|
تأمُلات جوعوا الحجاج!! بقلم كمال الهِدي
|
كمال الهِدي
mailto:[email protected]@hotmail.com
بدت صديقتي اللدودة في غاية الاستغراب وهي تقول: انتم من كان سلطانكم يتكفل بكساء الكعبة تعجزون عن توفير ثلاث وجبات لأفراد بعثة الحج القادمة إلى مكة المكرمة من بلدكم !
رديت على ( افتراءاتها) بحسم قائلاً: هكذا حالكم دائماً يا ناس العالم الثالث تصدقون كل ما يكتب أو يقال!!
بدا عليها الذهول وهي تطالبني بأن أوضح أكثر.
قلت: ما كُتب عن عجز القائمين على أمر الحجاج السودانيين في مكة عن توفير الوجبات ليس اكثر من محاولات من الغرب لتشويه صورة حكومتنا يا عزيزتي، والسبب معلوم وهو أنها تقف حجر عثرة أمام مخططات الغرب والأمريكان على وجه الخصوص وترفع شعارات من شاكلة " هي لله "!
وسألتها: أيمكن أن تجوع حكومة - لم تعمل طوال ربع قرن من الزمان سوى ما يرضي الله سبحانه وتعالي – حجاج بيت الله الحرام؟!!!
أطلقت صديقتي ضحكة مجلجلة وهي تقول: أي وهم هذا الذي تعيشون فيه يا عزيزي! تطلقون الكذبة وتصدقونها.. يا سبحان الله..
سألتها باستنكار: وأين الوهم أو الكذب فيما قلته؟!
أجابت ضاحكة: أي غرب ..وأي أمريكا يا صديقي العزيز، أحدثك عن حجاج يتناولون وجبتين في اليوم بدلاً عن ثلاث وجبات والواحدة من هذه الوجبات لا تسد الرمق فتقول لي مخططات.. ..غرب .. وهي لله!!
واجهتها بالسؤالين: هل تملكين دليلاً على أن الوجبة الثالثة لم تقدم لهؤلاء الحجاج؟ وهل لديك ما يؤكد أن الوجبات لم تكن كافية لسد الرمق؟!
وأضفت: نحن قوم لا نتعامل إلا بالأدلة والمستندات ولا نعبأ كثيراً بما يُكتب ويُقال.. فما أسهل الكتابة والحديث، لكن ما أصعب توفير الأدلة والبراهين على الاتهامات التي تطلق جزافا.
قالت والضحك ما زال يتملكها: إن سرق مسئول كبير وشخص نافذ تطالبون المتضريين والمنهوبين بأن يقدموا الدليل مع علمكم التام بأن من بيده القلم يستحيل أن يكتب نفسه شقياً أو يترك أثراً يقود إليه.. وعندما يموت الناس جوعاً ومرضاً وقتلاً وتشريداً تقولون أن الصور المنشورة من رواندا أو أي مكان آخر غير بلدكم.. والآن بعد أن وقف الناس على مأساة وجوع الحجاج السودانيين في مكة المكرمة تريدوننا أن نأتيكم بالأدلة والبراهين رغم صرخات الحجاج وشكواهم للجهات المعنية في السعودية والصور المتداولة التي تبين وقوفهم في صفوف لاستلام الوجبات الفقيرة!
قلت: لا تنسي أن الجهات المعنية التي قُدمت لها الشكوى تتبع لحكومة المملكة.. وتذكري جيداً يا صديقتي أن حكومة المملكة هذه لديها رأي حول علاقة حكومتنا بإيران ( الخميني).. يعني بقليل من التفكير ( المتعمق) ستتوصلين إلى أنها حملة القصد منها تشويه صورة حكومتنا ( الرشيدة).
عادت لتلك الضحكة المجلجلة وهي تقول: وهل تحتاج أفعال حكومتكم ( الرشيدة) هذه لرفع الضوء أو لمن يشوه صورتها..
وأضافت: دعك من الحجاج ومكة المكرمة والجهات السعودية وقل لي ماذا عن مواطنكم داخل بلده: هل يتمتع بكافة الخدمات البسيطة التي تقدمها حكومات أفقر بلدان العالم لمواطنيها؟
سألتها: مثل ماذا؟
أجابت : مثلاً الكهرباء.. الماء النظيف.. التعليم.. العلاج.. الخ.
قلت: أما الكهرباء فحدثيني عن بلد لا ( تقطع) فيه لدقائق مثلما يحدث في السودان، لكن المشكلة أن مروجي الشائعات يزيدون هذه الدقائق لساعات أو أيام من عندهم.. وإن كان لديك دليلاً أيضاً على أنها تقطع لفترات طويلة أرجو أن تأتيني به!!
وأضفت: بالنسبة للماء النظيف فأنت تعلمين إن المولى عز وجل قد وهبنا نيلاً عذباً يشق البلاد من أقصاها إلى إقصاها ولا يجدر بك أن تصدقي أن إنسان السودان بكل هذا النيل لا يجد ماءً نظيفاً يشربه، فهذه شائعات يا صديقتي شائعات.. وأما التعليم والعلاج أتحداك أن تأتيني بـ ......
قبل أن أكمل عبارتي سمعتها تقول بصوت عالِ: عيب عليكم .. يا خي أدوكم مهلة أربع وعشرين ساعة لتصحيح هذا الوضع البائس وانت ما زلت تكابر و( تشكر في راكوبة الخريف ) كما تقولون.. وانصرفت قبل أن تودعني على غير عادتها.
لم أكترث كثيراً لمغادرتها المفاجأة وقلت لنفسي: حتى إن جاع الحجاج فهو أجر كبير لهم لو تعلم صديقتي .. فالحكومات التي ترفع شعار ( هي لله) لابد أن تحرص على آخرة مواطنيها قبل دنياهم!!
وأضفت ( لنفسي طبعاً ) طالما أنهم جاءوا لجهاد أكبر فما المشكلة في أن يتناول الواحد منهم وجبتين في اليوم.. يعني في السودان كانوا يتناولون كم وجبة؟!
واستطردت قائلاً: لم يكن هناك أي داعِ لكشف الحال ولو أن حجاجنا الأجلاء صبروا واحتسبوا تلك الوجبة المفقودة لكان خيراً لهم!!
وفي النهاية قلت ( لنفسي أيضاً ) لابد من صدور قرار باعتقال هؤلاء الحجاج فور عودتهم لأرض الوطن وتوجيه تهمة إشانة سمعة البلد لكل واحد منهم!!
|
|
|
|
|
|