رغيفة في الخاطر !

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 09:17 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-04-2013, 01:11 PM

shazaly gafar
<ashazaly gafar
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1604

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رغيفة في الخاطر !

    رغيفة في الخاطر !
    شاذلي جعفر شقَّاق
    [email protected]
    كُنَّا ثُلَّةً من الأوَّلين في زمانٍ غير هذا الزمان نرتدي ظهيرةً شِتْويَّةً كالحةً عقْب يومٍ دراسيٍّ – في المرحلة المتوسطة – لا بُدَّ أنَّه قصيرٌ قِصَرَ سراويلنا الخضراء وأكمام قمصاننا البيضاء ..لا بُدَّ أنّه أغبش كأقدامنا المترّبة كشُجيْرات السَّلَم والطُنْدُب والعُشَر المتناثرة على حافتَيْ الدرب الطويل الذي نقطعه يوميَّاً في غُدُوِّنا ورواحنا سيراً على الأٌدام في أإلب الأحوال !
    نخطو بصعوبةٍ عكس اتِّجاه الرياح الشمالية مُمْتشقين حقائبنا الدراسية القُماشية التي ينفُخها الهواء كأشرِعة المراكب ونحن نمخُر القِلاعَ والنِّجادَ والكُثبان على وقْع أحذيتنا ذوات الدَّفْع الرُباعيِّ ماركة (الشِّدَّة ) و (الكَبَكْ ) ، وعلى موسيقى عزيف الشمأل التي تحثو حُبيْبات الرمال و(السفَّاية) على الوجوه الصغيرة والسُّوق النحيفة غير عابئين بلفحة الرياح المغتسلة بمياه النيل الباردة ولا مُكترثين بطول الطريق ما دام اللهو والمرح وشيطنة الصِّبا تمثِّل زادنا وحادي خُطانــا !
    عند المنطقة الحجرية ونحن ننحدر من القلعة الزرقاء ينتقي كلُّ غريمين حجرين كُرويَّين في حجم قبْضَتَي يديْهما يصلحان لعملية التدحرج لنلعب (دُبّور دُبّور) وهي أن يقذف أحدُ اللاعبين بحجره – في اتجاه سيرنـا – ثم يقف الآخر عند نقطة ملامسة الحجر الأولى للأرض ويحاول أن يصيبه بحجره ..وهكذا تسقط حسابات الزمن والمسافة من كُرَّاسة رحلتنا اليومية !
    وعندما نعبر السهل الرملي في بطن الوادي ؛ فيُمكنكَ أن تعضَّ شفتكَ السُفلى بقاطعيْكَ كمدافعٍ عنيفٍ لتنقضَّ على ثمرة حنظل – من الحجم المتوسط- وهي لمَّا تزل معقودةً بحبلها السُرِّي مع النبتة الأم المُنتشرة الولود ! تركلها حتى تسيل مياهها وتنتثر بذورها ؛ بعضٌ على مقدِّمة (ألشِّدَّة) وبعضٌ يثفله الرفاق من بين شفاههم متلمِّظين مرارته التي لا تُطاق .. فيتحوَّل عندها اللعبُ إلى حربٍ ضروسٍ بالحنظل أو على الحنظل ، لا يهمّ .. وهكذا نبدِّد الطريقَ إلى مشارف القرية التي سوف لن ندخلها ، ولو فعلنا ؛ لتأخَّرنا إذن عن موعد العمل المسائي (الضُّهْريَّة ) لـ (شتْل البصل) وما أدراك ما شتل البصل ؟
    تلك عملية زراعية تعتمد في المقام الأوَّل على الصبْية والصبايا في مثل أعمارنا ..ولأنَّ اليوم الزراعي ينقسم إى (ضحويَّة) و (ضُهراويَّة) فهو يتعارض مع زمن الدراسة صباحاً ، لذلك يكون التركيز على افترة المسائية عدا العطلات الرسمية طبعاً ..فكسباً للزمن كان لزاماً علينا أن نتوجَّه مُباشرةً من المدارس إلى المَزارع، سيِّما وأنه موسمٌ يعود علينا بالكثير من انقود التي سننفقها على الزلابية التي تنتظرنا أمام بوَّابات المدراس في صباحات الشتاء القارسة البرودة !
    ولكن قبل أن نتفرَّق ؛ كلٌّ إلى (ساقية) أبيه أو أخيه أو قريبه ؛ سنشنُّ هجوماً على أشجار السَّلم والسِّدر والطُنْدب المُلتفَّة حول المَزارع لنتزوَّد بـ(النَّبَق) و(الحُنْبُكْ) ونتسلَّق أشجار النخيل مُستهدفين البلح الذي علق أثناء (حشَّه) بمَنابت الجريد (الكرنوف)..كذلك لنعبث قليلاً بـ (الدنانين) وهي جمع (دُنَّان) – حشرة شتوية- نُلقي عليها القبض بمختلف أشكالها وأحجامها ومسمَّياتها ؛ دنان البقر ، الغنم ، الجمال ..الخ ..أمَّا طريقة اللعب بها فلا تخلو من ساديَّةٍ طفوليَّةٍ كأن نغرس أحد رأسي شوكة السَّلم (أم قُران) في إحدى رجليه الخلفيَّة ، و نغرس رأس الشوكة الآخر في بعرة ، ثم نجعله يطير طيراناً دائريَّاً دون أن يبرح مكانه بين يدينا ما يُشبه حركة (ثور الساقية ) أو (جَمَل العصَّارة) ! أو أن نربطه من إحدى رجليه بخيط رفيع ثم نضعه في الرمضاء صائحين (أبو الدُّنان طير طير .. بجيب لَكْ موية من الزير ) ، فيطير المسكين لا استجابة لخدعتنا طبعاً ولكن لحرارة الشمس ونحن نبسط له لفافة الخيط ، حتى إذا ما ارتفع عالياً ؛ شددنا الخيط ، فكما طار ؛ وقع !
    عندما اجتزتُ (الكرو) عبر (التِّنْقير) إلى الجروف في ذلك اليوم ممتشقاً كالعادة حقيبتي المدرسية الحُبلى بالنبق والحُنْبُكْ والبلح والدنانين شاهراً (خُلالي) وهو آلة شتل البصل وكنتُ أخبِّئه بين الكُتب .. صاح جَدِّي – رحمه الله – من بعيد : (تعال بي جاي آزول أشربْ لَكْ شاي وبرِّد شوية .بدر ي على الضُهرية ، لا هسَّع النهار حار )! .. كان جدَّي يجلس وسط مجموعة من أصحابه (الترابلة) في ظلٍّ وثير يحتسون شاي القيلولة ..أشار إلىَّ نحو خُرْجِه الكائن على السرْج الموضوع بعناية تحت نخلة (الكُرْشة) على حافة الجدول (ألضَّكَر) .. أدخلتُ يدي المعتادة على التنقيب في عِدْل الخُرْج الأيمن فوجدتُ خمس رغيفات ومثلهنَّ في الجيب الأيسر .. تحسَّستُ إحداهنَّ وأنا أظفر بها .. كانت بضَّة مثل مُتجرَّد صاحبة النابغة الذبياني ..مكتنزةً مثل زبيدة هارون الرشيد ..مستديرةً كوجه البدر عند تمامه، فإذا بها رغيفة خالية من بروميد البوتاسيوم حمراء لا شِيَةَ فيها ! ألقيت بحقيبتي كيفما اتَّفق ، ثم حملتُ رغيفتي مثل (طارة) مادح اعتورتْه نشوة النُّقْزان والتحليق ..ثم تقرفصتُ بجانب جَدِّي لأقضمها مع الشاي السادة بنكهة الروث والقصب و(الأشميق) كأشهى رغيفةٍ أكلتُها في حياتي حتى الآن !!
    أعرف أنَّ للطعام مذاقٌ خاص في المَزارع وعلى ضفاف الأنهُر وحواف الجداول وبين المعاول والمجارف ،حيث العرَق والرَّهَق والكدّ والنَّصَب ، ولكن تلك الرغيفة – وبلا مبالغة – كلَّما أذكرها بالكاد اتلقَّف ريقي ! إلى درجة أني أعجب حدَّ التعجَّب من الذين يجمعون بين كلمتَيْ الخبز والكرامة كعشيقةٍ أناجيها كلَّما عزَّ الرغيف : ما أجملك وأنت رديفة لتلك الرغيفة على صهوة لسانٍ واحــد ! بل يصل بي الحُمْق من شدَّة ولهي بالرغيفة إلى وصف ميسون ال######يَّة بالحُمق لأنها لم تتذوَّق رغيفتي ولا ينبغي لها ذلك وهي تستبدل الذي هو أغلى بالذي هو أرخص وهي تخاطب بعلها بُغضاً :
    ولــبــسُ عــبــاءةٍ وتــقــرَّ عـيــنــي *** أحـبُّ إلــيَّ مِــن لـبـْسِ الشـفـوفِ
    وأكـلُ كُسـيـْرةٍ فــي كِـسْـر بيـتـي *** أحــبُّ إلـــيَّ مـِــن أكْـــل الـرغـيـفِ !!
    وأسيرُ أبعد من ذلك على متْن (شِدَّتي) البلقاء أو (كَبَكي ) الكُميْت لانتزع الخبز َبالجُبن من فم ذلك الشاعر ال######## الذي لم يرَ وجه رغيفتي الشارب من حُمرة الشاي الأحمر القاني .. وهو يقرِّر قاتله الله :
    أقولُ وقد شنّوا إلى الحرْبِ غارةً *** دعوني فإني آكلُ الخبزَ بالجُبْنِ !!!

    الوفاق – الخميس 31-10-2013م
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de