|
عندما تصرخ العنصرية الصامتة! بقلم فيصل الدابي/المحامي
|
يمكننا تعريف العنصرية بأنها اعتقاد أو سلوك جائر لدى جماعة ما يجعلها تعتبر نفسها أفضل من حيث العرق أو الجنس أو الثروة أو السلطة من جماعة أخرى ، وللعنصرية عدة أشكال ، فمثلاً هناك العنصرية اللونية التي يمارسها البيض ضد السود ، العنصرية الدينية التي يمارسها أصحاب دين معين ضد أصحاب دين آخر ، العنصرية المذهبية التي يمارسها أهل مذهب ما ضد أهل مذهب آخر ينتمون لذات الدين ، العنصرية الثقافية التي يمارسها أهل ثقافة معينة ضد أهل ثقافة أخرى والعنصرية الاجتماعية التي تمارسها جماعة معينة ضد جماعة أخرى، ولعل أفظع عنصرية اجتماعية في التاريخ البشري هي عنصرية الجنس الآري التي أوهمت بعض العنصريين الألمان بأن كل الشعوب الأوربية مجرد عبيد للجنس الآري المتفوق عرقياً وقد أدت هذه العنصرية المدمرة إلى إشعال أكبر حربين عالميتين في التاريخ البشري ومقتل ملايين البشر من كل الأديان والأجناس والألوان! أما من حيث التأثير ، فيمكننا تقسيم العنصرية إلى عنصرية صامتة وعنصرية صارخة، العنصرية الصامتة هي عنصرية خفية لا يتم الاعلان عنها بشكل صريح وهي تسود في أغلب الأحيان ولا يُمكن محاربتها بسهولة لأنها تتخفى في دواخل النفوس ، وتتجلى مظاهرها الامتناعية في عدم عقد الزيجات والصداقات بين العنصريين والمتنعصر ضدهم بينما تتجلى مظاهرها المستحدثة في قيام العنصريين بمنع نشر ثقافات المتعنصر ضدهم، أما العنصرية الصارخة، وهي جريمة مكتملة الأركان، فتتجلى في القول اللفظي والسلوك العملي العنصري العلني الذي يستهدف المتعنصر ضدهم بشكل مباشر! من المؤكد أن المظاهرات الضخمة التي اجتاحت عدة مدن في الولايات المتحدة الأمريكية، التي يحكمها رئيس أسود ، بسبب مقتل عدد من السود في فترة وجيزة على يد رجال شرطة بيض وتبرئة رجال الشرطة البيض من قبل القضاء هي أحدث مثال للعنصرية الصارخة حيث تم استخدام أسلحة مميتة في عمليات توقيف عادية، وقد تم تسليط أضواء الاعلام العالمي عليها بشكل مكثف إلى درجة أن الأمين العام للامم المتحدة قد طالب الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات عملية لوقف التمييز العنصري الصارخ ضد السود، ولعل أكبر المفارقات العنصرية الصارخة وغير المفهومة والتي يتجاهلها الاعلام العالمي باستمرار هي عنصرية صراع البيضان والزرقة في دارفور السودانية ، فالأسود الفاتح والاسود الغامق في دارفور يتعاركان لونياً رغم انتمائهما للاسلام وكلاهما في نظر غلاة العنصريين البيض في أمريكا من الجنس الأسود الذي يستحق أن تمارس ضده كل أنواع التمييز العنصري! من المؤكد أن المعركة ضد العنصرية في المجتمعات البشرية لن تنتهي بسهولة فرغم أن كل الدول المعاصرة تمتلك دساتير تدعو للمساواة بين مواطنيها ورغم أن نصوص الأديان السماوية تدعو للمساواة وعدم التفرقة بين الناس على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو الوضع الاجتماعي إلا أن الواقع يؤكد وجود العنصرية الصامتة بكثرة في شكل كامن وغير مؤذ ظاهرياً في أغلب الأحوال لكنها قد تتحول في أي لحظة إلى عنصرية صارخة تنطوي على مخاطر مميتة بسبب انتشار ثقافة الكراهية، ثقافة عدم تقبل الآخر ، ثقافة العنف ، ثقافة حمل السلاح وثقافة أخذ القانون باليد، وغني عن القول إن إيماننا الديني وواجبنا الانساني يحتمان علينا أن نرفض كل أشكال العنصرية ليس بالأقوال المرسلة فحسب بل بالأفعال الايجابية التي تغير النفوس والأوضاع ولو ببطء ، فلئن نوقد شمعة واحدة في ظلام العنصرية أفضل ألف مرة من أن نلعنها علناً ثم نمارسها في السر والخفاء! فيصل الدابي/المحامي
|
|
|
|
|
|