|
أشجع مبادرة في القرن الحادي والعشرين | فيصل الدابي المحامي
|
بتاريخ 6 اكتوبر 2014 ، أصدر الرئيس الكيني كينياتا تصريحاً مفاجئاً مفاده أنه سيحضر جلسة تحضيرية أمام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي لاستجوابه بشأن تهمة "تدبير مذابح عرقية" عقب انتخابات 2007 ، وقال في خطاب أمام البرلمان الكيني أنه سيعين نائبه ويليام روتو قائماً بأعمال الرئيس في غيابه لتفادي وضع "سيادة أكثر من 40 مليون كيني أمام المحاكمة" مضيفاً أنه لن يمثل أمام المحكمة بصفته رئيس دولة، ولكن بصفته الشخصية، وبتاريخ 8 اكتوبر 2014 سلم الرئيس الكيني نفسه للمحكمة الجنائية الدولية ومثل أمامها وتم إجراء جلسة إجرائية تقدم خلالها الادعاء بطلب تأجيل متذرعاً بأسباب منها أنه تم ترهيب شــهــود الادعاء وإرغام سبعة منهم على الانسحاب وأتهم نــيــروبــي بــعــدم التعاون مــع المحكمة بـرفـضـهـا تسليم حــســابــات مــصــرفــيــة ولائــحــة ارقــام هاتفية من شأنها اثبات التهمة على كينياتا وأقر الادعاء بأنه ليس لديه ما يكفي من الادلة لــلــمــحــاكــمــة وطالب بفــرض عقوبات على نيروبي بسبب عدم تعاونها في تسليم الادلة التي تثبت الجرائم المدعى وقوعها، أما الدفاع فقد قدم طلباً لاسقاط التهمة ضـــد كينياتا لعدم وجود أي أدلة إثبات! من المؤكد أن مبادرة الرئيس الكيني هي أشجع مبادرة سياسية في القرن الحادي والعشرين فهي تدل على شجاعة فائقة وحكمة سياسية بالغة فقد فاجأ الرئيس الكيني المحكمة الجنائية الدولية نفسها وفاجأ معارضيه السياسيين وخلط كل الأوراق السياسية والقانونية المحلية والدولية حين قبل التنازل عن الحكم والمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بصفة شخصية ، لا بصفة رئيس دولة ، لتجنب فرض عقوبات دولية على الشعب الكيني مقدماً مصلحة الشعب الكيني على مصلحته الشخصية وكبرياؤه الرئاسي! كذلك فإن قبول الرئيس الكيني المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية قد شكل إحراجاً سياسياً بالغاً للاتحاد الافريقي الذي كان يرفض محاكمة الرؤساء الأفارقة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية بحجة أنها محكمة عنصرية ولا تحاكم إلا الرؤساء الأفارقة فقط وهي بالطبع حجة لا أساس لها فكل من هبّ ودبّ يعلم أن معظم رؤساء أفريقيا قد استولوا على الحكم عبر انقلابات عسكرية دامية! من الناحية القانونية البحتة يصعب التنبوء بالحكم النهائي الذي سيصدر في قضية كينياتا لكن من المرجح أن يؤدي نقص أو غياب الأدلة إلى تبرئة كينياتا لأن أي شك سيفسر لصالح المتهم حسب القواعد الأصولية في علم الاثبات القانوني ، لكن في اعتقادي أن الجانب السياسي في هذه القضية أهم بكثير من الجانب القانوني فهذه المبادرة السياسية الشجاعة والحكيمة ستدخل التاريخ السياسي والقانوني الدولي من أوسع الأبواب لأنها قالت للجميع ، بما في ذلك بقية الرؤساء الأفارقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب، لا يجوز أن يُعاقب شعب بأكمله بسبب تهمة موجهة لشخص واحد حتى لو كان هذا الشخص رئيساً لحكومة ذلك الشعب! فيصل الدابي/المحامي
|
|
|
|
|
|