|
ممنوع الدخول للخرطوم! /فيصل الدابي المحامي
|
ذات ليلة وبينما كنت اتراوح بين اليقظة والمنام، سمعت حديثاً يصدر من إحدى الفضائيات السودانية مفاده أن أحد مسؤولي الحكومة السودانية وجه انتقاداً عنيفاً للاقليميين الذين نزحوا للخرطوم واستوطنوا أطرافها وأصبحوا ضحايا موسميين للسيول والأمطار كما صرح بما يفيد أن الطريقة الوحيدة للخروج من الازمة الاقتصادية الطاحنة الحالية التي أصابت ملايين الخرطوميين هي إصدار قرار بمنع سكان الأقاليم من دخول العاصمة السودانية الخرطوم والسبب هو أن أسواق الخرطوم، مستشفيات وعيادات الخرطوم ، أحياء الخرطوم ، مواصلات الخرطوم ، مدارس الخرطوم ومطاعم الخرطوم لم تعد تكفي سكانها الأصليين وبذلك فإن حكمة "الزيت لوما كفى الخرطوم، حرمان على الاقاليم" أصبحت واجبة التطبيق! طار النوم من عيوني فوراً واستيقظت دفعةً واحدةً وكدت أصاب بمس من الجنون السياسي وراح يتقافز أمامي سؤال كبير وهو: من يملك الخرطوم حتى يمنع سكان أقاليم السودان الأخرى من دخولها؟! أليس كل أصول سكان الخرطوم الحاليين كانوا من الاقليميين الذين نزحوا إليها سابقاً من شتى أرجاء السودان؟! وكيف يُمكن عملياً منع السودانيين الاقليميين من دخول الخرطوم؟! هل سيتم إيقاف ومصادرة جميع البصات السفرية المندفعة للخرطوم يومياً من دنقلا، عطبرة ، بورسودان ، كسلا ، الأبيض، سنجة ، الدمازين وهلم جرا؟! هل ستقام حول الخرطوم أسوار عالية مزودة بأسلاك شائكة مكهربة ومحروسة بكلاب بوليسية شرسة وتكون لديها بوابة واحدة فقط لا غير يتم إغلاقها عند الساعة السادسة مساءاً ويُوضع مفتاحها تحت وسادة الحاكم العام السوداني ويكون الجوه جوه والبره بره حتى موعد فتح البوابة عند الساعة السادسة من صباح اليوم التالي لادخال وإخراج المسؤولين الحكوميين فقط على غرار ما كان يفعل الإمام اليمني يحى بن حميد الدين في صنعاء القديمة؟! وماذا سيحدث لو تم تطبيق قرار منع الدخول للخرطوم بأثر رجعي على مسؤولي الحكومة السودانية أنفسهم؟! هل ستتم إعادة جميع المسؤولين الحكوميين إلى مدنهم وقراهم الاقليمية وتُدار الخرطوم بالريموت كنترول من المتمة والحفير وكادوقلي والأبيض؟! من المؤكد أن عصر الأسوار والبوابات والمفاتيح السلطانية قد ولى إلى غير رجعة وأن الحل الوحيد لمشكلة هجرة سكان الأقاليم للعاصمة القومية الخرطوم يكمن في حل مشكلة الحكم المركزي ومشكلة تهميش الأقاليم ، ولا يُمكن حل هاتين المشكلتين إلا عبر إيقاف الحروب وتحقيق السلام الشامل وتحقيق التنمية المتوازنة في المركز والأقاليم بحيث تتحول كل عواصم الأقاليم إلى مراكز حضرية مكتملة الخدمات وعندها فقط سيتوقف الزحف الاقليمي على الخرطوم وربما يهاجر سكان الخرطوم أنفسهم إلى الاقاليم ذات الخضرة والماء والوجه الحسن فهلا سعى جميع السودانيين إلى البدء في الحوار الجاد الذي يوقف كل الحروب السودانية ويحقق السلام الشامل والتنمية المتوازنة ولا يكتفي فقط بتوزيع حقائب وزارية معينة لهذا الحزب أو ذاك؟! فيصل الدابي/المحامي
|
|
|
|
|
|