|
مخاطر تغيير الموضوع! /فيصل الدابي المحامي
|
لا شك أن تحديد أي موضوع وحصر نقاط النزاع الكامنة فيه يشكل نصف الحل للمشكلة المطروحة والملاحظ أن أي محكمة مختصة تطالب الخصمين في بداية الإجراءات بتحديد موضوع الدعوى عبر تحديد نقاط النزاع وتحديد الطلبات ولا تسمح لهما بتغيير الموضوع إذا شرعت في سماع الدعوى ولا شك أن ذلك الاجراء يعجل بحل القضية بسرعة ، ولنفس السبب لا تقبل محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا أي مواضيع أو طلبات جديدة لم يتم طرحها عند بداية الإجراءات أمام محكمة الموضوع ، والحكمة من ذلك واضحة وهي أن هناك عدة مخاطر كبيرة تكمن في تغيير الموضوع منها أن السماح بتغيير الموضوع يفتح باباً للمماطلة علماً بأن المماطلة في رد الحقوق إلى أصحابها محظورة قانوناً ومحرمة شرعاً لأنها تشكل في حد ذاتها ظلماً جديداً بخلاف الظلم الأصلى الذي تهدف الدعوى إلى رفعه! المؤكد أن مواجهة الموضوع تتطلب شجاعة فكرية وثقة بالنفس وقدر كبير من الصراحة والوضوح، قد يقول قائل إن تغيير الموضوع قد يكون مطلوباً أحياناً لتفادي الحرج لكن هذا القول مردود عليه بأن تغيير الموضوع ينم عن الجبن الفكري والعجز عن المواجهة العملية وهو لا ينجح إلا في نقل المشاكل أو الأسئلة المطروحة من خانة ظاهرة إلى أخرى خفية دون تقديم أي حلول عملية أو إجابات مقنعة لتلك المشاكل أو الاسئلة المثيرة للجدل! هناك أمثلة عملية ، وظيفية وسياسية لمخاطر تغيير الموضوع ، فقد تطرح موضوع سداد الدين على شخص استدان منك مبلغاً مالياً نظراً لاحتياجك للمبلغ فيتهرب منك ويطرح عليك موضوعاً آخر ، فتخرج منه صفر اليدين ولا تتذكر استرداد الدين إلا بعد وصولك إلى منزلك وتعاني فيما بعد من جراء عدم استرداد مالك وتندم على مساعدة الآخرين! وقد يطرح موظف مجتهد موضوع الحصول على ترقية وزيادة راتب على مديره فيتجاهل الموضوع باستمرار ويطرح عليه مواضيع أخرى بقصد الإلهاء ومن ثم يتفاقم الغبن الوظيفي ويؤدي إلى استقالة الموظف! وقد تطرح المعارضة موضوع حماية الحريات العامة في دولة تحكمها حكومة استبدادية فتتجاهل الحكومة ذلك وتتحدث باستمرار عن موضوع حماية أمن البلاد وهي تقصد حماية أمنها هي فتندلع ضدها ثورة شعبية عارمة تطيح بها في نهاية المطاف! أخيراً نختتم هذا الموضوع بإيراد موضوع ذلك الطالب الذي كان مطالباً بأداء امتحان مادة التاريخ ، فقد حفظ ذلك الطالب الأسباب الداخلية لغزو بلد ما وتجاهل الأسباب الخارجية لغزو ذات البلد وعندما دخل الامتحان فؤجيء بأن الامتحان يتضمن سؤالاً حول الأسباب الخارجية لغزو البلد المعني والتي لا يعرف عنها شيئاً فقام الطالب بتغيير الموضوع وكتب على ورقة الاجابة ما يلي: (دعك من الأسباب الخارجية فهي معروفة للجميع وهاك الأسباب الداخلية)! ثم راح يستعرض الأسباب الداخلية بالتفصيل الممل!! لقد أثار ذلك الطالب ضحك كل المصححين لكنه رسب في امتحان التاريخ في نهاية المطاف ولم يكسب أي شيء من تغيير الموضوع، فهلا ارتدع الجميع عن ممارسة لعبة تغيير الموضوع سواء أكانت خفيفة الظل أم ثقيلة الدم؟! فيصل الدابي/المحامي
|
|
|
|
|
|