|
السقف الأدني لاستقرار الدولة بقلم نعماء فيصل المهدي
|
يعنى علم الاجتماع الحديث فى المقام الاول بتحديد وتعريف وتجويد المعرفة باوضاع البشر وبتقلباتهم وتصرفاتهم تحت الضغوط والظروف والمناخات المختلفة، دون اقصاء او تسخيف او تقليل او تصغير لكيفية ادارة الانسان للتحديات والتغيرات الكثيرة التي تواجه مسيرة حياته. ياتي علم الاجتماع الحديث لتصنيف البشر، حسب الظروف التي تحيط به وتلك تعتبر اهم العوامل التي تشكل اسلوب تعامل وتصرفات الاغلبية العظمي من البشر. فالانسان بطبعه حبيس ظروفة ويحتاج الي رحلة من البحث والسعى الحثيث للتحرر من قبضة تلك الظروف المحيطة به. في عالمنا المعاصر تعتمد الظروف المحيطة بحياة البشر على المتغيرات التى تواجه مسيرة حياتة وما تتيحة الحكومة المعاصرة من دعم ييسر للمواطن ادارة متغيرات الزمان والمكان التي تواجهه. فاذا عدلت الحكومة ووفرت للمواطن شبكة امان واستقرار ازدهر الشعب وانتعش وانتج واذا ظلمت وقهرت واستبدت تعس الشعب وتشظى تحت ضغوط الحياة وفشل. لذلك ان دولة الرعاية هي الحد الادنى للحكم الذى يوفر شبكة الامان التى توفر للمواطن والمواطنة التأمين الاجتماعي والخدمات الاجتماعية والحقوق الاجتماعية، والتنظيم الاجتماعي للعمل الاقتصادي، الذى يعود بالفائدة والدعم للفقراء والأيتام والطبقة الوسطى، والعمال، والشركات ورؤس الاموال. يكثر الجدل ويطول حول العقبات التي تسببت في تباطؤ تكوين دولة السودان الرشيدة، او السبب الاساسي وراء تحطيم ما تم انجازه من مشروع دولة السودان قبل الرعيل الاول، فهناك من يعلق الاسباب في الطائفية، ولكن لا يوجد في السودان طائفية قاهرة كما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق ولكنها اقرب الي المدارس الدينية والطرق الصوفية منها الي الطائفية المحددة كما هو الحال بين طوائف الشيعة والسنة والدروز في بقية الدول العربية. بل ان اغلبية من ولدوا لاسر تنتمي لطائفة او اخرى غير اتجاهه بيسر وسهولة ومن دون اقصاءً من اسرهم او الطائفة او المجموعة الدينية. والحقيقة هي ان المجموعات الدينية الحالية من انصار وختمية و طرق صوفية تعد وعاء جامعا لمجموعات قبلية تمهد لتكوين الدولة وليست مضاداً لها، بل انها تمثل وعاء قبليا اكبر واوسع من الوعاء القبلي العائلي يمتد الي ما بعد الوعاء القبلي. يكثر الجدل ويطول حول دور هيمنة بعض الأسر في الساحة السياسية ولكن في حقيقة الامر اذا حصرنا عدد الحاضرين والغائبين في الساحة السياسية السودانية منذ الانقاذ لوجدنا علي عكس انطباع الاغلبية بهيمنة بعض الأسر، بان هناك ٧٧ حزباً سياسياً سودانياً ينفي احتكار بعض الاسر للساحة السياسية وإن كان صوت هذة الاحزاب الأسرية هي الاعلي، وفى ذلك عدم انصاف لمن معهم في الساحة السياسية يعتمد على ان البعض يبدأ حياتة وعطاءه السياسي من نقاط انطلاق مختلفة تساهم في تقدم منتسبى الاسر المهيمنة على غيرهم وذلك امر من السهل علاجه اذا توفرت الارادة والمؤسسات لذلك. ولكن الأسرية لا تمنع من التمهيد لوضع اعمدة الدولة الحديثة وتكوين دولة المؤسسات فالأسرية تعتبر احد اعمدة الدولة في دول شرق اسيا، وهي كدول تُعتبر دول ناجحة بالرغم من انظمتها ومؤسساتها الأسرية كما هو الحال في اكثر دول العالم نجاحاً مثل دولة اليابان وتايلاندا وغيرهم. والملكية الاسرية احد اعمدة دول الخليج العربى والمملكة العربية السعودية وهذة الدول تُعتبر دولا ناجحة ولا تعد فاشلة كفشل دولة السودان الحاليه. ان غياب الديمقراطية في تكوين الدولة يحد من الابداع ويحد من الحريات ولكن لا يتسبب في الفشل الذريع الذي يواجه دولة السودان اليوم، فدول الخليج علي سبيل المثال تنعدم فيها الديمقراطية ولكنها لا تعد دول فاشلة.
فى ظاهرة غريبة من نوعها فان غياب الحكم كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية، فمنذ انتخاب الشعب الامريكي للرئيس الحالي باراك اوباما، في ٢٠٠٨، لم يمرر الكونغرس الامريكي سياسات الدولة المقترحة ولم يجيز الموازنة العامة للدولة على مر مرحلتي الحكومة الحالية وبذلك غيب دور الحكم، بل ان ما يدور اليوم في الولايات المتحدة هو غياب الحكومة مع وجود صلاحيات الرئيس للتصرف بشكل مستقل كرئيس دولة منتخب مع وجود مؤسسات خدمة مدنية ومؤسسات دولة فعالة. لذلك فان عدم جود الحكم يُعتبر نوعاً من انعدام الديمقراطية والاضمحلال السياسي وتراجع فى حقوق الشعوب الديمقراطية ولكنه لا يتسبب في فشل الدولة كما هو حال دولة الولايات المتحدة الامريكية، وهي احد انجح دول العالم.
ان الدولة المثالية اليوم تجمع ما بين الحكم الراشد الديمقراطي وقوانين حقوق الانسان في راس الحكم ومؤسسات الرعاية والحماية الاجتماعية في هيكل الدولة التي تساهم في وضع شبكة امان تحمي المواطن والمواطنة وتساهم في انطلاق طاقاتة الابداعية في كل الحدود.
ان ادني مستوي لنجاح الدولة هو القانون الذي يساوي بين الافراد ودولة الرعاية، اما ما يدور في السودان اليوم واحد اهم اسباب الفشل يعود لانعدام شبكة امان دولة الرعاية وتفشي انعدام الامن والامان والاستقرار وذلك اكبر محفز للفساد واختلاس المال العام. بل محاربة المواطن فى ماكله ومشربه وفرص عمله وفرص رزقه وعلاجه وفى حراكه وسكونه وفى الخدمات التى يسعى الي توفيرها لنفسه واسرته. فهي حكومة تحطيم الانسان الوطنى ولذلك ليس غريباً ان تهجر اعداد غفيرة السودان بل ان تتبرأ منه ومن حكومتة. ان الحكومة تعمل جاهدة وتكرس كل ما لديها في محاربة المواطن فى ماكله ومشربه وفرص عمله وفرص رزقه وعلاجه وفى حراكه وسكونه وفى الخدمات التى يسعى الي توفيرها لنفسه واسرته.
ان حال دولة السودان اليوم يشبه حال دولة بريطانيا قبيل العام ١٢١٥من الميلاد وذلك بانها كانت دولة تجار دين يعملون على تحطيم الانسان من اجل الكسب الغير مشروع حتي ثار عليهم وعلى ملك البلاد مجموعة من البارونات النبلاء التقدميين مطالبين بادخال قانون حقوق الانسان الذى اصبح الميثاق الأعظم "الماغنا كارتر" او قانون حماية حقوق الانسان.
ان انعدام ثقة المواطن او المواطنة في رعاية وحماية الدولة لهم بتوفير شبكات الدعم والأمان من تعليم وفرص عمل وعلاج وغيره من ملامح دولة الرعاية يساهم مباشرة في تفشي عدم الاستقرار الذي يمهد للفساد في المال العام، وذلك لان انعدام الاستقرار يضع المرء او المرأة في حالة هلع وقلق من تغيرات الزمان والمكان ويمهد للفساد وليس كما يزعم النظام بالباطل بانة ظاهرة اجتماعية رغماً عنه ، بل ان انتشار الفساد يعود في المقام الاول لوجود النظام الحالي.
|
|
|
|
|
|