|
غول الهوس الديني يتخطف شبان المهاجر!/بثينة تروس
|
في خلال الشهرين المنصرمين شغلت مدينة كالقري، والتي تقع في غرب كندا تحت ظلال جبال الروكي في أجمل أجزائه، وهي مدينة صاخبة بالنماء، وموطن لرعاة البقر والسكان الأصليين ( الهنود الحمر)، شغلت بحديث أبناء المسلمين، وما أدراك ما حديث أبناء المسلمين؟ وأمرهم العجب!! اذ انضم من ابناء المسلمين بمدينتنا وحدها حوالي 130 شابا، في العشرينات من أعمارهم ، للحركات الإرهابية في ما يسمى بدولة الخلافة الاسلامية في العراق وسوريا. وتميز هولاء الشبان بأنهم تخرجوا في أحسن جامعات المدينة وينتمون إلى أسر مهاجرة ذات تعليم وخلفية وعي ثقافية ممتازة.. ومن ضمن هؤلاء الشبان من قام بتفجير نفسه وستة وعشرين شخصا آخرين في العراق، وشاب آخر تداولت الميديا الفيديو الذي يظهر فيه هو وآخرون وهم يحرقون جوازاتهم الكندية ويتوعدون كندا وأمريكا بالدمار، بصورة هوس ديني متشنج ومنفر للفطرة السليمة.. وظل الاعلام يطلق التساؤلات في حيرة ، هل هم كنديون؟؟! نعم هم كذلك، إذن لماذا هذا العداء؟!! ويضاف الي تلك التساؤلات ما الذي يحدث لهؤلاء الشباب وكيف تحول الاسلام لديهم من كونه دين سلام ودعوة للحياة في سبيل الله، الي ديانة مرتبطه بالموت وبالدمار الشامل للآخر .. في تقديري مربط الفرس هو استنادهم على الفهم الديني الذي يتبني ويعضد فكرة الجهاد في الاسلام، وانه الوسيلة الناجعة للدعوة الى الاسلام.. ونجد من بين الذين يدعون لهذا الفهم هم الأئمة والوعاظ القائمين علي المساجد، والذين يعيشون في بلدان الغرب، في محاولة يائسة للتواؤم بين ما يعيشونه من حياة متحضرة حددت العولمة جميع تفاصيلها وطرائق معيشتها، وبين ما يكررونه في منابر المساجد من الخطب الموروثة التي تمجد مبدأ الجهاد، فقط الذي استحدث فيها هو ترجمتها الى الانجليزية لمخاطبة هؤلاء الشباب في دول المهجر!! ونجد ان تلك الخطب والفتاوى الدينية في حقيقتها مفارقة لواقع المسلمين اليوم، ولا تمت لمشاكل الوقت الحاضر بصلة، لذلك بدلا من ان تطرح فهما دينيا صحيحا من داخل الاسلام، يواجه مشاكل بشرية اليوم، نجدها تلجأ الى الفقه الذي تخاطب فيه العواطف وتثير الحماس الديني لدى هؤلاء الشباب، بحيث تغلغل فيهم الهوس الديني بتغييب عقولهم للعيش في احلام الحياة في عهد الاسلام الأول، باعتبار أنه العصر الذهبي للإسلام!!وهم يتوهمون اعادة ذلك الزمن، في حياتهم وسماتهم وازيائهم، حتى انهم يريدونه كاملا بحروبه الجهادية وغزواته.. (بدونكيشوتية) تثير الشفقة!! متناسين في ذلك ان كفار الماضي ليسوا هم إنسانية اليوم الحرة، التي فتحت لهم أبواب الحياة المعاصرة على مصراعيها من تعليم وتوظيف به أسباب رزقهم، وأمن وأمان، افتقرت اليه بلدانهم الاسلامية والتي فروا من جحيم حروبها، وبغيض عنصريتها وفتنها وانقسامها الى فرق متناحرة، فكانت لهم بلدان (الكفر) هذه بردا وسلاما!! ولهذا جميعه صلة وثيقة بفكر تنظيم الاخوان المسلمين، والجماعات الاسلامية المتطرفة مثل جماعة التكفير والهجرة وخلافها، أينما كانت، بالمناداة بإقامة الشريعة الاسلامية وبعودة الخلافة الاسلامية، وحملات الجهاد وقتال من يليهم من (الكفار)! وقبل ان نتخذ ( داعش) مثالا، فلماذا لا نتأمل مثال الاخوان المسلمين حكام السودان اليوم، وهم الذين راودتهم احلام الخلافة الاسلامية، منذ ان كانوا طلابا في الجامعات، كان شعارهم في التظاهرات ( ايران ايران في كل مكان)!! وحين اغتصبوا الحكم عسكريا بليل، أقاموا شرائعهم ( المدغمسة) وسموا أنفسهم بالولاة، ثم بدأوا بالتمكين، مقسِّمين بذلك السودانيين الي موالين وآخرين خارجين، ثم كان جهادهم والذي حملهم على إعلان الحرب الجهادية على جنوب البلاد مما انتهى بتقسيم السودان الي قسمين، ضاربين بالوحدة عرض الحائط مجاراة لوهم الجهاد الاسلامي، والبحث عن دار كفر ودار اسلام.. وشهدوا على أنفسهم بأنفسهم و( ساحات الفداء) عار موثق.. الملاحظ أن الدعوة للدمار الشامل هي صنعة الهوس الديني ، فلنا ان نتخيل ان لو قُدِّر ونجح الاخوان المسلمون والجماعات المتطرفة في تدمير العالم ودانت لهم الارض (ومُكِّنوا) فيها، فهل لديهم مناهج فكرية تعميرية للتعايش السلمي فيما بينهم كمسلمين حتى؟!! الشاهد انهم ما ملكوا زمام الامر في دولة الا وصارت حربا وخرابا ويبابا، وصاروا هم يتنافسون في إهلاك الحرث والنسل ما بين الثراء الحرام والفساد ومحرقة الحروب والخلافات فيما بينهم، واستخدام الشباب الغض في مصالحهم ترغيبا بالجنة وحورها وترهيبا بالقتل والتعذيب. في حين ان الاسلام هو دين سلام (ادع الى سبيل ربك بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، وهو أعلم بالمهتدين ).. ولقد ورد في طرح الاستاذ محمود محمد طه ان الجهاد ليس أصلا في الاسلام، بمعنى أنه ليس هو الأصل وانما الأصل هو حرية الاعتقاد.. وأن الجهاد أمر مرحلي اقتضته ظروف ذلك الزمان، وذلك بعد أن استمرت الدعوة ثلاثة عشر عاما بالاسماح والحسنى في القرآن المكي، فتنزلت عندئذ آيات السيف والإذن بقتال المشركين، حين تبيَّن انهم دون مستوى الاسماح والدعوة للحرية.. وذلك ايضا لما انطوت عليهم عقلية مجتمع القرن السابع واتخاذها للحروب كوسيلة حياة!! ومن ثم جعل النبي عليه السلام وصياً عليهم وتم نسخ آيات الاسماح واستبدلت بآيات السيف الواردة في القرآن المدني ... لكن لابد من الإشارة إلى ان حكمة النسخ هي ادخار ذلك المستوى من الدين لبشرية اليوم والتي قطعت شوطا في عهود السلام والانتقال بالإنسان من حياة الغاب الى المدنية، وإنسانية اليوم تعلم انه لا يوجد منتصر في الحرب، فالحرب تعني خسران السلام لجميع الأطراف وهلاك اقتصادي، وأزمات لا قِبَل للناس فيها بإصلاح ما أفسدته الحروب.. لذلك على المسلمين في سبيل إيجاد حلول للتعارض بين واقعهم اليوم وما عليه حالهم وما انطووا عليه من فهم ديني يتقاصر وحاجاتهم وحاجة أبنائهم الحائرين، الدعوة الى الرجوع الى القرآن المكي المنسوخ، والذي به دعوة الحريات والتسامح الديني والتعايش مع الآخر واحترامه، وإبراز قيم سماحة الاسلام، والدفع بمعرفة أنَّ به حلول جميع مشاكل إنسانية اليوم بغض النظر عن عقائدها ومللها لأن في النهاية الدين عند الله الإسلام السلام. بثينة تِرْوِسْ
|
|
|
|
|
|