدة يرتحلون من مكان إلى آخر بإبلهم بحثاً عن الكلأ .. وأن هذه الإبل توفر لهم الثروة . ويصل سعر بعض جمالهم إلى 16 ألف جنيه إسترليني خاصة تلك الهجن النجيبة التي تتميز بسرعة الركض ويتم المشاركة بها في سباقات الهجن العربية.
وبغض النظر عن ثراء الرشايدة ؛ فإنهم يعيشون في خيام بلا كهرباء ولا تمديدات ماء نقية . ولكن بعضهم يبدو معجباً بمنتجات التكنولوجيا الحديثة من سيارات وموبايلات.
وعند مقابلة إيريك لافورقيو لأحد زعماء الرشايدة في أرتريا ؛ وكان إسمه سالم سويلم محمد . عرف منه أنهم ينشطون في مجال تربية وبيع الإبل . وأنها تدر عليهم أموالاً طائلة وأرباحاً سخية . لكنهم في المقابل تقع على أعتاقهم مصاريف أسرية باهظة بسبب تعدد الزيجات وكثرة المواليد لدى رب الأسرة . وأنهم يتعاملون في التجارة مع اليمن والسعودية والسودان وليبيا. واعترف سالم سويلم محمد بأنهم (الرشايدة) يتحاشون التكنولوجيا الحديثة بما في ذلك التلفزيون لأن التلفزيون يبدي المساوئ ويسبب الكوارث . وأنه بدلاً من شراء الأمراض الإجتماعية بأموالهم . فإن الأفضل هو العيش سعـداء في سلام وحرية.
ويستدرك أيريك فيذكر أن الرشايدة لا يعيشون جميعهم في سلام كما يدعي سالم سويلم . ذلك أنه وفي تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة ؛ تم الإشارة إلى أن الرشايدة يحترفون التهريب ويجيدونه إبتداءاً من الأسلحة وانتهاءاً بتهريب البشر والإتجار بهم.
ويشرح إيريك ذلك بالقول أن الرشايدة يحصلون على أموال من أنشطة أخرى غير قانونية . ومنها على سبيل المثال ما يجري من اختطاف للاجئين الأرتريين خارج مخيماتهم المقامة حول مدينة كسلا السودانية . وحيث أشارت التقارير أن اللاجيئن الأرتريين عادة ما تسمح لهم السلطات السودانية بالخروج من مخيماتهم . ولكنهم أثناء تحركاتهم من وإلى المخيمات ترصدهم بعض عيون الرشايدة الذين يختطفون البعض منهم ، ويطلبون من كل واحد الإتصال بذويه لدفع فدية مالية تودع في حساب مصرفي لأحد الرشايدة حول العالم . وأنه في حالة تلكؤ أسرة الرهينة في دفع الفدية فإن الرهينة يتعرض للتعذيب والإساءة الجسدية .. وكلما تأخر تسديد الفدية أطول كان تعذيب الرهينة أشد وأنكـر.
ويقول إيريك لافورقيو أن الزواج هو أحد الأسباب التي يسعى الرشايدة بسببها للحصول على الأموال بكل الطرق القانونية وغير القانونية . فالزواج لديهم يتطلب دفع مهور مرتفعة تصل إلى 40,000 استرليني (أربعين ألف جنيه استرليني) . وأن سن تزويج الفتاة المفضل يكون عند بلوغها 6 سنوات (ست سنوات) ... وأن الفتاة لديهم إذا بلغ عمرها 16 سنة دون أن تتزوج فإنها تعتبر عانس ويقل مهرها كثيراً . وأنه في حالة عجز الفتى عن توفير المهر اللازم . فإنه يقوم بجولة تشمل كافة بطون القبيلة في افريقيا والسعودية لجمع هذا المهر من أقربائه على طريقة الخـتّـة ( الكشـف) المتعارف عليها في مناسبات الزواج والوفاة.
وبحسب ما أخبر به سالم سويلم . فإن ولادة الإناث هي المفضلة لدى الرشايدة عن ولادة الذكور . وذلك بسبب ما تجلبه الأنثى لذويها من أموال عند تزويجها ولاسيما إذا كانت حسناء.
الطريف أن إيريك لافورقيو أقر في نهاية المقال ؛ أنه وبعد أن لبى دعوة من سالم سويلم الرشايدي لتناول أقداح الشاي تحت خيمته .. أقر أنه لم يشاهد مظهراً من مظاهر الثروة أو العنف في (القرية) .... لا بل وأنه لم يشاهد مثل هذه المظاهر طوال محاولاته تتبع قبائل الرشايدة في أريتريا.
وكان الحقيقة التي خرج بها هذا الصحفي من هذا التتبع أن الرشايدة يعيشون في مجتمعات منعزلة خاصة بهم . مفضلين عدم الإختلاط بالناس من القبائل الأخرى .. ولكنهم كما يقول سالم الرشايدي يجدون الترحاب الدائم وسط قبائل الرشايدة الأخرى طوال وخلال ترحالهم من مكان إلى آخر بحثا عن الكلأ لحيواناتهم.
ولكن حال وأنشطة الرشايدة في السودان ربما يبقى مختلفاً بعض الشيء عن ذلك الذي يقومون به في أرتريا .... وربما يكون لطبيعة الصراع المسلح الذي يجري في شرق البلاد دور مؤثر في ذلك ؛ حيث تنشط مجموعات من الرشايدة في تهريب وتجارة السلاح وتهريب البشر والإتجار بهم وغسيل الأموال .
ورصد أفورقيو داخل السودان أن بعض الرشايدة قد هجروا مؤخراً مرابع القبيلة وودعوا حياة الترحال وتربية الإبل . واختاروا الإستقرار وحياة الرفاهية في وسط التجمعات السكانية المدنية . وتعبتبر مدينة كسلا السودانية من أبرز المدن في المنطقة الأفريقية التي تشهد هذه الظاهرة . حيث تتسع ظاهرة أقامة الأسرة الرشايدية داخل منازل حديثة وتلحق أطفالها بمدارس التعليم الأكاديمي النظامي .
وفي توصيفه لبعض المبهم في حياة وتقاليد الرشايدة . قال إيريك :- أن الذكور منهم لا يتميزون بأزياء أو مظاهر خاصة . إنهم يبدون عرب ويرتدون ملابس بيضاء فضفاضة ؛ في حين تبدو النساء أكثر لفتا للإنتباه وإثارة للدهشة . فهن جميعهن يرتدين ملابس تقليدية ملونة ونقاب يغطي الأنف بإعتباره الجزء الأكثر إثارة للشهوة الجنسية في وجه المرأة لديهم ، ويغطي النقاب الفم أيضاً. ويلاحظ أن شعر المرأة لديهم لايتم تغطيته عادة ؛ وهو ما لا يتسق تقريباً مع الثقافة الإسلامية . ولكن في الفترة الأخيرة ؛ وبعد عودة تواصل الرشايدة في أفريقيا بأصولهم في السعودية بدأ البعض منهم يأمر نسائه بتغطية الشعـر ..... وبنحو عام تبدو بعض فتيات الرشايدة مذهلات ومتميزات بشعرهن الطويل المضفر أو المسترسل على كافة جوانب الراس .. ومنهمن من تترك شعرها منكوشا أعلى جبهتها. وإلى هنا فقد انتهى مقال لافورقيو .. ومن رغب في مشاهدة الصور الفوتوغرافية فليذهب إلى مدونتي "المحطة الوسطى" أو "المزلقان" .......
وبعــــــد: من كل ما تقدم . فإن الذي يلفت الإنتباه أن قبيلة الرشايدة العربية المتوزعة مابين بلاد أفريقية أربعة هي السودان وأرتريا ومصر وليبيا ... يلاحظ أنها قد باتت مؤخراً وكأنها موعودة بما يمكن تسميته بـ "لعنة فلسطين" . لقد أصبح هناك من يشير إليها بأصابع الإتهام لتورطها بدور مـّا في مرحلة مـّـا من سلسلة تهريب الأسلحة إلى منظمة حماس في قطاع غزة . وهو ما قد يضعها في ظرف تحدي غير متكافيء مع إسرائيل وحلفاء إسرائيل ... وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية . وبالطبع فلا أحد تصل به السذاجة إلى تصور أن لدى الرشايدة قناعات سياسية وإنشغال (رفاهي) بأفكار القومية العربية والصراع الإستراتيجي مع إسرائيل . ولكن المسألة في البداية والنهاية إنما الغاية منها لدى الرشايدة هو جني أموال وتحصيل ثروات لبعض عناصرها . ولاشك أن لإيران دوراً .... وربما يكون البعض من ممتهني تهريب البشر والإتجار بهم يستغلون في بعض المتفلتين الرشايدة طموحاتهم بالثروة حيثما كان مصدرها... ولا حاجة لنا للإشارة إلأى البعض المتنفذ المرتشي الذي يستغلهم أيضا فالرشوة أصبحت إلى جانب ظاهرة سرقة المال العام التي تجتاح البلاد اليوم مجرد نافلة من نوافل إبليس.
لقد أثبتت التكنولوجيا الإسرائيلية من خلال عملية مطار عنتيبي ؛ ثم ضرباتها الجوية والصاروخية الموجعة والمحرجة للسودان خلال الفترة الماضية ؛ أنها فعالة لما تريد .. وأن أباها ليس بشيخ كبير .... ولن تنتظر حتى يصدر الرعاء. فهل يكون إهتمام الإعلام الغربي مؤخراً بإبراز دور هذه القبيلة السلبي في المنطقة الملتهبة بالتركيز على أنشطتها غير القانونية التي حتماً ستثير في وجهها مشاكل قد لايكون لديها قِـبلٌ بها ... هل سيكون هذا الإهتمام مقدمة للعديد من الكوارث والشرور والمحن التي قد يتعرض لها الرشايدة مستقبلاً في بيئة لاشفيع ولا صهر ولا نسيب ، ولا قريب وذوي أرحام لهم فيها من أبناء البلاد الأصليين؟
|
|
|
|
|
|