|
هل من بركليس لدفن القتلى فى السودان؟
|
" كان بركليس أعظم الخطباء المتكلمين باسم الديمقراطية الأثينية، وفي خطابه المعروف باسم خطبة الجنازة، التي ألقاها في مناسبة الاحتفال الشعبي بدفن الذين قتلوا في الحرب ضد اسبارطة عام 430 قبل الميلاد، قال في تصوير هذه الديمقراطية: ((إنما تسمى حكومتنا ديمقراطية لأنها في أيدي الكثرة دون القلة، وإن قوانيننا لتكفل المساواة في العدالة للجميع، في منازعاتهم الخاصة، كما أن الرأي العام عندنا يرحب بالموهبة ويكرمها في كل عمل يتحقق، لا لأي سبب طائفي، ولكن على أسس من التفوق فحسب، ثم إننا نتيح فرصة مطلقة للجميع في حياتنا العامة، فنحن نعمل بالروح ذاتها في علاقاتنا اليومية فيما بيننا. ولا يوغرنا ضـد جارنا أن يفعل ما يحلو له ولا نوجه إليه نظرات محنقة، قد لا تضر، ولكنها غير مستحبة.
ونحن نلتزم بحدود القانون أشد التزام في تصرفاتنا العامة، وإن كنا صرحاء ودودين في علاقاتنا الخاصة. فنحن ندرك قيود التوقير: نطيع رجال الحكم والقوانين، لا سيما تلك القوانين التي تحمي المظلوم، والقوانين غير المكتوبة التي يجلب انتهاكها عارا غير منكور. ومع ذلك فإن مدينتنا لا تفرض علينا العمل وحده طيلة اليوم. فما من مدينة أخرى توفر ما نوفره من أسباب الترويح للنفس- من مباريات وقرابين على مدار السنة، ومن جمال في بيئتنا العامة، يشرح الصدر، ويسر العين، يوما بعد يوم، وفوق هذا فإن هذه المدينة من الكبر والقوة بحيث تتدفق عليها ثروة العالم بأسره، ومن ثم فإن منتجاتنا المحلية لم تعد مألوفة لدينا أكثر من منتجات الدول الأخرى.
إننا نحب الجمال دون اسراف، والحكمة في غير تجرد من الشجاعة والشهامة، ونحن نستخدم الثروة، لا كوسيلة للغرور والمباهاة، وإنما كفرصة لأداء الخدمات. وليس الاعتراف بالفقر عيبا، إنما العيب هو القعود عن أي جهد للتغلب عليه.
وما من مواطن أثيني يهمل الشئون العامة لإغراقه في الانصراف إلى شئونه الخاصة. والشخص الذي لا يعنى بالشئون العامة لا نعتبره (( هادئا وادعا )) وإنما نعتبره غير ذي نفع. وإذا كانت قلة منا هم الذين يرسمون أية سياسة، فإنا جميعا قضاة صالحون للحكم على هذه السياسة. وفي رأينا أن أكبر معوق للعمل، هو نقص المعلومات الوافية - التي تكتسب من النقاش قبل الاقدام - وليس النقاش ذاته." "
المصدر: محمود محمد طه، الرسالة الثانية من الإسلام.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: هل من بركليس لدفن القتلى فى السودان؟ (Re: عبدالله عثمان)
|
هذا الكلام لبركليس لا يتقادم، و لا يصدأ، و لا يأتى عليه الدهر.. ولقد وصفه الأستاذ محمود بأنه تصوير طيب للديمقراطية الأثينية.. ثم مضى ليقول: (( ولقد أخذت الديمقراطية من أيام أثينا تنمو وتتطور وتتباين في ذلك في مختلف أرجاء العالم، ولكنها تنبع في كل مكان من مبادئ تحاول أن تبينها بوضوح كنهج متميز وفذ من مناهج الحياة.. نهج للحياة يعترف بكرامة الإنسان، ويحاول أن يقيم تصريف الشئون الإنسانية وفق العدل، والحق، وقبول الشعب.. ولقد وصلت مرحلة تطوير الديمقراطية الحديثة إلى مبادئ يمكن تلخيص أهمها فيما يلي: 1- الإعتراف بالمساواة الأساسية بين الناس. 2- قيمة الفرد فوق قيمة الدولة. 3- الحكومة خادمة الشعب. 4- حكم القانون. 5- الاسترشاد بالعقل، والتجربة، والخبرة. 6- حكم الأغلبية، مع تقديس حقوق الأقلية. 7- الاجراءات أو الوسائل الديمقراطية تستخدم لتحقيق الغايات في الدولة الديمقراطية. فليست الاجراءات ولا الأجهزة الديمقراطية غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة إلى غاية وراءها.. فليست الديمقراطية أن تكون لنا هيئة تشريعية، وهيئة تنفيذية، وهيئة قضائية، وإنما جميع أولئك وسائل لتحقيق كرامة الانسان.. فإن الديمقراطية ليست أسلوب حكم فحسب، وإنما هي منهاج حياة، الفرد البشري فيه غاية، وكل ما عداه وسيلة إليه، ولا يجد أسلوب الحكم الديمقراطي الكرامة التي يجدها عند الناس إلا من كونه أمثل أسلوب لتحقيق كرامة الانسان.))
إذن، يمكننا القول بأنه ما من نظام للحكم، سواء أكان ديمقراطياً ام غير ديمقراطى، لا يحفظ كرامة الإنسان ويصونها ويعمل من أجلها، فهو نظام فاقد للشرعية، و يجب أن يزول، ليحل محله النظام الذى يعطى الأولوية العليالهذه الكرامة.
| |
|
|
|
|
|
|
|