الابداع ليسَ مهنةً، ولا يختار صاحبه أن يكون مبدعاً؛ فهو وَحْيٌ (غير النبوة) يهبط على من اصطفاهم الله من عباده. يرفعُ الإبداع قيمةَ صاحبه في الأمم التي تحترم الإنسان، ويهوي به في تلكِ التي لا تعترف بالحريّة ولا تقيم وزناً لكيان البشر. تجارب السودانيين مع الابداع مؤلمة، فبقدر ما تعلّقوا بمبدعٍ وأحبوه؛ فُجعوا بأخبار مؤلمة عنه. والأمثلة كثيرة وأترك لكل قارئ لهذا الشريط أن يأتي ببعضها مما عاصره أو نُقِلَ إليه. بعض المبدعين في بلادي لم يجد حتى فرصة الوصول إلى الآخرين وماتوا بإبداعهم دون أن يعرفهم أحد.
يحتاج المبدع إلى مصدر دخلٍ يسيّر به حياته ويحفظ كرامته وهنا يجد نفسه أمام خيارين: أن يقوم بتسويق بعضٍ من ابداعه ويجني مقابله مالاً وهنا يجد نفسه محاصراً بمتطلبات السوق وآراء الجمهور والنقّاد والمنتجين والمسوقين والممولين. أو أن يجد جهةً ترعاه وتوفر له متطلباته ويتفرغ هو لتقديم ابداعه؛ ورغم أن ظاهر ذلك جيّد إلا أنه قد يوقعه تحت طائلة الاحتكار والإملاء. الرياضي مثلاً محكوم بفترة زمنية قصيرة – سن الشباب – يفقد بعدها القدرة على العطاء وتنسحب منه الأضواء والاهتمام ومعينات الحياة. ويختلف الأمر قليلاً مع آخرين مثل: الفنان والرسام والممثل والكاتب والشاعر إذ أنّ أمامهم فرصة أطولَ لتقديم انتاجهم والمنافسة في سوق الاهتمام.
بعدها نسمع يومياً عن فنان لا يجد ما يعينه على معالجة أمراض الكهولة أو آخر لا يجد ما يعينه على البقاء في بيته معززاً مكرماً. وبالإضافة إلى ما جاء أعلاه يجد المبدع السوداني نفسه محاصراً بعوامل عديدة اجتماعية وسياسية واقتصادية تقصّر من قدرته على التفاعل من مجتمعه والوفاء بمتطلبات الحياة والبقاء ويجد نفسه خارجَ التيار الجارف الذي يحكم مسيرة الأشياء.
الابداع ليس مهنة .... ولكنني أقول لمبدعي بلادي: آسف، نحن لا نستحق ابداعكم، ابحثوا عن مهنة عادية وعيشوا بيننا وموتوا مثلنا .... دون أن تتركوا في هذا العالم بصمة أو أثراً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة