|
كيف يُمكن حل هذه القضية؟! / فيصل الدابي/المحامي
|
من المعروف لدى أي محكمة قضائية أو هيئة تحكيمية أو لجنة تسوية محلية أو دولية أن الطريقة الوحيدة لحل أي قضية قانونية أو سياسية بشكل عادل وبطريقة محايدة ونزيهة تتلخص في تحديد نقطة النزاع الأساسية بين الفريقين المختصمين، لنأخذ القضايا الجنائية كمثال، إذا كانت هناك قضية قتل، فإن نقطة النزاع الأساسية يتم تحديدها في شكل سؤال مركزي هو : هل قتل المتهم المجنى عليه أم لا؟ ويترتب على تحديد نقطة النزاع الجنائية تكليف ممثل الاتهام بإثبات الجريمة دون أي شك معقول عبر اتباع معيار البتّ والقطع والجزم واليقين الذي يُشكل صلب الإثبات الجنائي وإلا تم تفسير أي شك لصالح المتهم وتم إعلان برائته وكسب ممثل الدفاع القضية ، لنأخذ القضايا المدنية كمثال آخر ، فعند نشوب نزاع مدني حول الاخلال بعقد ما ، يتم تحديد نقطة النزاع الأساسية في بداية القضية في شكل سؤال جوهري هو: هل أخل المدعى عليه بالعقد محل النزاع أما لا؟ ويترتب على تحديد نقطة النزاع المدنية تكليف المدعي بإثبات الاخلال بالعقد ببينة راجحة عبر اتباع معيار أرجحية البينات الذي يُشكل صلب الإثبات المدني وإلا تم شطب القضية في مواجهة المدعى عليه واتاحة الفرصه أمامه لرفع دعوى تعويض ضد المدعي على أساس إشانة السمعة إذا رغب في ذلك! أما إذا كانت الجهة التي تم الاحتكام إليها لا تؤمن بالعدالة ولا ترغب في تحقيقها وترغب فقط في إرضاء الطرفين فإنها لن تكترث بتحديد نقاط النزاع ولن تراعي مسألة عبّ الاثبات أو وزن البينات ولعل أشهر مثال في التراث العربي القديم على ذلك هو ذلك الحكم الذي أصدرته محكمة أبا الحسل ويُمكن تلخيصه كالآتي: احتكم الأرنب والثعلب إلى الضب في قضية ثمرة التقطها الأرنب فاختلسها الثعلب وأكلها فانطلقا يختصمان إلى الضب فقالت الأرنب: يا أبا الحسل ( كُنية الضب) فقال الضب: سميعاً دعوت، فقالت: أتيناك لنختصم إليك، قال: عادلاً حكمتما، قالت: فاخرج إلينا، قال: في بيته يُؤتي الحكم، قالت: إني وجدت ثمرة، قال: حلوة فكليها، قالت: فاختلسها الثعلب، قال: لنفسه بغى الخير، قالت: فلطمته، قال: بحقك أخذت، قالت: فلطمني، قال: حر انتصر، قالت: فاقض بيننا، قال: قد قضيت!! من المؤكد أن نقطة النزاع الاساسية في مؤتمر جنيف 2 الذي يُعقد الآن لحل القضية السورية هي: هل قتلت المعالجات الأمنية المسلحة التي انتهجها النظام السوري أكثر من 130 ألف سوري ودمرت الكثير من المدن السورية وشردت ملايين السوريين أم لا؟ الإجابة هي بالاثبات وليس بالنفي والعالم كله شاهد الأدلة القاطعة التي تثبت قيام نظام الاسد بارتكاب جرائم مروعة ضد الانسانية ، ولهذا فإنه لا يجوز السماح للنظام السوري باختراع نقاط نزاع جانبية مثل مكافحة الجماعات الارهابية المتطرفة فالتطرف (إن وُجد) هو نتيجة مباشرة للمعالجات الأمنية القاسية والتقاعس الدولي في حل القضية السورية وليس سابقاً لهما، وغني عن القول إن التسوية السلمية العادلة للقضية السورية الدامية تقتضي توصل النظام والمعارضة السورية لحل وسط عادل مفاده تنحي الأسد وكل أركان حكمه المتورطين في قتل الشعب السوري وتأسيس حكومة انتقالية من الطرفين ، أما أقرب طريق لإفشال مؤتمر جنيف 2 وتقسيم سوريا فيمر عبر إصدار حكم استهتاري كحكم أبا الحسل يقضي بمكافأة الأسد وإبقائه حاكماً على نصف سوريا على أساس أنه حر وانتصر وإبقاء المعارضة حاكمة على نصفها الآخر على أساس أنها أخذت حقها!!!
فيصل الدابي/المحامي
|
|
|
|
|
|