|
بين اليقظة والنعسان تم رسم مصير دولة السودان بقلم نعماء فيصل المهدي
|
حينما كنا في الصف الثاني في المرحلة الابتدائية، كان استاذ ابراهيم يحدثنا عن السيرة النبوية والفتوحات الأسلامية، وكنا نستمع بكل حواسنا، مصابين بالذهول والاعجاب بدولة العدل والرحمة والفتوحات والقتال والصول والجول والمبارزة والفوز، فلقد كان راوي بارع وممثل صادق قد ضل طريقة للتدريس.
تعلقت في مخيلتي هذة الصورة حول الفتوحات الاسلامية، صورة عدل امير المؤمنين، والمدينة الفاضلة، وولاء واخلاص الفرسان والرعية، وصهيل الجياد وبطولات سعد بن ابي وقاص وخالد بن الوليد، فكانت صور المسلمين وكانهم ملائكة علي ظهور الجياد، يحملون الانوار بين ايديهم ويوزعوها بين الناس فتنتشر بينهم المودة والرحمة والوفاق ويدخلوا في دين الله افواجا. لم يحدثنا عن الخوارج او عن دموية انشقاق صف المسلمين لتكوين طائفتي السنة والشيعة، اوعن بشاعة صلب الحجاج بن يوسف لعبد الله بن الزبير او عن مجازر الحجاج في العراق او دموية وبطش يزيد بن معاوية.
تفاقمت رؤيتي الخاطئة حول الامبراطورية الاسلامية بسبب المسلسلات الدينية المصرية، والتي لم تتمحور حول تفسير العبادات واصولها بل حول قصص مماثلة عن الفتوحات الاسلامية وعن الجند والجيش والصول والجول وبعض الازياء التاريخية، السيئة الصنع.
يقول روبرت رايتس في كتابه تطور الآلهة بان الاسلام وحد قبائل الجزيرة العربية المتنحارة مما انتج القوة المطلوبة والمنظومة اللازمة لتمكين العرب من السعي وراء بناء الامبراطورية الاسلامية.
من المرجح ان القوة والمنظومة المسلحة آنذاك لم تنشر الأسلام كما هو مشاع بل وسعت الامبراطورية، ففي سبيل المثال لم تنشر الحروبات والفتوحات الاسلامية الاسلام في بلاد السودان بل ابرمت معهم اتفاقية او معاهدة البقط في العام and#1638;and#1637;and#1633;، بين عبدالله بن سعد بن أبي السرح والنوبة من أرض أسوان إلى حد أرض علوة اعطت بمقتضاها ما طالبت به الامبراطورية الاسلامية من بلاد السودان من رقيق وتعاون مباشر من دون تكلفة الحكم المباشر للبلاد، كما كانت هناك اتفاقيات عدة حول مصالح مشتركة مع الاسكندرية والقدس وغيرهم لم يتمحورا حول مفهوم " اسلم تسلم" المشاع، بل كان حول مصالح اقتصادية مشتركة او متطلبات للامبراطورية الاسلامية.
هذة الرؤية تتناقض مع مفهوم كتب السيرة المدرسية، والمنهج التعليمي السوداني، والذي بلور مفهوم اعداد مقدرة من خريجي المدارس، حول الفتوحات الاسلامية والرويات المذهلة عن الامبراطورية الاسلامية، الارجح ان تصبح الرؤية اكثر وضوحاً اذا تمت بلورتها من منظور مد الامبراطورية وليس نشر الاسلام فالامران يختلفان تماماً ولذلك فان مسارهما بالتاكيد يختلف تماماً. تقول الأستاذة سامية عدنان، استاذة اللغة العربية، بان من الارجح ان نشر الاسلام في السودان تم عن طريق الطرق الصوفية وذلك يجعل مسار نشرة يتبع لمسار تاريخ هجرة الحركات والمذاهب الصوفية من غرب افريقيا الي شرقها، وليس كما هو مشاع بان انتشار الاسلام الي بلاد السودان كان من الشرق الي الغرب او من الشمال الي الغرب، بل العكس صحيح . يقول البروفسيور محمد بشير عمر في كتابة عن تطور التعليم في السودان بان اوائل المدارس التي تم فتحها في السودان، أنشئت علي يد وافدين من مصر من قبائل الكنوز المصرية، والذين هاجروا الي السودان كافراد، لتعليم القبائل السودانية علوم القران والدين، لا لنشر الاسلام بل لتعليم جماعات مسلمة امور دينهم. لذلك وعلية فان مفهوم موقع السودان في مفترق الطريق الثقافي بين افريقيا العربية وافريقيا الافريقية مفهوم في الارجح غير صائب، وقد يعزز صواب مفهوم ان السودان ليس في مفترق ثقافتين عالمتين هو بان انتشار الارهاب باسم الاسلام اخد منحني اخر، فمد جماعات الارهاب باسم الاسلام كان من الصحراء الغربية الي مالي ومن مالي الي نيجيريا في حين انحصرت جماعة الشباب الصومالية في الصومال ولم تتمدد غرباً. ولذلك قد تكون المحاولات الدنيئة التي تدخلت في شئون دولة السودان، لتوقيف المد الاصولي لحركة الاخوان المسلمين جنوباً والتي تسببت في اشعال الحروبات من علي بعد في ارض السودان، بناءً علي مفهوم حصر المد الأسلامي الاصولي جنوباً، والتي قسمت ظهر الدولة وتسببت في قتل وتشريد وتدمير حياة الملايين من البشر، قد تكون قد اخطأت الهدف. فلم تكن الخرطوم يوماً عاصمة للحضارة والثقافة الاسلامية، بل كانت تمبكتو وهي في مالي في غرب افريقيا ومن الارجح يكون انطلاق المد الاسلامي من تمبكتو ولم يكن يوماً من الخرطوم او من خلالها.
حينما تفجرت اعمال الشغب في مدينة الضباب لندن في منتصف العام and#1634;and#1632;and#1633;and#1633;، انهالت الاقلام كتابة، وعهدت علي شرح الموقف من كل الزوايا، من زاوية اليسار الذي كان يرى بان الامر يعبر عن كارثة المد الرأسمالي بالبلاد، من منظور اليمين الذي كان يري بان الامر لا يتعدي الجشع والتطفل علي املاك الغير، تم تشريح الوضع وتفصيلة في ما لايقل عن العشرين مليون خبر ومقال وما زال هناك من يحاول فهم جذور ما حدث. اما في السودان فالمعرفة فقيرة للغاية، بل و في غالب الاحيان مستلبة وغير مؤكدة وغير مدعومة ببحث مجتمعي او علمي يرجح نسبة صحتها ولذلك فان الحلول او المبادرات التي تسعي لحل بعض الاوضاع والتحديات دوماً ناقصة او غير ملائمة وغير مناسبة. فعلي سبيل المثال تتحدث بعض الاقلام الشيوعية عن الطبقة البرجوازية والبولتاريا ولكن لا يوجد ولم يوجد في السودان حكم امبريالي ملكي حتي يولد طبقة المقربين من العرش الملكي، من النبلاء، اصحاب الدماء الزرقاء حتي تكون هناك طبقة برجوازية، ولم يكن هناك تنظيم لملكية الارض ومن فيها حتي تتكون طبقة بولتاريا كما كان الحال في دولة مصر والمملكة المتحدة وروسيا. بل لم يشهد السودان ثورة صناعية حتي تتحول طبقة البوليتاريا الي عمال كما كان الحال في اوربا ابان الثورة الصناعية والذي انتج نقابات العمال التي كونت الاحزاب الشيوعية في شرق اوربا والاشتراكية في غربها والتي تنادي بالمساواه والعدالة الاجتماعية. لا شك بان وجود نقابات العمال ضروري للغاية لحفظ الحقوق ولكن لم يواجة عمال السودان ما واجهه عمال اوربا ولذلك فان واجهة الصراع مختلفة تماماً. وهي حالياً بين حزب اسلاموي متسلط ومسيطر واغلبية مهمشة ومسحوقة وليس بين العمال والنبلاء فليس بين الاسلامين نبيلاً او اميراً او ملك. والسودان مجتمع قبلي وعشائري اوجد نفسه في دولة وطنية العام and#1633;and#1641;and#1638;and#1637;، لم يتحول بعد الي التظيمات السياسية التي تخلق مثل هذة الصراعات. وعلي سبيل المثال حاولت احزاب الحركة الاسلامية، أسلمة شعب اغلبيتة مسلم، فهي بذلك سعت وراء هدف محقق قبل ان تبدأ في تحقيقة ولذلك اصبحت الدولة والحركة مسخا، ليس بهما شيئاً سوي الشعارات الزائفة، ولان التاريخ الاسلامي لم تتم مراجعتة وتنقيحة والتحقق من كل اوجة روايتة، فلقد اوجدت دولة مبنية علي اساطير الاولين، والتي ربما لم تكن كما هي في مخيلتهم التي نسجها المنهج التعليمي السوداني. ان الحروبات والمعارك التي تبهر وتذهل تلاميذ الصف الثاني من المرحلة الابتدائية لا دم فيها ولا ذبح ولا اهوال، بل في الاغلب هي رسومات لصهيل فرسان علي جوادات لا تموت وسيوف خشب لا تسفك دماُ ولكن ان حقيقة الحرب التي ساهمت في اشعالها الحركة الأسلامية غير ذلك، وليست مجرد اسطر في كتاب ورويات الصول والجول بسيف خشب كما في مخيلة الطفولة، بل هي موت ورعب وقتل والجحيم بعينة علي وجة الارض. فتخيروا وتدبروا وادرسوا وناقشوا وخططوا قبل طرح التجارب المجربة فينا واتقوا الله في شعب السودان الذي ما ان يخرج من سياسة جماعة واهمة موهومة تظن بانها تحسن عملا حتي يقع في فخً اخرً، حتي ظن بان انزل الله علية عقاب آل فرعون من طوفانً، وجرادً، وقملً، وضفادعً، ودم. وليكن المخرج المطروح ملائماً للتحدي الذي تواجهه دولة السودان وليس لما تواجهة روسيا او دول البلغان.
|
|
|
|
|
|