|
تأمُلات أم العيال طفشتني من البيت كمال الهِدي
|
mailto:[email protected]@hotmail.com
التقيتها بعد غياب طويل لم يمنعها من المبادرة بسؤال مباغت كعادتها: لماذا يطفش معظم الأزواج السودانيين من بيوتهم ويقضون جل أوقاتهم في لعب الورق أو غيره من ضروب التسلية؟! وقبل أن تمهلني لكي أجيبها واصلت الحديث قائلة: ليس من الرقي في شيء أن تتركوا زوجاتكم وأولادكم بمفردهم لتتسكعوا هنا وهناك بهذه الطريقة. قلت ضاحكاً - فشر البلية ما يضحك -: أنت دائماً مستعجلة يا صديقتي العزيزة، فحين تطرحين سؤالاً افسحي لي المجال للإجابة عليه قبل إطلاق أحكامك القاسية علينا. قالت: هات ما لديك من إجابة وسنرى إن كنت متعجلة في أحكامي أم لا. قلت: كنت مثلك تماماً استغرب لغياب الأزواج والأباء عن بيوتهم لساعات طوال لكنني بعد أن سمعت وجهة نظر أحدهم وجدت لهم بعض العذر.. وأضفت: قبل سنوات عديدة كنت أعمل بمدرسة ثانوية بالخرطوم وكنا أنا وزميل لي نلاحظ عند خروجنا من المدرسة عصراً تجمع عدد من الأساتذة الذين يكبرونا عمراً حول طاولة للعبة الدومينو بالقرب من غرفة الحارس المجاورة للمدخل الرئيس للمدرسة .. وفي أحد الأيام تأخرنا في المدرسة وجلسنا معهم ولما حل المساء ولم تلوح في الأفق أي مؤشرات لمغادرتهم المكان سألناهم: انتو يا أساتذة ما بتمشوا بيوتكم ولا شنو؟! فرد علينا أحدهم قائلاً: ونمشي عشان نسوي شنو؟! استغربنا الإجابة وقلنا بصوت واحد: كيف يعني تمشوا عشان شنو؟ قال الأستاذ الجليل الذي كان واحداً من ألمع معلمي اللغة العربية في مدرستنا تلك: يا أولادي انتو شباب وقد تستعجلوا العودة إلى البيت عشان تتابعوا ليكم تلفزيون ولا تتونسوا ولا عشان الواحد فيكم ياخد ليه دش سريع ويطلع مع الأصدقاء، أما نحن فالبيت بالنسبة لنا لم يعد مكاناً جاذباً. ضحكنا على الطريقة التي نطق بها العبارة الأخيرة وكان السؤال: كيف يعني لم يعد جاذباً؟! رد علينا بإبتسامة ساخرة: صار مجرد مكان للصداع و( النقة) التي لا تنتهي لذلك نفضل أن نستمر في الونسة والضحك والمزاح هنا قبل أن يأخذ منا التعب ما يأخذ فنتوجه للبيوت وفي الخاطر نومة هنية.. قاطعه زميلي قائلاً: نقة في شنو يعني؟! قال: بالنسبة لي شخصياً أم العيال خلاص طفشتني من حاجة اسمها البيت. أثارت العبارة فضولي فسألته: طفشتك بي شنو يعني؟ أجاب أستاذنا الجليل: يا كمال يا ابني الكلام ده لسه لم يحن وقته بالنسبة ليكم، لكن صدقني زوجاتنا ديل تخصص تطفيش وستفهم ما أقوله يوماً ما. رجوته أن يفصح أكثر. فقال: تمشي البيت تلقى أم العيال في أسوأ هندام بعد أن كانت تجذبك في سنوات الزواج الأولى بإرتداء ابهى الثياب وتذهلك بالترتيب والنظام الذي تجد عليه المكان في كل مرة تعود إليه.. قاطعتني صديقتي: يبدو من كلامه أنه يريد كل شيء جاهزاً وفي ذلك ظلم للطرف الآخر. طلبت من صديقتي المزعجة أن تنتظر حتى أكمل لها الصورة ثم تعبر عن الرأي الذي تراه بعد ذلك. وافقت على مضض وقالت: لا مانع.. واصل سرد الحوار الذي دار بينكم آنذاك. أضفت: قلت لذلك الأستاذ: أفهم من ذلك أن أم العيال صارت تهمل نفسها وبيتها؟ أجابني سريعاً: طبعاً.. طبعاً.. اهمال لا يتصوره عقلك. سألته: وهل فكرت فيما يمكن أن يكون سبباً لذلك التحول بعد أن كانت تجذبك بهندامها ونظامها وترتيبها للأشياء؟! قال: كلهن يتفقن في هذا الأمر، إلا من رحم ربي. وأضاف: لو لا أن أعمامك هؤلاء منهمكون مع الدومينو لأكد لك كل واحد منهم أن ما يحدث معي يتكرر معهم جميعاً.. فالنساء يشعرن بالملل من الزواج مع مرور السنين فيما يبدو ولذلك تحس بأن الواحدة منهن لم تعد تكثرت لأي شيء. سألته: ولماذا لا نكون نحن الرجال السبب في احساسهن بهذا الملل؟! سألني باستنكار: كيف يعني؟! قلت: لماذا لا نشجعهن على التجديد والتغيير حتى لا يصاب أي منا بالملل. أطلق ضحكة مجلجلة وهو يضيف: ده كلام شباب متحمس ومقبل على الحياة ولكم الحق في ذلك.. أما نحن فقد تعبنا من المحاولات قبل أن نصل للحالة التي ترانا عليها الآن. وأضاف: لذلك لم يعد لدينا ما يمكن أن نفعله سوى أن نبعد عن البيت لأطول فترة ممكنة. هنا قاطعتني صديقتي بالسؤال: وهل ظن صاحبكم هذا أن الهروب سيحل مشكلتهم؟! أجبتها: لا أظنه كان يبحث عن حل، وكل ما في الأمر أنهم كانوا يسعون لتمضية بعض الساعات في مرح ومؤانسة هروباً من إزعاج البيت. قالت: لكنه استسلام غير محبب. قلت: وماذا كنت تتوقعين من شخص يقول لك أنهم حاولوا كل ما بوسعهم دون جدوى. قالت: لا شك أن للزوجات أيضاً رأيهن فيما جرى ويجري. قلت: بالطبع.. لكن من واقع مشاهداتي والتجارب الماثلة أمامنا فإن نساءنا يقبلن على الزواج بحماس ويفعلن المستحيل في الأشهر والسنوات الأولى، لكن مع مرور الوقت تجدين الواحدة منهن وكأنها تتعامل مع الحياة الزوجية كواجب يؤدى بأي شكل والسلام. صاحت بنبرة حادة: واجب؟! قلت: نعم.. للأسف الشديد هذا ما يشعر به الكثير من الأزواج.. ففي أيام الخطوبة وسنوات الزاوج الأولى تجدين الأنثى مرتبة، أنيقة، مهتمة بكل تفاصيلها ولديها الرغبة في الونسة الظريفة، لكن بعد عقد أو اثنين تتحول نفس تلك الأنثى إلى إنسانة فوضوية لا ترتدى من الثياب إلا أقدمها ولا تكف عن النقة والصياح مع الأولاد وبدلاً من تلك الونسة الظريفة لا تفتح فمها أمام الزوج سوى لإبلاغه بطلبات البيت الناقصة. وأضفت: الأغرب من كل ذلك أن الزوجة التي كانت في البداية ترى في زوجها شخصاً قادراً على الحكم الجيد على الأمور، تتطور لديها مع مرور السنوات رغبة شديدة في مخالفته حتى في الأمور التي كانا يتفقان حولها بنسبة مائة بالمائة. قالت صديقتي: هذا لا يمكن أن يكون إلا كردة فعل تجاه تعامل يثير فيها الرغبة في المكابرة ومخالفته الرأي، فربما يكون الزوج متسلطاً! قلت: أقول لك تخالفه حتى في الأمور التي كانا يتفقان حولها بنسبة مائة بالمائة، فتقولين متسلطاً؟! قالت: لكن هل تعتقد أنها يمكن أن تصل لهكذا سلوكيات بدون أسباب منطقية؟! قلت: لا شك أن لكل تصرف سببه، وربما أن الملل هو ما يدفعهن لمثل هذه التصرفات. واستطردت قائلاً: وربما يرتبط ما نقوله الآن بنقاش تم بيننا يا صديقتي حول ( ركن) الأزواج بعد أن يتقدم بهم العمر في غرفة نائية داخل المنزل. قالت: اسمح لي أن أقول لك أن الرجل هو الذي يفعل بنفسه ذلك، فإما أن هذا النوع من الأزواج يتكبر على زوجته ويظن دائماً أنه أفهم منها في كل شيء، أو أنه يتقاعس عن أداء مهامه بعد تقدمه في العمر فيجد نفسه في الغرفة النائية التي تتحدث عنها. ضحكت قبل أن أقول: يبدو أنك أيضاً تكابرين وتتصرفين على طريقة بعض الزوجات اللاتي يبدأن حياتهن الزوجية بحماسة واظهار دائم للاتفاق مع الأزواج وإيمان عميق بطريقة تفكيرهم، قبل أن ينتهين بالنفور من كل ما يأتي به هؤلاء الأزواج. قالت صديقتي: كأنك تود القول أن الزوجة تتمسكن حتى تتمكن! قلت: ربما أن هذه النماذج موجودة بكثرة بيننا، فبعض النساء يعتقدن أن وجود الأولاد يقوي شوكتهن ويمنحهن الفرصة لمعاملة الزوج بندية بدلاً من أن تكون العلاقة تكاملية. قالت بتأفف: ولماذا لا نقول أن وجود الأولاد يزيد من الضغط والأعباء الملقاة على عاتق الزوجة فتهمل نفسها مجبرة وليس برغبة منها! قلت: وما جدوى الأولاد إن لم نخلق لهم البيئة الجيدة ونكون قدوة أمامهم في الترتيب والنظام وجمال الهندام! قالت: أنتم هكذا يا معشر الرجال مغرمون بالتنظير وتريدون كل شيء مثالياً دون أن تبذلوا جهداً موازياً لتحقيق هذه المثالية.. وعلى العموم الموضوع شائك وطويل ومن حق الآخرين علينا أن نشركهم في النقاش ونسمع آراءهم حوله.. ثم ودعتني وغادرت المكان وما زال صدى كلماتها الأخيرة يرن في أذني.
|
|
|
|
|
|