لاشك إن الدراما التلفزيونية والسينما لها تأثير فعال على الأســرة بكل فئاتها العمرية، لأنها تخاطب الحواس بأكملها عند المشاهد وتؤثر عليه سلباً وإيجابياً حسب المادة المقدمة، ويري علماء النفس إن الدرما واحـدة من طرق صناعة الشخصية الحقيقية لقدرتها على معالجة قضايا إجتماعية متجذرة مثل العنصرية وتمييز المرأة والإنحراف الأخلاقي والفساد والمخدرات والعلاقات الزوجية.
لأن التجسيد الجيد للعمل الدرامي يجعل المصداقية لدى المشاهد سريعة، ويعيش الأحداث بتفاصيلها بعقله وقبله، ويتأثر بكل مشهد مٌفرح ومُبكي ، بل يتعاطف مع الضحايا والمستضعفين في هذا العمل ويكره من دواخله العنف والخيانة وينسي هذا تمثيل، لذا تتسابق دول وشعوب العالم من توصيل هذه الرسالة وتنفق أموال طائلة في إنتاج الأفلام والمسلسلات لنشر ثقافتها وتاريخها وغيرها من الرسائل المتعددة .
ومع أننا نملك تاريخ ضارب في الجذور من مملكة كوش والمماليك المسيحية التي يصل عددها إلي 60 مملكة مثل نبتة، والمغرة وعلوة ثم تاريخ دخول الإســلام ومملكة السلطنة الزرقاء أو ما تسمي بمملكة الفونج، وفترات الغزو الخارجي وثورات التحرير الوطني، الثورة المهدية ود حبوبة والإستقلال، بالإضافة ومورث حضاري غني ومتنوع، يجعل الحاجة ماسة للدرما وأكثر جذباً للمشاهد داخلياً وخارجياً بهذه المادة الدسمة من المخزون الفريد من تاريخنا.
ولكن للأســـف واقع الدرما والمسرح لايختلف كثيراً عن قطاعات حيوية، يتساوي معها في التهميش وعدم الإهتمام من الدولة، وقيادات نافذة فيها تعتبر هذا الفن نوع من الإسفاف وبمثابة السرطان الذي يستشري داخل الأسرة ويغسل عقولها ويقودها إلي الهلاك، والمفارقة يستقبلون الدراما العربية والتركية بما فيها من لباس خليع وعادات إجتماعية غريبة بمصطلحات وكلمات لها سحر فعال في التأثير السلبي حتي على لهجتنا العامية.
هذا القصور من الدولة دفع الممثلين وشركات الإنتاج مع ضعف الإمكانيات فيها، إلي إنتاج أعمال بأقل التكاليف، ربما لم تحقق الطموح المطلوب للمشاهد بما يقارنه مع الدراما الوافدة، لانه لايدري كيف تم إنتاج هذا العمل وكم أنفق من أموال في هذا وذاك، ولكن مع ذلك حققت الدرما السودانية درجة من النجاح تستحق الإشادة والتقدير رغم شح الإمكانيات والعداء الذي تواجهه من الدولة.
إننا نطمح في أن يجد هذا القطاع الحيوي التمويل اللازم والإهتمام الكافئ، حتي نري دراما سودانية تليق بمكانة وقيمة حضارتنا وتراثنا، ,تعمق للأسرة السودانية وتنقل للخارج أخلاقنا وعادتنا وقيمنا التي تربينا عليها من الآباء والأجداد، وتكون قادرة على توصيل تاريخنا للآخــر والشخصيات الوطنية المؤثرة فيه، كما نرجو من التلفزيون القومي والقنوان الفضائية الخاصة وما أكثرها اليوم في بلادنا أن تمول هذه الأعمال وتشجع شركات الإنتاج بعرض أي درما سودانية منتجة، ونأمل من رجال الأعمال الإستثمار في هذا القطاع.
وكذلك دعم المعاهد العليا وكليات الدرما في الجامعات، حتي يكون هناك تواصل للأجيال تواكب التطور العالمي وقادرة على الإبداع في مجالاته المختلفة، لان الدرما والمسرح هما السبيل الوحيد لـ تعريف الآخرين بنا، وتصحيح المفاهم المغلوطة عن السودانيين، بالإضافة إلي تنشئة الأجيال على حب الوطن والإعتزاز بتاريخنا ومورثنا الثقافي المتنوع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة