|
تأمُلات السودان ده بلد ما طبيعي كمال الهدي
|
[email protected] · بالجد بلدنا دي تحير. · ونبدو كأننا نعيش في كوكب آخر غير الكوكب الذي تعيش عليه البشرية جمعاء. · فما يحدث عندنا لا يمكن أن نسمع عنه في أي بلد في الدنيا مهما كان متخلفاً. · ويكفي فقط للتدليل على غرابة المشهد في السودان أن أورد لك عزيزي القارئ حزمة أخبار طالعتها خلال يوم واحد فقط، علماً بأنني لم أتمكن خلال هذا اليوم من المتابعة الجيدة، وإنما مررت سريعاً على بعض صحفنا ومواقعنا العنكبوتية. · يقول أحد هذه الأخبار " أن صلاح كبير الأسيدي سائق المطربة ندى القلعة قد طُرد من منزلها عند الثانية صباحاً لأنه تناول " كفتة " من مطبخ منزلها. · والغرابة في الخبر أنك تقرأ سطراً يفيد بأن المطربة طردت سائقها لأنه التهم " الكفتة " التي قيل أنها أُعدت لها شخصياً. · وفي السطر التالي تجد ما يفيد بأن السائق خرج من البيت من تلقاء نفسه لأنها وبخته على فعلته. · لا أميل نحو تصديق خبر بهذا البؤس والصياغة الركيكة، لكن السؤال هو: ألهذه الدرجة بلغ بنا الجهل والعبط والخواء الفكري حتى تتناول صحفنا أخباراً بهذه الشاكلة؟! · خبر آخر يقول أن وزير المالية الجديد أعاد فرض الضريبة علينا نحن شريحة المغتربين. · وهو خبر أكده لي صديق عائد من أرض الوطن بالأمس، حيث ذكر لي أنه دفع نحو 190 دولاراً عن ثلاثة أشهر فقط، ما يعني أن ضريبته لعام كامل ستصل إلى 500 دولار. · غرابة هذا الخبر تأتي من تصريحات أمين عام جهاز شئون العاملين بالخارج الدكتور التهامي الذي أكد غير مرة أنه ضد فكرة إعادة فرض الضرائب على المغتربين. · وبعد أن فُرضت الضريبة صرح التهامي قائلاً أنه لم يُشاور في الأمر. · صدقناك يا دكتور التهامي ولنفترض أنك برئ من فرض الضريبة على المغتربين براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. لكننا نسألك: هل ستستمر في منصبك طالما أنك لا تُشاور في هكذا أمر؟! · وما هو دورك كأمين عام لجهاز شئون مغتربين تُفرض عليهم ضرائب بهذا الحجم دون أن تتم مشاورتك. · وكيف لنا كمغتربين أن ندفع الضريبة بطيب خاطر ونحن نعلم مسبقاً أن كل أموالنا التي دُفعت سابقاً مضافاً إليها عائدات النفط وكل ثروات البلد الطبيعية قد نُهبت ودخلت في جيوب بعض المسئولين وأبنائهم. · كيف لمغترب يكدح ويسهر ويعمل ليل نهار من أجل توفير لقمة عيش كريم لأبنائه أن يدفع ضريبة يفرضها وزير مالية متهم في أكبر قضايا الفساد بالبلد؟! · أما الخبر الثالث فيقول أن طالبة جامعية قد تعرضت لمحاولة اغتصاب من قبل ثلاثة شبان في شارع النيل نهاراً جهاراً. · طبعاً أخبار الاغتصاب والقتل وترويج المخدرات والسرقات صارت مادة يومية في سوداننا المكلوم وبرضو ما زال توجهنا حضارياً والأمن مستتب في عاصمتنا وكافة أرجاء بلدنا، لدرجة أن والي الخرطوم يسعى لأن تكون العاصمة الآمنة من أنظف مدن العالم!!! · لم تعد مثل هذه الجرائم غريبة على مجمتعنا كما أسلفت، وهذا نفسه يؤكد أن السودان بلد ما طبيعي. · لكن الغريب هذه المرة محاولة الشباب الرامية لاغتصاب الطالبة في وضح النهار وبشارع يتوسط العاصمة الحضارية! · لم تخلو صياغة الخبر أيضاً مما يثير التساؤلات، حيث ذكروا أن الطالبة لم تجد مكاناً هادئاً تذاكر فيها دروسها لذلك لجأت لإحدى الشجيرات الظليلة بشارع النيل حتى تعد نفسها جيداً للامتحانات التي اقترب موعدها! · مما أثار عجبي وحيرتي مما نحن فيه خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية أيضاً ما جاء في زاوية الصحفي المتحذلق الهندي عز الدين. · كتب الهندي ما يلي: المسألة ليست خطاباً يتلى وينفض السامر، مفهوماً كان أم هيروغليفياً.. غامضاً. المسألة تتركز على ما وراء وما بعد الخطاب. · طبعاً وضح لك عزيزي القارئ أن الكاتب كان يشير إلى خطاب الرئيس الأخير. · وقد فات على الهندي الذي يصف كل المتعاملين مع المواقع والصحف السودانية على الإنترنت بالأمية والعمالة والجهل والسفالة وقلة الأدب وعدم احترام الوطن ورموزه أن عباراته التي سطرها في محاولة لدعم الخطاب عبرت عن غفلته وعن ضحالة تفكيره. · إذ كيف يريد الناس أن يتعاملوا مع ما وراء الخطاب سواءً كان مفهوماً أم هيروغليفياً غامضاً؟! · ومنذ متى كان للعبارات الغامضة غير المفهومة ما ورائها يا هندي؟! · وأضاف الهندي " ولهذا فأن كل وطني متجرد من أي مصلحة ( خاصة) وهم (ذاتي) لابد أن يشجع، بل ويصفق لهذا الإجماع الوطني المحترم ويدعو إلى المضي قدماً نحو غايات الوفاق المأمولة. · وهنا أيضاً فات على الهندي أنه بوضعه لمفردة ( خاصة) التي أعقبت المصلحة و( ذاتي) بين قوسين بدأ وكأنه يشير إلى نفسه لا سواها. · فأصحاب المصالح الخاصة والذاتية يعرفون أنفسهم جيداً يا هندي. · وإن فات عليك فلابد أن نذكرك بأن غالبية من تسبهم وتشتمهم كل يوم من كتاب وقراء الصحف والمواقع الإلكترونية يقيمون خارج البلد ويمتهنون أعمالاً شريفة وتمص الحكومة عرقهم وتفرض عليهم الضرائب لكي تهنأ أنت وبقية الجوقة بحياة البذخ والترف التي تعيشونها. · يعني باختصار أنت وأمثالك تقتاتون من عرق هؤلاء الرجال الشرفاء الذين لو كانوا يرغبون في أن تستعبدهم المادة لما تكبدوا مشاق الخروج من الوطن ولبقوا مثلك يمسحون الجوخ ويحرقون البخور. · لا ننكر أن البعض يعلقون في مرات عديدة بصورة تجافي أدب الخلاف، لكنك يا هندي غير مؤهل لنقد هؤلاء لأن قلمك بذئ وفاحش. · قبل أيام أيضاً غفلت يا هندي وأنت تكتب مدافعاً عن الفريق طه مدير مكتب الرئيس حين قلت أن الفريق ليس في حاجة لهدية اللاندكروزر من شيخ الأمين لأن الفريق طه هو من يمنح اللاندكروزرات والسيارات من طرازات أخرى هدايا باسم الرئيس وقيادة الدولة لمشايخ الطرق الصوفية وزعماء القبائل ورموز البلد السياسية والاجتماعية والثقافية. · كيف يكتب صحفي يعتبر نفسه رقماً كبيراً دون أن يفكر قليلاً قبل أن ينكب على الكي بورد. · فلو أنك فكرت قليلاً لأدركت أن مثل هذا الكلام يدين من تحاول الدفاع عنهم. · فبأي حق يهدي الفريق طه أو رئيس الجمهورية السيارات الفارهة لأي كائن كان، ولماذا؟! · وكيف يقدمون مثل هذه الهدايا الفاخرة في بلد وصلت فيه المعاناة والضيق مستويات غير مسبوقة ؟! · أليس غريباً عزيزي القارئ أن يكتب مثل هذا الهندي ما يكتب كل يوم في حق المغتربين الذين لجأت إليهم الحكومة مؤخراً بعد أن نُهبت الثروات وجفت الأموال! · ألم أقل في بداية مقالي أن السودان بلد ما طبيعي! · وأختم هذا المقال بغرابة حدث الأمس الذي صاحب نقل مباراة المريخ وأهلي عطبرة. · لعلكم جميعاً قد تابعتم بالجدل الذي ساد خلال الأيام الفائتة حول النقل التلفزيوني لمباريات الدوري الممتاز. · وكان آخر ما طالعناه في هذا الشأن هو اتفاق الأندية على عدم السماح بنقل مباريات الأمس تفلزيونياً لكونهم لم يتسلموا أنصبتهم من عائدات نقل مباريات الموسم السابق، كما أن القناة الناقلة لم تدفع مقدم عقد النقل لهذا العام. · فما الذي حدث بعد ذلك؟! · دخل نائب سكرتير المريخ متوكل أحمد على المعنيين بنقل مباراة المريخ وأهلي عطبرة في إستاد الخرطوم حاملاً خطاباً بخط يده لكي يمنعهم عن النقل. · فجاء ردهم بأن لديهم اتفاقاً مع اتحاد الكرة وليس إدارة المريخ. · فتوجه متوكل إلى مراقب المباراة وطلب توقيعه على الخطاب ثم أعاده لهم. · وفي تلك اللحظات التي أوشكوا أن يوقفوا فيها عملية النقل أعلن المعلق بفرح وحبور أنهم تلقوا مكالمة من أسامة عطا المنان أمين سر اتحاد الكرة يفيدهم فيها بالاستمرار في عملية البث. · وقد كان كل هذا الكم الهائل من العبث منقولاً على الهواء مباشرة. · متوكل يأتي بخطاب بخط يده لكي يوقف النقل! · وأسامة عطا المنان يتصل هاتفياً لكي يبلغهم بالاستمرار في النقل! · أي عبث واستهتار وعبط أكثر من ذلك يمكن أن نتوقعه؟! · أين المؤسسية وأين الاحترافية في أداء كل جانب للمهام الموكولة له. · ألم أقل لكم بالأمس القريب أن حديث وزير الرياضة عن أن هذا الموسم سوف يكون مختلفاً ومميزاً مجرد حديث للاستهلاك. · كل يتصرف كما يحلو له والساقية مدورة ولا تتوقف أبداً أمام أي اختراقات للنظم أو استهتار بلوائح. · وأرجو ألا ترخي حاجب الدهشة عزيزي القارئ، فالغريق قدام. · فما تم بين شوطي المباراة يحتاج لأن ترفع ألف حاجب دهشة. · فقد قام متوكل أحمد علي بقطع التيار الكهربائي وعبث بكافة أسلاك وأجهزة البث التلفزيوني حتى يضمن عدم تمكن القناة من نقل أحداث الشوط الثاني للقاء. · صار كل شيء بـ ( العضل ) في السودان العجيب. · وقد حدث ما أراده متوكل حيث لم تتمكن القناة من نقل الشوط الثاني واعتذروا عن ذلك بالقول أن إعادة كل شيء لوضعه الأول يحتاج منهم لنحو نصف الساعة وبذلك تكون المباراة قد انتهت. · رغم كل ما حدث لا أتوقع أن تتبع هذا الموقف الشاذ أي تطورات أو مساءلة. · والمؤشر على ذلك أن البعض قد تجاوزوا الموقف في كتاباتهم اليوم ولم يشيروا إلى الشخص الذي قطع التيار الكهربائي لا من قريب لا من بعيد، بل نقلوا حديث المعلق الواضح الصريح بتصرف وهم يقولون أن المباراة توقفت لانقطاع التيار الكهربائي حسب إفادة المعلق. · المضحك أن المعلق نفسه الذي قال أن متوكل هو من قطع التيار الكهربائي ولم يقل أن عصفورة ( ركت) فوق الأسلاك وقطعت الكهرباء. · المشهد يؤكد أن البلد بلغت درجات من العنتريات والعبث لا يعلم مداها إلا الله. · ولا أدري لماذا تركوا الموضوع معلقاً لحين لحظة انطلاقة المباريات حتى ينقلوا للجميع في شتى بقاع الأرض مثل هذا المشهد البائس. · المضحك أنه بالرغم من كل ذلك طالعتنا بعض صحف اليوم بتصريحات لمدير قناة النيلين بالإنابة خالد الإعيسر يقول فيها أن قناتهم أعدت العدة لنقل مباراة الهلال الأفريقية. · وقد تابعنا من قبل تصريحات الإعيسر اليومية حول تأهيل القناة وأجهزتها وتقنياتها الحديثة. · فهذا الرجل حاله حال بعض لاعبي الكرة في بلدنا ممن يلعبون على صفحات الصحف أكثر من لعبهم داخل المستطيل الأخضر. · فمنذ عودته من لندن التي زعم أنها كانت عودة من أجل الوطن، لم نر منه شيئاً يسر الناظرين، لكننا ظللنا نطالع ونسمع تصريحاته كل يوم. · الإعيسر الذي أوهمنا بأنه ترك العمل في كبريات الصحف العالمية في لندن وعاد للسودان من أجل العمل على رفعت الوطن اكتسب شهرة في هذه الفترة القصيرة تخطت ما حققه طوال سنوات عمله بالخارج. · وليته قدم شيئاً بخلاف المشاكل والخلافات نظير هذه الشهرة. · لكن معه الحق في ذلك، ففي السودان البلد الما طبيعي تكون الشهرة دائماً لمن يأخذون ولا يقدمون.. لمن يثيرون المشاكل لا من يعملون على حلها.. لمن ينافقون لا من يصدقون.. وكان الله في عونك يا سودان.
|
|
|
|
|
|